بعدَ سقوط بغداد عام (1258م) على يد الاحتلال المغولي بقيادة هولاكو.. عاشت بغداد في ذلك الزمان حقبة خطرة وعصيبة من التاريخ، وقد دخل الشعب العراقي عهداً مظلماً من التحالف والفساد والظلم الذي ساد البلاد، ومنذ ذلك التاريخ المظلم تعرضت بغداد الى موجات متتالية من الحروب والغزوات الاجنبية، وظل الشعب العراقي يعاني آلام الاحتلال المرير ونهب خيراته وتدمير ثقافته وتخريب معالمة.. وظل يتحسس الطريق بصعوبة خلال الظلام الدامس، باحثاً عمن يأخذ بيده ليقوده الى الخلاص والحرية والاستقلال وطرد الاجنبي عن بلاده. وهكذا عاشت البلاد عهوداً طويلة تحت الاحتلال الاجنبي، وختم تلك الفترة الاحتلال العثماني، حيث احتل الاتراك العثمانيون البلاد قروناً طويلة ساد خلالها الفساد والظلم والسلب والتخريب والفوضى حتى اعلان الحرب العالمية الاولى، ودخلت القوات البريطانية الغازية العراق عبر قضاء الفاو لتجتاح العراق وتطرد العثمانيين وتنتصر عليهم في معارك كثيرة. وقد استغرق ذلك نحو اربع سنوات من الحرب والدمار فعاش الشعب تحت تلك الاجواء المرعبة. وبعد ذلك شعر الانكليز انهم بحاجة الى تنظيم ادارة البلاد بحيث تتحقق مطالب ومطامع الجيش الفاتح من جهة ويؤمن قدر معين من السلام للشعب العراقي، واحياء النشاط الاقتصادي والنشاط التجاري لكي يلهو به الشعب لينصرف عن المقاومة. ولكن الشعب العراقي كان يصبو الى التحرير الكامل من الاحتلال وبناء دولة مستقلة بعيداً عن المعاهدات والاخلاق. لقد صمدَ الشعب العراقي امام كل المحاولات الاستعمارية والطرق الذكية، وقد برزت في ذلك الوقت القيادات الشعبية والدينية لقيادة وتوجيه الجماهير الثائرة ضد المحتلين.. وقد استطاع الشعب العراقي من جنوبه الى شماله أن يبدأ بانتفاضة عارمة ضد اعداء الشعب حيث التفت الجماهير حول تلك القيادات الشعبية والعشائرية والدينية والسياسية، وكان لها دور بارز في قيادة تلك الجماهير وبالاخص في ثورة العشرين الباسلة والتي استطاعت ان تأخذ بيد الشعب الى طريق الاستقلال والتحرر من الاستعمار البريطاني.. وقد برزت القيادة الشعبية والتي تحملت مسؤولية الثورة والمعركة والتخطيط والتنظيم لها.
وقد اصبحت تلك الثورة العملاقة نواة لكل ثورات العراق ضد الاحتلال والطغاة.. وقام في العراق بعد هذه الثورة حكم وطني عراقي اكد فيه شخصية العراق والعراقيين في اطار عروبته وتراثه وتقاليده وحضارته وتاريخه وثقافته العربية الاسلامية.. وبعد ذلك وجد الشعب العراقي ان الحكم الوطني الذي حصل عليه العراق لم يحقق اهدافه التي يصبو اليها الشعب، وان الاستعمار الذي انسحب بعد اقامة الحكم الوطني بقي يحكم البلاد عن طريق اذنابه وعملاته.. لذلك قام الشعب العراقي بتظاهرات واحتجاجات صاخبة ضد الاستعمار البريطاني والوزارات التي تشكلت.. وقد زاد من ذلك بعد مصرع الملك (غازي) حيث ازاد حماس الشعب العراقي ضد بريطانيا واعوانها.
وفي عام 1941 انتفض الجيش العراقي الباسل ومن ورائه الشعب لكي يتخلص من الحكم الموجود، لكنّ ظروفا قاهرة منعته من تحقيق اهدافه.. فسالت الدماء واكتظت السجون بالوطنيين والاحرار. وفي عام 1948 تم ربط العراق بمعاهدت (بورتسموث) وكان الشعب العراقي لها بالمرصاد، فانتفض انتفاضة عارمة ونهض الشعب في كل مكان بقيادات ثورية وطنية ودينية واطاح بالحكومة، وبعد مرور اربع سنوات انتفض الشعب العراقي مرة اخرى واطاح بالحكومة عام 1952.. وفي عام 1958 انتفض الشعب والجيش في ثورة 14 تموز واسقط الحكومة والنظام الملكي، وبدأ العهد الجمهوري وكان الشعب اكثر قوة وعزماً بعد أن مرّ بكثير من التجارب الثورية والوطنية والتي اكتسبته قوة وصلابة وعزما وتحديا ضد الاستعمار واعوانه. وهكذا توالت الانتفاضات والثورات ضد الطغاة والمستعمرين واذنابهم وبقيادات شعبية ودينية ووطنية، وكان هدفها بناء وطن مستقل وشعب كريم.
انرتِ ياراقية