إن الإيمان والدين يرفع المرء مراتب ويتجاوز الاعتبارات التي يضعها الناس لدنياهم، ماذا يعني فتية من الشباب، فتية خالفوا قومهم – وشذوا بمنطق قومهم – عما هم عليه فذهبوا إلى غار فاختبؤوا فيه مدة طويلة ثم بعد ذلك ماتوا؟ لقد أعلى الله شأنهم، وأثنى عليهم، وشهد لهم بالإيمان وزيادة الهدى فهكذا الإيمان والصلة بالله عز وجل، إنها تتجاوز كل الاعتبارات التي يُعليها الناس اليوم من الجاه والنسب والمال وسائر المطامع،يتجاوز هذا كله لتبقى هي الرصيد الذي لا يزول ولا يفنى.
الوقفة الثالثة: النعي على مشركي قريش:
لقد بدأ الله تبارك تعالى الحديث عنهم بوصفهم بالإيمان (آمنوا بربهم وزدناهم هدى)، وهذا فيه إشارة وإيماء للمشركين الذين لم يؤمنوا وجاءوا يتساءلون عن أهل الكهف ما شأنهم؟ حدثنا عن فتية كانوا في غابر الزمان ؟ إنهم مؤمنون ومهتدون وأنتم ما شأنكم ؟ أنتم كفرتم بربكم وأعرضتم واستكبرتم عن اتباع أمره.
الوقفة الرابعة: للهداية أسباب:
قال عز وجل إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) إنها قضية مهمة كثيرا ما يشير إليها القرآن وقد نغفل عنها ألا وهي: أن الإيمان والعمل الصالح سبب للهداية والتوفيق، كما قال تبارك وتعالى في آية أخرى (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خير لهم وأشد تثبيتاً وإذا لآتينهم من لدنا أجر عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما) ، وقال: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) ،وقال (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)، وقال: (والذين قتلوا في سبيل الله -وفي قراءة أخرى قاتلوا في سبيل الله- فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم)، فالهداية والتوفيق من الله عز وجل لها أسباب، ومن أعظم أسباب الهداية والتوفيق اجتهاد المرء في العمل الصالح والإيمان وتقوى الله عز وجل.
وكما أن للهداية أسباباً، فللثبات عليه –وذلك من تمام الاهتداء أسباب- وهو معنى نحن أحوج ما نكون إليه في هذا العصر الذي أصبحنا نرى الناس يتهاوون صرعاً على جنبات الطريق ذات اليمين وذات الشمال ويتيهون ويضلون، والحديث اليوم الذي يسيطر على كثير من الشباب الصالحين الأخيار هو السؤال عن الثبات والهداية، وتأتي الإجابة هاهنا (إنهم فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى. وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض. لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذا شططاً) فقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والأمر أولا وآخراً بيد الله تبارك وتعالى مقلب القلوب، فالثبات بإذن الله، والتوفيق والربط على القلوب إنما هو بيده عز وجل، وقد جعل الله لذلك أسباباً، فحين يشعر الشاب اليوم أن الفتن بدأت تتناوشه ذات اليمين وذات الشمال، ويشعر بالخوف والخطر على إيمانه – وينبغي أن يشعر بهذا الشعور- فعليه أن يدرك أن الله عز وجل هو الذي يربط على قلوب المؤمنين الصادقين، ومتى؟ حين يفعلون السبب.
الوقفة الخامسة: عظم شأن التوحيد:
لقد قال أهل الكهف(ربنا رب السموات والأرض) فهذا توحيد الربوبية، وذكروا توحيد الألوهية بقولهم (لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا) إنها دعوة واحدة: دعوة التوحيد، وهي دعوة الأنبياء (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، وما أرسل الله عز وجل من رسول إلا أوحى إليه تبارك وتعالى هذه الكلمة، أوحى إليه: (لا إله إلا أنا فاعبدون)، وكما قال صلى الله عليه وسلم:" نحن معاشر الأنبياء وأولاد علات أو إخوة لعلات"، فقضية التوحيد هي قضية الأنبياء منذ آدم ونوح وهود وصالح كل هؤلاء ومن تلاهم ومن لم يقص الله علينا شأنهم كانت مقولتهم لقومهم (اعبدوا لله مالكم من إله غيره) وهي أيضا مقولة أهل الكهف الفتية الذين آمنوا بالله وزدناهم هدى.
والتوحيد هاهنا الذي يأخذ هذا القدر والمنزلة بمفهومه الواسع، وليس بالمفهوم الضيق الذي يحصره طائفة من الناس في دائرة ضيقة في قضايا معرفية بحتة. إن كثيراً من المسلمين اليوم يشعرون أن من الخلل بالتوحيد أن يقول أحدهم ماشاء الله وشئت، أو يقول لولا الله وفلان وهذه أمور ينبغي أن يُحذَّر منها الناس، لكن بعض من يحذر من قول ما شاء الله وشئت قد يقول في الثناء على مخلوق – بلسان الحال لا بلسان المقال-: ماشئت ماشاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار، إن أهل التوحيد لا يليق أبداً أن يكون في قلوبهم تعظيم لغير الله عز وجل، ولا أن تمتليء قلوبهم إلا بالتوجه إلى الله تبارك وتعالى، وأولئك الذين تعلقوا بالدنيا وتعلقوا بالشهوات وصارت هي الحاكم لكل ما يريدون أولئك الذين تمثل قضية الدنيا كل شيء لديهم ينبغي أن يراجعوا توحيدهم.
إنهم لو عظموا الله ووحدوا الله عز وجل، ولو امتلأت قلوبهم بتوحيد الله تبارك وتعالى وتعظيمه لما تجرأوا على ذلك، وأولئك الذين يتجرأون على شرع الله عز وجل فيحرم الله أمراً تحريماً صريحاً واضحاً ثم يتجرؤون على إباحته على رؤوس الأشهاد، أولئك ما قدروا الله حق قدره، وما وحدوا الله عز وجل حق توحيده.
لقد جاء الأمر بالحكم بشرع الله قريناً للأمر بعبادته (إن الحكم إلا لله أمر ألا تبعدوا إلا إياه) فكما أن المسلم لا يصلي ولا يسجد إلا لله عز وجل، فهو كذلك لا يحكِّم إلا شرع الله تبارك وتعالى، والفصل بينهما خلل في التوحيد، إذا فقد كانت قضية التوحيد هي قضية أهل الكهف، كما كانت قضية الأنبياء من قبلهم.
الوقفة السادسة: عظم شأن الدعاء:
فقد سمى الله عز وجل الدعاء عبادة، كما قال إبراهيم عليه السلام (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وادعوا ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا. فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله) فسماه الله عز وجل عبادة، وفي آية أخرى (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادته سيدخلون جهنم داخرين) وقال صلى الله عليه وسلم "الدعاء هو العبادة".
لماذا كان الدعاء هو العبادة؟ ولماذا صار الدعاء قرين التوحيد؟
حين يدعو المرء غير الله فهذا يعني أنه يرجو غير الله، ويعني أنه يعظم غير الله عز وجل، ويعني أنه يشعر أن قضيته بيد فلان أو فلان، أما أولئك الذين دعاؤهم لله عز وجل خالصاً لوجهه فهم لا يرون لمخلوق عليهم فضلاً، ولا يرون لبشر عليهم منّة، ولا يرجون من مخلوق نوالاً، ولا يخافون من أحد غير الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عيك".
الإشراف
لمزيد من الفائدة نرجو قراءة
إنهم فتية1
إنهم فتية
إنهم فتية 3
3- انهم فتية
لكن يمنع إنزال أكثر من موضوع في القسم
يغلق الموضوع ويفتح في الغد إنشاءالله
شكر الله جهدك هذا وجعله فى ميزان حسناتك
بارك الله فيك وجزاك كل خير