يتفق الباحثون على ان هناك تناسبا طرديا بين حجم الانفاق على البحث العلمي لدى الدول والمؤسسات والشركات من جهة وبين القوة التنافسية والحضور والفعالية في جميع ميادين القوة والكفاءة من جهة اخرى، ومن هنا نستطيع ان نضع ايدينا على جوهر الداء ووصفة الدواء فيما يتعلق بالعجز والتخلف العربي في ميادين السياسة والاقتصاد والانتاج وحتى الاجتماع.
ففي التقرير الصادر عن مؤسسة الامم المتحدة للثقافة والعلوم oاليونسكوa الذي نشرته بعض الصحف المحلية عن عدد الباحثين العلميين في عدد من دول العالم للعام 2024 م ، فان لغة الارقام تتكلم: فهناك (5000) باحث لكل مليون في اليابان، و (4374) باحثا لكل مليون في الولايات المتحدة الامريكية، و (3415) باحثا لكل مليون في روسيا، و (2439) باحثا لكل مليون في الاتحاد الاوروبي،و (1395) باحث لكل مليون في زاسرائيلس. بينما نجد في المقابل (163) باحثا لكل مليون في الدول العربية.
ان الرقم المتواضع لعدد الباحثين العلميين في العالم العربي والذي يأتي في ذيل القائمة، يجعل العالم العربي ايضا في ذيل القائمة في مجال الابداع والابتكار والتصنيع، وفي ذيل القائمة في القدرة الاقتصادية والتأثير في السوق العالمية، ويتبع ذلك ايضا القدرة على التأثير في السياسة، والقرار السياسي العالمي، وفي القدرة على صيانة الحق العربي، والمصالح العربية وعلى صعيد التقدم في حل القضايا العربية العالقة منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمن.
أمام لغة الارقام الفصيحة ينبغي ان تتوقف كل الحوارات الخالية من المضمون والمفتقرة الى لغة التوافق، ويجب وقف هدر المزيد من الوقت وتضييعه في تجارب الاغرار التي اسهمت في تحقيق تراجع مريع ومذهل على صعيد البناء العلمي وبناء استراتيجية بحثية علمية حقيقية تبتعد تماما عن الفصاحة اللفظية والبيان المتكلف الذي يتناقض تماما مع المخرجات والنواتج في ارض الواقع وفي الميدان المعاش.
واذا كان نصيب الفرد عربياً (5) دولارات للبحث العلمي، فان نصيب الفرد في الولايات المتحدة (1000) دولار للبحث العلمي، وحتى هذا الرقم فهو ليس رقما حقيقيا لان الخمسة دولارات يذهب معظمها للابتعاث، والابتعاث في أغلبه يفتقر الى الاسس والمعايير العلمية، وجزء آخر من الخمسة دولارات مصاريف لادارة البحث وليس على جوهر البحث، ولا للباحث نفسه الذي لا يصله الا فتات الفتات.
اين هي بيئة البحث العلمي الحقيقية؟ التي تجعل الباحث قادرا على البحث، وقادرا على التفرغ الذهني الذي يولد الابداع والابتكار، في ظل ما نعلمه جميعا عن الدخل المتدني جدا لعضو هيئة التدريس الجامعي، وللباحث بوجه عام، الذي لا يكفل له الاستقرار المعيشي، ولا يغطي تكاليف السكن والنقل والفواتير الضرورية.
ان الانشغال الواضح لدى البعض بالهاجس السياسي يزيد الطين بلّة، ويبتعد بنا عن العلاج والدواء، وما ينبغي معرفته ان الانشغال بالسياسة يكون في الأغلب الأعم من بيئة الفقر وبيئة الكبت ومصادرة الحريات.
ان الاصلاح الحقيقي الذي يلامس بيئة البحث العلمي بتوفير اساسيات البحث والتغلب على مصاعب المعيشة بالحد الادنى، والاغداق المادي على دعم المبدعين والمبتكرين يقلل اثر التدخل السياسي الذي يتعلق به المقهورون الذين سدت في وجوههم سبل طلب العلم والترقي في درجاته.
ان ضيق الافق يؤدي الى ضيق السبل، وضيق العقل يؤدي الى ضيق الحياة، والفساد يؤدي الى الانهيار.
يسلموووو على المرور
مشكور على المرور