في تحقيق رسالة المسجد
– ص 5 – بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، القائل في كتابه : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط
والقائل سبحانه : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات
والقائل -عز وجل- : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون
والقائل سبحانه : إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر
والقائل سبحانه : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة
الآية .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، القائل : العلماء هم ورثة الأنبياء
[أخرجه ابن حبان في صحيحه ، وغيره ، والقائل -صلى الله عليه وسلم- : أحب البلاد إلى الله مساجدها [ رواه مسلم ] .
– ص 6 – أما بعد : فأتقدم بين يدي القارئ بهذا البحث الموجز حول موضوع " أثر العلماء في تحقيق رسالة المسجد " .
هذا ولا يسعني إلا أن أشكر الوزارة على الاهتمام المشكور بالمساجد وأئمتها وخطبائها ، وأخص بالشكر معالي الوزير الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي ، على جهوده الطيبة المباركة في خدمة الإسلام والمسلمين .
وصلى الله وسلم وبارك على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين .
– ص 7 – تمهيد
في العصور المتأخرة اختلت مفاهيم كثير من الناس ، بسبب الثقافات الوافدة ، وقلة الفقه في الدين ، وكثرة التعالم ، والبعد عن مناهج العلماء ، حول أمور كثيرة من أمور الدين ، ومن أهمها :
1 – ما يتعلق بالمسجد ورسالته .
2 – ما يتعلق بالعلماء وحقوقهم وأثرهم .
وقد علق في أذهان كثير من المسلمين اليوم أن المسجد إنما هو مكان الصلاة فحسب ، وأي نشاط آخر يقام في المسجد فقد يكون محل تساؤل ، وهذا خطأ ، فإن المسجد له شأنه في الإسلام ، فكما أنه مكان للصلاة فهو كذلك مكان للتعليم والخطابة والوعظ والمحاضرات والدروس والاجتماعات وتوجيه الناس إلى كل ما يصلح أمورهم في دينهم ودنياهم .
وفي الآونة الأخيرة ، ومع بواكير الصحوة الإسلامية المباركة ، بدأ المسجد يستعيد شيئا من مكانته ورسالته ، مما يستدعي ضرورة الاهتمام بهذا الموضوع من قبل العلماء والمؤسسات المعنية وطلاب العلم عامة ، والأئمة والخطباء والمؤذنين على وجه الخصوص .
وثمة أخطاء وشيء من التقصير لا يزال قائما بهذا الصدد ، ولا أتوقع أن يتم علاجها إلا بتضافر الجهود من عدة أطراف وهي :
1 – الجهات المعينة من قبل الدولة ممثلة بوزارة الشؤون الإسلامية – ص 8 – والأوقاف والدعوة والإرشاد .
2 – المشايخ وطلاب العلم عموما .
3 – الأئمة والخطباء على وجه الخصوص .
4 – المجتمع ممثلا بالمصلين من أهل الرأي والمشورة .
5 – الإعلام بوسائله المتعددة .
وما يتعلق من هذه الأخطاء بموضوعنا له جانبان :
الأول : أخطاء في ممارسة دور المساجد واستثمارها ، ولا أطيل في هذه المساءلة ، لأن مساسها ببحثي أقل ، إنما من أهمها :
1 – قلة التنسيق بين المساجد في تنفيذ الأنشطة وتوزيعها .
2 – أحيانا يظهر ما لا يليق بالمسجد من الصور والرسوم ، كصور الصلبان مثلا بقصد التحذير منها ، أو صور الأحذية التي تشتمل على مخالفات ، أو نشر بعض الأوراق التي ليست على المستوى اللائق علميا أو نحو ذلك .
3 – إتاحة الفرصة -أحيانا- لبعض العوام والجهلة للتحكم في أمور المساجد ، مما يعوق كثيرا من الفوائد المتوخاة ، ويفوت فرصا على المصلين ، أو يضايقهم ، لذا ينبغي أن يكون كل مسجد تحت إشراف عالم أو طالب علم يدير شؤون المسجد .
الثاني : أخطاء فيما يتعلق بأثر العلماء في تحقيق رسالة المساجد ، وهو – ص 9 – موضوع البحث ، وأهم هذه الأخطاء في نظري :
1 – قيام أنشطة علمية ودعوية -أحيانا- في المساجد بعيدة عن توجيه المشايخ وطلاب العلم وإشرافهم المباشر .
وبعض ما يكون تحت إشرافهم قد يتم بطريقة التمرير غير المرضي .
2 – قد يتصدر الأنشطة في المساجد بعض الصغار قليلي العلم والفقه والتجربة ، مما يؤدي إلى اجتهادات وممارسات خاطئة شرعا ، أو غير لائقة ودون المستوى المطلوب ، مما ينعكس أثرها على الناس سلبا .
وقد يقول قائل : هذا خطأ المشايخ وتقصيرهم ، حيث لم ينزلوا إلى ساحة الأنشطة ويوجهوها بأنفسهم . . . ويرشدوا أعمال الشباب . . وأقول : هذه دعوى قائمة فعلا .
وضدها كذلك يرد حيث يقال : لماذا لا يذهب الشباب أنفسهم إلى المشايخ ويتلقون عنهم التوجيه والمشورة ؟ فإن هذا هو الأصل واللائق شرعا .
وتبقى المسألة في دور . . . لكن يحسمها في نظري الأصول الشرعية والآداب المرعية ، وهي أن المشايخ هم الذين يقصدون ويسعى إليهم ويطلب منهم ، ويستشارون ، ولا نتوقع منهم بمشاغلهم وسمتهم -أو أغلبهم- أن يلاحقوا الشباب في ميادين أنشطتهم ، وليس هذا من الطبيعي بل العكس هو الصحيح فإنه يجب على الشباب المشتغل بالدعوة والعلم أن يلازموا المشايخ ويتلقوا منهم العلم والأدب والمشورة والتوجيه .
– ص 10 – 3 – أن كثيرا من الأنشطة التي تقام في المساجد وبرامجها ومتابعة تنفيذها لا تعرض على المشايخ ، ولا يشرفون عليها مباشرة ، إلا أحيانا إذا حدثت مشكلات ، فإن الناس حينئذ قد يفزعون للمشايخ كعادتهم . . وإن كان ثمة إشراف لهم فبطريقة التمرير ، وفذا كسابقه في طريقة المعالجة .
4 – أن كثيرا من المشايخ -فعلا- ربما لم يدركوا كمال الإدراك أهمية دور المساجد بالقدر الكافي ، وبعضهم قد لا يتصور الأسلوب التفصيلي لكثير من النشاطات التي يمكن أن تحقق من خلال المسجد ، لأن غالب هذه الأمور مستحدثة لا عهد لهم بها .
وهذا يمكن معالجته بالتصاق الشباب وطلاب العلم النشطين بالمشايخ ، وإطلاعهم على تفاصيل البرامج المقترحة .
كما أن الوزارة تتحمل جزءا كبيرا من هذه المسؤولية كذلك ونتطلع منها أن لقوم بها .
والخلاصة :
أن من أبرز السلبيات التي ترتبت عن عدم تصدير المشايخ ، أو تخلف بعضهم عن التوجيه المباشر للشباب وطلاب العلم والعاملين في الدعوة والحسبة أن تتلمذوا على من هم دونهم ، وتتلمذ بعضهم على بعض ، أو تتلمذوا على الكتب والأشرطة والوسائل الأخرى بلا أخطمة ولا أزمة ، بل – ص 11 – ربما تلقى بعضهم عن أهل الأهواء وعن حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام ، فاتخذوا رؤساء جهالا ، وكثر بينهم التعالم والغرور والقدح في الأئمة والمشايخ ، وقل الفقه في الدين ، وقل الأدب ، وفقد عند البعض سمت أهل العلم رغم كثرة الثقافة والمعلومات . ولن يتم استدراك الأمر إلا بتصدير العلماء ومن خلال المسجد أولا ثم بالوسائل الأخرى ، والله أعلم .
العلماء ومنزلتهم وخصائصهم
يحسن بين يدي هذا الموضوع ( أثر العلماء في تحقيق رسالة المسجد ) أن نحرر المفهوم الشرعي للعلماء ، وأن نبين منزلتهم الشرعية ، وأن نذكر خصائصهم وسماتهم ، وكذلك مفهوم المسجد ورسالته ، حيث اضطربت مفاهيم الناس اليوم ، وانحرفت في أذهان كثير منهم المفاهيم الشرعية .
وقد ظهرت بين الناس اليوم نزعات أهواء بدأت محول بين الأمة وبين علمائها ومشايخها وتنزع الثقة بالمشايخ ، وباعتبارهم الشرعي ، وأثرهم الاجتماعي ، بقصد وبغير قصد ، وتشكك الجيل في جدارتهم وقيادتهم وفي ريادتهم وولايتهم في الأمة ، وهذه النزعات بعضها عن منطلقات بدعية ، أو مفاهيم خاطئة ، والبعض الآخر عن جهل بالحقوق الشرعية للعلماء ، وقلة فقه في الدين وقواعد الشرع ومقاصده ، لا سيما من أولئك المثقفين والشباب الذين تربوا بعيدا عن مجالس العلماء ومحاضنهم ، فإن هذا الجفاء أحدث الوحشة والفصام .
– ص 12 – المفهوم الشرعي للعلماء
العلماء : هم الذين يعرفون شرع الله ويفقهونه ويعملون به ، المتبعون لكتاب الله وسنة -رسوله صلى الله عليه وسلم- والسلف الصالح على هدى وبصيرة .
أخوكم
mashor
موضوع مميز
جزاك الله خيرا