تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » التهويد للتاريخ و التراث

التهويد للتاريخ و التراث 2024.

  • بواسطة
مرحلة التهويد الكبري للتاريخ والتراث
نواف الزرو

كما هو موثق في صحف التاريخ والجغرافيا والحضارة والتراث… احتلت فلسطين في الوعي الوطني الفلسطيني دائما قمة الهموم والأولويات والاهتمامات، كما احتلت في الوعي القومي العربي صميم الوجدان العربي… وكانت في الوعي الإسلامي على امتداد الأمة دائما سيرة الأمة الإسلامية، فكانت وبقيت دوما الجوهر والعنوان الكبير لكل ما يجري على امتداد مساحة الوطن والأمة، وكانت جزءا من خريطة الوطن الكبير… وكان شعبها جزءا من الأمة العريقة.

حملت فلسطين معها دائما كل العناوين وكل العناصر وكل الأبعاد الأخرى المتعلقة بالعقيدة والهوية والانتماء والتاريخ والحضارة والجغرافيا والإستراتيجية والمستقبل.

اختراع "إسرائيل" والأساطير المزيفة

كلهم كانوا يعرفون ذلك … فتحالفت وتواطأت المؤسسة الاستعمارية البريطانية والحاضنات الاستعمارية الغربية الأخرى مع الحركة الصهيونية من أجل العبث بحقائق التاريخ والجغرافيا والمسميات.

اتفقوا على اختراع "دولة إسرائيل"، وعلى تسويق فلسطين على أنها "أرض بلا شعب … لشعب بلا أرض"…!

اقترفوا المجازر الجماعية بالجملة وشردوا أصحاب الهوية والوطن والأرض والحق والوجود.. اغتصبوا الجغرافيا لإقامة الكيان وسعوا لـ"عبرنة وتهويد الأمكنة والمسميات.. والزمان العربي في فلسطين" بما يحمله من مضامين تاريخية وحضارية وتراثية وثقافية ودينية".

ومنذ قيامها هيمنت هواجس الوجود والبقاء ومستقبل الدولة العبرية على الأجندات الإسرائيلية، وأدرك المؤسسون الأوائل لذلك الكيان -إسرائيل- مبكرا أن تلك الدولة التي اخترعت على أنقاض وطن وشعب جذوره ضاربة عميقا في الأرض والتاريخ والحضارة والتراث لا يمكن لها أن تستمر إلا بالإلغاء الكامل الشامل للرواية والهوية والسيادة العربية واستبدال رواية وهوية وسيادة صهيونية منها..!
فكانت ثلاثية الأساطير المؤسسة المزيفة للدولة الصهيونية: أرض الميعاد .. شعب الله المختار فوق الأغيار –العرب- والحق التاريخي، وزعموا مبكرا "أن اليهود هم أصل السكان وأصل البلاد".

لذلك لم تتوقف المؤسسة الصهيونية على مدى العقود الماضية عن الادعاء بأن حروب "إسرائيل" مع العرب هي حروب وجود وبقاء … رغم أن "إسرائيل" في كل حروبها كانت هي المبادرة والمعتدية والمغتصبة.

هكذا كان المشهد الفلسطيني على مدى عمر القضية منذ النكبة، وهكذا هو اليوم على حقيقته، فالدولة الصهيونية لم تتوقف منذ اختراعها عن هجومها الإستراتيجي الرامي إلى تهويد الزمان والمكان العربي في فلسطين.

نتنياهو وتهويد التراث والمعالم

واستتباعا فإن الأحداث والتطورات والحملات الإسرائيلية المتصلة في هذه الأيام إنما هي استمرار إستراتيجي لسياساتهم المعروفة بالتطهير العرقي، بل إننا نشهد في عهد نتنياهو تصعيدا محموما لم يسبق أن شهدناه قبل ذلك، فهناك حروب صهيونية مفتوحة للإجهاز على الأرض والتاريخ والحضارة والتراث وعلى كل المعالم التي تحكي حكايات الوجود والحضور العربي في هذه البلاد -فلسطين-، حروب صهيونية مفتوحة لاختراع رواية وهوية وحضارة وسيادة صهيونية مزيفة على أنقاض روايتنا وهويتنا وحضارتنا وسيادتنا العربية الإسلامية.

فبعد تهويد الجغرافيا والديموغرافيا والمسميات العربية للمدن والبلدات والقرى، جاءت بالنسبة لهم مرحلة التهويد الكبرى للتاريخ والتراث، فمن خطة نتنياهو لتهويد المعالم التراثية -وزعم أنها حوالي 30 ألف معلم يهودي-، إلى تهويد الحرم الإبراهيمي في خليل الرحمن.. إلى مسجد بلال –قبة راحيل- في بيت لحم.. إلى قبر يوسف في نابلس، إلى ما يسمونه الكنيس اليهودي في أريحا، مع التركيز دائما وأبدا على المدينة المقدسة باعتبارها "مدينة الآباء والأجداد" لهم، وحتى إلى إجبار السلطة الفلسطينية على إلغاء حتى حفل تدشين ميدان الشهيدة دلال المغربي في رام الله قبل أيام باعتبار ذلك احتفالا برمز وطني فلسطيني -وحدث ذلك بتدخل من جوزيف بايدن نائب الرئيس الأميركي!-.. وذلك ليس صدفة أو يقظة صهيونية متأخرة أو هجوما مفصولا عن تاريخهم وتراثهم العدواني على هذا الصعيد.

فعندما يعلن نتنياهو أمام مؤتمر هرتسليا العاشر في مطلع فبراير/شباط 2024 على سبيل المثال "اليوم لن أتحدث عن فك الارتباط، وإنما عن الارتباط بتراثنا وبالصهيونية وبماضينا وعن مستقبلنا هنا في أرض أجدادنا التي هي أرض أبنائنا وأحفادنا"، مؤكدا "وإذا أردنا أن نتحدث عن شيء أكثر أساسية فإنني سأتحدث عن ثقافة قيم الهوية والتراث، ثقافة معرفة جذور شعبنا، ثقافة تعميق ارتباطنا الواحد مع الآخر في هذا المكان، حيث لدينا حوالي 30 ألف معلم تاريخي يهودي يجب أن نحييها من جديد.. فإن شعبا لا يتذكر ماضيه يبقى حاضره ومستقبله ضبابيا/هرتسليا/الأربعاء/3/2/2010".

نقول إنه عندما يعلن نتنياهو ذلك فهذه حرب صريحة ترتدي زيا إيديولوجيا – ميثولوجيا-أسطوريا خرافيا-، بعد أن كانت الدولة الصهيونية قد استكملت على مدى السنوات الماضية إلى حد كبير الانقضاض التهويدي على الجغرافيا والسكان، فقلبت الموازين الجيوديموغرافية جذريا لصالحهم، وما تزال الحملات التهويدية متواصلة.
وفي السياق التهويدي التراثي نفسه، تراكمت التصريحات والمواقف الصهيونية على نحو يصوغ لنا اللوحة الإيديولوجية –الميثولوجية- الإخرافية- الإستراتيجية الصهيونية على حقيقتها، لمن ما تزال عيونهم مغلقة أو متأذية من الفلسطينيين والعرب ولا يرون حتى الآن الوجه الصهيوني على حقيقته.

جبهة التعليم ومائة مصطلح صهيوني
تواصلت حملات التهويد والصهينة على جبهة التعليم أيضا، إذ أصدر وزير التعليم الإسرائيلي جدعون ساعر قرارا بإلزام طلاب المؤسسات الأكاديمية العليا، بزيارة ما أسماها الأماكن التراثية اليهودية في القدس وأنحاء الضفة لتعرفها وفهمها.

بينما كانت وزيرة التعليم الإسرائيلية سابقا ليمور لبنات قد سبقت ذلك بإطلاق ما أسمته "خطة المائة مصطلح لتعليم الصهيونية"، الرامية إلى "تعميق الصهيونية والديمقراطية والتراث اليهودي داخل المدارس في إسرائيل"، واشتملت الخطة التي يجري بعثها وتعميمها في هذه الأيام على المدارس الإسرائيلية بما فيها المدارس العربية هناك على مائة مصطلح تتحدث عن أهم وأبرز الأحداث المتعلقة بالصراع عبر مصطلحات مركزة موجهة معسكرة صهيونيا مثل "إعلان قيام إسرائيل" و"أنواع الاستيطان" و"إيلي كوهين"، و"بنيامين زئيف هرتسل" و"جيش الدفاع" و"حروب إسرائيل" و"حوماه ومجدال- أي السور والبرج" و"زئيف جابوتنسكي" و"محاكمة إيخمان" وكذلك عن "المنظمات العسكرية الإسرائيلية قبل قيام الدولة" وعن "الهجرات اليهودية قبل قيام الدولة" و"وعد بلفور" و"يد فشيم -الكارثة أو المحرقة"، كما اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارا بتعليم "تراث زئيفي" أيضا في المدارس العربية إضافة إلى اليهودية.

محو القرى العربية بما يتلاءم مع الرواية الصهيونية
وكل ذلك إنما يأتي استكمالا لما كانوا قد اقترفوه منذ البدايات من سياسات تطهير عرقي وتهديم وتهويد إستراتيجي لكل شيء عربي هناك، ففي الجوهر والمضمون، عملت كل المؤسسات الصهيونية عمليا منذ قيام تلك الدولة على إلغاء الآخر العربي الفلسطيني وشطبه تاريخيا، وفي التاريخ دائما عبرة ودرس، واستحضار ما جرى منذ البدايات على هذا الصعيد ينطوي على أهمية متزايدة في هذه الأيام التي تشهد هجوما معنويا ثقافيا تراثيا دينيا من جانبهم لم يسبق له مثيل.

في هذا السياق على نحو حصري كانت كشفت صحيفة "هآرتس" النقاب عن وثيقة تؤكد أن "ما حدث عام/1984 كان تدميرا جذريا لمدن وقرى، وتدميرا لحضارة كاملة، بحاضرها وبماضيها، ومن معالم للحياة خلال 3000 سنة، وحتى الكنس الباقية في الأحياء العربية التي هدمت، لقد مسحوا كل شيء على وجه الأرض"، وجاء لاحقا في وثيقة أخرى أن "موشيه ديّان حول فلسطين إلى صحراء مدمرة لطمس الحضارة العربية التي كانت قائمة وإقامة إسرائيل عليها". هآرتس، 19/2/2010.

وعلى نحو مكمل أكد مؤرخون ناقدون للحركة الصهيونية، مثل الدكتور إيلان بيبيه، بدورهم على "أن اختفاء القرى الفلسطينية من مواقعها هو جزء من سياسة منهجية مبرمجة لطمس وجودها من أجل بلورة تاريخ جديد يتلاءم مع الرواية الصهيونية التي تدعي أن البلاد كانت فارغة وأنها تحولت إلى أرض خضراء مزدهرة بسبب نشاطات الكيرن كييمت وأمثالها".

ولذلك نقول ربما تكون الوثائق العبرية/الصهيونية المتعلقة بالنكبة ومشهد التطهير العرقي والتدمير الشامل لفلسطين على أيدي التنظيمات والدولة الصهيونية، التي يكشف عنها تباعا على مراحل زمنية متباعدة، من أهم الوثائق التي من شأنها إدانة جنرالات تلك التنظيمات والدولة باقتراف جرائم حرب مع سبق التبييت والتخطيط.

التهديم من الأسرار الأشد صونا في إسرائيل
وفي سياق النهج نفسه كان المؤرخ الدكتور وليد مصطفى أكد في دراسة نشرت بعنوان "التدمير الجماعي للقرى الفلسطينية" أن "62.6% من مجموع القرى الفلسطينية التي كانت موجودة في فلسطين قد هدمت على أيدي السلطات الصهيونية، وإذا أخذ بعين الاعتبار أن بعض أقضية فلسطين لم تقع بأكملها تحت سيطرة العدو عام 1948 نجد أن الـ468 قرية التي هدمت قبل 1967 قد شكلت 78.4% من مجموع القوى الفلسطينية الـ598 التي خضعت للسيطرة الصهيونية في ذلك العام".

وإذا ما أضفنا إلى ذلك جملة لا حصر لها من الوثائق الإسرائيلية والفلسطينية والبريطانية فإنه يمكن التأكيد على أن سياسة التهديم الشامل للمدن والقرى الفلسطينية، وسياسة الترحيل الشامل للشعب الفلسطيني اعتبرت ركيزة أساسية من ركائز الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل.

كما اعتبرت هذه السياسة من أشد الأسرار صونا في الحياة الإسرائيلية كما يؤكد البروفسور الإسرائيلي إسرائيل شاحاك قائلا "قبل العام 1948 وضمن نطاق الأراضي المقامة عليها دولة إسرائيل تعد المسألة من أشد الأسرار صونا في الحياة الإسرائيلية، فلا توجد نشرة أو كتاب أو كراس يتحدث عن عددها أو مواقعها، وهذا أمر مقصود، وذلك من أجل أن تكون الأسطورة الرسمية المقبولة عن بلاد فارغة قابلة للتعميم في المدارس الإسرائيلية، ولروايتها للزوار والسياح".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.