ج31: نعم يطالبون بصيام جميع النهار؛ لقول الله تعالى: {فَالانَ بَـشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ} [البقرة: 187] ولقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»(31).
س32: صاحب شركة لديه عمال غير مسلمين، فهل يجوز له أن يمنعهم من الأكل والشرب أمام غيرهم من العمال المسلمين في نفس الشركة خلال نهار رمضان؟
ج32: أولاً نقول إنه لا ينبغي للإنسان أن يستخدم عمالاً غير مسلمين مع تمكينه من استخدام المسلمين؛ لأن المسلمين خير من غير المسلمين.. قال الله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221]، ولكن إذا دعت الحاجة إلى استخدام عمال غير مسلمين فإنه لا بأس به بقدر الحاجة فقط.
وأما أكلهم وشربهم في نهار رمضان أمام الصائمين من المسلمين فإن هذا لا بأس به، لأن الصائم المسلم يحمد الله عز وجل أن هداه للإسلام الذي به سعادة الدنيا والآخرة، ويحمد الله تعالى أن عافاه الله مما ابتلى به هؤلاء الذين لم يهتدوا بهدى الله عز وجل. فهو وإن حرم عليه الأكل والشرب في هذه الدنيا شرعاً في أيام رمضان فإنه سينال الجزاء يوم القيامة حين يُقال له: {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِى الاَْيَّامِ الْخَالِيَةِ } [الحاقة: 24].. لكن يمنع غير المسلمين من إظهار الأكل والشرب في الأماكن العامة لمنافاته للمظهر الإسلامي في البلد.
س33: هل الغيبة والنميمة تفطران الصائم في نهار رمضان؟
ج33: الغيبة والنميمة لا تفطران، ولكنهما تنقصان الصوم.. قال الله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 183].. وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «مَن لم يدع قول الزور والعمل به والجهل؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»(32).
س34: إذا رئي صائم يأكل أو يشرب في نهار رمضان ناسياً فهل يذكَّر أم لا؟
ج34: من رأى صائماً يأكل أو يشرب في نهار رمضان فإنه يجب عليه أن يذكِّره لقول النبي صلى الله عليه وسلّم حين سها في صلاته: «فإذا نسيت فذكروني»(33).
والإنسان الناسي معذور لنسيانه. لكن الإنسان الذاكر الذي يعلم أن هذا الفعل مبطل لصومه ولم يدل عليه يكون مقصراً؛ لأن هذا هو أخوه فيجب أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
والحاصل أن من رأى صائماً يأكل أو يشرب في نهار رمضان ناسياً فإنه يذكِّره، وعلى الصائم أن يمتنع من الأكل فوراً، ولا يجوز له أن يتمادى في أكله أو شربه. بل لو كان في فمه ماء أو شيء من طعام فإنه يجب عليه أن يلفظه، ولا يجوز له ابتلاعه بعد أن ذُكِّر أو ذَكَر أنه صائم.
وإنني بهذه المناسبة أود أن أُبيِّن أن المفطرات التي تفطر الصائم، لا تفطره في ثلاث حالات:
ـ إذا كان ناسياً.
ـ وإذا كان جاهلاً.
ـ وإذا كان غير قاصد.
فإذا نسي فأكل أو شرب فصومه تام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه»(34). وإذا أكل أو شرب يظن أن الفجر لم يطلع، أو يظن أن الشمس قد غربت، ثم تبين أن الأمر خلاف ظنه، فإن صومه صحيح لحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: «أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم في يوم غيم، ثم طلعت الشمس، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلّم بالقضاء»(35). ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا؛ لأنه إذا أمرهم به صار من شريعة الله، وشريعة الله لابد أن تكون محفوظة بالغة إلى يوم القيامة.
وكذلك إذا لم يقصد فعل ما يفطر فإنه لا يفطر، كما لو تمضمض فنزل الماء إلى جوفه، فإنه لا يفطر بذلك؛ لأنه غير قاصد.
وكما لو احتلم وهو صائم فأنزل فإنه لا يفسد صومه؛ لأنه نائم غير قاصد، وقد قال الله عز وجل: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5].
س35: هل يعتبر ختم القرآن في رمضان للصائم أمراً واجباً؟
ج35: ختم القرآن في رمضان للصائم ليس بأمر واجب، ولكن ينبغي للإنسان في رمضان أن يُكثر من قراءة القرآن كما كان ذلك سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يدارسه جبريل القرآن كل رمضان.
س36: ما حكم صلاة التراويح، وما هي السنة في عدد ركعاتها؟
ج36: صلاة التراويح سنة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأمته، فقد قام بأصحابه ثلاث ليالٍ، ولكنه صلى الله عليه وسلّم ترك ذلك خوفاً من أن تُفرض عليهم، ثم بقي المسلمون بعد ذلك في عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر، ثم جمعهم أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه على تميم الداري وأُبيّ بن كعب، فصاروا يصلون جماعة إلى يومنا هذا ولله الحمد. وهي سُنَّة في رمضان.
وأما عدد ركعاتها فهي إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة، هذه هي السنة في ذلك. ولكن لو زاد على هذا فلا حرج ولا بأس به؛ لأنه روي في ذلك عن السلف أنواع متعددة في الزيادة والنقص، ولم ينكر بعضهم على بعض، فمن زاد فإنه لا ينكر عليه، ومن اقتصر على العدد الوارد فهو أفضل، وقد دلَّت السنة على أنه لا بأس في الزيادة حيث ورد في البخاري وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلّم عن صلاة الليل، فقال: «مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى»(36). ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلّم عدداً معيناً يقتصر عليه، ولكن المهم في صلاة التراويح الخشوع والطمأنينة في الركوع والسجود والرفع منهما، وألا يفعل ما يفعله بعض الناس من العجلة السريعة التي تمنع المصلين فعل ما يسن، بل ربما تمنعهم من فعل ما يجب حرصاً منه على أن يكون أول مَن يخرج من المساجد من أجل أن ينتابه الناس بكثرة، فإن هذا خلاف المشروع. والواجب على الإمام أن يتقي الله تعالى فيمن وراءه، وألا يطيل إطالة تشق عليهم خارجة عن السنة، ولا يخفف تخفيفاً يخل بما يجب أو بما يسن على من وراءه.. ولهذا قال العلماء: إنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأموم فعل ما يسن، فكيف بمن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يجب؟! فإن هذه السرعة حرام في حق هذا الإمام.
فنسأل الله لنا ولإخواننا الاستقامة والسلامة.
س37: ما حكم جمع صلاة التراويح كلها أو بعضها مع الوتر في سلام واحد؟
ج37: هذا عمل مفسد للصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «صلاة الليل مثنى مثنى».. فإذا جمعها في سلام واحد لم تكن مثنى مثنى، وحينئذٍ تكون على خلاف ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلّم.. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»(37). ونص الإمام أحمد رحمه الله: «على أن من قام إلى ثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر». أي أنه إن استمر بعد أن تذكَّر فإن صلاته تبطل كما لو كان ذلك في صلاة الفجر، ولهذا يلزمه إذا قام إلى الثالثة في صلاة التراويح ناسياً ثم ذكر أن يرجع ويتشهد، ويسجد للسهو بعد السلام.. فإن لم يفعل بطلت صلاته.. وهاهنا مسألة وهي أن بعض الناس فهم من حديث عائشة رضي الله عنها حيث سئلت: كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم في رمضان؟ فقالت: «ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً»، حيث ظُنَّ أن الأربع الأولى بسلام واحد والأربع الثانية بسلام واحد، والثلاث الباقية في سلام واحد. ولكن هذا الحديث يحتمل ما ذكر ويحتمل أن مرادها أنه يصلي أربعاً بتسليمتين، ثم يجلس للاستراحة واستعادة النشاط، ثم يصلي أربعاً كذلك، وهذا الاحتمال أقرب، أي أنه يصلي ركعتين ركعتين.. لكن الأربع الأولى يجلس بعدها ليستريح ويستعيد نشاطه، وكذلك الأربع الثانية يصلي ركعتين ركعتين ثم يجلس.
ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلّم: «صلاة الليل مثنى مثنى»(38)، فيكون في هذا جمع بين فعله وقوله صلى الله عليه وسلّم، واحتمال أن تكون أربعاً بسلام واحد وارد لكنه مرجوح لما ذكرنا من أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «صلاة الليل مثنى مثنى».
وأما الوتر فإذا أوتر بثلاث فلها صفتان: الصفة الأولى أن يسلم بركعتين ثم يأتي بالثالثة، والصفة الثانية أن يسرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد.