بقلم: فضيلة الشيخ عبد الحافظ عبد الرحمن
الحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على خير خلقه أجمعين
سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وبعد:
فيقول الحق تبارك وتعالى:( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ أن اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (التوبة 71).
وروى مسلم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
قال: الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله وكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وقد بين أهل العلم معنى النصح لعامة المسلمين بقولهم: (والنصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم وستر عوراتهم وسد خلاتهم ونصرتهم على أعدائهم والذبَّ عنهم ومجأنبة الغش والحسد لهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه وتعليم جاهلهم ورد من زاغ منهم عن الحق من قول أو عمل) (جامع العلوم والحكم ص 76).
فواجب على كل مسلم على قدر طاقته وعلى قدر علمه تنبيه الغافلين وتعليم الجاهلين وإرشاد الزائغين وذلك بتذكيرهم بأحكام الدين وآدابه ما بين أمر بمعروف أو نهي عن منكر سالكاً في ذلك سبيل الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة قاصداً بذلك وجه الله عز وجل مع الحذر الشديد من العجب والغرور ومن التعالي على إخوانه المسلمين وقد وعد الحق سبحانه من ساهم في هذا العمل العظيم بالثواب الجزيل في الدنيا والآخرة كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (النساء 114).
وقوله سبحانه:( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ أننِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) ( فصلت 33).
ويدخل هذا العمل العظيم أيضاً فيمن قال الله فيهم ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) (العصر 3).
والتواصي بالحق يعني التواصي على أداء الطاعات وترك المنكرات
مثال ذلك
أن يأتي إلى تارك الصلاة فيذكره بأن الصلاة عمود الدين وأنه لا نصيب للعبد في الإسلام إذا ترك الصلاة وأن من حافظ على صلاته فأنه محفوظ بحفظ الله وعونه ورعايته ومن ضيعها فلا عهد له عند الله ويأتي إلى آكل الربا فيذكره بأن أكل الربا من أعظم الذنوب عند الله فهو أعظم من الزنا وشرب الخمر وأن العبد إذا لم يتب من هذا الذنب العظيم فليستعد لحرب من الله ورسوله.
ويأتي إلى من يبخل بماله فلا يزكيه ولا يتصدق فيذكره بأن المال مال الله وأن الزكاة ركن من أركان الإسلام عظيم وأن الزكاة حق الله أوجبه للفقير والمسكين وأن مانع الزكاة والصدقة بغيض عند الله بغيض عند الناس ومبشر بالعذاب الأليم في الآخرة وأن من زكى ماله أو تصدق منه فمضمون له أن يخلفه الله مثله أو خيراً منه ومبشر بالحفظ في الدنيا من كل سوء ومكروه فضلاً عما سيناله في الآخرة من إثقال في الميزان ورضوان من الرحيم الرحمن ويأتي إلى من يأكل أموال الناس بالباطل بالغش والتحايل أو بالغصب فيحذره أن عاقبة الكسب الحرام خزي في الدنيا وموقف مهول يوم الحساب حيث سيؤدي حقوق من أكل أموالهم ليس بالدينار والدرهم ولكن بالحسنات والسيئات حتى إذا غدا مفلساً من الحسنات حمل على ظهره أوزار من ظلمهم وسيئاتهم ويأتي إلى من يغتاب الناس ويفضح أسرارهم فيذكره أن أكثر ما يدخل الناس في النار هو حصاد ألسنتهم وأن أكثر عذاب القبر من الغيبة والنميمة وأن من هتك استار الناس وكشف أسرارهم فعقوبته معجلة بأن يهتك الله ستره ويكشف عيوبه في الدنيا قبل الآخرة ويأتي إلى من أهمل تربية أبنائه وبناته تربية أسلامية فنشأ ابناؤه تاركين للصلوات متبعين للشهوات ونشأت بناته سافرات كاسيات عاريات فيذكره بأن الأولاد أمانة عظيمة في رقاب الوالدين وأنهما سيسألان يوم القيامة عما صار إليه أولادهم من بُعد عن الدين وتنكبٍ عن الصراط المستقيم وأن فرضا على الوالدين أن يحفظا أبناءهم وبناتهم من نار وقودها الناس والحجارة وذلك بتعليمهم أحكام الدين وإرشادهم إلى مكارم الأخلاق من صدق وأمأنة وعفة وحياء ويأتي إلى من يهجر كتاب الله فلا يتلوه إلا في شهر رمضان فيذكره بأن القران العظيم كتاب الله ودستوره الخالد الذي أنزله على حبيبه ( صلى الله عليه وسلم ) ليكون مرجعاً للأمة وإلى يوم القيامة في جميع أحكامهم وقضاياهم وأن تلاوته وتدبر آياته من أعظم العبادات وأزكى القربات وأن تلاوته في البيت نور وبركة على أهل البيت فلا ينبغي للمسلم أن يمر عليه يوم دون أن يتلو شيئاً منه ولو صفحة أو صفحتين ويأتي إلى من عق والديه أو أساء معاملتهما فيذكره أن عقوق الوالدين من اكبر الكبائر وأن رضا الله في رضا الوالدين وأن من عق والديه فعقوبته معجلة بأن يعقه أولاده وهو أمر ثابت مجرب وأن أعظم بر بالوالدين هو الإحسأن إليهما عند كبر سنهما ويأتي إلى قاطع رحمه فيذكره بأن قطيعة الأرحام من كبائر الذنوب وأن قطيعة الرحم تجعل المجتمع مفككاً مفرق الكلمة تضيع بين أفراده أواصر المحبة والتكافل والتناصر ويأتي إلى المتخاصمين فيذكرهما بأن الحق سبحأنه وتعإلى قد أمر عباده أن يكونوا إخوة في الله تجمعهم كلمة الايمأن وأن الخصام والشقاق هو أسمى ما يتمناه الشيطأن وأن المتخاصمين لا يصعد لهما عمل حتى يصطلحا وأنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.
فتلك أخي المسلم مجرد أمثلة على التواصي بالحق
ويقاس عليها بقية آداب الإسلام فإما التواصي بالصبر فهو على حسب أنواع الصبر وأنواعه ثلاثة صبر على أداء الطاعات ومثاله أن يأتي إلى من قطع صلته بالطاعات بمجرد انتهاء شهر رمضان فيذكره أن وظيفة المسلم أن يعبد ربه عمره كله أيامه ولياليه وأن الملكين الكاتبين يحصيأن على العبد عمله كله في شهر رمضان وفي غيره فعليه أن يستقيم على أمر الله لينال عفوه ورضاه، وصبر عن مواقعه المعاصي ومثاله أن يأتي إلى من ضعف ايمأنه فاتبع الشهوات ويذكره بأن المعصية لذة ساعة يعقبها ندم طويل وأن الصبر عن مواقعة المعصية أهون من الصبر على مقاساة عقوبتها يوم القيامة وأن العبد العفيف الوقاف عند حدود الله من المقربين عند الله عز وجل ثم الصبر على قدر الله وقضائه ومثاله أن يأتي إلى من فقد عزيزاً عليه فيذكره بأن الدنيا لا تدوم لأحد على حال بل هي دار فتنة وعناء وبلاء وأن لكل اجل كتاباً فمن مات فقد مات بأجله الذي كتبه الله عليه وهو جنين في بطن أمه وأن من مات مطيعاً لله فقد صار إلى خير عظيم وأن الحق سبحانه قد بشر الصابرين بأعظم الثواب وهم الذين يقولون عند المصيبة أنا لله وأنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها وليجعل المسلم بدل نحيبه على حبيبه أن يكثر له من الاستغفار والدعاء فكل ذلك يصله بإذن الله.
ختاماً نسأل الله تبارك وتعإلى أن يجعلنا لشعائر دينه معظمين ولهدي حبيبه متبعين وأن يدفع عن امتنا شر الظالمين أجمعين أنه سميع مجيب.
جزاك الله كل الخير وجعله في ميزان اعمالك
دمووع السحاب
وبارك الله فيك
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى أن من سب أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فكأنما سب النبي صلى الله عليه و سلم. لأنه لا يمكن أن يصاحب النبي صلى الله عليه و سلم أصحاب سوء لأن معلمهم واحد هو النبي صلى الله عليه و سلم.
__________________
عن جابر رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة و السلام قال: "و الذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا اتباعي" رواه أحمد والبيهقي بسند حسن.