أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَة
سنتعرف في السطور القليلة القادمة بعض الجوانب العلمية في آيتين من آيات سورة إبراهيم في القرآن الكريم لنعلم أن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء على كثرة الرد .
قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء))[1]
قال المفسرون :
كلمة طيبة : كلمة التوحيد والإسلام
تؤتي أكلها : تعطي ثمارها الذي يؤكل .
قال ابن قيم الجوذية رحمه الله في كتاب " الأمثال في القرآن الكريم : شبه الله سبحانه (وتعالى) الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع وهذا ظاهر قول جمهور المفسرين الذين يقولون الكلمة الطيبة هي شهادة أن" لا إله إلا الله " فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة .
وقال الربيع ابن أنس (كلمة طيبة هذا مثل الإيمان، والإيمان الشجرة الطيبة وأصلها الثابت الذي لا يزول الإخلاص فيه ، وفروعه في السماء خشية الله ، فإنه سبحانه وتعالى شبه شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفروع في السماء علوا التي لا تزال تؤتي ثمرها كل حين ) أ.هـ.
ونقول في الجوانب العلمية في الآيات السابقات وبالله التوفيق :
لقد ضرب الله سبحانه وتعالى المثل للكلمة الطبية بالشجرة الطيبة ذات الصفات العلمية التالية: أصلها ثابت ، وفرعها في السماء وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها .
ولكن لماذا اختار الله سبحانه وتعالى الشجرة من بين مخلوقاته الطيبة والتي لا تحصى ليضرب بها المثل للكلمة الطيبة والتي قال العلماء عنها كلمة لا إله إلا الله أو الإسلام .
ولماذا خص الله سبحانه وتعالى الصفات الثلاث السابقة في الآية ؟
اختار الله هذا المثل لأن الشجرة هي سيدة المملكة النباتية بلا منازع من الناحية العلمية الظاهرية والتشريحية والوظائفية والبيئة، فهي معمرة وتستطيع التغلب على التقلبات الجوية السنوية بما وهبها الله سبحانه وتعالى من خصائص ظاهرية وتشريحية ووظائفية ؟ وهي تقوم مع ذلك بأهم عملية حيوية على الأرض مثلها مثل باقي النباتات ،وهي عملية البناء الضوئي فتستغل الطاقة الشمسية وتثبت ثاني أكسيد الكربون في وجود الماء لتنتج المواد الأساسية لحياة الكائنات الحية .
وهذه الشجرة من النوع الطيب المثمر النافع ، وليست من النوع الخبيث عديم الفائدة الضار . ولهذه الشجرة أهم ثلاث صفات في الشجر الطيبة وهذا ما سنفصله فيما يلي :
هذه الشجرة أصلها ثابت :
فهي ذات مجموع جذري قوي ، متغلغل في الأرض ، حيث يمتص الماء والأملاح الذائبة ليواصلها إلى الساق ويثبت النبات ويحفظ الساق في وضع يمكن معه حمل مساحة ورقية كبيرة وهو مدعم للنبات لقدرته على الشد وقابليته للالتواء ومتشعب داخل التربة ويقوم بالادخار الغذائي.
وإذا درسنا بعض الأشجار القوية والمعمرة نجد أن لبعضها جذوراً قوية تحتل مساحة 600 م2 حول جذر الشجرة الأصلي وهذا يعطي الشجرة القوة ، والصلابة والصلاحية في مجابهة الشدائد والعواصف . فبعض الأشجار عمرت 15 ألف سنة ، وبعضها زامن ميلاد الأنبياء جميعاً وبعضها شهد أهم الأحداث التاريخية قال تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[2]
وقال تعالى : (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[3].
هذه الشجرة فرعها في السماء :
وحيث أن مهمة الساق في الأشجار والنباتات عامة هو حمل الأوراق والأعضاء التكاثرية ويكون عادة هوائية ، لوضع الأوراق والأزهار والثمار في الوضع الأمثل للقيام بوظائفها الحيوية ، فتقوم الورقة بعملية البناء الضوئي والزهرة بعملية التكاثر ولبعض الأشجار جذوعاًَ قوية يصل قطرها إلى 22 قدماً وأكثر ويرتفع إلى ما يزيد عن 300 قدماً وبعضها يحمل أورقاً طولها إلى 6 أمتار وبعض الأوراق قطرها يقارب المتر.
ورغم تكاثف الأوراق على الفروع فإن كل ورق خلقت في وضع يحمي بعضه بعضاً من الأشعة القوية الضارة ولا يحجب بعضه بعضاً عن الضوء ، والأوراق الخضراء هي مصانع الغذاء في العالم فكل غذاء الدنيا مر عبر أوراق النبات وأجزائه الخضراء.
وتحمل بعض الجذوع الأطنان من الأوراق ، وكل ورقة تمثل مفاعلاً حيوياً لإنتاج الطاقة والأوكسجين والظل وتعمل على تكاثف البخار وسقوط الأمطار وإنتاج الأوكسجين واستهلاك ثاني أكسيد الكربون ومن جذوع الأشجار ما شهد أعظم الأحداث في التاريخ فأسفل منها جلس الأنبياء والرسل وولد المسيح عليه الصلاة والسلام قال تعالى : (فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا)[4]
وهذا الشجرة مثمرة :
فهي شجرة نافعة تعطي أكلها بانتظام علاوة على إعطائها للظل ومحافظتها على النظام البيئي بما وهبها الخالق سبحانه وتعالى من خصائص ظاهرية ، وتشريحية ووظائفية لم يعطيها لغيرها ، فبعض الأشجار تعطي ثماراً تصل إلى طن ونصف وتحتوي المواد الغذائية الأساسية للكائنات الحية ، ويصل وزن بعض الثمار إلى 8 كيلو جرام للثمرة الواحدة.
وللأشجار الطيبة فوائد شتى ومنها:
إنتاج الخشب والفحم البترول
إنتاج المطاط والفلين والصمغ والزيوت العطرية والراتنجات والدواء .
إنتاج الثمار والسواك وخامات صناعة الأوراق
إعطاء الظل وحماية المزروعات وتجميل البيئة
المحافظة على التوازن البيئي والقيام بالبناء الضوئي ومكافحة التصحر مع العمل على زيادة هطول الأمطار.
وصدق الله العظيم عندما قال : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء.
المصدر : كتاب آيات معجزات من القرآن وعالم النبات
تأليف الدكتور نظمي خليل أبو العطا دكتور الفلسفة في العلوم ( نبات) جامعة عين شمس .
[1] سورة إبراهيم 24
[2] سورة الفتح 48
[3] سورة القصص30
[4] سورة مريم 23
-عن موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن و السنة –
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل: 18].
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].
فالآية الأولى جاء في ختامها : إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ، وهنا المخاطب العبد المؤمن ، فالله يغفر له لأنه لا يستطيع عد نعم الله التي هي كثيرة جدا ، ولو نظرنا لخلية بشرية وما بها من أعاجيب ومنن قدرها الله للإنسان فهي نعم أكثر من أن تحصى ، وكذالك في الخلية النباتية فالعمليات الدقيقة والمعقدة أكثر من أن تحصى ، هذا فقط في جزء من الخلق لا بالعين المجردة .
ومن ثم ذكر الله في الآية الثانية في ختامها : إِنَّ الْإِنْسَنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ، فالكافر ومع كل النعم ومغ كل الهبات الربانية والرحمات التي لا تحصى ، تراه مستكبرا مستنكفا عن نعم الله ، أو ومع كل ما وهب الله تراه منكرا وغافلا ، فآيات الله وهباته تحيط به من كل مكان ولكنه وللاسف لا يشغله التفاهات والزائل الفاني .
هذا من جهة ومن جهة أخرى ، فنعم فالكلمة الطيبة كالشجرة فمع ما ذكر في المبحث فالكلمة الطيبة التي هي من ذكر وأجملها قول " لا إلاه إلا الله " ، والله يقول : "{ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [ الرعد : 28 ] .
والكلمة الطيبة قد تنطبق عن كل كلمة خير تريد الخير وتأصيله ، وتنطبق على كل أمر بمعروف ونهي عن منكر ، فهذا يبني الخير في النفو س ، ثم النفوس تثمر خيرا وعملا صالحا وذكرا وشكرا لله .
والشجرة الطيبة تطعم الكل وتغذي الناس ولها فوائد لا تحصى ، فهي تطعم ومستقرة في مكانها لا يضرها ريح هبوب ولا حر كثير ولا شتاء طويل ، مستقرة مكانها تشكر وتسبح ربها ولا تتوانى عن الإثمار في موعده ، فهي للخير وللعطاء ، وليس كشجرة خبيثة لا تاتي بخير وهي مذمومة منبوذة لا خير فيها ولا خير لها تتهاوى بها الريح لكل سحيق ماحق ، لا قرار ولا اعتبار .
والكلمة الطيبة تثمر في الدنيا والأخرة ، وفي الآخرة مذللة القطوف وكريمة وكثيرة العطاء وهنيئة الثمار .
وذكر الله الشجرة وأيضا لأن الشجرة تبقى مكانها لا تغادره ولا تنكره وتبقى أصيلة شامخة في السماء ، تسعد لرؤيتها وتملأ صدرك هواءا زكيا ونفسا ذكيا ، فما أجمل عطاء الله وما أجمل ما يأمرنا به ، وما أبلغ المثال الكريم العظيم الشامخ يبقى طيبا ومثمرا وثابتا لا تغيره لا الأحوال ولا العواصف ولا الابتلاء قويا معطاء بإذن الله .
أشكرك أخي على هذه الإضافة و جزاك الله خيرا
دمتى بكل خير