تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » التسوله الفلسطينيه

التسوله الفلسطينيه 2024.

جاءت إلى "الحارة", تحمل على رأسها " صرة",عرفها الصغار الذين كانوا يلهون في الطريق,فذهبوا جريا إليها,ثم التفوا من حولها يقولون لها " أم أكرم تعالى عندنا" هم يعرفونها لأنها تتردد على بيوت الحارة بين الحين والحين ,تطلب مساعدة لأسرتها,فأصبحت بالنسبة لهم جزءا من الصورة.

أم أكرم لها سبعة أطفال,تركهم الأب,وتزوج من امرأة أخرى فأنجب منها أربعة أطفال,تعطلت حياة الرجل بالكامل بعد أن أصيب بالشلل, فانهار وانهارت معه أسرته, فعاد معهم إلى بيت أم أكرم التي قررت أن تتسول من أجل كل العائلة .

تجوب الحارات والشوارع, والريف المحيط ,وتمشى في الأرض ساعات وساعات طلبا للمساعدة,تدق على أبواب البيوت بيتا بيتا,ثم تجلس أمام العتبات لكي ترتاح قليلا وتنتظر أن يفتح أحد الباب ويساعدها,فمنهم من يخرج وبيده شيء يعطيه لها,ومنهم من يقدم لها ماء أو شيأ آخر تشربه أو حتى تأكله عندما تطلب ذلك , ومنهم من لا يستجيب ولا يهمه أمرها, والأسباب معروفة,والبيوت مستورة.

تنهض وتواصل مشوار قرع الأبواب حتى تشعر بالإعياء, فتعود بما جمعت لأسرتها,ثم تعيد الكره في اليوم التالي لتذهب إلى حارة أخرى أو منطقة أخرى لنفس الغرض,وهكذا… تجرى في الدنيا وتجرى معها الأشهر والسنون,الهدف الوحيد هو البقاء,ولا تنتظر إلا القليل من أجل البقاء.

البيت الذي تسكنه تظهر علية علامات الفقر,والإهمال واضحة,و يمكن أن تحصى محتوياته بنظرة واحدة , يقوم أطفالها بتشتيل البذور,وبيعها في السوق القريب مقابل القليل,ولكنهم يتعثرون لعدم توفر المياه بشكل دائم لري الأشتال,وهم يحاولون بهذة الحرفة أن يخففوا قليلا من شظف العيش الذي يقعون تحت طائلته.

في يوم من أيام الحصار كان أطفال الحارة يلهون كالمعتاد,تصاحبهم حركاتهم, أصواتهم وضحكاتهم, قبل أن يحل الظلام ,فجأة سمع دوى انفجار,فركض الأطفال مرعوبين نحو بيوتهم,وخرج أولياء أمورهم مسرعين باتجاه أطفالهم, في الخارج,بعد لحظات قليلة نادت إحدى نساء الحارة من الشباك على المرعوبين قائلة لهم أنها سمعت في الراديو أن طائرة أباتشي قصفت ورشة حدادة في منطقة تبعد قليلا عن الحي.

هدأت عاصفة الخوف, وتفرق الأطفال للهو مرة أخرى ,بينما انكمش البعض,وفضل العودة إلى بيته,ومن بعيد ظهرت أم أكرم وهى تحمل" صرتها" على رأسها قادمة إلى الحارة,عرفها الأطفال, وذهبوا مسرعين إليها يدعونها إلى القدوم إلى بيوتهم.

كانت تمشى هذه المرة بخطى متثاقلة, وظهرت عليها علامات التعب واضحة,وعندما وصلت إلى أول بيت في الحارة جلست إمامة كالمعتاد,ولكن في هذه المرة كانت لديها هموم أخرى ,فقد كانت قدماها متورمتين ومتقرحتين بسبب المشي لساعات طويلة,ولكنها لا تستطيع التوقف عن التسول فهي تعيل أسرة, وقد أصبحت معروفة عند أغلب العائلات في الأحياء التي تذهب إليها .

اتفقت نساء الحارة على مساعدة أم أكرم, وتبرع بعضهن بعلاجها,وتم ذلك وحصلت على العلاج المطلوب,وأوصى التقرير الطبي بالراحة لمدة أسبوعين وذلك لعلاج التقرحات والورم

منحت أم أكرم إجازة لمدة شهر كامل من نساء الحارة,ترتاح فيه,وتشفى نفسها,وتكفلت النساء بتغطية نفقات الحياة لكامل أسرتها طيلة شهر الإجازة.

تنازلت النساء على الرغم من الحصار, عن نصف الاحتياجات الشهرية لأسرهن وتبرعن به إلى أم أكرم حتى تتمكن من مواصلة مشوار حياتها,وذلك بتوفير المواد الغذائية اللازمة لأسرتها , مرة في كل أسبوع.

نجحت الفكرة في الأسبوع الأول والثاني,وذهبت نساء الحارة للاطمئنان على أم أكرم ورفع معنوياتها,وفى الأسبوع الثالث عندما ذهب بعضهن يحملن المواد التموينية أو ما يسميه الناس هذه الأيام "الكوبونه" لم تكن أم أكرم موجودة لاستقبالهن,فقد ذهبت مرة أخرى للتسول.

عادت مرة أخرى إلى الحارة وجلست على عتبة بيت من بيوتها, وجاءت نساء الحارة للسلام والسؤال والمساعدة. قالت لهن بصوتها المنكسر"لم استطع البقاء كل هذه الأيام طريحة الفراش ,وقررت الخروج مرة أخرى إلى الحارات ,لقد تعودت ,وهذه هي الحياة".

لم تعلق نساء الحارة على حديث أم أكرم كثيرا, وأبدين استعدادا لمساعدتها قدر المستطاع.ثم نهضت بصعوبة بعد أن ساعدتها إحدى النساء على الوقوف.

انصرفت أم أكرم وقدماها ما زالت متقرحة .كانت الدموع تملأ عينيها وهى تدرك أن مشوار الحياة الصعب يزداد صعوبة.

غابت فترة طويلة عن الحارة, وفى صباح يوم من أيام الدنيا,قرعت فتاة غريبة أبواب الحارة

وعرفت النساء أن المتسولة الجديدة هي ابنة أم أكرم, وعرفوا أن المرض قد تمكن منها ولم تعد تستطيع المشي.

أستاذ جامعي وكاتب

اهداء الى لمار

نسخة جاهزة للطباعة

ارسل الصفحة لصديق

يسلمووووووو حبيب لمار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.