أبو أيوب الأنصاري.. حقق الحلم الإسلامي بدخول البوابة الأوروبية
قصة حياة الصحابي ابو ايوب الأنصاري رضي الله عنه، وهو الذي حقق حلم المسلمين بدخول البوابة الأوروبية.
واحدةٌ من أشهرِ مدن العالم، وأكثرِها أهمية، من حيثُ موقِعُها الجغرافي، ودورُها الحضاري. اسمها الآن اسطنبول، وعرفت في الماضي بأسماءٍ منها القسطنطينية، عندما كانت عاصمة للإمبراطورية البيزنطية، ثم إسلامبول (أي مدينة الإسلام) بعدما فتحها القائدُ العثماني المسلم محمد الفاتح، عامَ ألفٍ وأربعِمائة وثلاثةٍ وخمسين للميلاد، وصارت عاصمةً للسلطنة العُثمانية، ثم الأَسِتَانَة في منتصف العهد العثماني، وأخيرا اسطنبول، في تُرْكْيَا الحديثة. ومع كلِّ ما مرَّ بها من عهودٍ، إلا أنها ظلت بوابةً بين الشرق والغرب، ومركزَ التقاءٍ للحضارات.
هذه المدينة تشتهر بمساجدها التاريخية ذاتِ العِمارة العثمانية المميَّزة. ورغم وجود عددٍ من المساجد الكبرى الشهيرة مثل جامع السلطان أحمد (أو الجامع الأزرق)، وجامع السليمانية، إلا أن أكثرَها أهميةً من الناحية المعنوية بالنسبة للمسلمين الأتراك، هو مسجدٌ يقعُ في نهايةِ خليج القرنِ الذهبي، المُتَفرِّعِ من مَضيق البُسفور، وهو جامعُ الصحابي أبو أيوب الأنصاري، أو جامعُ "أيوب سلطان"، كما يُسميه الأتراك، وبجانبه ضريحُ هذا الصحابيِّ الجليل.
وجودُ ضريحِ أبو أيوب الأنصاري في هذه المنطقة – وقبل فتحها بثمانية قرون – أمرٌ له دِلالاتٌ كبرى، ويشيرُ إلى رؤيةٍ مبكرةٍ لهذا الصحابي العظيم، الذي جاء إلى هذه المدينة على أملِ تحقيق بُشرى النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: "لتُفْتَحَنَّ القسطنطينية، فلَنِعْمَ الأميرُ أميرُها، ولنِعْمَ الجيشُ ذلك الجيش".
وقد انتظر المسلمون ثمانيةَ قُرون إلى أن تحققتْ بشرى الرسول، ورؤيةُ أبي أيوبٍ في فتحِ هذه المدينة.
دخول أوروبا
عام ألف وأربعمائة وثلاثةٍ وخمسين للميلاد، لم تتحققْ بُشرى الرسولِ صلى الله عليه وسلم ورؤيةُ أبو أيوبٍ فحسب، بل سارعَ محمد الفاتح إلى البحث في هذه المنطقة عن قبر أبي أيوب، فبنى مسجداً بجواره، وبنى مقاماً على الضريح.
وصار هذا الصحابي الجليل شاهدا على أول حصار إسلامي لهذه المدينة، سنة أربع وأربعين للهجرة، وشاهدا من خلال تشييد مسجدِه قُرْبَ ضريحِه، على تحقيقِ هذا الحُلُمِ الإسلامي بدخول البوابةِ الأوروبية، بعد ثمانية قرون، شهدت أحدَ عشر حصاراً إسلامياً لهذه المدينة.
اهتم السلاطينُ العثمانيون كثيراً بضريحٍ أبي أيوبٍ الأنصاري، وصارَ بالنسبة لهم رمزاً للمشروعيةِ الدينيةِ والسياسية، إذ أصبحتْ مراسمُ تنصيب السلاطين تتم في مسجدِ أبي أيوب.
وكأنَّ السلطانَ يَستندُ في مَشروعيةِ حُكْمِه إلى أبي أيوب. وكانوا يقولون إنهم في خِدْمَتِهم لهذا الشاهدِ التاريخي، يُكرِمون هذا الصحابي، الذي أكرمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما نزلَ عليه ضيفاً، بعد هجرته من مكةَ إلى المدينة.
أبو أيوب، من بني النجار، أخوالِ النبي صلى الله عليه وسلم، وكانتْ له مكانتُه الرفيعةُ في يثرب قبل الإسلام.
خرج أبو أيوب مع وفدِ أهلِ المدينة الذين قَدِموا إلى مكةَ في السنةِ الثانيةَ عشرةَ للبعثةِ النبوية، لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي سُميت بيعةَ العقبةِ الثانية.
اكتسب أبو أيوب شُهْرَتَه بعد الهجرة، عندما نزلَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم في بيتِه بعد وصولِه إلى المدينة.
الرسول في بيته
مكث النبي صلى الله عليه وسلم سبعةَ أشهرٍ في بيتِ أبي أيوب، إلى أن تمَّ بناءُ المسجدِ النبوي، وبجانبه بيتُ النبيِّ عليه الصلاةُ والسلام.
شهد أبو أيوب المشاهدَ كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، واشتهر فيها بالجود والكرم.
وبعد وفاةِ النبي صلى الله عليه وسلم شاركَ أبو أيوبٍ في الفتوحات، وظل حريصا على ذلك رغم بلوغه الثمانين، حيث ذهبَ في جيشِ يزيدَ بنِ معاويةَ لحصارِ القسطنطينية.
أبو أيوب في هذه المشاركة العظيمة، يُعد نموذجا للتضحيةِ ومستوى الوعي الذي كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أبو أيوبٍ الأنصاري، واحدٌ من جيلِ العظماء، الذين لم يسبقْ لهمْ مثيلٌ في التاريخ. جيلٌ يُمثلُ النموذجَ الذي لا يتكرر. اصطفاهم اللهُ سُبحانَه وتعالى، لنُصْرَةِ خاتَمِ النبيين، فنشأوا على يديْه، وتربّوْا بأقوالِه وأفعالِه وسلوكِه ودعائِه صلى الله عليه وسلم، وبالوحي الذي كان يَتَنَزَّلُ عليه. وانطلقوا في الآفاق، يَنشرونَ الدعوةَ الخاتِمةَ للرسالاتِ كلِّها، فأدَّوْا الأمانةَ على أفضلِ ما يكونُ الأداء. رضي الله عنهم وأرضاهم جميعا.