أحمد حسن الزيات ( 1885-1968م)
مولده :
ولد في الثاني من نيسان سنة 1885 م في قرية كفر دميرة القديم ، مركز طلخا مديرية الدهلقية .
تعليمه :
دخل الزيات الكتاب في السنة الخامسة من العمر ، وظل فيه حتى أتم العاشرة ، وفي هذه الأثناء تعلم القراءة والكتابة ، وأكمل حفظ القرآن الكريم وتجويده .
وأنس أبوه فيه مخايل ذكاء ونجابة ، فاشترى له ديوان المتنبي ، فكان أول شاعر حفظ له شعراً . كما أرسله إلى مدينة قريبة ، حيث تلقى على أحد شيوخها دروساً في القراءات السبع ، فأتقنها في سنة .
وفي الثالثة عشر من عمره دخل الأزهر فمكث فيه عشر سنوات ، تلقى خلالها علوم العربية والشريعة والتاريخ والأدب . وفي الأزهر عُرف ميله إلى الأدب من قراءة القصص الشعبي وكثرة حفظه للأشعار وأخذ يقول الشعر ، فلمات آنس والده في ابنه هذه الموهبة ، اشترى له ديوان المتنبي ، فكان أول شاعر في حياته حفظ له شعراً .
وعندما أنشئت الجامعة المصرية سنة 1908 م سارع الزيات مع طه حسين ومحمود الزناتي إلى الالتحاق بها ، دون أن ي}ثر ذلك فيما كانوا أخذوا في نفوسهم في الصباح من عكوف في دار الكتب على المصادر والمراجع والدواوين ، ذلك لأن الدراسة في الجامعة كانت مسائية .
وفي الجامعة تتلمذ الزيات لكبار المستشرقين مثل( نللينو) و (وجويدي ) و ( سانتللا ) و ( ليتمان ) .
اختاره المستشرق الفرنسي ( الفرير بلاج ) في سنة 1907 م لتدريس العربية في المدارس الفرنسية ، كما درس بالجامعة المصرية ، وحصل على ليسانس الآداب سنة 1912 م .
وفي سنة 1914 م انتقل لتدريس اللغة العربية في المدرسة الإعدادية ، وفي سنة 1922 م اختارت الجامعة الأميركية الزيات رئيساً للقسم العربي فيها .. وفي هذه الأثناء دخل ( الحقوق الفرنسية ) ومدتها ثلاث سنوات ، أمضى سنتين منه في مصر والثالثة في فرنسا ، حيث حصل على ليسانس من كلية الحقوق جامعة باريس .
آراؤه :
-دعا إلى إصلاح الأزهر وتخليصه من المضمضة بلألفاظ الاصطلاحية ، والجمجمة بالجمل المعقدة على أنها العلم والأدب . -اتخذ الزيات سنة1951-1952م من السياسة وأحداثها على مسرح الحياةالمصرية موضوعاً للكتابة . – كانت دعوته جامعة لإصلاح المجتمع بمحاربة الجهل والفقر والمرض بالتخطيط والتشريع والكتابة . – هاجم الإقطاع هجوماص عنيفاً ومن مقالاته التي كان لها دوي في ذلك العهد مقال ( فلاحون وأمراء ) ومقال ( هبي يارياح الخريف ) وهو ثورة عارمة . – ربط الزيات بين الدين والضامن الاجتماعي ، وهو يرى الفقر سبب الاستجداء والاستخذاء والجريمة والرذيلة . – نقد البيروقراطية وحارب الصقة الجاهلية التي تحسب البر في بناء السبل والأضرحة . – كانت أقاصيصه نقداً اجتماعياً .
محطات :
– في اليوم الخامس عشر من كانون الثاني ( يناير ) سنة 1933 م ولدت مجلة الرسالة وقال الزيات عنها : ( فأهلت على دنيا الأدب قشيبة الثوب مضيئة ، قسيمة الوجه وسيمة .. عربية الملامح أصيلة ) .
– في سنة 1919 م قرأ كتاب ( آلام فرتر ) لجوته بعد هوىً أصابه وعبر عن شعوره حين قرأه فقال : كنت أقرأ ولا أقرأ في الحادثة سواي ، وأشع ولا أشعر إلا بهواي ، وأندب ولا أندب إلا بلواي . فهل كنت أقرأ في خيالي ، أم أنظر في قلبي ، أم هو الصدق في نقل الشعور ، والحذق في تصوير العاطفة .. يظهر قلوب الناس جميعاً على لون واحد .
وقام بترجمته وفي هذا قال : هذا هو موضوع آلام فرتر ، هو بعينه موضوع آلامي ، فلما لا أنقله إذن إلى لغتي ، لينطق عن لساني ، كما ترجم صادقاً عن ضميري . – كتاب الزيات الأول ( وحي الرسالة ) دعوة متصلة ضد الغنى الفاحش ، لبقاء المجيمع وإعادة تنظيمه على أسس سليمة تنبع من أديان الشرق ونظم الغرب . – من الأحداث التي تأثر بها في حياته إصابته برمد في طفولته ترك على كلتا عينية سحابة لعبت دوراً كبيراً في حياته وكيفت مستقبله فقد حرمته دخول دار العلوم وحرمته تولي أي وظيفة حكومية ، فاضطر أن يشق طريقه في العمل الحر . – الحادث الذي زلزل كيانه هو موت ولده رجاء الذي ولد له وهو على أعتاب الأربعين ، ثم اختطفه الموت في عامه الخامس . – في سنة 1933م
ما قاله النقاد :
الزيات أحد أعلام كثيرين أنجبهم الريف المصري وأطلعهم على الحياة الأدبية مشاعل مضيئة ، كان لها في تاريخنا الأدبي المعاصر أثر كبير ، ودور لن تغفى عليه الأيام .
يقول (العقاد) : الزيات كاتب متأنق لا يكتب الصفحة الواحدة إلا في يومين أو أيام ، ولولا اضطراره إلى مسايرة ( الرسالة ) لشغل نفسه بالصفحة الواحدة أسابيع ، وتأنق الزيات تأنق مقبول .. ولكنه حرم أسلوبه من قوة الحركة ، فهو يقهر القارئ على الوقوف من وقت إلى وقت ليسأل عن الطريق .
وفي أسلوبه يقول ( الدكتورمحمد مندور ) : أسلوب الزيات مصنوع صنعة محكمة ، صنعة كلملة ، ولكن الصنعة تبعدنا عن الحياة ، ولكن الكمال يمل .
وهناك في أساليب كبار الكتاب ما يحسه البلاغيون والنحويون ضعفاً وعيباً ولكنه أمارة الأصالة ودليل الطبع ، وإذا كان في جلال أسلوب ( شكسبير ) أو ( فاليري ) ما يسمونه كسر البناء ، فكيف لا يطمئن جهد الزيات حتى يقيم الموازين ، ويقيس المسافات .
مؤلفاته :
– تاريخ الأدب العربي
– في أصول الأدب
– دفاع عن البلاغة
– وحي الرسالة
– في ضوء الرسالة
– العراق كما رأيته
– آلام فرتر ( ترجمة )
– روفائيل ( ترجمة )
– مختارات من الأدب الفرنسي ( ترجمة لقصائد وأقاصيص )
وفاته :
توفي في صباح الأربعاء الموافق (16 من ربيع الأول 1388 هـ= 12 من مايو 1968م) عن ثلاثة وثمانين عامًا.
صادفت خلاء فشغلته ، وخللاً فسدته ، وعبثاً فحاولت أن تصد عنه بإيقاظ النخوة في الرؤوس ، والكرامة في النفوس ، والرجولة في النشء .
ثم حركت في الملكات الموهوبة ساكن الشوق لإلى الإنتاج فأبدعت ، وأهابت بالقوى الأدبية المتفرقة فتجمعت . ثم سفرت بين الأدباء في كل قطر من أقطار العروبة ، فعرفت بعضاً من بعض ، وأطلعت كلاً على عمل كل . ثم قادت كتائب الفكر والبيان في ميادين الإصلاح الأدبي والاجتماعي …
ولو كانت الرسالة اليوم بسبيل أن تكشف عن قلبها ، وأن تحدث عن نعمة ربها ، لذكرت فيما تذكر بلاءها العظيم في إنهاض الأدب ، وتوحيد العرب ، وتخريج طبقة من الأدباء ، وتثقيف أمة القراء ، بل مجاهدتها السلطان الباغي ، والفقر المهلك ..
***
هبي يا رياح الخريف .. هبي .. هبي واقلعي ذلك النبات الدنيء الذي يتطفل على أشجار الوادي فيتغذى على أصولها ، ويتسلق على فروعها ، حتى إذا أدرك الهواء والضياء والرفعة ، التف بعساليجه وكلاليبه على أعاليها التفاف الأفعوان ، فيكظم أنفاسها فلا تنسم ، ويشل حركتها فلا تميس ، ثم يقول مشيراً بأطرافه الرخوة إلى كل عابر ، انظر ألست أنا الأمير وهذا الشجر هو الفلاح ؟ وإذا لم يسخر الله لي الشجر فكيف أنمو ؟ وإذا لم يسخر الفلاح للأمير فكيف يسمو ؟1
هبي يارياح الخريف هبي .. هبي واقشعي هذا السحاب المتراكم الذي ارتفع ارتفاع الدخان وانتفش انتفاش العهن ، فحجب الشمس ، وحصر الأفق ، وأحر الأرض ، ثم لا نجد من ورائه مطراً يدفع الجدب ، ولا ظلاً يمنع الحرور ..
————-
المصدر : من مقال يارياح الخريف هبي / وحي الرسالة
***
عندنا في دارنا الريفية عصبة من كلاب الحراسة مختلفة الأسنان والألوان والجنس تعيش في حال مدنية عجيبة : في الليل تتعاون على النباح وتتساعد في الهجوم ، فإذا لمح أحدها سواد إنسان أو ريح ذئب استنجبها جميعاً واستعداها جميعاً ، لا تسأله ماذا نبح ولماذا عدا .
وفي النهار تربض متقلبلة في ظِلال شجرة ، أو ترقد – متجاورة على قش الرز ، تتهارش حيناً ، وتتفلى حيناً والصغير يعمد إلى الكبير فيعضه وهوهادئ مستسلم ، والضعيف يجروء على القوي فيركبه وهو وادع مستكين .
ثم هذبناها فتهذبت ، ودربناها على النظام فتدربيت وألقى في روعها أن تأخذ بطرف مدنية الكلاب الأوربية فأحسنت لثم الفم وأتقنت ملق العين وأجادت بصبصة الذيل ثم أسرفت في الرقة وأغرقت في الظرف حتى ليكاد كل كلب منها أن يقول : ضعوا على رأسي قبعة ..
تلك حال كلابنا ما دامت خارجة من سلطان البطن عاليه وسافله ، فإذا قدم إليه الكلاب وجبة الغداء ، أو عثر أحدها على عظمة في حواشي الفناء انقلب التزاحم قسوة ، والتعاطف جفوة ، والتهارش حرباً ، والتفلية عضاً ، والمدنية وحشية ، والإيثار أنانية . فالأم تنكر ولدها ، والأخ لا يعرف أخاه ، والطعام الوافر المختص والمشترك تتنازعه المخالب الحداد والأنياب العضل ، فيخرج بالخطف من فم إلى فم ، وينتقل باللقف من يد إلى يد .
والكلاب الضعاف والجراء الصغار يقفن منكمشات على بعد ، يسألن بالحق ويتوسلن بالقرابة فلا يرين إلا النظر الشرز ولا يسمعن إلا الزئير المهدد ، حتى إذا غاب الطعام في الأجواف ، ولعقت الألسن آثاره على الخراكطيم ، أشبلت الأم على ولدها وأقبل الذكر على أنثاه وعطف الأخ على أخيه ، وعادت إلى الكلاب حياتها المدنية من مرح الهراش وحنان التفلية وألفة النباح !
———–
ومجهودك الاروع
فطالما أنتظرت قراءة موضوع مثل هذا الموضوع القيم والمميز
فسلمت يمناك
تقبل خالص شكري وتقديري
أشكر لك حضورك للموضوع والشكر أيضا لكلماتك الرقيقة
الحمد لله علي سلامتك … وعظم الله أجركم
لك احترامي وتقديري