إذن فالتفسير العلمي محاولة بشرية لحسن فهم دلالة الآية الكونية، ونحن نحرص في التفسير العلمي على أن نوظف كل الحقائق العلمية المتاحة، لكن بما أن العلم لم يصل لكل الحقيقة في كل أمر من الأمور تبقى قضايا كثيرة عند حدود الظن، ويقف فيها العلم عند حدود النظرية أو الفرْض، فإذا لم يصل العلم إلي الحقيقة في قضية من القضايا التي تتعرض لها الآيات فأنا لا أرى ضيرا أبدا في توظيف النظرية السائدة أو الفرْضية السائدة حتى أفهم دلالة الآية، وإذا ثبت بعد ذلك أن النظرية كانت خاطئة فلا يمس هذا من جلال القرآن الكريم أو ينال منه في شيء؛ لأن التفسير عمل بشري يصيب فيه الفرد وقد يخطئ.
أما الإعجاز العلمي فهو موقف تحد نتحدى به الناس كافة؛ مسلمين وغير مسلمين، بأن كتابا نزل قبل أربعة عشر قرنا على نبي أمي -صلى الله عليه وسلم- في أمة كان غالبيتها أميين، وهذا الكتاب يحوي حقيقة كونية لم يصل إليها علم الإنسان إلا منذ سنين قليلة، ولم يكن لعقل أن يتخيل مصدرا لهذه الحقيقة الكونية في هذا الزمن السحيق إلا الله الخالق سبحانه وتعالى.
لذلك أقول: إنه لا يجوز لنا في الإعجاز العلمي أن نوظف النظريات والفرضيات، بل لا بد من توظيف الحقائق العلمية الثابتة القاطعة التي لا رجعة فيها، إلا في حالة واحدة وهي حالة الآيات التي تتحدث عن الخلق بأبعاده الثلاثة (الكون، الإنسان، الحياة) لأن الخلق عملية غيبية غيبة مطلقة لم يشهدها أحد من الإنس أو الجن، ولأنها لا تقع تحت إدراك الإنسان فلا يمكن أن يصل فيها بالعلم الكسبي إلى حقيقة أبدا، وهذه الأبعاد الثلاثة يدور فيها الإنسان في مدار النظرية والفرض، وتختلف هذه الفروض والنظريات باختلاف مفسرها وواضعها؛ هل هو مؤمن أم كافر، موحد أم مشرك، جاد أم هازل، سعيد أم شقي، وكل هذا يظهر في صياغة النظرية والفرضية.
ويبقى للمسلمين نور من الله سبحانه وتعالى في آية قرآنية أو في حديث شريف، ما يعيننا على أن نرجح نظرية ونرتقي بها إلى مقام الحقيقة، لا لأن العلم الكسبي قد أثبت علميا أنها حقيقة ولكن لظهورها في كتاب الله أو سنة رسوله؛ لأن الله هو خالق الكون وأدرى بصنعته من كل من سواه.
أما الإعجاز العلمي فنجده مثلا في قوله تعالي: (والبحرِ المسجورِ)، والمسجور هو المتقد نارا، ثم يأتي العلم الآن ليثبت أن كل قيعان البحار والمحيطات مسجرة تسجيرا خفيا بالنيران.
ومن ناحية الارتقاء بنظرية من النظريات وجعلها حقيقة علمية نجد قوله تعالى: (أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ)؛ وهو ما نجده في نظرية تفسير نشأة الكون بالانفجار العظيم، وهو ما يرتفع بهذه النظرية إلى مصاف الحقيقة.
أشكر لك مرورك الكريم
لك أحترامي
شاكرة لك من الاعماق هذا الجهود الرائع ..
جزآك الله خير الجزاء واحسن اليك
بارك الله فيك ويعطيك الف عافيه
دائماً نترقب ما هو جديد ورائع ومتميز
تحياتى وتقديري لك