●○●
الغيوم كانت تسبح في الفلك بخيلاء ..
كان الجو مفعما بالدفء و كانت تلك النسائم الباردة تحرك الستارة الشيفونية ..
لازلت أتقلب في سريري أغالب رغبتي باحتضان الوسادة أكثر ..
أزيز الطائرات المروحية يحفزني أكثر على العودة للنوم ..
أسمع حينها فوضتها ..
حديثها مع الخدم و ضحكاتها مع نفسها ..
اتصالاتها لأهلها .. و تنبيهاتها لعمار ….
كالعادة
تفضل ممارسة تلك الفوضى بدون وجود زوجها ..
تستكثر عليه أن يرى ضحكاتها و يشاركها فيها..
أقسى شيء ربما تواجهه ..
أن تبحث عن حب في عيني من يكرهك .. فلا ترى إلا الصدود..
في اللحظة التي أردت فيها أن أنتزع نفسي من السرير ..
فُتح الباب و وقفت هي بثوبها الطويل الساتر تماما لأي معلم من معالم جسمها ..
رشقتني بنظرات حادة.. ثم خفضت عينيها : الفطور جاهز كفاك نوما ..
ستتأخر عن الدوام ..
كنت جالسا في سريري أبحث عن قطرة حب في عينيها الذابلتين ..
لأرشفها بسرعة أروي عطش قلبي ..
تلك السنون لم تعد تعني شيئا و العِشرة لم تحرك من قلبها ساكنا..
لم ترى فيا شخصاً أهلاً لتعطيه قلبها .. و كانت تمارس انسانيتها فقط
بالاهتمام بالزوج و تحقيق رغباته ..
طوعا لما يمليه عليها دينها .. و ليس قلبها ..
تهرب كالعادة بمجرد أن تراني أبتسم أستدرج قلبها العنيد ..
فهيهات ..
قلبها له موانع عديدة ضد محاولاتي البائسة..
في ذلك اليوم هربت بوسادتها للنوم مع عمار بحجة أنه يخاف الليل ..
و منذ ذلك اليوم فقد عدت أعيش حياة العزاب ..
و لم أجرؤ أن أحفزها للعودة ..
فعينيها تحكي قصص نفور و مقت ..تخبرني أنها لا تستطيع ان تتقبلني نهائيا ..
في كل مرة أقرر أن أحادثها عن حاجتي الماسة لها .. عاطفيا و جسديا ..
فإن عينيها أكبر رادع لي..
مر على زواجنا ما يقارب الست سنوات .. و فجأة رأيتها تتحول لفزاعة هامدة
سُلبت منها الحياة و هي تمثل الحياة لا غير لتطرد الذئاب القادمة ..
نعم تغيرت رباب ..
غزى الشيب بألم شعرها المموج .. و تجعد ذلك الوجه الطيب ..
و اسمر و شًحب و برزت هالات سوداء اقتادتها بعنف لعمر الستين بينما هي
لا تزال في منتصف الأربعين..
في عينيها ندم .. لزواجها من شاب يصغرها بعشر سنوات ..
بعد طلاقها من زوجها الأول ( عبد الرحمن ) الذي كانت تحن له و لأيامه دائما ..
فأين كانت و أين صارت.. أين الثرى من الثريا !
مع محاولاتي الحثيثة لأثبت لها عكس ذلك فإن ذلك لم يزدها إلا كرها لي..
عبد الرحمن هو الحب الأول و الأخير .. و أنا القرار الخاطئ الذي ستندم عليه
طول حياتها ..
الشيئان الوحيدان الذان يبقيانها معي .. طفلنا و المال !
في ذلك اليوم قررت أن أفعل شيئا يحسن نظرتها لي..
نهضت من سريري لأستحم مسرعا ثم أبحث في خزانتي عن بذلة جيدة ..
أرتديها على عجل ثم أطوف في الغرفة باحثا عن حاجياتي المتناثرة ..
هبطت على الدرجات و أنا أنظر لغرفة الطعام .. أقف مبتسما مستعدا بمحاولة جديدة ..
لبث الحياة فيها ..
أتقدم في المطبخ و أنا أنظر لعمار الذي يتناول فطوره .. أنحني قابضا على كتفيه
و أعض خده : يا مشاكس
يضحك بهستيريا و تتبعه ضحكات الخادمة..
أجلس بجوار رباب و أنظر لعينيها الغائرتين في حزن مستديم ..
أبتسم : كيف حال فاضل؟
*فاضل هو ابنها من زوجها السابق ..
كان سابقاً يرفض الدخول للمنزل و يفضل مقابلتها في الشارع .. مراهقته لم
تكن تهمني ..
رغم كل الصدامات بيني و بينه .. و لكنه أصبح رجلا ببلوغه العشرين
همست رباب و هي تنظر لطبقها : بخير لماذا تسأل عنه و أنت لا تطيقه؟
قالت ذلك بنفور فقلت و أنا أمسك بيدها : من قال ذلك ؟ هل كنت أنا أكرهه؟ ..
كانت صامتة و ذلك يعني أنها تحمل في قلبها لي ضغينة كبيرة رغم أني لم
أؤذي ابنها بشيء.. قررت معالجة ذلك..
تنهدت قبل أن أكمل:لماذا لا يسكن معنا ؟؟
فتحت عينيها و نبضت بالحياة لوهلة قبل أن تقول بشك: ما الذي يجعلك تقبل
بذلك؟
ابتسمت و أنا أميل برأسي .. ثم قبلت جبينها بحب .. قلت بهمس و أنا أمسك
بكتفيها و أركز بصري في عينيها :
لأجلك.. بيتي هو بيتك و ابنك هو ابني .. ما يهمني سعادتك يا رباب …
تسمرت ترمقني مطولا و رغم ترددها فأنها احتضتني بعمق و هي تهمس
: شكرا لك .. !
بذراعيها اللتين تطوقان عنقي بثت الي شعورا لذيذا افتقدته منذ شهور ..
أنها العاطفة.. شعرت أني تعرضت لصعق كهربائي و لكنه لذيذ ..
ظننت الأمر سهل لتلك الدرجة و حثثتها أن تدعو الخادمات لتجهيز غرفة فاضل
و اخباره بذلك و هممت بالمغادرة للعمل يغمرني الشعور بالانجاز!!
أنا رجل أفتقر للحب..
لم أجده قط و تمنيت أن أراه في عيني زوجة مطلقة محتاجة ..
كنت أنتظر الحب! لا شيء سوى الحب .. لكني لم أجده..
و أنتشي باللحظات الاستثنائية التي تقرر فيها رباب أن تمنحني القليل من
العاطفة فأهيج كطفل متعطش أحاول ارتشاف عاطفتها قبل أن ينقطع الغيث..
كنت متوترا إثر ذلك العناق المفاجئ .. و قد سخن جبيني فجأة .. و رأيتني
أقود السيارة ال bmw بشرود .. ساهما في حياتي .. المقلوبة رأسها
على عقب ..
فإلى متى أناضل للفوز بحبها و هناك
أخريات كثيرات.. أجمل و أصغر و ألطف.. نفضت هذه الأفكار الشيطانية
و وجه عمار يطل علي ..
هبطت من سيارتي و أنا أتجه لداخل الشركة و أنا أقف بعجل أمام موظف
الاستقبال : جاء حسين؟
-نعم
-شكرا
أتجه لمكتبي ..
أنظر لسكرتيري ثم أقف أمامه و أنا أفتح حقيبتي :
– أخبر حسين أن يأتي بكشوف الصفقة التي جرت .. أستخرج ( اللاب كوت * )
و أدخل مكتبي ..
شركتي قائمة على بيع الأدوية. . النجاح سريع و مبهر لكنه مسور بالتوجس
و القلق ..
مكثت أفحص البضاعة الجديدة و أنا أضع نظارتي الطبية أمام عيني ..
و بجانبي يربض مساعدي يخبرني بسريان عملية البيع السابقة بسلام ..
أصابعي تدير علب الأدوية في اطمئنان و حسين يسترسل في حديثه بسعادة
بأن الحكومة مشغولة عن شركتي و مفتشي البيئة جميعهم فُصلوا من أعمالهم
و أغلقت هيئة المحافظة على البيئة نظرا للأوضاع السياسية المتأزمة ..
أبتسم بسعادة و أنا أغرس أصابعي في شعري ثم أنظر لحسين : ليس علينا
سوى انتهاز الفرص الثمينة !
■□■□
كنت حينها منشغلا بالصفقات التي تجريها شركتي .. مع العيادات و المستشفيات . ..
منشغلا بتفحص الشيكات في حبور ..
قبل أن يدخل السكرتير و يخبرني بوجود شخص جاء وفقا لاعلان شركتي عن
وظيفة مراسل ..
لم أكن متفرغا لذلك .. و كنت أنظر لشيكاتي و ملفاتي قبل أن يجتذبني الاسم
الذي قاله السكرتير
" عبد الرحمن سعيد"
رفعت بصري للرجل الذي قطع المكتب بثقة لا تخفى على أحد.. ثبتت أنظاري
عليه جيدا ..
كان بالفعل عبد الرحمن طليق رباب ..
يَتبع!
" عبد الرحمن سعيد"
رفعت بصري للرجل الذي قطع المكتب بثقة لا تخفى على أحد..
ثبتت أنظاري عليه جيدا ..
كان بالفعل عبد الرحمن طليق رباب ..
تشتت و أنا أصافحه . .
فشد على كفي بقوة و هو ينظر لي بعمق بمعرفة مسبقة بي ..
ابتسامة تَنم عن مشاعر كثيرة !
ثم نظر حوله .. و كأنه يبدو نافراً من فخامة مكتبي ..
كان رجلا يماثل رباب في العمر الا أن حيويته لا تشير لذلك..
(حيا الله بو فاضل )
حييته بأطيب ما لدي و طلبت له قدح من الشاي و جلست و أنا أزيح ملفاتي ..
لأبتسم ببشاشة كما هي عادتي أعالج بذلك تلك الوجوه العبوسة التي تكرهني
أيما كره..
استرخى في مقعده.. و كان رجلا أسمر البشرة ..نحيل الجسد.. نظر لي
بعمق ثم همس
-كيف حال رباب؟؟؟
اجتحاتني رعشة إثر نبرته التي تشير للتحقيق…و كثير من الكره!
قلت بتعاون و رحابة صدر:
بخير .. كيف حالك أنت ..لماذا لا نسمع أخبارك؟
زفر بضيق و همس : و لماذا شخص مثلك ينتظر سماع أخباري ؟؟
ليس مهما يا سيد ليس مهما .. جئت لموضوع اهم…
تأملت قدح الشاي الذي استقر أمامي.. و قد تعودت على ابتلاع الغصّات..
أرفع عيني تجاهه مبتسما : الوظيفة؟
قال بعجالة كي لا أرى حرجه : نعم .. شهادتي ثانوية و قررت العمل هنا لخبرتي
في وظيفة المراسلة و نقل الملفات …
هنا بدأ ضيقي ينمو.. فليست من عادتي توظيف أحد تباعاً للمجاملة و الواسطة !
و بالذات عبد الرحمن لم أكن أريد وجوده في شركتي… و لكني لم أستطع رفضه..
قلت : وظيفة الحارس أنسب !
توسعت عينيه بصدمة .. شعر بالمهانة و بدأ عرقه بالتصبب قبل أن ينهض مزمجرا
: كما عهدتك تمشي على جراح الناس
نهضت و أسرعت لأستوقفه .. أمسكت بذراعه هامسا ..
عبد الرحمن .. افهمني .. لا أريد اهانتك و لكن ..
واجهني بوجهه و حملق بي بعنف :سأستعيد منك رباب حتما
تصلبت ملامحي و أصابعي تسترخي لتترك ذراعه .. نفضني عنه باشمئزاز و غادر ..
رنت كلماته في ذهني بشكل مدوي!!! يستعيد رباب ؟ ألازالا يحبان بعضهما البعض؟؟
¤ | ¤ | ¤
منذ ذلك الحين بدأ شيطان الشك يفيق من غفوته ..
أعود متعبا لبيتي .. أراقب زوجتي فرحة بابنها فاضل و كذلك عمار يكاد
لا يبرح مكانه بالقرب من شقيقه..
.. أقف مبتسما أفك زر قميصي العلوي و أنا أبادر فاضل ابتسامة ودودة ..
-أهلا بك نورت المنزل..
نهض فاضل فبان لي طوله الفارع . .
و أتى علي يصافحني باحترام لم أعهده منه قبل ..
و بلباقة غريبة عليه شكرني على دعوتي للسكن مع والدته و أخبرني
أن أبوه مشغول دائما بالعمل .
و لهذا فهو سعيد أنه سيسكن مع والدته..
قلت : أنت تدرس في الجامعة أليس كذلك ؟؟
نظر لوالدته ثم قال بفخر : أنا أدرس الطب حاليا ببعثة ..
نظرت لي رباب بلوم : أنسيت ؟
ثم نظرت بحب لفاضل و قالت بفخر و هي تربت على ظهره : لم يترك دراسته يوما ..
لطالما كان مجتهدا و محبا للدراسة و استلم البعثة من عرق جبينه و ليس بالنصب
و الاحتيال!!!
قالت الأخيرة بنظرة ملؤها الاحتقار لي و وجدت فاضل يبتسم بسخرية و هو
يشيح بعينيه ..
تذكرت شهادة الطب المزورة و هرعت لأصعد السلم في حرج و شعور ملح بالنقص ..
خلعت قميصي لأنتزع قميصا آخرا من الخزانة و أنظار رباب تلاحقني ..
لم أعلم أنها لحقتني لهنا .. عقدت أزرار القميص و رحت أسوي ياقته ..
فباغتتني رباب بتحذير :-
ابني فاضل هنا رجاءا .. لا أريد منك الاقتراب مني إلى الحدود الغير معقولة ..
عاملني كأي شيء غير أن أكون زوجتك .. ( بحزن * ) لا أريد أن أسقط
من عينه أكثر ..
تأملتها مطولا ثم اقتربت هامسا : لكنك زوجتي .. سأكون له أبا على أن تكوني
لي زوجة فعلية ..
رمقتني بحنق كفيل بأن يحرقني حرقا : زوجة فعلية؟؟؟ هه ! لا تفكر الا بشهواتك ..
و همت بالخروج .. لولا أصابعي التي قبضت على ذراعها ..
همست برجاء -أحتاجك فوق ما تتصورين ..
اهتزت مقلتي التي تبحث في عينيها عن حنان لكنها نفضتني عنها بقسوة ثم صرخت
و هي تشير لشعرها الاشيب و جسدها الهامد :
ماذا تريد بعجوز مثلي ؟؟ كيف تشتهي امرأة مثلي ؟ و أنت في قمة شبابك
و وسامتك.؟؟
قلت بابتسامة حب و أنا أقبل جبينها :
لست شهوانيا يا رباب لجسدك بقدر اشتهائي لعواطفك..(بعبره) أحتاج
حبك و حنانك
تأملتني مطولا ثم أشاحت ببصرها هامسة :للأسف لا أبادلك نفس الشعور ..
ابحث عن امرأة في مثل عمرك ..
( بحسرة ) جميلة تناسب وسامتك ..
( بتقزز ) صغيرة تتحمل شهواتك ..
( بسخرية ) غبية تغض الطرف عن أخطاءك..
( رمقتني بكره )ابحث عن امرأة تحبك…
و فرت مني …و أنا ألاحق ظلالها بعيناي ..
أصوات زغاريد تملئ المَكان .. و عينيّ تهبط في سلامٍ أبدي و أنا أمسك
بأصابعي الباردة على أصابعها النحيلة ..
أُلبسها الدبلة ! لتنتشي والدتها و هي تهب لعناقها !
" مبروك يا رباب ! مبروك عُرسك "
التفتت رباب لوالدتها و تعانقتا بعمق ! بكيتا طويلاً ..و لازلت أنظر لها
في توتر يمازجه الفرح ..
و أحمل عروسي في تلك الليلة الرائعة و أنا أدور بها في غرفتي الواسعة المفتوحة
على البلكونة و على غرفة أخرى للملابس .. و أراها تتشبث بي ضاحكة !
فأنسى أقاويل الناس عن عُمري و عمرها ! فالمهم أني سعيد و هي سعيدة!
في تلك الليلة أظل ألثم كفيها و أنظر لعينيها الرائعتين ..
كانت رباب فيما سبق امرأة ثلاثينية فاتنة .. جميلة التقاسيم
و تحمل ملامح فارسية مشبعة بالقوة و الأنوثة .. لكنها تعمدت أن تهمل نفسها ..
فأنا لا أستحق أن تتجمل لي ..
قالوا لها أهلها..
بأن الزواج الثاني أنهكها.. و أتعبها و كأنهم يلمحون بأني أشقيتها معي ..
و كانت ترد بهمهمة تؤكد ذلك … ..
أجلس في الصالة أراجع الرسائل البريدية التي وصلتني عبر بريد الشركة ..
و أرفع بصري لرباب التي تجلس قبالة ابنها فاضل تحدثه عن حياتها الحالية..
تكلمت عن المنزل و الحديقة و الأطفال و الجو ..
و عن السائق و الخدم و نست أن تتحدث عني ..
ربما لأنها تجهلني!
شعرت بمزيد من الألم مع وجود فاضل .. فمعاناتي في منزلي تنكشف لفاضل
و حتما لأبوه ..
أي عار هذا؟!
.. علاقتي مع فاضل شبه سطحية و لكنني كنت أسترق السمع لأحاديثه مع
والدته و أغلبها تتمحور حول الدراسة و حياة عبد الرحمن الحالية …
أضغط بأصابعي على قلم التلوين الخاص بعمار و أنا أرفع بصري لفاضل
و هو يخبر والدته بهمس أن عبد الرحمن يعاني أزمة مالية ..
و بتفاعل شديد أخرجت رباب لفافة سميكة من الأوراق النقدية لتضعها في
كف ابنها :
أوصل له الأموال و لا تقل أنها مني
كنت أراقبها بعمق و امارات التفاعل و التأثر تموج في وجهها بقوة ..
و عدت أنظر لابني عمار و هو يلون لوحته باتقان..
– لا يا أمي هذه أموال زوجك و أبي لا يريدها.. فاتحتك بالموضوع لتمهدي
لزوجك أن يقوم بنفسه بدعوة أبي للعمل عنده..
رفعت رباب رأسها و شعرت بها تنظر لي و أنا ألون مع عمار في لوحته ..
ثم قالت: هو لن يرفض توظيف عبد الرحمن و لكن من الصعب أن يدعوه بنفسه
إلى الوظيفة
-أمي حاولي .. لأجل أبي
صمتت مطولا هامسة : لأجل عبد الرحمن سأحاول !
*انكسر اللون الشمعي في يدي و تأمل عمار ملامح الارتباك في وجهي..لست
أستطيع انتزاع رباب من عالمها الأجمل.. إلى عالمي الصحراوي القاحل..
أستلقي في سريري دافنا وجهي في الوسادة ..الليل موحش و بيَّ رغبة فطرية
لا يمكنني تجاهلها..
شعرت بنيران تلتهم جسدي ..و تلسعه بلهيب .. فأقبض على وسادتي أستجدي
النوم لينقذني من شياطيني ..
أحترق حتى أكاد ألفظ آخر أنفاسي . .كل شيء فيا ثائر
كنت أتلوى في سريري .. أتعرق و ألهث و ألفظ آهاتِ مكتومة ..
و كانت المعجزة التي حدثت .. انفتاح الباب و ظهور رباب .. أهي آتية لتطفئ
هذا الحريق؟
نزعت عني الغطاء و أنا أبحث في الظلام عن وجهها.. أهمس برقة : رباب ؟
تغلق من خلفها الباب و تشعل النور البسيط هامسة : مستيقظ ؟
هززت رأسي بطفولية : نعم .. تعالي ..
جلست قبالتي و شعرت أنها تحترق بحرائقي و أنفاسي .. همست متفحصة
إياي : ما بك؟
قلت بهمس ..: لا شيء … فقط كنت …
قاطعتني و هي تشيح بأنظارها : جئت أحدثك بموضوع ..
كنت أحترق و أتصبب عرقا .. أمسح رذاذ العرق من غرتي .و تهمس هي:-
اسمع .. يقول فاضل بأن أبوه يحتاج الوظيفة و لم يعثر عليها و كما تعلم ..
فأنه لن يأتي لشركتك مهما يكن.. لماذا لا تتصل به و تخبره بحاجتك له؟
و رفعت عينيها لي تنتظر رداً ..
كنت حينها أتحرق و أتلوى بناري .. لمست يدها فعرفت سر حالتي هذه و هبت
قائمة : لست في وعيك !
كانت حانقة علي لأني كنت أفكر في ناحية منافية للناحية التي تفكر فيها فأهم
ما لديها هو طليقها ..
و لا يهم هذا الزوج و معاناته الليلية المستمرة ..
تشبثت بثوبها في ذل مرير و أنا أشيح بوجهي ..
– سأوظفه و سيتاقضى أجرا عاليا .. ( بتحشرج ) فقط هذه الليلة يا رباب..
نفضت هي ثوبها بعنف و هي تحملق بي بشزر : إلام تستدرجني؟
رمقتها بعمق .. ثم همست :" أنا زوجك ما الضير في ذلك ؟
صاحت و هي تبتعد :" قلت لك لا ! و لا تفتح هذا الموضوع ثانية !
برجاء :" رباب ! أنا … "
التفتت لي بصرامة و قالت :" كف عن الالحاح في هذا الموضوع ! كم
أنت مُخجل ..
عضضت على شفتي بحنق :
اذا فليذهب حبيبك الى الجحيم
اقتربت مني ثائرة و زمجرت بغضب :" احترم نفسك يا هذا !!!
جئتك لأطلب منك توظيفه لتضيف حسنات لرصيدك الفارغ ..
ابتسمت ابتسامة جانبية هامساً :" و لن تأتي الحسنات إلا من عبد الرحمن !! ؟"
حدقت بي بغضب حاولت كبته ثم اقتربت لتتكئ على السرير و تواجهني بملامحها
الحادة .. تأملتني بعمق ثم ابتسمت :" أنها صفقة بالنسبة لك ! توظف عبد الرحمن
و أستضيفك في سريري ..؟؟ "
و ابتسمت بسخرية :" أخشى أنك خاسر في هذه الصفقة فالبضاعة التي تود شراؤها
فاسدة! لا تستحق كل هذا العناء "
تبادلنا نظرات حارقة قبل أن تهمس باشمئزاز .. "اخلد للنوم "
فردت قامتها و استدارت مغادرة مغلقة الباب .. تأملت الباب مُطولاً ، هذا
لا يحتمل حقاً ! لا يحتمل !!!
أسرح مطولا في الملفات على مكتبي قبل أن أحرك بصري لصورة عمار المبروزة ..
ابتسمت بحب و أنا أتلمسها .ليوجعني قلبي بقسوة .. حياتي هي محصورة ما بين
العمل و المنزل ..
ما بين الأدوية المربحة و نفور رباب..و رغم هذا فلا سعادة لا في هذا و لا في ذاك..
هل أنا أُعاقب يا ربي؟ على ماذا؟
أطرقت برأسي لأسند جبيني على كفي ..و أنا أبعد كشوف الصفقات و الأرصدة ..
قبضت بأصابعي على غرتي و أنا أتذكر ليلة الأمس ..و التحرق الذي أصابني..
صرت مهووسا بالتفكير بهذا الشيء و كيفية اشباعه.. سواء بالحرام بالحلال بالجبر
بالنهب بالغصب بالغش ..
المهم أن أشبعه.. أنا أمرض هكذا . . أتعذب هكذا! أشعر بالذل و النقص .. أشعر
بالاعياء و عدم التركيز في شيء ..
زفرت ثم شغلت الهاتف المحلي لأخاطب سكرتيري : اتصل بعبد الرحمن سعيد و أخبره
بأنه تم قبوله لوظيفة المراسلة ..( باصرار ) عليه زيارتي اليوم ..
-حاضر سيدي.
أنا للأسف خاضع لها و لإمرها فقط لتدعني أسبح في فلكها..
قدمت لها كل شيء و فتحت لها رصيدا و أمنت لها مبلغا هائلا ..
استقبلت ابنها في منزلي و لم أرفض لها طلبا ابدا.. فقط لتمنحني قلبها !
فقط يا رباب .. ألست أستحق؟
أحببتها بسهولة بمجرد أن عقدنا .. و بنيت في عينيها أبراج آمالي و طموحاتي ..
ولكنها لم تحبني قط .. كانت وفية جدا لزوجها الأول ..
"حالك لا يعجبني !"
رفعت رأسي لأبصر ‘ فواز ‘ صديقي .. و هو يعمل هنا اختصاصيا في الأدوية ..
جلس قبالتي يتأمل سرحاني ..ثم همس و هو يستند للكرسي : ما بك؟
همست:دعنا نتمشى و نتناول الفطور خارج الشركة..
ضغطت على صدغي : أني أختنق هنا
تهب الرياح تعبث بشعري بعنف و أنا أرمق الأرصفة المبللة بالمطر و رذاذه الخفيف ..
أحكم معطفي على جسدي..
و أزفر لتحارب أنفاسي الساخنة برودة الجو .. أشعر بسخونة وجهي و وجنتاي
و تجمد شفتاي ..
لا علاقة بالجو باضطراب جسدي فكل حياتي مضطربة..
أرفع عيناي بضيق لفواز ثم أنظر لمفتاح السيارة في يدي ..
يراقبني لفترة ثم يهمس : ألازلت تعاني مع زوجتك و ابنها؟
أشتت بصري : نعم .. لازالت على نفس الحالة المزرية يا فواز
تحشرج صوتي و أنا أفتش عن كلمات مناسبة تعبر عما في داخلي.. همست بحنق:
لازالت تفكر بعبد الرحمن هذا ! بخلت علي بعاطفتها . و أنا الذي أريدها أما و زوجة
و أختا .. أردتها عائلة لي ..أردتها تحبني فقط!
بهمس غضضت بصري و احمرت أوداجي : لكنها إلى الآن تُحبه ..( بحنق ) ترفض
كل شيء! تبخل عليّ حتى بحقي الشرعي..
قبضت برجفة على كوب القهوة و قلت بهمس : تحملت عجرفة ابنها و تدخلات أهلها
و أخيها الثور الهائج
( بقهر ) بل دست على كرامتي كرجل و رحت أتحمل طليقها و أسمح له بالسلام عليها
في بعض الأحيان على اساس انه ابن عمتها..و ها أنا مرغم على توظيفه في شركتي..
سحقت الكوب الورقي بكفي و انفاسي تتسارع و مقلتاي تهتزان ..
همس فواز بتأثر : أأحببتها حقا؟ و هي التي تناقضك في كل شيء ..؟
قل لي كيف تحب عجوزا مثلها..
زفرت بهمس : أنا لا أراها عجوزا .. أنا أراها فراشة لا يمكنني امساكها أبدا..
همس بجدية و هو يميل بجذعه ناحيتي : رجل متزوج و لا يشبع غريزته ؟
علاجه شيء واحد
همست: هَمّي ليس ذلك فحسب يا فواز ثم أني لن أطلقها لأتركها لعبد الرحمن..
قال بمقاطعة :افهم ما سأقوله أولا …
سحب نفسا ثم قرب وجهه ناحيتي و ابتسم بخبث: انت رجل جذاب حقا ..
و لا احد يصدق انك متزوج بامرأة عجوز
ضيعت ذروة شبابك و لكن لازال هناك وقت للتعويض
ثم همس بمكر… هناك امرأة تدعى صباح تسكن في المنطقة التي تسكن بها أنت
حنونة . و عاطفية و لا تحتاج الا لمبلغ بسيط في كل مرة
قطبت حاجباي:ماذا تقصد؟؟ .. .
|♡|♥ |♡|♥ |♡|.
احمل عمار بذراعي و أشعر بأنفاسه تلفح خدي ..
أدير رأسي له لأمسح برقة على شعره .. سمرته تذكرني برباب .. يشبهها كليا ..
نسخة كاملة من والدته بل هو نسخة من فاضل . أما أنا فأبدو غريب جدا عن هذه
العائلة .. مسحت خده و أنا أحاول ألا أذكر ما تلفظ به فواز ..
: هيا رباب سنتأخر !
في العادة أقلها كل يوم جمعة لتزور أسرتها.. و أتهرب من لقاء الجميع و أكتفي
بسلام سطحي من نافذة السيارة على من يراني ..
على عكس أزواج أخواتها.. فلهم مكانة عظيمة لدى عمي و عمتي ..
نصعد السيارة .. لأنسق المرآة بكفي .. رباب تجلس في المقدمة .. أتاملها بالخمار
الأسود و العباءة الفضفاضة التي تضعها على رأسها.. محتشمة هي كثيرا ..
و متشبثة بدينها فوق ما تتصورون ..عكسي!
و في الخلف يجلس فاضل يتأملني بنظرات باردة مستفزة ..
-عمار اجلس
-أبي ستشتري لي بوضا؟
-حسنا
تتدخل رباب بحدة لتنظر عمار : كم مرة قلت لك البوضا مؤذية لك يا عمار؟
كفي تحرك المقود في هدوء متنهدا مع ثرثرة المذياع.. أرفع بصري للطائرات المروحية
في الجو فيصرخ عمار بفرح "طااائرة"
لفظت رباب كلمات استغفار و أشياء لم أفهمها إلا عندما قالت: أنهم لايبرحون مناطقنا ..
نقاط التفتيش منتشرة في كل مكان و الطائرات تحلق فوق رؤوسنا .. ما ذنبنا نحن؟
لم تكن توجه الحديث لي على أية حال ..
أردف فاضل و هو ينظر لي بقرف مغلف بابتسامة سخرية: أمي اسكتي فعندنا هنا مخابرين
و جواسيس ..يبحثون عن مناصرو المعارضة ليرموهم في السجن"
رفعت بصري لتتلاقى عيناي بعيناه في كره محموم .. ..
ما يغيظني في عائلة رباب أن يتهموني بأني عميل للحكومة بمجرد أني شخص حيادي
لا أؤيد مشاريع المعارضة و خطط الحكومة .. فأية حرب لن تكون من صالح تجارتي
على أية حال..
هذه الحيادية تجعل الطرفين ينظران لي بشك ! الحيادية مريبة أحياناً !
همست و أنا أنظر لفاضل بحنق :" أنا جاسوس يا …."
كنت أحضر لحرب مع هذا المراهق المتأسد علي .. و لكن رباب قاطعتني بحدة
: انظر للطريق !
و زجتني في موضوع لا أدري كيف فتحته و لكنه أصابني برغبة بالتقيؤ :
اليوم يقيمون بيت أهلي وليمة غداء و أنت مدعو عليها ..
لم أرغب بالاستفسار أو محاولة التملص و الهروب .. فكلمات فاضل أصابتني بمقتل !
بسبب رضا الحكومة عن تصريحاتي و شهاداتي الحيادية في الصحف بشأن سريان
التجارة بشكل سلس و قوي. .. صار الجميع يتهمني بالعمالة و الاستخبار للحكومة ..
و لم يعد يجدي الحياد نفعا مع أسرة تشبعت فكر المعارضة بقوة ..
بيد اني رئيت الكاتب يركز على النواحي الجسديه ونقاط ضعف الرجل بينه وبين زوجه
ولم يتتطرق لحال الزوجه رباب ان عاطفيا" او جسديا"
واما بالنسبه لبطل الروايه هيهات ان يجد الرجل من يجله ويقدره ان ازل نفسه
ولم اجده يحب زوجته محبة كامله فقط كان يحب جسدها ولا يشعر بازلالها له وتحقيره
ولو انه اخذ حقه منها كزوجه ولو بالقوة لكانت ايقنت انه رجل ولخضعت كل الخضوع له ولرغباته
ان الزوجه ان كانت تملك من قوة الشخصيه على ثبيل المثال 50 نقطه فانها لاتخضع لرجل لايملك اقل من 100 نقطه من قوة الشخصيه
ولله المثل الاعلى للرجل مثل حظ الانثوين
لايستحق جبروت هكذا امرئة الا رجل جبار فقد سحقت جبروته وكبريائه وتسلل الى قلبها انه لايستحقها وانا بصراحه بجانب الزوجه وليس لجانب الرجل
الحق احق ان يتبع
تقبلي مروري انستي وغظاظتي
ليس لي ان اقول غير الذي ذكرت