تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الشعر الأسباني

الشعر الأسباني 2024.

ترجمة :هنرى فريد صعب

كتبهاانتصار بوراوى ، في 22 أبريل 2024 الساعة: 12:57 م

الأمواج الهائجة، وهو يغني

(منتقيات من الشعر الأسباني الحديث)

بعدما مرّ عهد المدرسة المتطرفة الذي دام من 1919 إلى 1923 – وهي مدرسة تدعو
إلى هجر "الزخرف في المدرسة التجريدية"، وعنصر الحادثة الموسيقي والمؤثّر،
والى إحياء الشعر القائم على المجاز، واستلهام المواضيع الديناميت والحيّة
في العالم الجديد – بعد هذا العهد، حدث انتقالٌ نحو الأصول التقليدية على
رؤوس أقلام، وصفها الشاعر دامسو الونسو بالجيل الذي لم يثرْ ضد شيء، لا في
السياسة ولا في الأدب. هذا الجيل، رد الاعتبار إلى أساتذته النّوابغ، مثل
أونامونو، ماتشادو، وخوان رامون خيمينيث، كما شُغف بالقيم الكبرى للغنائية
الوطنية. لكنه إلى ذلك، تمسّك ببعض السوابق المتطرّفة:
أولا: الاستعمال الحر للرمز – وهو لا يزال حتى اليوم من أهم عناصر القصيدة.
ثانياً: التبسيط الزخرفي الشعري للواقع. وثالثاً: استبدال الانحطاط الحسي
بالنبرة الفتية والمتفائلة، وأحياناً المتهكّمة. إنه جيل الزخرفة المثقفة
للشعبي عند لوركا، وألبرتي. والشعر الصافي عند ساليناس وغيّين. وكلا
الاتجاهين يمتّان بنسب إلى خيمينيث، معلّمهما بلا منازع. بعد ذلك بقليل، في
أواخر العشرينات من القرن الماضي، قَدُمت حركة ثورية من فرنسا، اسمها
السوريالية، فأشربت الشعر الاسباني الحديث، ألوانا طريفة كادت تتفوق على
مبدعيها الفرنسيين. فبفضل شعراء أخذوا بها، مثل لوركا، ألبرتي، الكسندري،
وثرنودا، غَنِي الشعر الأيبيري بمحتوى درامي، بعد سنوات من الهروب أمام
البيان الشعوري، وحتى اللاإنساني حيناً. هذا الارتداد إلى الإنساني، كان
بحسب زعم دامسو ألونسو، أشبه برومانسية جديدة، جانحة إلى الرقة، والعاطفة،
والصراخ الحاد، والنبوءة. وعلى تلك القاعدة التي تستند إلى وحدة البِدَع
الجمالية الأخيرة، مع الأصفى من التراث الاسباني: (غارثيلاسو، فراي لويس،
سان خوان، غونغورا، كيغيدو، بيكر)، على تلك القاعدة تطاول الشعر الحديث
بقوة، وثقة.

خيراردو دييغو (م. 1896)

تأثر دييغو بكل التيارات الشعرية، التي هزّت بنية الشعر بين 1930 و1945. لكن
صوته، منذ نجح في أَنْسَنة صوره وأفكاره، توصل إلى امتلاك نبرته الخاصة، إنما
ظلت الغونغورية والسوريالية تدمغ مجمل أعماله.

النسيان

النسيان مُشبَع بإشراقات النسيان
والذاكرة اليتيمة تكدّرها الذاكرة
النسيان أيضا أبيض كالثلج في الوادي
والذاكرة سوداء كالثلج على التاريخ.
وهكذا تعبرين المتنزَّه دائماً في حداد
يا العصفورة الهابطة من كستنات الهند
تحت خطاك الخفيفة ترتعش الأوراق اليابسة
كالطائر العائد إلى الأغصان.
ساقاك العاريتان البيضاوان من كَثْرة النسيان
تطالبان بإلغاء اللمس البريء
– روحك مدثَّرة بحجاب البعيد –
ويدي اليمنى تجد نفسها في الحال مقفَّزة.
النسيان كآبة الذاكرة فَرَح
النسيان كئيبٌ كذلك الذاكرة
النسيان ينام نوم النسيان الذّاكرة
تنام نوم الذّاكرة لكني أجهل ذلك.
يسقط الثلج دائماً من رأسك المشتعل
– شعرك منفي – على حقول نسياني.
وأغرق حتى منتصف الجسم في ذاكرتك الطيبة
ذاكرتك المجلّدة. آه، ليتوقف هذا الثلج
أرجوك يا حبيبتي

.

خوان رامون خيمينيث
(1886 – 1958)

حائز جائزة نوبل 1956. حمل في عينيه بياض الأندلس وزرقتها، وأرضها، وبحرها.
كان يصحح قصائده باستمرار، مسكوناً بوسواس الكمال. شعره غنيٌ بالصور والمفردات.

لوحة ليليّة

تتلامس دمعتي ونجمة
وفي الحال تصبحان
دمعة واحدة،
ونجمة واحدة.
وبقيتُ أعمى من الحب
ومن الحب بقيَتْ عمياء السماء.
وبات كل الكون – ليس أكثر –
من عناء نجمة، وضياء دمعة.

هذه البذور
نعم، أيها النقّاد العُنُد: ليكن معلوماً. إني سأزرع بذوري في رؤوسكم، مليون
مرة، إذا لزم الأمر. وذلك لأرى إن كنتم يوماً ستعرفون ما تحمل لكم؛ إن الشعر
الصافي، لا علاقة له مع الصفاء المادي، ولا الصفاء الأخلاقي. وحده الشعر
يُولَدُ صافياً من الغريزة الصافية، من الإنسان الطبيعي

.

بيدرو ساليناس
(م. 1891 – 1951)

الشعر عنده يقترن بالحب. والعالم والأشياء توابع له. نسيجه متراصّ. تميزه
الوحدة الموضوعية والثبات. وهو، وإن بدا في ظاهره ضيّق الأفق، يبقى مرتبطاً
بمسائل الإنسان الكبرى.

الليل: الشك الكبير

الليل هو الشك الكبير
بالعالم وحبِّك.
أنا في حاجة إلى النهار كي يكرّر لي
كل نهار انه نهار، وأنه
الضياء: وأنت حاضرة.
إنه انهيارٌ عظيم
للرخام والقصب،
إنه نصول ألوان
الأجنحة والأزهار:
الليل: الخوف
أخيراً من ضياع كل شيء
– أنتِ، والألوان –
يجعلني أرتجف.
هل أحببتني بكل بساطة؟
عندما تصمتين،
والليل سائد، لا أعرف
إن يكن الحب والضياء يوجدان.
أنا في حاجة إلى هذه الأعجوبة الغريبة:
يوم آخر
وصوتك يؤكد لي
المعجزة أبداً.
حتى لو تصمتين،
في المدى الهائل، يبزغ
الفجر، على الأقل،
نعم، الفجر. والضياء
الذي يغمرني اليوم
هو امتثال العالم
للحب الذي أُكنّه لكِ.

خورخي غِيِّين
(م. 1893)

يُعتَبر احد ممثلي الغنائية الاسبانية الأبرز في القرن العشرين. يقدم لنا
شعراً غنياً، مصقولاً، في نبرة محكمة، وهندسة شعرية أصيلة

الربيع الخفيف

لمّا الفضاء يختصر بدون صورة جانبية
في غيمة
حيرته الضالّة الكبرى
– أين الشاطئ؟ –
بينما النهر بتعرّجاته
يستمر
يفتّش، من منعرج إلى منعرج، راسماً
نهايته
بينما الماء، بخضرته القاسية،
يرفض أسماكه
في انعكاس جوٍّ مبهم
وعميق يرتعش…
لمّا الصباح يقود أروقة
حَوراته البطيئة
بفضل الرواسب المهتزّة
بين أوراق الأشجار
بعد تقدم مُتَلوٍّ
يجمع في خورس
تموّجَ السماء جدَّ الرائع
فوق ريحها
مع المجرى السريع للوقائع
التي تمر في اندفاع…
أيها الربيع جدَّ الخفيف
بين مجاذيف النوتيّة.
الحدائق
الزمن في العمق. أنظر إليه
كيف يتمدّد على الحدائق. كيف يتجوّف.
ها هو يكشف لك سريرته. يا شفافية
المساءاتِ الجمة الملمومة أبداً.
ارض وزمان
عطاءٌ فائق الحدّ: نجدٌ عالٍ
من أجيال النور
يندفع من الشرفات
بعطر مشهد طبيعي.
ينحفر فيكِ
مجرى نهري،
– بلذّة الجريان –
أيتها الأرض، الأرض، يا أرضي.
(ما هي تلك المجاهل،
تلك المظاهر الغامضة؟
وجهاً لوجه يتوافق
صمتي مع واديه.)
أعرف مثل هذه الجمالات،
جدّ الحية، جدّ الحقيقية،
التي لا تُسَلِّم إلا هذا المكان
صيغتها، مفتاحها.
كمثل حواراتك، والهواء،
أتشرّبكَ أيها الوطن،
يا قدَري! فارعَني
حتى أتكامل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.