قال تعالى : ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) أية كريمة تعيد على مسامعنا وعلى تصورنا موضوع بدأ الخلق ونهايته إلى أهمية هذا الحدث في وجودنا وفي وجود الكون كله .
والمعنى العام الذي نفهمه هنا من بدء الخلق هو بدء خلق الكون بكل ما فيه , مما نراه بأعيننا المجردة ومما لا نراه حتى بأقوى التلسكوبات والميكروسكوبات وربما لن نستطيع أن نراه , ومما نعلمه بعلمنا وتوصلنا إليه بمنطقنا وبحساباتنا ومما لا نعلمه بهذا العلم وقد يظل سرا من أسرار الخالق والخلق , فهذا هو المعنى العام لبدء الخلق وهو المعنى الذي نفهمه من الآية الكريمة :
" يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين "
إن هذا الكون الذي قدرت أبعاده بنيف وعشرين بليوم سنة ضوئية وكتلته بأزيد من 10 وأمامها 55 صفرا ليبدو في يد خالقه كصحائف الكتاب في يد قارئه ! إنه تشبيه رائع يحتاج منا أن نقف أمامه نتأمله ونعيد الفكر فيه .
فهو يخبرنا أولا :
أنه مهما اتسع الكون وكثرت محتوياته وثقل وزنه فهو لن يكبر أو يستعصي على خالقه بل سيطويه في سهولة ويسر كما يطوي صاحب السجل صحائفه ويؤكد لنا العزيز القدير هذه الحقيقة في آية أخرى بقوله إن ذلك على الله يسير ..
" ألم يروا كيف يُبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير "
وفي آية أخرى
" وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض " .
ويشبه لنا ثانيا :
الكون بالصحائف المستوية , وقد يكون الكون مستويا فعلا وهي الحالة بين الكون المنغلق والمنفتح عندما تكون كثافة الكون تساوي الكثافة الحرجة وهذا ما يرجحه كثير من الفلكيين . وقد يبدو لنا مستويا – وإن كان حقيقة غير ذلك – بسبب عظمة حجمة وضخامته كما بدت الأرض لسكانها مستوية حتى اكتشفوا أنها كروية . وهنا نرى مدى قرب تشبيه الكون لصفحات السجل , استواء نراه في الكون من كل جانب حتى يخيل لنا أنه فعلا مستويا – وقد يكون كذلك – لا ستواء الصحائف .
بعملية إنكماش الكون وإنهيار فتشبيه طي الكون بطي الصحائف لهو تشبيه تفوق روعته أي وصف ولا يمكن أن يصدر إلا من الحكيم العليم الذي خلق هذا الكون . فبعد تمدد الكون واتساعه إلى ما هو عليه الآن – أو إلى ما سوف يصبح عليه في المستقبل – يطوي الخالق هذا الكون بكل ما فيه فيعود هذا الشيء الذي كبر واستع إلى ما كان عليه . وكأننا نشاهد أمام أعيننا فيلما معكوسا لتمدد الكون نرى نجومه في اقتراب مستمر ونرى مجراته تنضغط وتكبس ويصغر حجمها والكون ينطوي إلى ما كان عليه .
التعبير العلمي أو الإنساني لعملية الإنكماش الذي يتبعه إنهيار هائل هو إنعكاس لما يراه أو يتصوره الإنسان في هذا الحدث الهائل من قوة وعنف تفوق مقدرته وطاقاته بل وخياله – كمخلوق فوق هذا الكوكب الذي هو أحد الكواكب التابعة للشمس التي تعتبر واحدة من بلايين النجوم التي تقع في أحد أجنحة مجرة هي واحدة من بلايين المجرات في هذا الكون ! – عندما يحاول وصف نهاية هذا الكون وما يحتويه .
إذا كان انتهاء الكون حسب التفسير العلمي بإنكماشه ثم إنهياره يساعدنا في فهم الآية الكريمة وفي تفسير طي السماء الآن وإعادة الكون إلى ما بدأ منه , بل الأكثر من ذلك نجد فيه إتفاقا كبيرا مع النص القرآني فليس معنى ذلك أن هذا هو التفسير الوحيد للآية الكريمة , فالطيّ الإلهي للكون ممكن أن يتخذ صورة نموذج الإنكماش والانهيار وممكن أن يتم بصورة أخرى قد نعلمها وقد لا نعلمها .
" ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون "
" أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العظيم "
سبحان الله ~ خالق السماوات والأرض
الذي لا يعجزه شيء