حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم 2024.

*الخطبة اﻷ‌ولى
أما بعدُ عبادَ الله..
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: ﴿*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ*﴾ [آل عمران: 102].
*
معاشر المؤمنين:*لقد أثنى الله على عباده المتقين في آيات كثيرة من كتابه الكريم، وبين في آيات أخرى*صفاتِ المتقين
، وكانت أولُ صفةٍ وصفَ الله بها المتقين في كتابه، إيمانهم بالغيب فقال جل وعﻼ‌: ﴿*الم***ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ**الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ*﴾ [البقرة: 1، 3]، ومن تمعن في أركان اﻹ‌يمان الستة؛ سيجد أن معظمَها قائم على اﻹ‌يمان بالغيب، وعندما يضعف اﻹ‌يمان عند الناس أول ما ينكرون اﻷ‌مور الغيبية.
*
ومن اﻷ‌مور الغيبية التي يجب اﻹ‌يمان بها، الحوض الذي أكرم الله عز وجل به نبينا – صلى الله عليه وسلم -؛ ليرد إليه أتباعه ومن سار على دينه ومنهجه؛ فالناس إذا بُعثوا من قبورهم مغبرّةً رؤوسهم، حافيةً أقدامهم، عاريةً أجسادهم ، وحُشروا إلى الموقف، ستكون الشمس قريبةً من رؤوسهم بقدر ميل، فيصيبهم من العطش ما يصيبهم، فما أحوجهم في ذلك الموقف إلى شربةِ ماءٍ يُروون بها ظمأهَم، فيطمعون في ورود أحواض أنبيائهم – عليهم السﻼ‌م -.
*
فقد جعل الله لكل نبي حوضا يرد إليه أتباعه،*وحوض نبينا – صلى الله عليه وسلم –
*أعظمها وأحﻼ‌ها وأكثرها واردا، يقول – صلى الله عليه وسلم -: ((إن لكل نبي حوضاً، ،وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة)) الترمذي وصححه اﻷ‌لباني
*
وحوض نبينا – صلى الله عليه وسلم – يشخب فيه ميزابان من نهر الكوثر، نهر في الجنة أعطاه الله عز وجل للنبي – صلى الله عليه وسلم – قال تعالى:*﴿*إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ*﴾*وسُئِلَ*المصطفى – صلى الله عليه وسلم -*عَنْ الْكَوْثَرِ فَقَالَ: ((نَهَرٌ أَعْطَانِيهِ رَبِّي أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ وَفِيهِ طَيْرٌ كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ)) فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ تِلْكَ لَطَيْرٌ نَاعِمَةٌ فَقَالَ: ((أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا يَا عُمَرُ))، وقال:*((الكوثرُ نهرٌ في الجنةِ حافتاهُ من ذهبٍ، ومجْراهُ على الدرِّ والياقوتِ، تُربتُه أطيبُ من المسْكِ، وماؤه أحلى من العَسلِ وأبيضُ من الثلجِ))

ووصف – صلى الله عليه وسلم – هذا النهر فقال: ((بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ وَإِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ قَالَ قُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَضَرَبْتُ بِيَدِي فَإِذَا طِينُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ)).

عباد الله:
هذا الحوض ﻻ‌ يرده إﻻ‌ استمسك بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ أما من حاد عنها وجفاها وخالفها فإنه يُطرد عنه.
*
وقد أنكر بعض أهل البدع الحوض ومنهم العقﻼ‌نيين، الذين يُخضِعون نصوص الشريعة لعقولهم، وقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى جملة ممن خالفوا الوحي بآرائهم وعقولهم.
*
إنَّهُ حَوْضٌ عَظِيمٌ، وَمَوْرِدٌ كَرِيمٌ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الِاتِّسَاعِ، عَرْضُهُ وَطُولُهُ سَوَاءٌ، كلُّ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وصفه نبينا – صلى الله عليه وسلم – في أحاديث كثيرة منها:
قوله – صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ حَوْضِي أَبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ مِنْ عَدَنٍ لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ بِاللَّبَنِ وَﻵ‌نِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ وَإِنِّي ﻷ‌َصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَصُدُّ الرَّجُلُ إِبِلَ النَّاسِ عَنْ حَوْضِهِ)).مسلم
*
وفي رواية: ((إِنَّ حَوْضِي ﻷ‌َبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ مِنْ عَدَنٍ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي ﻷ‌َذُودُ عَنْهُ الرِّجَالَ كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ اﻹ‌ِبِلَ الْغَرِيبَةَ عَنْ حَوْضِهِ)).
*
وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((أَﻻ‌َ إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَإِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ كَأَنَّ اﻷ‌َبَارِيقَ فِيهِ النُّجُومُ)).وقال أيضا: ((حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنْ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَﻼ‌َ يَظْمَأُ أَبَدًا)). وقال: ((إِنَّ فِي حَوْضِي مِنْ الْأَبَارِيقِ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ)).
*
يرد إلى هذا الحوض أناس ويذاد عنه آخرون، قال عليه الصﻼ‌ة والسﻼ‌م: ((أولُ الناس وروداً عليه فقراء المهاجرين، الشُّعْثِ رُؤوساً، الدُّنْسِ ثياباً، الذين ﻻ‌ يَنْكِحُونَ المُتَنَعِّمَات، وﻻ‌ تُفْتَحُ لهم السُّدَدْ، الذين يُعْطُون الحقَّ الذي عليهم، وﻻ‌ يُعْطَونَ الذي لهم)).
*
ومن قوله – صلى الله عليه وسلم -:*((إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَىَّ مِنْكُمْ وَسَيُؤْخَذُ أُنَاسٌ دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ مِنِّى وَمِنْ أُمَّتِي. فَيُقَالُ أَمَا شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا بَعْدَكَ يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ)). قَالَ فَكَانَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ أَنْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا.

وفي اﻷ‌حاديث السابقة أنه – صلى الله عليه وسلم – قال: ((…وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي ﻷ‌َذُودُ عَنْهُ الرِّجَالَ كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ اﻹ‌ِبِلَ الْغَرِيبَةَ عَنْ حَوْضِهِ)).
*
ويقول عليه الصﻼ‌ة والسﻼ‌م: ((إِنِّي لَكُمْ فَرَطٌ عَلَى الْحَوْضِ فَإِيَّايَ ﻻ‌َ يَأْتِيَنَّ أَحَدُكُمْ فَيُذَبُّ عَنِّى كَمَا يُذَبُّ الْبَعِيرُ الضَّالُّ فَأَقُولُ فِيمَ هَذَا فَيُقَالُ إِنَّكَ ﻻ‌َ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ سُحْقًا)).
*
وقال عليه الصﻼ‌ة والسﻼ‌م: ((أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ وَرَدَ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا وَلَيَرِدَنَّ عَلَىَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ،*فَأَقُولُ إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ إِنَّكَ ﻻ‌َ تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي)).

عباد الله:
إنها صفات تسلب العقل، وتثير اﻹ‌يمان، وتجدد العهد مع الله، والمؤمن الصادق إذا سمع بهذه اﻷ‌حاديث عن حوض النبي – صلى الله عليه وسلم -، تشتاق نفسه إليه، وتعمل وسعها من أجل أن تشرب منه، شربة هنيئة من يد المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ﻻ‌ تظمأ بعدها أبدا.
*
أيها اﻷ‌حباب:
الحوض مأوى أهل اﻹ‌يمان قبل دخول الجنة. يُروى عنده الظمأى، ويَأمن عنده الخائفون، ويَسعد عنده المحزونون.
*
الحوض بداية فرح المؤمن في اﻵ‌خرة، ﻻ‌ يرده إﻻ‌ المؤمنون الصادقون، ومن ورده فقد نجى من هولٍ عظيم وكربٍ جسيم.
*
يقول العلماء: كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه بما ﻻ‌ يرضاه الله ولم يأذن به، فهو من المطرودين عن الحوض.
*
وقال ابن عبدالبر رحمه الله:
(كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج*والروافض*
وسائر أصحاب اﻷ‌هواء) وقال: (وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق المعلنون بالكبائر).
*
وقال القرطبي رحمه الله:
(إن أشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختﻼ‌ف فرقها، والروافض على تباين ضﻼ‌لها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤﻻ‌ء كلهم مبدّلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق وقتل أهله وإذﻻ‌لهم، والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ واﻷ‌هواء والبدع) انتهى.
*
فلنتنبه يا عباد الله، ولنحذر اﻹ‌صرار على المعاصي، والجور والظلم، وأكل أموال الناس، ولنبادر إلى الله بالتوبة، قبل فراق هذه الدنيا، وقبل أن نتمنى ورود الحوض في ذلك الموقف العظيم المهول، ذلك اليوم الذي يجعل الولدان شيباً، نتمنى الحوض فنطرد عنه والعياذ بالله بسبب ما عملت أيدينا، واقترفته جوارحنا.
*
اللهم يا رحمن يا رحيم نسألك أن تُشَفِّع فينا نبيك – صلى الله عليه وسلم -، وأن توردنا حوضه، ونفوز من يده الشريفة بشربة هنيئة مريئة؛ ﻻ‌ نظمأ بعدها أبدا يا ذا الجﻼ‌ل واﻹ‌كرام.
*
بارك الله لي ولكم. . .
*
الثانية
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله،*﴿*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا***يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا*﴾ [اﻷ‌حزاب: 70، 71].
*
أيها المسلمون:
إن الحوض موجود اﻵ‌ن لما روى البخاري في صحيحه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((وإني والله ﻷ‌نظر إلى حوضي اﻵ‌ن)).

وقد زار النبي – صلى الله عليه وسلم – البقيع فقال:*((السَّﻼ‌َمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ ﻻ‌َحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا)). قَالُوا أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: ((أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ)). فَقَالُوا كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَقَالَ: ((أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُﻼ‌ً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْريْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَﻻ‌َ يَعْرِفُ خَيْلَهُ)). قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: ((فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَﻻ‌َ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَﻻ‌َ هَلُمَّ. فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا)).

فأهل الوضوء والصﻼ‌ة يردون على حوض النبي – صلى الله عليه وسلم -، أما تاركوا الصﻼ‌ة فهم ﻻ‌ يتوضؤون، وبذلك فليسوا غراً محجلين، وعلى هذا فلن يردوا الحوض. فالمحافظة على الوضوء والصﻼ‌ة من المبشرات لورود حوض النبي – صلى الله عليه وسلم -.

عباد الله:
﴿*إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا*﴾ [اﻷ‌حزاب: 56].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.