ومن هنا أجد لزاماً على جميع الشعوب العربية المستضعفة أن تنتفض ضد هذه الأنظمة القذرة وهؤلاء الحكام الذين سكروا حتى الثمالة ، في الدعارة والمجون وقمع شعوبهم ، فلا أجد بدّاً من توجيه الهجاء اللاذع والتوبيخ الذي تصفه هذه القصيدة التي نظمها الشاعر اللامع والكبير الأستاذ/أحمد مطر ، وأترككم مع أبيات هذه القصيدة الرائعة والمعبّرة عن نبض الشعوب العربية
القصيدة :
شكراً على التأبين والإطراء يا معشر الخطباء والشعراء
شكراًعلى ماضاع من أوقاتكم في غمرة التدبيجوالإنشاء
وعلى مداد كان يكفي بعضه أن يغرق الظلماء بالظلماء
وعلى دموع لوجرت في البيد لانحلت وسارالماءفوق الماء
وعواطف يغدوا على أعتابها مجنون ليلى أعقل العقلاء
وشجاعة باسم القتيل مشيرة للقاتلين بغير ما أسماء
شكراً لكم؛ شكراً؛ وعفواً إن أنا أقلعت عن صوتي وعن إصغائي
عفواً؛ فلا الطاووس في جلدي ولا تعلو لساني لهجة الببغاء
عفواً؛ فلا تروي أساي قصيدة إن لم تكن مكتوبة بدمائي
عفواً؛ فإني إن رثيت فإنما أرثي بفاتحة الكتاب رثائي
عفواً؛ فإني ميت يا أيها الموتى؛ وناجي آخر الأحياء
ناجي العلي لقد نجوت بقدرة من عارنا،وعلوت للعلياء
إصعد؛ فموطنك السماء؛ وخلنا في الأرض إن الأرض للجبناء
للموثقين على الرباط رباطنا والصانعين النصر في صنعاء
ممن يرصون الصكوك بزحفهم ويناضلون براية بيضاء
ويسافحون قضية من صلبهم ويصافحون عداوة الأعداء
ويخلفون هزيمة؛ لم يعترف أحد بها، من كثرة الآباء
اصعد فموطنك المرجى مخفر متعدد اللهجات والأزياء
للشرطة الخصيان؛ أو للشرطة الثوار؛ أو للشرطة الأدباء
أهل الكروش القابضين على القروش من العروش لقتل كل فدائي
الهاربين من الخنادق والبنادق للفنادق في حمى العملاء
القافزين من اليسار إلى اليمين إلى اليسار إلى اليمين كقفزة الحرباء
المعلنين من القصور قصورنا واللاقطين عطية اللقطاء
اصعد؛ فهذي الأرض بيت دعارة فيها البقاء معلق ببغاء
من لم يمت بالسيف مات بطلقة من عاش فينا عيشة الشرفاء
ماذا يضيرك أن تفارق أمة ليست سوى خطأ من الأخطاء
رمل تداخل بعضه في بعضه حتى غدا كالصخرة الصماء
لا الريح ترفعها إلى الأعلى ولا النيران تمنعها من الإغفاء
فمدامع تبكيك لو هي أدركت لبكت على حدقاتها العمياء
ومطابع ترثيك لو هي أنصفت لرثت صحافة أهلها الأجراء
تلك التي فتحت لنعيك صدرها وتفننت بروائع الإنشاء
لكنها لم تمتلك شرفاً لكي ترضى بنشر رسومك العذراء
ونعتك من قبل الممات؛ وأغلقت باب الرجاء بأوجه القراء
وجوامع صلت عليك لو أنها صدقت لقربت الجهاد النائي
ولأعلنت باسم الشريعة كفرها بشرائع الأمراء والرؤساء
ولساءلتهم : أيهم قد جاء منتخباً لنا بإرادة البسطاء؟
ولسائلتهم: كيف قد بلغوا الغنى وبلادنا تكتظ بالفقراء؟
ولمن يرصون السلاح؛ وحربهم حب؛ وهم في خدمة الأعداء؟
وبأي أرض يحكمون وأرضنا لم يتركوا منها سوى الأسماء؟
وبأي شعب يحكمون، وشعبنا متشعب بالقتل والإقصاء؟
يحيا غريب الدار في أوطانه ومطارداً بمواطن الغرباء
لكنما يبقى الكلام محرراً إن دار فوق الألسن الخرساء
ويظل إطلاق العويل محللاً ما لم يمس بحرمة الخلفاء
ويظل ذكرك بالصحيفة جائزاً مادام وسط مساحة سوداء
ويظل رأسك عالياً مادمت فوق النعش محمولاً إلى الغبراء
وتظل تحت"الزفت" كل طباعنا مادام هذا النفط في الصحراء
القاتل المأجور وجه أسود يخفي مئات الأوجه الصفراء
هي أوجه أعجازها منها استحت والخزي غطاها على استحياء
لمثقف أوراقه رزم الصكوك وحبره فيها دم الشهداء
ولكاتب أقلامه مشدودة بحبال صوت جلالة الأمراء
ولناقد "بالنقد" يذبح ربه ويبايع الشيطان بالإفتاء
ولشاعر يكتظ من عسل النعيم على حساب مرارة البؤساء
ويجر عصمته لأبواب الخنا ملفوفة بقصيدة عصماء
ولثائر يرنو إلى الحرية الحمراء عبر الليلة الحمراء
ويعوم في "عرق" النضال ويحتسي أنخابه في صحة الأشلاء
ويكف عن ضغط الزناد مخافة من عجز إصبعه لدى "الإمضاء"
ولحاكم إن دق نور الوعي ظلمته؛ شكا من شدة الضوضاء
وسعت أساطيل الغزاة بلاده لكنها ضاقت على الآراء
ونفاك وهو مخمن على الردى بك محدق فالنفي كالإفناء
الكل مشترك بقتلك؛ إنما نابت يد الجاني عن الشركاء
ناجي، تحجرت الدموع بمحجري وحشا نزيف النار لي أحشائي
لما هويت متحد الهوى وهويت فيك موزع الأهواء
لم ابك؛ لم أصمت؛ ولم أنهض ولم أرقد؛ وكلي تاه في أجزائي
ففجيعتي بك أنني تحت الثرى روحي؛ ومن فوق الثرى أعضائي
أنا يا أنا بك ميت حي ومحترق أعد النار للإطفاء
برأت من ذنب الرثاء قريحتي وعصمت شيطاني عن الإيحاء
وحلفت ألا أبتديك مودعاً حتى أهيئ موعداً للقاء
سأبدل القلم الرقيق بخنجر والأغنيات بطعنة نجلاء
وأمد رأس الحاكمين صحيفة لقصائد… سأخطها بحذائي
وأضم صوتك بذرة في خافقي وأضمهم في غابة الأصداء
وألقن الأطفال أن عروشهم زبد أقيم على أساس الماء
وألقن الأطفال أن جيوشهم قطع من الديكور والأضواء
وألقن الأطفال أن قصورهم مبنية بجماجم الضعفاء
وكنوزهم مسروقة بالعدل واستقلالهم نوع من الإخصاء
سأظل أكتب في الهواء هجاءهم وأعيده بعواصف هوجاء
وليشتم المتلوثون شتائمي وليستروا عوراتهم بردائي
وليطلق المستكبرون كلابهم وليقطعوا عنقي بلا إبطاء
لو لم تعد في العمر إلا ساعة لقضيتها بشتيمة الخلفاء
أنا لست أهجو الحاكمين؛ وإنما أهجو بذكر الحاكمين هجائي
أمن التأدب أن أقول لقاتلي عذراً إذا جرحت يديك دمائي؟
أأقول للكلب العقور تأدباً دغدغ بنابك يا أخي أشلائي؟
أأقول للقواد يا صديق؛ أو أدعو البغيّ بمريم العذراء؟
أأقول للمأبون حين ركوعه حرماً؛ وأمسح ظهره بثنائي
أأقول للص الذي يسطو على كينونتي : شكراً على إلغائي؟
الحاكمون هم الكلاب؛ مع اعتذاري فالكلاب حفيظة لوفاء
وهم اللصوص القاتلون العاهرون وكلهم عبد بلا استثناء
إن لم يكونوا ظالمين فمن ترى ملأ البلاد برهبة وشقاء
إن لم يكونوا خائنين فكيف مازالت فلسطين لدى الأعداء
عشرون عاماً والبلاد رهينة للمخبرين وحضرة الخبراء
عشرون عاماً والشعوب تفيق من غفواتها لتصاب بالإغماء
عشرون عاماً والمواطن ماله شغل سوى التصفيق للزعماء
عشرون عاماً والمفكر إن حكى وهبت له طاقية الإخفاء
عشرون عاماً والسجون مدارس منهاجها التنكيل بالسجناء
عشرون عاماً والقضاء منزه إلا من الأغراض والأهواء
فالدين معتقل بتهمة كونه متطرفاً يدعوا إلى الضراء
والله في كل البلاد مطارد لضلوعه بإثارة الغوغاء
عشرون عاماً والنظام هو النظام مع اختلاف اللون والأسماء
تمضي به وتعيده دبابة تستبدل العملاء بالعملاء
سرقوا حليب صغارنا؛ من أجل من كي يستعيدوا موطن الإسراء؟
هتكوا حياء نسائنا؛ من أجل من كي يستعيدوا موطن الإسراء؟
خنقوا بحرياتهم أنفاسنا كي يستعيدوا موطن الإسراء؟
وصلوا بوحدتهم إلى تجزيئنا كي يستعيدوا موطن الإسراء؟