من البديهي ان اساس البعثات النبوية الشريفة هو اكمال مكارم الاخلاق حسب ما يفهم من حديث الرسول الاعظم (ص) ، وهذا الاساس هو الغاية المفترضة لحراك الفكر الاسلامي بكافة الوانه ، ومن الوان الفكر هو الفكر السياسي الذي ينطلق من تصور لمنظومة مشتقة من مصادر الفكر الاسلامي والذي تكاد تنحصر بالكتاب والسنة واما البقية من اصول عقلية فانها متذبذبة بين الاخذ والرد لدى اهل الفقه والفكر الاسلامي ، بل واليات اشتقاق المنظومات تكاد ان تختلف في بعض مفاصلها اختلافا كبير يسهم في اثراء للفكر الاسلامي من جهة ويولد اختلاف يسهم في معاناة واحباط الامة من منتج الفكر الاسلامي …
والفكر الاسلامي كمنتج بشري لايختلف عن اي منتج فكري اخر سوى بمنطلقاته المحفوفة بالقداسة والعصمة ، وهذه المنطلقات لا تسعف الفكر الاسلامي ليحظى بالقداسة كمنطلقاته ، بل على العكس من ذلك تماما وكما ورد في كثير من المأثورات الدينية سواء بالكتاب او السنة والتي جعلت النوازع البشرية في توجيه حركة الفكر الديني في محل رقابة شديدة ووعيد اشد من المنتجات الفكرية الاخرى ، وربما نستأنس في وصف المنافقين بانهم في الدرك الاسفل من النار كإشارة على مانقول …..
من ما تقدم وبمحاولة اسقاطه على واقعنا العراقي وما يختزن هذا الواقع من حركات سياسية اسلامية تصيبنا بالحيرة والاندهاش مما نراه من توظيف للدين من خلال توجيه الفكر الديني على خلاف الغاية المرسومة للدين ، ولسنا هنا بمعرض متابعة الاخبار التسقيطية والتي ربما في غالبها تدخل ضمن الاشاعات ضد الحركات الاسلامية ، ولكن ما نلمسه في واقعنا العراقي والذي لايختلف عليه اثنان يعطينا اليقين بان هذه الحركات في مجملها يستهدف فكرها الاسلامي تحطيم الغاية المرسومة للدين الا وهي مكارم الاخلاق ، فالمؤلم حقا ان القيم الاخلاقية الرفيعة والتي عززها ورسخها الاسلام العظيم في نفوس ابناء الشعب العراقي لم تتلقى ضربة اقسى من اليوم بفعل حركاتنا الاسلامية ، بل حتى في زمن الطاغية المقبور وعلى الرغم من بشاعة اساليبه في سبيل تحطيم القيم الاخلاقية والدينية الا انه لم يستطع ان ينال من من النظم الاخلاقية الدينية كحال اليوم ، والسر في ذلك ان ابناء الشعب جميعا يصنفون صدام وحزبه بانهم من اعداء الدين ونظمه الاخلاقية ، ولكن للاسف هنالك قطاعات من ابناء الشعب لا زالت تعتبر ان الحركات الاسلامية تعبر بمستوى لابأس به عن الدين وغاياته ، مما ولد شعور عام لدى ابناء الشعب بالاستياء من الدين ونظمه ليتطلعوا الى منظومات قيمية اخرى تحقق لهم الغاية الانسانية ….
وهنا مكمن الفرصة الذهبية للنظم الاخلاقية الغربية بايجابياتها وسلبياتها في الدخول والتحرك ضمن المشهد العراقي وبحرية كبيرة مدعومة من اسباب القوة المادية والمعنوية وشروط العولمة كحركة للتاريخ لابد منها ، وما نشهده اليوم من مظاهر وانماط من السلوك يختلف ويتعارض مع ما نحمل من تراث اخلاقي وقيمي سببه التهشيم الذي طال الحصانة القيمية والاخلاقية والدينية ، وبالتأكيد ان من الاسباب المهمة والكبيرة لهذا التهشيم هو ما يترشح وما ينتج من اغلب ابناء الحركات الاسلامية كسلوك وممارسات تجد الاحباط والاستياء لدى عامة الناس ،واخشى ما اخشاه ان ينطبق عليهم وصف المنافقين وان كنت لا اميل الى ذلك ولكن اميل الى وصف الامام علي عليه السلام " خب ضب يتصيد الدنيا بالدين" كوصف ينطبق على اغلبهم …..
ومن هنا افهم ولعل فهمي مصيبا ان الكثير الكثير من ابناء الحركات الاسلامية والذين لهم التاريخ الناصع في الجهاد والالتزام بالمباديء السامية والخلق الرفيع سرعان ما انفضوا تاركين هذه الحركات بعد سقوط الطاغية خشية على دينهم الذي هو اعز ما يملكون ، بل ولعلي افهم تخلي بعض الشخصيات المرموقة من ابناء هذه الحركات واختيارهم الحل الوسط بالتحرك من خلال مسميات انسانية عامة طلبا لغاية الدين ….
واخيرا اقول ان هذه محاولة تشخيصية بسيطة لا تسقيطية وارجو ان اكون فيها موفقا ، لعل ابناء الحركات الاسلامية يقومون مثنى وفرادى ويتفكرون في الغاية والطريق…