بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
بالرغمِ من أن اﻷجواء مراقَبةٌ كلها باﻷقمار الصناعية والرادارات وغيرها من أجهزة الاتصال، التي تراقب الجوَّ مراقبةً لصيقة ترصدُ ما يدورُ فيه، وتلتقط كلَّ ما يمر بتلك اﻷجواء، مع قناعتِهم التامة أنه لا يغيبُ عنهم أي جِرم يدورُ حول الأرض – فإن اللهَ تعالى أراد أن يمتحنَهم ويردَّهم إلى رشدهم، بأن أخفى عنهم طائرة ضخمة في رحلة تستغرق ساعات، دون سابق إنذار، ودون إشارة، فذُهل العالم، والمراقبون أول الناس ذهولاً، وأجهزتهم لا تشيرُ إلى وجود شيء، فطارت عقولُهم وأفئدتهم، فتحرَّكت أكثر من 26 دولة بحثًا عنها في كل مكان، حتى وجدوا بعضًا مِن حُطامها على المحيطِ الهندي متلاطمِ اﻷمواج، ولا تعرف الملاحةُ شيئًا عن هذا المحيطِ سوى بعض من الخرائط غير المكتمِلة، مما صعَّب المهمة على فِرَق البحث، وما زالت تبحثُ عن أدلة أخرى حتى تعرف السبب.
لعلَّ في هذه الحادثة رسائلَ ربانية بعَثها اللهُ إلى قلوبِ وعقول العالَم بأن هناك مَن يسمعُ دبيبَ النملة السوداء، في الليلةِ الظلماء، على الصخرة الصمّاء، ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[الأنعام: 59[.
الله أكبر، بالرغم من أجهزة المراقبة الحديثة، واﻷقمار الصناعية التي تدور حول الأرض سنوات طوالاً، فإنه سبحانه هو خالق الكون ومدبِّره، فكيف لا يعلمُ ما يدور حوله، ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾؟ [الملك: 14[.
فظهَر في تلك الأثناء الكهنةُ والسَّحرة والمشعوذون الذين يغرِّدون خارج السرب، زاعمين عِلمهم بمكان الطائرة، وهم لا يعلَمون عن ماهيَّة الرُّوح التي في أجسادِهم، فكيف يتكهَّنون بمكان طائرةٍ لا يعلمُ وجودها إلا مدبِّرُ الوجود سبحانه؛ ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾[النمل: 65]، وقد حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من إتيانِ الكَهَنة والعَرَّافين فقال: ((مَن أتى كاهنًا أو عرَّافًا، فصدَّقه بما يقول، فقد كفَر بما أُنزِل على محمد)).
لكن ها هم العرَّافون دائمًا يصطادون في الماء العكِرِ، ويصدِّقُهم بعضٌ من المسلمين الذين ليس لهم حظٌّ من دِينهم سوى الاسم فقط، لذلك كان تركيزُ الأنبياء ومن بعدهم الدعاة على أهمية العقيدة [ ] في حياة المسلم، حتى لا ينزلق مع كلِّ ناعق يقول ما لا يعلم، ويهذي بما لا يفهم.
وفي ذلك تحدٍّ منه سبحانه بأن ما تملِكُه البشرية من تكنولوجيا حديثة لا يقدِّمُ نفعًا إلا بما كتبه الله تعالى عنده، كما قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس: ((واعلَمْ أن اﻷمَّةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتَبه اللهُ عليك))، فماذا يُغني البحث بعد تأكُّد الذَّبح؟
لذلك على الإنسانِ أن يلتجئ دائمًا إلى الله عز وجل؛ لأن هذه الأجهزةَ لا تنفعُ إلا بشيءٍ قد كتَبه اللهُ بنفعِها؛ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس: 82[.
واللهِ لا تغني هذه الرادارات وأجهزة المراقبة الحديثة عن عِلم الله تعالى، بل لا تساوي شيئًا أمام عظمتِه وعليائه سبحانه، فإنه يعلم ما نُخفي وما نعلن، وهو علاَّم الغيوب، لذلك ينبغي للمسلم أن يعتزَّ بربِّه وبدِينه، وأنه من بين ملايين البشر التي تعبد الله على بصيرة وعلى دراية، وألا ينبهر بما يملِكه القومُ؛ فإنهم يعلَمون ظاهرًا من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة غافلون!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
منقول