رائدة القصة القصيرة في الإمارات العربية المتحدة
انكسارات روح:
ارتمت في حضن اللحظة المخذولة، ما بداخلها يصرخ رافضا كل الممارسات المجنونة. وقد تسمرت عيناها على الجدار الأخرس، وهذيان الركض الملهوف إلى ما لا نهاية تنزلق قدماها إلى قاع حفر نارية، حين امتدت يد العاصفة الهوجاء.. جرت مهرولة تبحث عن خلاصها، وحين تسللت أذرع الغول الوحشي لتغرس مخالبه القذرة في عنقها العاجي الجميل، انتزعت من أعماقها صرخة تلاشت ضمن أسراب هائلة من قطع ليل بهيم يمر مثقلا بتراكمات واقع غارق في الضياع…
كل شيء حولها تراه يتحول فجأة إلى لوحات مهشمة تظل واحدة منها تتمسك بحقها في الحياة .. من هنا مرت ذات الرداء المزهر … بصعوبة بالغة بلعت ريقها وقد جفت حنجرتها من صرخة استغاثة يائسة.
من خلف التلال البعيدة يأتيها صوته مواسيا:
– قاومي محاولات العبث الجنوني.
– صوتك يا أبا ذر أعرفه جيدا وأنا عند وعدي سأدافع عن كرامتك المجروحة.
بحركة من يد مثخنة بالجراحات النازفة مسحت على وجهها الملطخ بعصارات العذاب القسري ورددت في سرها دعاء خافيا .. يخفف نبض جرحها وهي تتوسد أحزان الليل وجدائل شعرها الطويل.
في مساء ذلك اليوم انطلقت مهرولة حين انفجر البركان يقذف حممه النارية، فإذا بأجساد ممزقة، وطيور مهاجرة… وعالم يضج بالعويل والنحيب، كان مساء مشئوما طعنها في الصميم.
تكورت بجسدها الواهن، تحتضن قلبها المحطم وروحها المعذبة وأنفاسها المرتجفة تمر حذرة لتسقط على وجهها المحزون.
-وهل سيطول ليلنا يا أماه؟
هل تراه سيعود كعادته في الساعة ذاتها أبي؟
أشاحت برأسها وهي تتلقى تساؤلاتها وأكملت الاخرى بقية التساؤلات المتواترة .. في الصباح الآتي سيحمل لكنّ البشرى، وفي انتظار الصباح، شخصت ببصرها نحو الأفق وغرقت في تأملاتها الكسيرة، واستدار الليل مهزوما، من خلف أسوار نفسها الممزقة يأتي صوت محدثا:
– اذا كانوا قد سلبوك حقك في الدفاع عن كرامتك فما عليك إلا الصمود.
– لكنهم يصادرون أحلامي .. يلوثون مساحاتي.
المطر لا يزال ينهمر، سيغسل بواباتك المخلوعة وزجاج نوافذك المهشمة .. وسيطوي الليل رذاذ أنفاسهم القذرة.. وعندها ستمدين يدك نحو القمر مصافحة ويمتد الفرح ليغمر مساحة روحك وأنت تودعين كآبتك الجنائزية.
تذكرت ساعتها يوم تركها مغادرا إلى هناك وقد استقر في جيب سترته مصحفه الصغير ومسبحته، كان جبينه متوهجا كعادته بنفحات إيمانية وإصرار على المقاومة .. دوت انفجارات، وعمّ الصخب والضجيج واختلطت الأصوات البربرية المحمومة بلهيب بركانها الجهنمي .. تطايرت الأشلاء شذرا .. تسقط قطعا تغطي مساحات واسعة .. تتحول الأشلاء زهورا تعبق بشذى عطر المسك المعتق .. تحملها رياح قادمة من فضاء الله الرحب في انتظار ساعة انكسار الأرواح الشريرة.