الْأَحَادِيْثُ الْطِّوَالُ حَدِيْثُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ 2024.


14/6/1431
الْحَمْدُ لله الْرَّحِيْمِ الْجَوَادِ، الْعَزِيْزِ الْوَهَّابِ؛ غَمَرَتْ نِعَمُهُ عِبَادَهُ فَهُمْ فِيْهَا يَتَقَلَّبُونَ، وَمِنْ رِزْقِهِ يَأْكُلُوْنَ وَيَلْبَسُوْنَ وَيَرْكَبُوْنَ [وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ] {إبراهيم:34} نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِيْ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ؛ وَعْدُ الْمُؤْمِنِيْنَ نَعِيْمَاً مُقِيْمَاً، وَمُلْكَاً كَبِيْرَاً، وَدَارَاً فِيْهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَىَ قَلْبِ بَشَرٍ [فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {السجدة:17} وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ؛ نَصَحَ لِأُمَّتِهِ فِيْ الْدُّنْيَا فَبَشَّرَهَا وَأَنَذَرَهَا، وَاخْتَبَأَ دَعْوَتَهُ الْمُسْتَجَابَةَ شَفَاعَةً لَهَا، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ كُلُّ الْنَّاسِ يَقُوْلُوْنَ: نَفْسِيْ نَفْسِيْ، وَهُوَ ^ يَقُوْلُ أُمَّتِيْ أُمَّتِيْ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الْدِّيِنِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَىْ وَأَطِيْعُوْهُ، وَاعْمَلُوْا لِآخِرَتِكُمْ مِنْ الْصَّالِحَاتِ مَا يَكُوْنُ نَجَاةً لَكُمْ، وَرِفْعَةً لِدَرَجَاتِكُمْ؛ فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطَّلَعِ شَدِيْدٌ، وَإِنَّ خَسَارَةَ الْآَخِرَةِ لَا يَعْدِلُهَا خَسَارَةً [قُلْ إِنَّ الخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ] {الزُّمر:15}.

أَيُّهَا الْنَّاسُ: مِنْ مَحَبَّةِ الْنَّبِيِّ ^ لِأُمَّتِهِ، وَشَفَقَتِهِ مِنْ عَذَابِهَا، وَحِرْصِهِ عَلَى نَجَاتِهَا وَفَوْزِهَا كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ يَومِ الْقِيَامَةِ وَأَوْصَافِهِ وَمَا يَقَعُ فِيْهِ؛ تَذْكِيْرَاً لِّلْعِبَادِ بِهِ، وَتَرْغِيْبَاً لِمَا يَقَعُ فِيْهِ مِنَ الْفَوْزِ الْعَظِيْمِ، وَتَرْهِيبَاً مِمَّا فِيْهِ مِنَ الْأَهْوَالِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ؛ لِيَأْخُذَ الْنَّاسُ بِأَسْبَابِ الْفَوْزِ وَالْنَّجَاةِ، وَيَجْتَنِبُوْا أَسْبَابَ الْخَسَارَةِ وَالْعَذَابِ، وَكَانَ ^ أَحْيَانَاً يُطِيْلُ عَلَيْهِمُ الْحَدِيْثَ فِيْ وَصْفِ الْقِيَامَةِ وَمَا فِيْهَا حَتَّى قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :«قام فِينَا النبيُ ^ مَقَامًا فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ من نَسِيَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَهَذَا حَدِيْثٌ مِنَ الْأَحَادِيْثِ الْطِّوَالِ الَّتِيْ حَفِظَهَا الْصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَبَلَّغُوهَا لَنَا، أْسَوْقُهُ لَكُمْ بِرِوَايَةِ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَ زِيَادَاتٍ كَاشِفَةٍ لِلْمَعْنَى عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِيْنَ.

رَوَى أبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا:«يَا رَسُولَ الله، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله ^: هَلْ تُضَارُّونَ في الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ الله، قَالَ: فَهَلْ تُضَارُّونَ في الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ الله، قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وفي رواية: إِنَّ اللهَ يَجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيُنْفِذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ منهم) فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئَاً فَلْيَتْبَعْهُ فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيْهَا مُنَافِقُوهَا (وفي حديث أبي سعيد:حتى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الله من بَرٍّ أو فَاجِرٍ وَغُبَّرَاتٌ من أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قالوا: كنا نَعْبُدُ عُزَيْرَ بَنَ الله، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لم يَكُنْ لله صَاحِبَةٌ ولا وَلَدٌ فما تُرِيدُونَ؟ قالوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ في جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كنا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ بَنَ الله، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لم يَكُنْ لله صَاحِبَةٌ ولا وَلَدٌ فما تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ في جَهَنَّمَ حتى يَبْقَى من كان يَعْبُدُ الله من بَرٍّ أو فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لهم ما يَحْبِسُكُمْ وقد ذَهَبَ الناس؟ فَيَقُولُونَ فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إليه الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا) فَيَأْتِيهِمْ الله فيقول: أنا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: هذا مَكَانُنَا حتى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فإذا جَاءَنَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمْ الله في صُورَتِهِ التي يَعْرِفُونَ فيقول أنا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أنت رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ(وفي حديث أبي سعيد:فلا يُكَلِّمُهُ إلا الْأَنْبِيَاءُ فيقول: هل بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ فَيَكْشِفُ عن سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ له كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى من كان يَسْجُدُ لله رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا) (وَفِيْ رِوَايَةٍ: فَيَقُوْلُ اللهُ تَعَالَىْ لَهُمْ: ارْفَعُوَا رُؤُوْسَكُمْ إِلَىَ نُوَرِكُمْ بِقَدْرِ أَعْمَالِكُمْ، فَيَرْفَعُ الْرَّجُلُ رَأْسَهُ وَنُوْرُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ الْجَبَلِ، وَيَرْفَعُ الْرَّجُلُ رَأْسَهُ وَنُوْرُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ الْقَصْرِ، وَيَرْفَعُ الْرَّجُلُ رَأْسَهُ وَنُوْرُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ الْبَيْتِ، حَتَّىَ ذَكَرَ مِثْلَ الْشَّجَرَةِ) (وَفِيْ رِوَايَةٍ لِابْنِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى دُوْنَ ذَلِكَ بِيَمِيْنِهِ حَتَّىَ يَكُوْنَ آَخِرُ ذَلِكَ مِنْ يُعْطَى نُوْرَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِيَءُ مَرَّةً وَيُطْفِئُ مَرَّةً فَإِذَا أَضَاءَ قَدَّمَهُ وَإِذَا طُفِئَ قَامَ) وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بين ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أنا وَأُمَّتِي أَوَّلَ من يُجِيزُهَا(وَفِيْ رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:حَتَّى يَكُوْنَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ آَخِرَ الْأُمَمِ مَرْكَزَاً، قَالَ: فَيَقُوْمُ فَيَتْبَعُهُ أُمَّتُهُ بَرُّهَا وَفَاجِرُهَا ثُمَّ يُوْضَعُ جِسْرُ جَهَنَّمَ فَيَأْخُذُوْنَ الْجِسْرَ فَيَطْمِسُ اللهُ أَبْصَارَ أَعْدَائِهِ فَيَتَهَافَتُونَ فِيْهَا مِنْ شِمَالٍ وَيَمِيْنٍ وَيَنْجُو الْنَّبِيُّ ^ وَالْصَّالِحُوْنَ مَعَهُ فَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ فْتُرِيْهِمْ مَنَازِلَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) ولا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إلَّا الرُّسُلُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللهم سَلِّمْ سَلِّمْ، وفي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هل رَأَيْتُمْ السَّعْدَانَ؟ قالوا: نعم يا رَسُولَ الله، قال: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غيرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ما قَدْرُ عِظَمِهَا إلا الله، تَخْطَفُ الناس بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ المؤمنُ يَبقَى بِعَمَلِهِ، أو الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، أو الْمُوثَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ أو الْمُجَازَى أو نَحْوُهُ، ثُمَّ يَتَجَلَّى حتى إذا فَرَغَ الله من الْقَضَاءِ بين الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ من أَرَادَ من أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا من النَّارِ من كان لَا يُشْرِكُ بِالله شَيْئَاً مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ في النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ تَأْكُلُ النَّارُ ابنَ آدَمَ إلا أَثَرَ السُّجُودِ حَرَّمَ اللهُ على النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ (وَفِيْ حَدِيْثِ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِوٍ: يَدْخُلُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ الْنَّارَ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللهُ بِمَا عَصَوُا اللهَ وَاجْتَرَؤُوا عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَخَالَفُوُا طَاعَتَهُ فَيُؤْذَنُ لِيَ فِيْ الْشَّفَاعَةِ فَأُثْنِى عَلَى الله سَاجِدَاً كَمَا أُثْنِي عَلَيْهِ قَائِمَاً فَيُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ) (وَفِيْ حَدِيْثِ أَنَسٍ: وَفَرَغَ اللهُ مِنْ حِسَابِ الْنَّاسِ وَأَدْخَلَ مَنْ بَقِىَ مِنْ أُمَّتِيْ الْنَّارَ مَعَ أَهْلِ الْنَّارِ فَيَقُوْلُ أَهْلُ الْنَّارِ: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْبُدُوْنَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا تُشْرِكُوْنَ بِهِ شَيْئاً، فَيَقُوْلُ الْجَبَّارُ عَزَّ وَجَلَّ: فَبِعِزَّتِي لَأَعْتِقَنَّهُمْ مِنَ الْنَّارِ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ) فَيَخْرُجُونَ من النَّارِ قد امْتُحِشُوا (أيْ: احْتَرَقُوا) فَيُصَبُّ عليهم مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ تَحْتَهُ كما تَنْبُتُ الْحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ (وَفِيْ حَدِيْثِ أَبِيْ مُوْسَىْ: فَيَقُوْلُ الْكُفَّارُ: يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِيْنَ فَنَخْرُجُ كَمَا أُخْرِجُوْا، قَالَ وَقَرَأَ رَسُوْلُ الله ^ [رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ] {الحجر:2}) ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَينَ الْعِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ على النَّارِ هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، اصْرِفْ وَجْهِي عن النَّارِ فإنه قد قَشَبَنِي رِيحُهَا (أَيْ: سَمَّنِي وَآْذَانِي وَأَهْلَكَنِي) وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَيَدْعُو الله بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ، ثُمَّ يقولُ اللهُ: هَلْ عَسَيْتَ إنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ فيقولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ ما شَاءَ، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فإذا أَقْبَلَ على الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ ما شَاءَ الله أن يَسْكُتَ ثُمَّ يقول: أَيْ رَبِّ قَدِّمْنِي إلى بَابِ الْجَنَّةِ، فيقول الله له: أَلَسْتَ قد أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غيرَ الذي أُعْطِيتَ أَبَدًا، وَيْلَكَ يا ابنَ آدَمَ، ما أَغْدَرَكَ! فيقول: أَيْ رَبِّ، وَيَدْعُو الله حتى يَقُولَ: هل عَسَيْتَ إن أُعْطِيتَ ذلك أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فيقول: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي ما شَاءَ من عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إلى بَابِ الْجَنَّةِ، فإذا قامَ إلى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ له الْجَنَّةُ فَرَأَى ما فيها مِنَ الْحَبْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ ما شَاءَ الله أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يقولُ: أَيْ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فيقول اللهُ: أَلَسْتَ قد أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيرَ مَا أُعْطِيتَ؟ فيقولُ: وَيْلَكَ يا بنَ آدَمَ ما أَغْدَرَكَ! فيقولُ: أَيْ رَبِّ لَا أَكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِكَ، فلا يَزَالُ يَدْعُو حتى يَضْحَكَ اللهُ منه، فإذا ضَحِكَ منه قالَ له: ادْخُلْ الْجَنَّةَ، فإذا دَخَلَهَا قال الله له: تَمَنَّهْ، فَسَأَلَ رَبَّهُ وَتَمَنَّى حتى إِنَّ الله لَيُذَكِّرُهُ يقولُ كَذَا وَكَذَا حتى انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ، قال الله: ذلكَ لكَ وَمِثْلُهُ معه(وفي رواية: فَيَسْأَلُ وَيَتَمَنَّى مِقْدَارَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ من أَيَّامِ الدُّنْيَا، فيقولُ الله تعالى: ابنَ آدَمَ لكَ ما سَأَلْتَ، قال أبو سَعِيدٍ الخدري: وَمِثْلُهُ معه، قال أبو هُرَيْرَةَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ معه) قال أبو هُرَيْرَةَ فَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ»رواه البخاري ومسلم.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَنَا بِرَحْمَتِهِ، وَأَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا بِعَفْوِهِ، وَأَنْ يُنْجِينا مِنْ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ بِعَفْوِهِ، وَأَنْ يَرْفَعَ دَرَجَاتِنَا فِيْ الْجَنَّةِ، وَوَالِدِيْنَا وَأَهْلِنَا وآلِنَا، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا جَمِيْعَاً لِلْعَمَلِ الَّذِي يَرْضَاهُ عَنَّا، إِنَّهُ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ.
أَعُوْذُ بِالله مِنَ الْشَّيْطَانِ الْرَّجِيْمِ: [وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا] {الإنسان:20}.
أَقُوْلَ مَا تَسْمَعُوْنَ وَأَسْتَغْفِرُ الله…

الْخُطْبَةُ الْثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لله حَمْدَاً طَيِّبَاً كَثِيْرَاً مُبَارَكَاً فِيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَىَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسْولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ اهْتَدَىَ بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الْدِّيِنِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ، وَاعْمَلُوْا لِآخِرَتِكُمْ فَإِنَّكُمْ قَادِمُوْنَ عَلَيْهَا لَا مَحَالَةَ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ] {الحشر:18-20}.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُوْنَ: فِيْ حَدِيْثِ الْقِيَامَةِ الْمَذْكُوْرِ آَنِفَاً عِلْمٌ غَزِيْرٌ، وَمَعَانِي عَظِيْمَةٌ، وَفَوَائِدُ جَلِيْلَةٌ، لَوْ أَمْضَى الْنَّاسُ أَعْمَارَهُمْ كُلَّهَا فِيْ تَأَمُّلِهَا لَمَّا أَتَوْا عَلَى جَمِيْعِهَا، فَسُبْحَانَ العَلِيمِ الحَكِيمِ.

فِيْ حَدِيْثِ الْقِيَامَةِ بَيَانُ قُدْرَةِ الله تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ فِيْ خَلْقِ الْخَلْقِ وَابْتِلَائِهِمْ بِدِينِهِ، إِذْ قَسَمَ حَيَاتَهُمْ عَلَى دَارَيْنِ:
دَارِ الْدُّنْيَا وَدَارِ الْآَخِرَةِ، وَجَعَلَهُمْ فِي الْدُّنْيَا فَرِيْقَيْنِ [فَرِيْقَاً هَدَى وَفَرِيْقَاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ] {الْأَعْرَافِ:30} وَبَوَّأَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ مُنْزِلِيْنَ
[فَرِيْقٌ فِيْ الْجَنَّةِ وَفَرِيْقٌ فِيْ الْسَّعِيرِ] {الْشُّوْرَىْ:7}.

وَمَا فِي الْقِيَامَةِ مِنْ أَحْدَاثٍ وَأَهْوَالٍ وَأَحْوَالٍ يَنْتَقِلُ الْعِبَادِ فِيْهَا مِنْ طُورٍ إِلَى طَوْرٍ، لَممَّا يَبْعَثُ الرَهبَةَ في النُفُوسِ، ويَمَلأُ القُلوبَ إِجْلَالَاً لله تعالى وَتَعظِيمَاً؛ فَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيْمِ الْبَعْثُ وَالْنُّشُورُ، وَتَبْدِيلُ الْأَرْضِ، وَانْفِطَارُ الْسَّمَاءِ، وَتُغَيُّرُ أَحْوَالِ الْعَالَمِ، وَجَمْعُ الْأَوَّلِيْنَ وَالْآخِرِيْنَ، وَوُقُوْفُ الْنَّاسِ لِلْحِسَابِ، وَشِدَّةُ الْزِّحَامِ، وَدُنوُّ الْشَّمْسِ مِنَ الرُؤُوسِ، وغَزارِةُ العَرَقِ، وَوَضْعُ الْمَوَازِيْنَ، وَعَرْضُ الْدَّوَاوِيْنِ، وَنَصْبُ الْصِّرَاطِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَمُرُوْرُ الْعِبَادِ عَلَيْهِ، وَوِرُودُ الْمُؤْمِنِيْنَ عَلَى الْحَوْضِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ..
أَحْدَاثٌ وَأَهْوَالٌ وَعَظَائِمُ لَا طَاقَةَ لِلْعَقْلِ بِتَصَوُّرِهَا إِلَى أَنْ يَدْخُلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَيَدْخُلَ أَهْلُ الْنَّارِ الْنَّارَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَحْدُثُ [فِيْ يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِيْنَ أَلْفَ سَنَةٍ] {الْمَعَارِجِ:4}.

فَمَا أَعْظَمَ قُدْرَةَ اللهَ تَعَالَى! وَمَا أَكْثَرَ خَلْقَهُ! وَمَا أَعْجَبَ تَدبِيرَهُ وَتَقْدِيرَهُ! [إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيْمُ] {الْحَجَرَ:86}.
وَفِي حَدِيْثِ الْقِيَامَةِ الْطَّوِيْلِ تَكْرِيْمُ الْرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا لِبَنِيْ آَدَمَ؛ إِذْ شَرَّفَهُمْ بِّعُبُوْدِيَّتِهِ، وَحَمَّلَهُمْ أَمَانَتَهُ، وَخَلَقَ لَهُمُ الْدُّنْيَا، وَسَخَّرَ لَهُمْ مَا فِيْهَا؛ لِيُحَقِّقُوْا عُبُوْدِيَّتَهُمْ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَجَعَلَ الْآَخِرَةَ جُزْءَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْبَشَرِ أَنْ يَعْرِفُوْا مَقَامَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، فَيَتَسَامُوا بِعِبَودِيَّتِهِمْ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَتَطامَنُوا لِدَرَكِ الْبَهَائِمِ بِاتِّبَاعِ أَهوَائهِمْ، والانقِيَادَ للْمُتَعِ الْزَّائِلَةِ، وَالشَّهَوَاتِ الْحَيَوَانِيَّةِ [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيَّ آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِيْ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الْطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىَ كَثِيْرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيْلاً] {الْإِسْرَاءِ:70}.

وَفِي هَذَا الْحَدِيْثِ بَيَانُ ثَمَرَةِ الْإِيْمَانِ وَالْطَّاعَاتِ، وَأَنَّ ذَلِكَ سَبِيْلُ الْنَّجَاةِ، كَمَا أَنَّ الْكُفْرَ وَالْمَعَاصِي سَبَبٌ لِلْعَذَابِ؛ فَمَنْ أَيْقَنَ بِذَلِكَ أَعَدَّ لِلْمَعَادِ عُدَّتَهُ، وَحَافَظَ عَلَى مَا يُسْعِدُهُ، وَجَانَبَ مَا يُوْبِقُهُ، وَسَأَلَ اللهَ تَعَالَى الثَّبَاتَ عَلَى الْحَقِّ؛ لِأَنَّ مَصِيْرَهُ الْأَبَدِيَّ مُرْتَهَنٌ بِذَلِكَ، وَعَجِبَ مِنَ أَكْثَرِ الْنَّاسِ حِيْنَ يَحْرِصُوْنَ عَلَى الْمَصِيْرِ الْدُّنْيَوِيِّ، وَلَا يَحْفَلُونَ بِالْمَصِيْرِ الْأَبَدِيِّ الْأُخْرَوِيِّ!! [كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ] {المدَّثر:38} .

وَفِي هَذَا الْحَدِيْثِ سَعَةُ خَزَائِنِ الله تَعَالَى، وَعَظِيْمُ مُلْكِهِ الَّذِيْ لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَدُّ، وَرَحْمَتُهُ سُبْحَانَهُ بِالْمُؤْمِنِيْنَ، وُجُوْدُهُ مَعَهُمْ، وَإِغْدَاقُهُ عَلَيْهِمْ.. يُظْهِرُ ذَلِكَ جَلِيَّاً فِيْ الْعَطَايَا الَّتِي أَغْدَقَهَا عَلَى آَخَرِ الْنَّاسِ دُخُوْلَاً الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَلِمَ بِقِصَّتِهِ عَجِبَ مِنْ كَرَمِ الله تَعَالَىْ مَعَهُ، وَرَحْمَتَهُ بِهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ النَعِيمُ كُلُّهُ لِآخَرِ الْنَّاسِ دُخُوْلَاً الْجَنَّةَ، فَكَيْفَ بِمَنَازِلِ الْسَّابِقِيْنَ الْمُقَرَّبِيْنَ، وَكَيْفَ بِأَهْلِ الفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى؟ وَكَيْفَ بِالَّذِينَ[أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِّنَ الْنَّبِيِّيْنَ وَالْصِّدِّيقِيَنَّ وَالْشُّهَدَاءِ وَالْصَّالِحِيْنَ] {الْنِّسَاءِ:69}؟!

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَىْ أَنْ لَا يَحْرِمَنَا فَضْلَهُ، وَأَنْ يُعْلِيَ مَنَازِلَنَا فِيْ الْجَنَّةِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا وَمَنْ نُحِبُّ مِنَ الْسَّابِقِيْنَ الْمُقَرَّبِيْنَ، وَمِنْ أَهْلِ الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى مِنَ الْجَنَّةِ، آَمِيْنَ آَمِيْنَ آَمِيْنَ.
وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى نَبِيِّكُمْ..

إبراهيم بن محمد الحقيل

14/6/1431

يسلموووووووووووووووو
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا لمرورك على موضوعي وهذا شرف لي ووسام على صدري

بارك الله فيك وجزاك كل خير

وفقكم الله لكل مايحب ويرضى

جزاك الله كل خير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وفقكم الله لكل مايحب ويرضى

بارك الله فيك وجزاك كل خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Scroll to Top