مقاومة الإنسولين هي نقص قدرة بعض خلايا الجسم للاستجابة للإنسولين (المسؤول عن تخزين السكر في الجسم على شكل دهون)، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الغلوكوز في الجسم، وبالتالي احتمال الإصابة بمرض السكري. ويعاني الأطفال المصابون بالمرض من ارتفاع مستويات الغلوكوز في الدم. ومن المعروف أن الأطفال الذين يعانون من مرض السكري من النوع الأول Insulin – dependent diabetes يعتمدون في علاجهم بشكل أساسي على تناول الإنسولين عن طريق الحقن.
مقاومة الإنسولين
وفي بعض الأحيان تحدث مقاومة لعمل الإنسولين في الجسم Insulin Resistance وبالتالي يفشل الجسم في تنظيم مستوى الغلوكوز. وهناك الكثير من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى مقاومة عمل الإنسولين، ومنها أسباب جينية حيث يوجد بعض الأطفال الذين لديهم عدم استجابة للإنسولين منذ الميلاد، وكذلك فإن نقص الحركة والبدانة يلعبان دورا مهما في زيادة مقاومة عمل الإنسولين.
والعكس أيضا صحيح، بمعنى أن زيادة مقاومة عمل الإنسولين تؤدي إلى زيادة الغلوكوز في الدم ومن ثم البدانة ويدخل المريض في دائرة مفرغة، وهو أمر يجب على الآباء أن يلاحظوه إذا كان الطفل مريض السكري يزداد في الوزن وكذلك تزداد شهيته للأكل حيث إنه في الأغلب لا توجد أعراض لزيادة مقاومة عمل الإنسولين.
بجانب ذلك فإن مقاومة عمل الإنسولين تتسبب في زيادة ضغط الدم وارتفاع مستوى الدهون الثلاثية وكذلك نقص الكولسترول المفيد (العالي الكثافة) HDL في الجسم.
وهناك بعض الأسباب الأخرى ومنها التأثير الضار لتلوث الهواء في المدن الكبرى، وهو ما أشارت إليه دراسة حديثة نشرت في مجلة الرابطة الأوروبية لدراسة مرض السكري (EASD) في شهر مايو (أيار) من العام الجاري ربطت بين التلوث المروري وزيادة مقاومة الإنسولين.
وعلى الرغم من وجود دراسات كثيرة ربطت بين تلوث الهواء الناتج عن عوادم المرور والكثير من الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب وتصلب الشرايين وغيرها، فإن الدراسات التي تناولت أثرها على مرض السكري من النوع الثاني بالنسبة للبالغين كانت تعتبر قليلة قياسا.
وأما بالنسبة لمرض السكري من النوع الأول المعتمد على الإنسولين والذي غالبا ما يصيب الأطفال، فكانت نادرة. وتعتبر هذه الدراسة من الدراسات القليلة التي تناولت تلوث الهواء وأثره على مقاومه الإنسولين.
التلوث والسكري
رغم اختلاف المواد الموجودة في عوادم السيارات والدخان المنبعث من المصانع وغيرها من الملوثات فإنه يمكن اعتبار معظمها مواد مؤكسده oxidizers (المواد المؤكسدة تغير من تركيب الخلية البشرية وتؤثر سلبا على انقسامها عبر تفاعلات كيميائيه معينة)، وفي حالة مرض السكري من النوع الأول يمكن أن يسبب مقاومة لعمل الإنسولين في الجسم خاصة أن التعرض على المدى القريب والبعيد لكميات متزايدة من بعض المواد المؤكسدة مثل ثاني أكسيد النتروجين (NO2) يؤدي إلى مقاومة عمل الإنسولين.
وقام الباحثون بتجميع عينات من الدم من 397 طفلا في عمر العاشرة في إطار دراسة ألمانية تهدف لمتابعة تأثير التلوث البيئي على الأفراد منذ الولادة، وتقوم برصد كمية تعرض الفرد لملوثات الهواء من عوادم السيارات تبعا للسكن والكثافة السكانية والعلاقة بين تلوث الهواء ومقاومة الإنسولين، وتم تثبيت العوامل الأخرى التي من الممكن أن تلعب دورا في مقاومه الإنسولين مثل (العامل البيئي والاقتصادي للأسرة وكذلك النمو الطبيعي ومؤشر كتله الجسم BMI، وأيضا إذا كان أحد الوالدين مدخنا وهناك خطورة من التعرض للتدخين السلبي).
ولاحظ الباحثون أن نسبة مقاومة الإنسولين كانت في الأطفال الذين تعرضوا لتلوث الهواء بنسبة 7% لكل 500 متر مربع. ووجدت الدراسة أن تلوث الهواء ارتبط بانخفاض وزن المواليد وتأخر النمو (وهذان العاملان يعتبران من عوامل الخطورة المؤدية إلى حدوث مرض السكري من النوع الثاني).
وعلى الرغم من إمكانية أن يكون انخفاض وزن المواليد مرحلة متوسطة في الإصابة بمقاومة الإنسولين، فإن الدراسة لم تجد دليلا عمليا على ذلك، حيث إن معظم الأطفال الذين شملتهم الدراسة كان متوسط أوزانهم فوق 2.5 كلغم.
وما زالت هذه الدراسة مستمرة حتى يبلغ الأطفال سن الخامسة عشرة. وتتبع الأطفال الذين انتقلوا مع أسرهم من المناطق السكنية التي يوجد بها تلوث مروري إلى أماكن سكنية نظيفة والعكس، وهو الأمر الذي سوف يساعد الدارسين على تتبع الأثر على المدى البعيد، فضلا عن دراسة تأثير التلوث المروري على صحة الأمهات ومرحلة ما قبل الولادة وتأثيرها على الجنين وأيضا معرفه إذا ما كانت الإصابة بمرض السكري في البالغين متعلقة بظروف بيئية تم التعرض لها أثناء الطفولة من عدمه.
نقص النوم
وفي السياق نفسه، أوضحت دراسة أميركية أجريت في العام الماضي أن نقص النوم بالنسبة للمراهقين يمكن أن يساهم في زيادة مقاومة الجسم للإنسولين سواء بالنسبة للأطفال مرضى السكري أو بالنسبة للأطفال العاديين مما يمكن أن يتسبب في إصابتهم بالمرض.
ووجدت الدراسة أن الأطفال العاديين الذين يقضون نحو 6 ساعات نوم يوميا في المتوسط يمكنهم بإضافة ساعة نوم واحدة فقط أن يقللوا خطر مقاومة الإنسولين بمقدار 9%.
وكانت هذه الدراسة قد تتبعت 245 من أطفال المدارس الثانوية ورصدت مستويات الإنسولين في الجسم وكذلك رصدت فترات النوم وقامت بأخذ عينات من الدم لقياس مستوى السكر بعد حالة الصيام وعمل ما يشبه سجلا للنوم حيث قام الأطفال بارتداء جهاز يشبه الساعة actigraph حول معصمهم يقوم برصد كميات النوم لمدة أسبوع للعام الدراسي وكان متوسط مستوى فترات النوم نحو 6.4 ساعة في اليوم طوال الأسبوع وكانت هذه الفترة تقل في أيام الدراسة وتزيد في أيام العطلات من المدرسة.
وأوضحت الدراسة أن الأطفال الذين كانت فترات نومهم أقل من أقرانهم زادت مقاومة الإنسولين لديهم أكثر من غيرهم ممن يتمتعون بفترة نوم كافية وهذه المقاومة ازدادت بغض النظر عن العرق أو الجنس أو وزن الجسم أو محيط الوسط أو مؤشر كتلة الجسم.
وتعتبر هذه الدراسة أول دراسة تشير إلى زيادة مقاومه الإنسولين بغض النظر عن البدانة مع إمكانية تقليل المقاومة بزيادة متوسط فترة النوم، وهو الأمر الذي أشارت إليه الأكاديمية الأميركية لطب النوم American Academy of Sleep Medicine من أن المراهقين يجب أن يتمتعوا بقسط من النوم نحو 9 ساعات يوميا مما يقلل من مخاطر مرض السكري.
وتطالب التوصيات الطبية بضرورة قيام الآباء بفحوصات دورية لأطفالهم لقياس نسبة الغلوكوز بالدم لاستبيان مدى كفاءة العلاج، كما يجب على الحكومات العمل جاهدة لمحاولة تقليص التلوث الناتج من عوادم السيارات لما له من أخطار كبيرة على الصحة.