يحتل يوم الحادي والعشرين من شهر شعبان عام 1402هـ الموافق الثامن عشر من شهر يونيو عام 1982م منزلة خاصة في تاريخ المملكة العربية السعودية ، حيث تولى خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم مسترشداً بنهج والده الملك عبدالعزيز في بناء الدولة والمجتمع والسير بهما نحو أعلى المستويات الحضارية . ولقد شهد عهد خادم الحرمين الشريفين تحقيق منجزات متميزة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية توجت بتطور كبير في المجتمع انعكس على الارتقاء بمستوى المعيشة ونوعية الحياة في ظل استتباب الأمن وتكريس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ، وإلى جانب رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز لخطط التنمية الشاملة وإنشاء البنية الصناعية في المملكة والإنجازات الحضارية ، فقد حدثت في عهده أضخم توسعة تاريخية للحرمين الشريفين .
كما تميز عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بصدور النظام الأساسي للحكم ، ونظام مجلس الشورى ، ونظام المناطق في السابع والعشرين من شهر رجب عام 1412هـ الموافق الواحد والثلاثين من شهر يناير عام 1992م . وقد صيغت هذه الأنظمة الثلاثة على هدي من الشريعة الإسلامية معبرة عن مبادئ الدولة السعودية وتقاليد مجتمعها وأعرافه
ويعد إصدار هذه الأنظمة الثلاثة توثيقاً لمنهج قائم ، وصياغةً لأمر واقع معمول به وفق مبادئ الشريعة الإسلامية التي قامت عليها الدولة السعودية منذ نشأتها المبكرة ، قبل ما يربو على قرنين ونصف ، وهي استمرار للمنهج الواضح الذي نهضت عليه الدولة .
كما وصلت المملكة نتيجة لسياسته ورعايته إلى مركز مرموق في الساحة العربية والإسلامية والدولية واتسمت السياسة الخارجية السعودية في عهده بالفاعلية والواقعية وإيجاد الحلول المناسبة لأهم القضايا العربية والإسلامية .
إن نشأة خادم الحرمين الشريفين كانت نشأة قائد وزعيم بالفطرة، فقد ولد ونشأ في بيئة محملة بعناصر الخير والسؤدد، ولم يتعرض للتأثيرات المضادة بحمد الله.
حيث ولد على أرجح الأقوال وأقربها إلى الصحة عام 1340هـ الموافق 1921م في الرياض في قصر الديرة، الذي أنشأه الملك عبدالعزيز عام 1328هـ الموافق 1910 م فكان لذلك المولود الميمون موعداً مع العظمة، وكانت ولادته بشارة خير وطالع سعد في دنيا الملك عبدالعزيز، فقد كانت فترة مولده هي الحين الذي عقد فيه السلام، وتعززت فيه أحلام الوحدة الشاملة، وتوالت الانتصارات في معارك التوحيد الحاسمة.
ولد هذا الملك من أم سليلة أمجاد هي الأميرة المرحومة حصة بنت أحمد بن محمد بن أحمد السديري، وكانت امرأة بالغة الحنان والحب، فقد وهبت نفسها بإخلاص لتنشئة هذا الابن الأول منها للملك عبدالعزيز، وكانت رحمها الله قد أنجبت ولداً ذكراً قبل الملك فهد من أخ الملك عبدالعزيز الأمير محمد بن عبدالرحمن الذي فارقها بعد إنجابها لابنه الأمير عبدالله بن محمد فاستعادها الملك عبدالعزيز إلى عصمته، وكان قد تزوجها وهي صغيرة، ففارقها، وبعد استعادتها أنجبت له هذه السلسلة المباركة من البنين والبنات.
كانت الأميرة حصة والدة الملك فهد من فضليات النساء، ومن أعقلهن وأقربهن إلى قلب الملك عبدالعزيز، وقد أشار إلى احترامه لهذه السيدة والإشادة بعظمتها وحصافة رأيها ودينها في أكثر من مناسبة.
وكانت لهذه السيدة العظيمة طريقتها الخاصة في تنشئتها لأبنائها تنشئة صالحة، كانت تعقد معهم ذكوراً وإناثاً اجتماعات خاصة تستعرض فيها معهم حسن سير تقدمهم في دراستهم وشؤون حياتهم وتناقش معهم بصراحة ووضوح كل ما يهمهم.
كانت شديدة الاهتمام بالغة الحرص في تنشئة أبنائها على الدين القويم، والولاء الشديد لأسرتهم ووالدهم، وقد كان الملك عبدالعزيز يحب هذه السيدة ويقدرها حق قدرها حتى آخر رمق في حياته.
كانت تلك السيدة فخورة أيما افتخار بأبنائها جميعاً، وكانت تعتز بتقدمهم ونجاحهم في حياتهم وبذلهم نشاطهم في خدمة والدهم العظيم الملك عبدالعزيز، فكان من ثمار ذلك الاعتزاز وتلك التنشئة أن أصبح أبناؤها من عبدالعزيز في مقدمة حاملي مسئوليات الحكم في عهد والدهم وفي عهد الملوك من إخوتهم إلى أن آل الأمر إلى أكبرهم سناً الملك فهد خادم الحرمين الشريفين.
شب وترعرع الملك فهد في حقل تلك البيئة الصالحة، شامخ القامة يعمر قلبه الإيمان، ومحبة والديه وعائلته الكريمة، وكان لأخيه الأمير عبدالله بن محمد الذي يكبره بأكثر من أربع سنوات فضل توجيهه إلى الشموخ ، وكان يلازمه وكل إخوته الآخرين ويعيش معهم في دار واحدة، كما كان لهذا الفتى الملك حاشية من أترابه منهم من يكبره والبعض الآخر في مثل سنه، وقد اختيروا بعناية وصحبوه وطالت بهم الصحبة ولازال بعضهم يصحبه حتى اليوم مما عد مأثرة لها مدلولها الإنساني الرفيع. وأتذكر من بين أولئك الرجال: إبراهيم بن حماد، وسليمان المطوع، والمرحوم فيصل ابن محيسن آل رشيد، ومحمد وعبدالعزيز آل دحام، والهيلم أبو وردة العجمي، وأخوان من آل دغيم، وعبدالله وثنيان آل ثنيان، وسليمان بن عرفج، ومحمد بن نايف العتيبي، ومحمد الملقب ب«الدخيخين» وطويل بن طويل، وراشد بن عبدالرحمن بن رويشد، وغيرهم .
وكان الفتى الملك وأخوه عبدالله بن محمد يستقبلان الناس في مجلس واحد، ويزوران الوالد العظيم الملك عبدالعزيز ويجتمعان به وبوالدتهما في وقت واحد مع إخوتهما ممن يصغرهما سناً، بل كانت مجموعة المرافقين والحاشية لهما ولإخوتهما الصغار واحدة فكان ذلك مما يلفت الانتباه ويثير الدهشة لدى والدهما ولدى الآخرين.
وعندما بلغ الفتى السادسة من عمره وشب عن الطوق ألحقه والده بمدرسة القصر، وهي عبارة عن غرفة واسعة الأرجاء يدعم سقفها ثلاثة أعمدة وتقع غرف منافعها خارجها، وكانت في الطابق العلوي إلى جوار مكاتب الملك عبدالعزيز، وهي غير المدرسة القديمة التي أسست في نهاية قصر الديرة من الغرب بجوار مخازن القصر، وتقع في الدور الأرضي من القصر، والتي أنشئت حين أنشىء قصر الديرة عام 1328هـ الموافق 1910م ، وقد درس بها الجيل الأول من أبناء الملك عبدالعزيز، الأمير محمد والملك خالد والأمير سعد والأمير ناصر والأمير عبدالله ، وعدد من الأمراء من الأسرة المالكة وبعض الأتباع.
كان يقوم بالتدريس في تلك المدرسة المغفور لهم بإذن الله محمد بن عقيف، وعبدالرحمن ابن عقيف وناصر بن حمدان، وهم من حفظة القرآن الكريم ومن طلبة العلم الشريف. وهذه المدرسة غير مدرسة الأمراء الأخيرة التي أنشأها الملك عبدالعزيز لأنجاله، وأحضر لها عدداً من المدرسين المجيدين بإدارة أحمد العربي وصالح خزامي، وأخيراً إدارة عبدالله خياط، وأحمد علي الكاظمي، وحامد الحابس.
أما المدرسة التي نشير إليها فهي مدرسة وسط بين الأولى والأخيرة وكان يقوم بالتدريس فيها أستاذ يتقن فنون التدريس والخط وتعليم الفنون الشائعة آنذاك، وهو المرحوم« محمد الحساوي» وهو من أهل الرياض، وكان يطلق عليه لقب«الحساوي» لكثرة زياراته وأسفاره للأحساء وبلدان الخليج، إلى جانب مدرسي المدرسة الأولى : محمد بن عقيف وعبدالرحمن ابن عقيف.
لازم الفتى الملك الدراسة في هذه المدرسة ومعه بعض إخوته ممن يكبره سناً، وبعضهم أصغر منه، ومنهم الأمير ناصر بن عبدالعزيز والأمير منصور بن عبدالعزيز، والأمير سعد بن عبدالعزيز، والأمير عبدالله بن عبدالعزيز، والأمير بندر بن عبدالعزيز، والأمير مساعد بن عبدالعزيز، والأمير مشعل بن عبدالعزيز، والأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز، والأمير سلطان بن عبدالعزيز، والأمير فيصل بن تركي، وبعض أبناء أصدقاء الملك عبدالعزيز والملتحقين بالقصر أمثال الشيخ عبدالله بن نافع بن فضلية، والشيخ محمد بن فضلية، والعم راشد بن رويشد، والشيخ عبدالعزيز بن شلهوب، والشيخ سليمان بن حمد السليمان.
وكان يقوم بتدريس المواد الرياضية والخط وبعض الفنون الأخرى الأستاذ المغفور له إن شاء الله الشيخ محمد بن عبدالله العماني الملقب ب«السناري» وهو أستاذ كبير في شؤون التربية والتعليم، ويتقن العديد من الفنون المعرفية استمر هذا الأستاذ يعطي الدروس في المدرسة فترة طويلة، وكان الفتى الملك من بعض تلامذته، ورغم شدته وقسوته فإن خادم الحرمين الشريفين عندما يتذكره يثني عليه ويعترف بفضله الكبير عليه لاتقانه بعض العلوم.
وكان الشيخ السناري أول من أدخل في تلك المدرسة طريقة تعليم الكسور في الرياضيات على الطريقة التجارية، وهي طريقة تختلف عن الطرق الحديثة في الكسور الاعتيادية والعشرية، حيث كانت تلك الطريقة تضع مصطلحاً خاصاً لأرقام النصف والربع والثلث والعشر..الخ وذلك قبل تطور علم الرياضيات في بلادنا، وكانت الطريقة شائعة في الحجاز وفي بلدان الخليج بعامة، وقد هجرت تلك الطرقة في عهدنا الحاضر.
ويظهر أن الشيخ السناري لم يستمر في تلك المدرسة وأعطاه الملك عبدالعزيز إذناً بفتح مدرسة خاصة في مدينة الرياض، فكان أن أسس مدرسة السناري المشهورة في «دخنة» مع الشيخ المرحوم ناصر بن عبدالله بن مفيريج وذلك في حدود عام 1354هـ الموافق 1935م .
ومنذ ذلك الحين تغير وضع مدرسة الأمراء بالرياض حيث أمر الملك عبدالعزيز عام 1354هـ الموافق 1935م بتنظيم مدرسة الأمراء في الرياض، وعهد بالقيام بأمرها إلى الأستاذين أحمد العربي، وحامد الحابس، وفي عام 1356هـ الموافق 1937م أسندت إدارة تلك المدرسة إلى الشيخ المرحوم عبدالله خياط فاختار معه عدداً من الأساتذة منهم الأستاذ أحمد علي الكاظمي، والأستاذ صالح خزامي، وقد استقبلهم الملك عبدالعزيز نفسه عند افتتاح المدرسة بنظامها الجديد، وتحدث معهم بصراحة عما يريده لتعليم أبنائه، وأنه يريد قبل كل شيء الاهتمام بالقرآن الكريم والكتابة وبعد ذلك بقية الدروس، ثم أوضح لهم جلالته كيف يحسن أن يكون سيرهم مع الأمراء وأن يبدأوا معهم باللين والحسنى، وألا يتشددوا ويشددوا عليهم في أول الأمر فينفروا من التعليم.
وكان موقع المدرسة الجديد في الدور الثاني من قصر الديرة قريباً من الشعبة السياسية فهي عبارة عن عدد من الغرف ومنافعها.
والفتى الملك الطالب في تلك المدرسة السابقة هو الابن التاسع للملك عبدالعزيز من بين أبنائه الذكور البالغ عددهم ستة وثلاثين ذكراً.
وكان الملك عبدالعزيز يزور أبناءه في تلك المدرسة، وقد لاحظ تقدم هذا الشاب في دراسته، وأعجب بذكائه وإدراكه ورغبته في الحصول على المزيد من العلم والمعرفة. وفي إحدى المرات لزيارات جلالته لتلك المدرسة ألقى على جلالته الفتى الملك ارتجالاً مجموعة من الأمثال والحكم والمقطوعات الأدبية شعراً ونثراً فسأله الوالد من أين أخذت هذه المختارات التي ألقيتها حفظاً؟ فأجابه الفتى بصدق: أخذتها من كتابي«دروس التهذيب» وهي مادة كانت تدرس في المدارس الابتدائية آنذاك قبل أن يستغنى عنها بمادة المطالعة، فسر الملك عبدالعزيز لجوابه، وشكر مدرسيه على عنايتهم.
بعد ذلك انتقل الفتى الملك إلى المعهد السعودي العلمي وهو معهد أنشأه الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة عام 1344هـ الموافق 1925م على إثر ضم الملك عبدالعزيز الحجاز إلى بقية أجزاء المملكة، وكان الغرض من إنشائه سد احتياج المدارس الابتدائية من المعلمين والمؤهلين، فهو أول مؤسسة تعليمية سعودية خرجت عدداً من الأفراد الذين لعبوا دوراً جيداً في تطور التعليم في المملكة فيما بعد، وقد أعلن عن افتتاح هذا المعهد في الجريدة الرسمية عام 1345هـ الموافق 1926م وكان هذا المعهد يشتمل على أقسام ليلية للموظفين الذين لا تسمح ظروف عملهم بمواصلة دروسهم نهاراً، وكان منهج هذا المعهد يشتمل على دراسة القرآن الكريم والتجويد ودروس العقيدة والإملاء والحساب والقراءة والمحادثة والإنشاء وقواعد اللغة العربية والخطابة ومسك الدفاتر والجغرافيا والاخلاق، وسنن الكائنات«أي العلوم» وغير ذلك.
فكان من الطبيعي أن يضم عبدالعزيز أبناءه إلى مجلسه الخاص في مثل تلك المناسبة ، وهناك حاول الشاب إرواء نهمه إلى المعرفة حيث كان مجلس والده يضم نخبة من رجال العلم من فقهاء وعلماء وأدباء من مواطنين وغيرهم. فكان مهمة الفتى الملك في تلك الجلسات هي الإصغاء بعناية إلى ما يتحدث عنه جلالة والده العظيم، وكان ذلك الفتى الملك دوماً في مستوى المهمات والأحداث، وقد التحق بذلك المعهد السعودي العلمي في مكة، وأعجب والده بخطواته الأولى التي قطعها كما سر من ثناء أساتذته وإشادتهم بذكائه وشغفه الشديد بالعلم، وحب الاستطلاع، واستيعاب التعليم الديني، واهتمامه بدروسه مما كان له الأثر العظيم في مستقبل إيامه.
وكان الشاب الملك ملازماً لمجالس والده حريصاً على أن يطلع مباشرة على طرق والده في إدارة الحكم وتناول شؤون الناس والأساليب الحكيمة التي يتبعها ذلك القائد في تسوية الخلافات ومعالجة مشكلات مواطنيه، مما أكسبه خبرة عظيمة فيما بعد في معالجة شؤون الحياة.
وقد انعكست هذه التربية العلمية على حياة الفتى الملك حيث كان يتعامل مع أبنائه وهم الأمير المرحوم فيصل وبه يكنى، ومحمد، وسعود، وسلطان، وخالد، وعبدالعزيز بعطف وود وإخلاص، كما كان حفظه الله محباً لعائلته الكبرى التي تشمل مواطنيه فهو الأخ لكبيرهم والأب لصغيرهم فالجميع يتطلع إليه كقائد وأب عطوف، ومصدر خير وراع للمحبة والإخلاص والإلفة.
كان من أثر دورسه العلمية التي تلقاها عن والده إغداقه على أبنائه حبه العميق وتعاطفه المليء بالحكمة، ومثالية السلوك، وكان يذكر أبناءه دائماً بأنهم لم يعانوا الظروف التي عاشها، وأن عليهم أن يكونوا مستعدين لمواجهة مصاعب الحياة وأن يتعودوا ولا يستسلموا.
كان يقول لهم بصريح العبارة: أنتم أحرار في تحديد مستقبلكم، لكني أذكركم بأن الصلحاء والأقوياء من الناس هم الذين يعرفون كيف يخططون لمستقبلهم، وليكن لديكم معلوم أنها لا تتحقق الأهداف مالم تدعموها بالعلم والمعرفة والخبرة والخلق القويم، وفوق كل هذا بالإيمان بالله وكتبه ورسله.
وقد عزز الفتى الملك تعليمه وثقافته بمختلف العلوم وبالرحلات العديدة إلى الخارج وحبه لعلم التاريخ، وعلم تاريخ العرب وتقاليد أسرته، وقبل ذلك تفهمه لتعاليم الدين الحنيف وفضائله، وبدأ ذلك واضحاً كما يقول من عرفه في استفساراته المستمرة من والده ومن كبار معاوني والده، فكان الفتى النابغة يحضر مجلس والده ويتعلم خفايا الحياة.
كان ذلك الشاب محباً للقراءة والمعرفة وملماً منذ طفولته بدقائق الحياة السياسية ليس في المملكة فقط بل في العالم العربي والإسلامي والدولي، وذلك من خلال حضوره لقاءات والده مع ضيوفه العرب والمسلمين والأجانب، وقد تميز بين أقرانه برغبة شديد في خوض تجارب الحياة العلمية في سن مبكرة.
شب الفتى الملك هادئاً رصين التفكير، لطيف المعشر، سريع البديهة، وعرف منذ ذلك الحين وهو في سن الصبا بالتعلق بوالده الملك عبدالعزيز، فكانت تميزه خصلتان كريمتان عرفهما كل من عرفه فيما بعد صبياً وشاباً وكهلاً، تلك الخصلتان هما: الحزم في غير شطط أو عنف واللين دون تراخٍ أو تسيب.
وقد أبدى ذلك الفتى منذ طفولته الأولى شغفاً كبيراً بالحفاظ على التقاليد المرعية للأسرة السعودية الكبيرة، فكان شغوفاً إلى حد كبير بحب الخيل والتعلق بها، وإعداد مرابط للأصائل منها إلى درجة أنه لا يذكر له فرس أصيل إلا حاول أن يشتريه وأن يغري مالكه بالتخلي عنه بأي ثمن، وكان وهو في سن مبكرة يمتطي الخيل، ويشارك إخوته وأعمامه في السباق الذي يقام بين فترة وأخرى بين يدي والده في مضمار الخيل القديم والذي يقع خلف بوابات الرياض الشرقية مباشرة، وكان مضمار السباق يومذاك يمتد ما بين مدخل بناء بستان الشمسية شمال الرياض الواقع في قلب أسواق الشمسية اليوم، إلى أن ينتهي بنهاية أسوار بساتين البطيحاء جنوب الرياض القديمة، و«البطيحاء» بستان نخيل واسع يمتلكه أبناء المرحوم سعد بن عبدالرحمن أخو جلالة الملك عبدالعزيز، ويقع نهاية المضمار اليوم بالقرب من كلية البنات جنوبي البطيحاء.
كان الفتى الملك يشارك إخوته الكبار وأبناء عمومته وعدداً من الفرسان في السباق، وكان الأمراء آنذاك والفرسان يمتطون صهوات جيادهم بأنفسهم عند انطلاق السباق، ومن بينهم الفتى الملك في منظر أخاذ، حيث تصطف الخيول جنباً إلي جنب عند بدء السباق على مدى المضمار الشمالي، يستعرضون بها مهاراتهم الفروسية، حيث يطلقون تلك الرماح والبنادق في الهواء ثم يلتقطونها وهم على ظهور الجياد، قبل أن تهوي إلى الأرض عند صرخات المشجعين والمشاهدين، وبلغ من حب الفتى الملك للفروسية وتعلقه باقتناء الخيل آنذاك أن أصبح يملك مربطاً مشهوراً في جنوبي الرياض، يملكه مع أخيه الأمير عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن، ويقع ذلك المربط قرب مربط الأمير محمد بن عبدالعزيز، وكلا المربطين يقعان فيما يعرف اليوم بمسجد العيد جنوبي الرياض.
وكان يمتلك فرساً مشهورة بلغت شهرتها حداً كبيراً وقد أقيم في حياة الملك عبدالعزيز حفل سباق حافل كسبت به تلك الفرس فوز السبق بين خيول كثيرة لها شهرتها وكان يمتطيها في ذلك السباق أحد أتباعه ويدعى «الهيلم» من فرسان العجمان من آل سفران، وهو لا يزال بحمد الله حياً يرزق، فأجزل الملك عبدالعزيز رحمه الله لصاحبها الجائزة لتميزها فتبرع بالجائزة للفارس، وانهالت على الفارس من المشاهدين والمعجبين بتلك الفرس الجوائز الكثيرة إعراباً عن إعجابهم بالفرس وحركات الفارس.
وعندما بلغ الفتى الملك السادسة عشرة من عمره سنة 1356هـ الموافق 1937م اختار له والده ابنة عمه الجوزاء ويدعونها «جوزاء» بنت الأمير عبدالله بن عبدالرحمن أخي الملك عبدالعزيز فتم زواجه منها، لكن ذلك الزواج لم يدم طويلاً، ثم تزوج بعد فترة من ابنة عمه تركي بن عبدالله بن سعود آل فيصل ثم تزوج أخرى بعدها من أخواله آل السديري الكرام، وأخيراً تم زواجه من ابنة عمه العنود بنت عبدالعزيز بن مساعد ابن جلوي التي أنجبت له عدداً من البنين والبنات وهم: فيصل الرئيس العام السابق لرعاية الشباب رحمه الله، ومحمد أمير المنطقة الشرقية، وسعود نائب رئيس الاستخبارات العامة، وسلطان الرئيس العام الحالي لرعاية الشباب، وخالد وهو رجل أعمال، أما ابنه الأخير الأمير عبدالعزيز فهو من الأميرة جواهر بنت الأمير إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم، ويشغل هذا الأمير اليوم رئيس ديوان مجلس الوزراء وعضو مجلس الوزراء .
وما دمنا بصدد الحديث عن طفولة هذا العاهل فلابد أن يمتد بنا الحديث إلى عهد الشباب عنده، وقبل أن يشغل مناصبه الرفيعة في عهد والده ثم في عهد إخوته الملوك: سعود وفيصل وخالد، الذين شغل في عهودهم مختلف المناصب الحساسة وحمل مسئوليات جساما ما جعله الملك الأكثر خبرة واستعداداً في تاريخ هذه الدولة.
فقد كان في شبابه يقوم بمعالجة الكثير من شؤون البادية والحاضرة بأمر من والده مما أكسبه خبرة ظهرت قيمتها عند تولي مسئولياته الجسام بعد ذلك.. وكان وهو شاب لم يتجاوز الرابعة والعشرين من العمر إلا بقليل قد كلفه والده بمرافقة أخيه الأمير فيصل إلى الاجتماع التأسيسي لهيئة الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية في 16 رجب عام 1364ه الموافق 26 يونيو 1945م ثم بعد ذلك بعثه والده الملك عبدالعزيز ليمثل المملكة العربية السعودية في حفل تتويج ملكة بريطانيا، وعندما توفي الملك عبدالله ابن الحسين مغدوراً به في القدس سنة 1367هـ 1948م بعثه الملك عبدالعزيز نيابة عنه ليحضر الصلاة عليه ويشارك في العزاء مع رؤساء الوفود العربية التي شاركت في دفنه وتقديم العزاء لذويه، ثم بعث في مهمة مماثلة عند وفاة الشيخ أحمد الجابر الصباح نيابة عن والده للتعزيه وتهنئة الحاكم الجديد.
وعندما تولى الملك سعود يرحمه الله الحكم عين الشاب الأمير فهد أول وزير للمعارف عام 1373هـ الموافق 1953م ومنذ ذلك الوقت أصبح الملك رائداً للتطور التربوي في المملكة العربية السعودية.
وهكذا أخذت مسيرة العلو والصعود تجتذب ذلك الطفل المهذب ثم الشاب الذي عرف بتواضعه وتسامحه إلى درجة أذهلت كافة من عرفه سواء من المواطنين السعوديين أو من رفاق والده، أو من الضيوف الأجانب الذين التقى بهم والتقوا به، لكنهم مع ذلك يعترفون أنه مع ذلك التواضع والتسامح رجل المواقف الصعبة التي تظهر عندها عزيمته ويبدو حزمه للعيان، كما يعرفون جيداً وبعد ممارسة طويلة مدى قدرته الفائقة على اتخاذ القرارات الحازمة في المواقف التي يتردد عندها الكثيرون وتأخذهم الحيرة. وما من شك أن ما يميز ذلك العاهل في طفولته وشبابه وكهولته تلك المقدرة على الإحساس بآلام الآخرين، وهمومهم، وهذه الصفة بالذات تعد قاعدة أساسيه لديه مع مجموعة أخرى من الصفات النبيلة.
ولعل من أبرز صفاته طفلاً وشاباً وكهلاً أنه من الخطباء المعدودين في المملكة بل وفي العالم العربي، كما أنه ممن لا يقرأون من ورقة أو يخطب من سجل معد مسبقاً، بل إنه يتحدث دائماً إلى مستمعيه بشكل تلقائي، وعلى الرغم من ارتجاله للكلمات فإنها تجيء آية في البلاغة والإحكام، ويقول الذين يعرفونه حق المعرفة إن كلامه العادي مليء بالملاحظات الذكية والأمثال والاستطرادات التي تجعل سامعه يود ألا يتوقف عن الحديث، وله من الكلمات المتألقة ذات الدلالة على عمق صلته بثوابت أمته في شؤون الدين والمجتمع والحكم والسياسة ماهو مبثوث في خطبه ومقابلاته. وما من شك أن ذلك مرده إلى النشأة الأولى التي تلقاها على يد والده الملك عبدالعزيز.
وقد ورث عن والده عبدالعزيز شخصية جذابة وقوية شديدة الهيبة سواء في المملكة أو خارجها وقد أعرب العديد من القادة والزعماء الذين التقى بهم في العديد من المناسبات عن قوة شخصيته في المباحثات والمفاوضات. (عبدالرحمن بن سليمان الرويشد)
كلف الملك عبدالعزيز ابنه الأمير فهد بالعديد من الأعمال السياسية والإدارية ، وذلك من خلال إشراكه في مهمات ووفود رسمية للمملكة العربية السعودية ؛ بل كلفه برئاسة بعضها واستمر تكليفه في عهد إخوانه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد – رحمهم الله – بكثير من الأعمال الدبلوماسية والمشاركات السياسية والمناصب الحكومية . وقد أكسبه ذلك خبرة وتوفيقاً في اتخاذ القرار السديد والحكيم في الشؤون الداخلية والخارجية.
ومن أبرز تلك المشاركات :-
; عضويته في الوفد السعودي الذي رأسه الأمير فيصل للمشاركة في المؤتمر الأول لمنظمة الأمم المتحدة ، وللتوقيع على ميثاق الأمم المتحدة الذي عقد في (سان فرانسيسكو) بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1364هـ / 1945م .
; مشاركته مع والده الملك عبدالعزيز لدى زيارته مصر في 10/2/1365هـ 13/1/1946م حيث قلده الملك فاروق الوشاح الأكبر من نيشان النيل .
; تمثيله للملك عبدالعزيز في حضور حفل تتويج الملكة (إليزابيث) ملكة بريطانيا في عام 1372هـ /1952م .
; مرافقته الرئيس اللبناني (كميل شمعون) أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية في عام 1372هـ/1952م .
; مشاركته في الدورة التاسعة للمؤتمر الثقافي لجامعة الدول العربية وافتتاحه الاجتماع الذي انعقد بجدة في 21/5/1374هـ الموافق 15/1/1955م .
; رئاسته للوفد السعودي إلى اليمن في 13/8/1374هـ الموافق 6/4/1955م .
; رئاسته وفد المملكة العربية السعودية للمشاركة في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية بالدار البيضاء في 27/2/1379هـ الموافق 31/8/1959م .
; رئاسته الوفد السعودي المشارك في حضور اجتماعات مؤتمر وزراء الخارجية العرب في 1/3/1380هـ الموافق 23/8/1960م .
; رئاسته الوفد السعودي المشارك في مؤتمر رؤساء حكومات الدول العربية المنعقد في جامعة الدول العربية بالقاهرة في 6/9/1384هـ الموافق 8/1/1965م .
; رئاسته الوفد السعودي في المؤتمر الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة بتاريخ 16/12/1384هـ الموافق 18/4/1965م .
; رئاسته الوفد السعودي في الدورة الثانية لمؤتمر رؤساء الحكومات العربية المنعقد في القاهرة بتاريخ 26/1/1385هـ الموافق 27/5/1965م .
; رئاسته الوفد السعودي خلال زيارته إلى فرنسا بهدف توثيق العلاقات السعودية الفرنسية بتاريخ 2/7/1387هـ الموافق 5/10/1967م .
; رئاسته الوفد السعودي في زيارته إلى الصومال في 4/4/1388هـ الموافق 29/6/1968م .
; رئاسته الوفد السعودي في زيارته إلى تركيا في 4/5/1388هـ الموافق 29/7/1968م .
; رئاسته الوفد السعودي في زيارته إلى لبنان في 9/5/1388هـ الموافق 3/8/1968م .
; رئاسته الوفد السعودي في زيارته إلى بريطانيا في 28/7/1389هـ الموافق 9/10/1969م .
; رئاسته الوفد السعودي عند زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 2/8/1389هـ الموافق 13/10/1969م .
; رئاسته الوفد السعودي إلى بريطانيا للمشاركة في المحادثات المتعلقة بمستقبل منطقة الخليج العربي بعد انسحاب بريطانيا منها عام 1389هـ / 1969م .
; رئاسته الوفد السعودي في المباحثات السعودية اليمنية بجدة في 17/5/1390هـ الموافق 20/7/1970م .
; رئاسته الوفد السعودي في المحادثات السعودية البريطانية بلندن في 7/10/1390هـ الموافق 5/12/1970م .
; افتتاحه مؤتمر ميثاق التضامن الإسلامي في 27/4/1391هـ الموافق 20/6/1971م .
; رئاسته الوفد السعودي إلى ليبيا في زيارة رسمية في 25/12/1393هـ الموافق
18/1/1974م.
; رئاسته الوفد السعودي خلال زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 14/5/1394هـ الموافق 4/6/1974م .
; رئاسته الوفد السعودي إلى الإمارات العربية المتحدة في 8/11/1395هـ الموافق
11/11/1975م .
; رئاسته الوفد السعودي إلى جمهورية مصر العربية في 29/11/1395هـ الموافق 2/12/1975م .
; رئاسته الوفد السعودي في مؤتمر القمة العربية الحادي عشر بالأردن في 18/1/1401هـ الموافق 25/11/1980م .
وأول منصب تولى مسئولياته خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، هو وزارة المعارف حيث أصدر الملك سعود بن عبدالعزيز أمره الملكي بتعيينه أول وزير للمعارف في 18/4/1373هـ – 24/12/1953م ، وذلك عندما استحدثت وزارة المعارف وأسهم خادم الحرمين الشريفين في بناء النهضة التعليمية وإرساء معالمها الأساسية التي امتدت لترتقي بنواحي التعليم في أنحاء المملكة العربية السعودية واستمر وزيراً للمعارف حتى 3/7/1380هـ ، ثم عُين – حفظه الله – وزيراً للداخلية في عام 1382هـ/1962م ثم نائباً لرئيس مجلس الوزراء عام 1387هـ / 1967م، بالإضافة إلى منصبه وزيراً للداخلية. كما كلف برئاسة اللجنة العليا لسياسة التعليم عام 1385هـ /1965م.
وعندما بويع الملك خالد بن عبدالعزيز بالحكم في عام 1395هـ / 1975م أصبح خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء . وكلف برئاسة مجلس إدارة الخدمة المدنية عام 1397هـ / 1977م .
بويع الملك فهد ملكاً للمملكة العربية السعودية عقب وفاة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله في 21/8/1402هـ الموافق 13/ 06/1982م .
وفي 24/2/1407هـ الموافق 27/10/1986م أعلن الملك فهد بن عبدالعزيز استبدال لقب صاحب الجلالة ليكون اللقب الرسمي : (خادم الحرمين الشريفين) .
ولخادم الحرمين الشريفين مجلس أسبوعي يستقبل فيه عموم جمهور المواطنين، حيث يطلع الملك من خلاله على أحوالهم ، ويتلمس احتياجاتهم، ولولي العهد مجلس مماثل لهذا أيضًا. كما يخصص خادم الحرمين الشريفين يومًا آخر لمقابلة العلماء والمسؤولين ، والنظر فيما يستجد من أحداث تتعلق بمهامهم ، وما له علاقة بأمور المسلمين عامة، وذلك مبدأ درج عليه الملك عبدالعزيز، وسار عليه أبناؤه من بعده.
ويحرص خادم الحرمين الشريفين على مشاركة شعبه في المناسبات والاحتفالات العامة، ورعاية وافتتاح المشاريع التنموية التي تعود على الوطن والمواطن بالنفع والفائدة، كما يشارك أيضًا في رعاية الأنظمة الرياضية والثقافية والاجتماعية، ودعم كل تلك الفعاليات من خلال رصد الجوائز وتقديم الحوافز للمتميزين فيها، مثل: جائزة الدولة التقديرية، وجائزة الملك فيصل العالمية، والمهرجان الوطني للتراث والثقافة ( الجنادرية ) .
شهدت العشرون عاماً من عهد خادم الحرمين الشريفين نهضة حضارية شاملة في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية تمثل امتداداً للنهضة الحضارية التي شهدتها المملكة العربية السعودية منذ بداية التخطيط التنموي في عام 1390/1391هـ ، (1970م) والتي استطاعت تحقيق أهداف كثيرة من أبرزها رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة للمواطنين ، وتنويع القاعدة الاقتصادية، وتخفيض الاعتماد على إنتاج النفط الخام وتصديره كمصدر رئيسي للدخل الوطني ، وتنمية الصادرات غير النفطية ، والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتنمية الموارد البشرية وتعزيز دور القطاع الخاص، وتحقيق التنمية المتوازنة، واستكمال تنمية التجهيزات الأساسية .
وقد شهد عهد خادم الحرمين الشريفين تنفيذ خمس خطط تنموية وذلك حينما تولى حفظه الله الحكم عام 1402هـ/1982م ليستكمل خطة التنمية الثالثة ثم التخطيط والتنفيذ للخطط الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والتي ركزت في مجملها على المحافظة على القيم الإسلامية ، وتطبيق شريعة الله وترسيخها ونشرها، والدفاع عن الدين والوطن ، والمحافظة على الأمن والاستقرار الاجتماعي للبلاد وتكوين المواطن العامل المنتج بتوفير الروافد التي توصله لتلك المرحلة ، وتنمية القوى البشرية والتأكد المستمر من زيادة عرضها ورفع كفاءتها لتخدم جميع القطاعات ودفع الحركة الثقافية إلى المستوى الذي يجعلها تساير التطور الذي تعيشه المملكة، والاستمرار في إحداث تغيير حقيقي في البنية الاقتصادية للبلاد بالتحول المستمر نحو تنويع القاعدة الإنتاجية ، وبالتركيز على الصناعة والزراعة وتنمية الثروات المعدنية وتشجيع استكشافها واستثمارها، والتركيز على التنمية النوعية بتحسين أداء ما تم إنجازه من منافع وتجهيزات خلال خطط الدولة التنموية الثلاث والعمل على تطويره ، وإكمال التجهيزات الأساسية اللازمة لتحقيق التنمية الشاملة.
وانطلاقاً من ذلك، حققت المملكة في ظل الخطط التنموية المتعاقبة ، بتوفيق من الله تعالى ، ثم بفضل التوجيه السديد من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – حفظه الله – ومؤازرة سمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله – ، منجزات تنموية بارزة شملت أبعاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية كافة . فتمكنت المملكة خلال هذه الفترة الزمنية الوجيزة من تحقيق منجزات متميزة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية كافة توجت بتطور كبير في المجتمع انعكس على الارتقاء بمستوى المعيشة ونوعية الحياة في ظل استتاب الأمن وتكريس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي . ففي المجال الاقتصادي ، حققت المملكة إنجازا كبيراً في مستوى معيشة المواطنين ودخولهم الحقيقة فضلاً عن إحراز تقدم ملموس في تنويع القاعدة الاقتصادية ، ومصادر الدخل ، وبناء منظومة ضخمة من التجهيزات الأساسية ، وتعزيز التوجه نحو تهيئة الاقتصاد الوطني للتعامل بمرونة وكفاءة مع المتغيرات والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية .
وعلى الصعيد الاجتماعي ، ارتفع – إلى حد كبير – مستوى الرفاه الاجتماعي للمواطنين من خلال الارتقاء بالجوانب التعليمية والصحية ، وتطورت الموارد البشرية بدرجة سمحت بسعودة أغلب الوظائف الحكومية ، كما اتسع نطاق سعودة وظائف القطاع الخاص . وشمل الإنجاز في الجانب التنظيمي النهوض بكفاءة الخدمات الحكومية من خلال تطوير التنظيم الإداري ، وإعادة هيكلة بعض الأجهزة الحكومية بغية تحسين نوعية الخدمات العامة ، وإنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى ، والمجلس الأعلى لشئون البترول والمعادن ، والهيئة العليا للسياحة ، والهيئة العامة للاستثمار ، للإسهام في ترشيد اتخاذ القرارات ذات العلاقة بالنشاط الاقتصادي وتسريعها .
وكما عملت المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين على تحقيق المزيد من الرقي والتطور الاقتصادي والاجتماعي الداخلي فقد حرصت على المحافظة باستمرار على مكانتها اللائقة عربياً وإسلامياً وعالمياً والنهوض بواجباتها تجاه الأسرة الدولية سواء كان ذلك في تقديم الدعم والمؤازرة للقضايا الإنسانية ، أو في تبني قضايا الحق والعدل والانتصار لها أينما كانت وكله بفضل توفيق الله – سبحانه وتعالى – ثم بفضل ما حظيت به تلك المسيرة المباركة من توجيه دائم من القيادة الحكيمة لهذا البلد، وتفاعل من مواطنين تزكيهم قيم الولاء والانتماء .