هندامه،ولا ينسى مسح حذائه الأسود جيداً حتى يجعله يلمع،ويتأكد من شد الحزام
جيداً حول بطنه ليخفي كرشه الدائري،ثم يأخذ نفساً عميقاً حتى ينتفخ صدره
وعندما يمشي يُباعد بين يديه متصنعاً العضلات،أما نظارته السوداء،قلما تفارق
عينيه،وقبل أن يخرج من البيت،تمتد يده إلى حقيبتها،ويأخذ ما يجده من مال.
لا تجرء على منعه،وتحاول أن تكلمه ولكنها تتعثر بالكلمات قبل أن تنطق بها.
– يجب..أن أشتري..طعام..الثلاجة فارغة و و قد أخذت كل ما تبقى
من راتبي..فماذا أفعل.
يجيبها،وأنفه يكاد يلتصق بجبينه:
– أشتري بالدين،وادفعي عندما تقبضي راتب الشهر القادم،ثم يخرج بعد أن
يغلق وراءه الباب بقوة.
يمشي في منتصف الشارع،وقدميه تضربان على الأرض،كما لو أنه يريدها أن تهتز
من تحته،ثم يركب الحافلة المكتظة بالركاب،ويقف بجانب الباب،فيأتي محصل التذاكر
ليرى تذكرته،ينظر إليه بسخط من وراء نظارته السوداء،فيرحل محصل التذاكر
من غير أن ينبس بحرف،فهو لا يدري مع من يتكلم.
ينزل من الحافلة،ثم يتوجه إلى المقهى،يطلب كوب من القهوة وجريدة،ويمضي اكثر
من نصف النهار جالساً على الكرسي،واضعاً الجريدة أمام وجهه،وكأنه يراقب
أحد ولا يريده أن يراه.
عندما يحين موعد مغادرته،يُنادي على صاحب المقهى ويسأله بصدره منفوخ:
– هل يضايقك أحد?هل من مشاكل?
فيجيبه صاحب المقهى،وهو ينظر إلى الأرض:
– كل شيء تمام،لا نريد إلا سلامتك،فهو لا يدري مع من يتكلم ولا يريد أن يعرف.
يغادر المقهى ويدخل إلى السوق،فيتوقف أمام واجهة المحلات،كل محل على
حدى،ويتفحص المعروضات،حتى يظن أصحاب المحلات بإنه يراقبهم.
يعود إلى البيت في موعده تماماً،وكأنه يعود من العمل،ولا ينسى أن ينفخ صدره
ويرفع أنفه عندما يقترب من بيته،وإذا حياه أحد الجيران،فإنه يهز برأسه
وأحياناً،لا يرد.
يدخل بيته ليجد زوجته التي وصلت قبله بدقائق من عملها،تحضر الطعام
وتضعه أمامه بسرعة،ثم تقف إلى جانبه تنتظر طلباته.
ينظر إلى الطعام ثم يصرخ ساخطاً:
– أين اللحم? أين الرز? في كل يوم بيض مسلوق ولبن!
تقف الكلمات بحلقها وتحاول إخراجها بصعوبة:
– لقد أخذت اليوم من حقيبتي كل ما تبقى من راتبي..ولم..يتبقى..
ولكنه يقاطعها،والشرر يتطاير من عينيه:
– راتبك..تعيريني براتبك..وتبدأ الكلمات والألفاظ البذيئة والقبيحة تخرج
من فمه،فيسبها ويشتم أمها وأبيها،ويلعن اليوم الذي تزوجها فيه،ثم يدفع
الطاولة بيده،ليتبعثر الطعام في أرجاء الغرفة.
يتحرك الدم في عروقها،ويغيب الخوف عنها للحظات،فتصرخ مدافعة عن أهلها:
– أهلي أفضل منك ومن أهلك.
يندفع نحوها مثل الثور الهائج،ويوسعها ضرباً مبرحاً،بيديه وقدميه حتى تسيل
الدماء من شفتيها الرقيقتين،فتهرب إلى المطبخ،وتغلق الباب خلفها،ثم تستلقي
وراء الباب كي لا يستطيع فتحه،وتسحب منديلها الأبيض من جيبها،ولا تدري
ماذا تمسح به دماء الشفتين،أم دموع العينين.
و قدرة على الصياغة
شكري لك و احترامي
وسام 2024
على المرور الجميل
تحيتي وتقديري.
على المرور الجميل
تحيتي وتقديري.