وما زالت آثار الدماء واضحة على أرضية الشوارع وفي ميدان رابعة العدوية، تفوح منها رائحة الموت، وقطع الحجارة الصغيرة منتشرة بكثافة تجعل من الصعب رؤية أسفلت الشارع.
مشاعر الحزن والغضب تسيطر على المعتصمين، ممزوجة بإصرار على الاستمرار في الاعتصام حتى عودة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة. ‘إيلاف’ جالت في مكان الاشتباكات في ظهيرة اليوم التالي للأحداث، الأحد 27 تموز (يوليو) الجاري، والتقت ببعض أطباء المستشفى الميداني وأهالي الضحايا.
القتل بالقنص
روى شهود العيان لـ’إيلاف’ما قالوا إنها مجرزة المنصة، أو مجزرة شارع النصر، فأكدوا أنه كانت هناك محاولة لفضّ الاعتصام بالقوة قبل أن تنقضي الليلة التي حصل فيها الفريق أول عبد الفتاح السيسي على تفويض من مناصريه بـ’مواجهة الإرهاب المحتمل’.
وقال يوسف، طبيب في المستشفى الميداني في منطقة رابعة العدوية، لـ’إيلاف’ إن الشرطة كانت تبيت النية لفضّ الاعتصام بالقوة، أو على الأقل إجراء محاولة لجسّ النبض، وقياس إمكانية القيام بذلك، لكنها فشلت أمام صمود المعتصمين.
وأضاف يوسف، الذي فضل ألا يفصح عن باقي اسمه: ‘عملية القتل بدأت منذ الحادية عشرة والنصف، وليس بعد الفجر كما يقال، وقوات الشرطة أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع على المعتصمين في هذا التوقيت، والمستشفى استقبل حالات متعددة مصابة باختناق وتشنج، وأرجّح أن تكون قد استخدمت نوعًا آخر من الغاز المتعارف عليه’.
حول ما إذا كان إدعاء التحالف الوطني للدفاع عن الشرعية، الذي يضم الأحزاب الإسلامية، بأن القوات استخدمت غاز الأعصاب المحرّم دوليًا صحيحًا، قال يوسف إنه لا يمكنه الجزم بذلك، لكنه قال إن الغازات التي أطلقت على المعتصمين غير معتادة، نافيًا أن تكون هناك وفيات من جراء استنشاق هذا الغاز.
وحسب شهادة يوسف، فإن المستشفى بدأ في استقبال القتلى في الثانية صباح السبت 27 تموز (يوليو)، مشيرًا إلى أن غالبية الحالات التي وردت إليه كانت مصابة بطلقات نارية اخترقت الصدر أو الرأس، مرجّحًا أن يكون القتل تم عبر القنص، ومن مكان مرتفع. وقال إنه شخصيًا نقل قتيلين، كانت إصابتهما في الرأس برصاصة دخلت من أعلى الجانب الأيمن، وخرجت من أسفل الجانب الأيسر.
طبيب آخر في المستشفى الميداني، يدعى محمود سعيد، وهو شاب في الخامسة والعشرين من العمر، قال لـ’إيلاف’ إن الضحايا من الشباب، وتتراوح أعمارهم بين 19 و36 عامًا، مشيرًا إلى أن عدد القتلى يفوق المئة.
وأضاف أن أصعب الحالات كانت لشاب حضر إلى المستشفى، وقد اخترقت رصاصة صدره، وكان مازال في الرمق الأخير، لكنه كان يتمتم ببعض آيات القرآن، مشيرًا إلى أنه كان يتمنى أن يحظى بالحياة، لاسيما أنه كان يعرفه بشكل شخصي، ويعلم أنه مقبل على الزواج بعد عيد الفطر.
تطابق شهادات
أهالي وأصدقاء القتلى يعتصرهم الحزن، لكنّ في أعينهم إصرارًا واضحًا على الاستمرار في التحدي. يقولون إنهم لن يرحلوا إلا جثثًا، أو يحرروا مصر ممن وصفوهم بـ’الانقلابيين’، شبرًا شبرًا. وقال أحد الجالسين إن صديقًا له فقد نجله البالغ من العمر 18 عامًا، وهو طالب في كلية الهندسة جامعة الزقازيق، مشيرًا إلى أن والده يعمل في السعودية.
وأضاف لـ’إيلاف’ أن هذا الشاب يدعى عمر نيازي، وكان على خلق وحافظًا لكتاب الله، وليس إرهابيًا، مشيرًا إلى أن عمر قتل بالرصاص الحي في الرأس. وأكد أن والده سيصل إلى القاهرة لاستلام جثمانه، وليشيّعه إلى مثواه الأخير. ولفت إلى أن ما حصل من مقتل أكثر من 70 شابًا مصريًا يعتبر مجرزة بكل المقاييس، مطالبًا بالتحقيق فيها، وتقديم الجميع إلى المحاكمة، بمن فيهم وزير الداخلية ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي.
تتطابق روايات الأطباء والشهود العيان لـ’إيلاف’ إلى حد كبير مع تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان، الذي قالت فيه إنها أجرت مقابلات مع سبعة شهود على وقائع العنف، وراجعت العديد من مقاطع الفيديو التي تصور الأحداث، وقد قدر بعض العاملين في الحقل الطبي ممن أجرت معهم هيومن رايتس ووتش المقابلات أن بعض الوفيات ترقى إلى مصاف القتل المستهدف، لأن مواضع الطلقات يرجح أن تؤدي إلى الوفاة.
وأضاف التقرير: ‘تعرّض المتظاهرون للرصاص والقتل على مدار ست ساعات أثناء اشتباكات مع قوات الأمن المركزي على أحد الطرق الرئيسة في القاهرة، وكانت هيومن رايتس ووتش في المستشفى الميداني عند استقباله العديد من الموتى والجرحى، وقد أخبرها أفراد طاقمه الطبي بأن غالبية إصابات الرصاص في الرأس والعنق والصدر’.
وتابعت المنظمة: ‘قال 4 أطباء إن زاوية الطلقات النارية تدل على إطلاقها من أعلى، وبحسب سبعة شهود ومقاطع الفيديو التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، قام المتظاهرون بإلقاء الحجارة وعبوات الغاز المسيل للدموع على الشرطة، وقال وزير الداخلية المصري في مؤتمر صحافي إن ضباط الشرطة تعرّضوا لإصابات بالخرطوش والذخيرة الحية، لكنه لم يذكر وقوع وفيات في صفوف الشرطة نتيجة للاشتباكات، واحتفظت قوات الأمن المركزي بموقعها على الطريق المقطوع بالعربات المدرعة لمدة 11 ساعة على الأقل’.
روايات شهود
بحسب سبعة شهود ومقاطع الفيديو التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، بدأت الاشتباكات بين مؤيدي مرسي والشرطة المصحوبة برجال في ثياب مدنية في الحادية عشرة مساءً، عند اقتراب مؤيدي مرسي من منزَل كوبري 6 أكتوبر المؤدي إلى طريق النصر.
يبعد الموقع مسيرة دقائق قليلة من مسجد رابعة، حيث يعتصم مؤيدو مرسي منذ 30 يومًا. قال طبيب كان يرافق المتظاهرين إن الشرطة ورجالا بثياب مدنية وعربات مدرعة كانت تحت كوبري 6 أكتوبر وأطلقت الغاز المسيل للدموع في البداية على الحشود.
في مقاطع فيديو منشورة على الإنترنت، شاهدت هيومن رايتس ووتش مجموعة كبيرة من المدنيين تقف أمام المتظاهرين المؤيدين لمرسي، وتحفها أربع على الأقل من العربات المدرعة وحاملات الأفراد التابعة للشرطة، إضافة إلى ضباط الأمن المركزي. ونقلت المنظمة عن طبيب كان في مسرح الأحداث، قوله: ‘بدأت الشرطة إطلاق الغاز المسيل للدموع حين اقترب المتظاهرون إلى مسافة 200 متر تقريبًا، وتلى هذا مناوشة بين المتظاهرين والشرطة وذوي الثياب المدنية، دامت نحو ساعتين، فأشعل المتظاهرون النار في السيارات وألقوا بالحجارة، بينما أطلقت الشرطة الخرطوش والمزيد من الغاز المسيل للدموع من موقعها قرب الكوبري.
وأضافت المنظمة: ‘قال الطبيب لهيومن رايتس ووتش إنه بعدما يقرب من ساعتين بدأ إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين مما بدا وكأنه موقع مرتفع، ربما يكون بمبنى قريب.
وتوثق التوقيت بشهادة شاهدين آخرين. قال فؤاد، وهو طبيب آخر يعمل في مستشفى رابعة الميداني إن نمط الإصابات مناقض تمامًا لإصابات الحرس الجمهوري، حيث كانت معظم إصابات الذخيرة الحية عشوائية، وبدا أن نحو 10 بالمئة فقط من القتلى أصيبوا بنيران القناصة. أما هذه المرة فقد أصيب نحو 80 بنيران قناصة استهدفوهم من الأعلى’.
ووفقًا للتقرير: ‘جاء رد فعل الشرطة العنيف بعد أيام من التصريحات الرسمية التي تهدد بردود قاسية للتعامل مع احتجاجات الإخوان المسلمين. في يوم الأربعاء 24 تموز (يوليو) أصدر وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي نداءً إلى المصريين بالتجمع لمنحه تفويضًا لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل’. وقبيل الواحدة من صباح 27 تموز (يوليو)، أعلن وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم عن نية الوزارة فضّ الاعتصامات المؤيدة لمرسي في ميدان النهضة في الجيزة وعند مسجد رابعة العدوية في مدنية نصر وفقًا للقانون، بحسب صحيفة الأهرام اليومية.
في مقابلة متلفزة مع قناة الحياة بعد وقت قصير، قال الرئيس الموقت عدلي منصور إن الحكومة لن تقبل الانفلات الأمني، وقطع الطرق والكباري والاعتداء على المنشآت العامة، والدولة يجب أن تظهر للجميع بهيبتها وتتدخل بكل حزم وحسم.
القتل تحت جنح الظلام
ووفقًا لتقريرهيومن رايتس ووتش، قام أربعة شهود عيان كانوا مع المتظاهرين بوصف أصوات طلقات نارية متتابعة، وسقوط رجال من بين الحشود على الأرض. قال إبراهيم، وهو طبيب يعالج المتظاهرين في الموقع: ‘في الحادية عشرة مساءً، كانوا يطلقون الغاز المسيل للدموع والخرطوش، واستمر الغاز وبدأ الرصاص الحي’. قال شهود عيان مرارًا لهيومن رايتس ووتش إن مسرح الأحداث كان مظلمًا والغاز المسيل للدموع يملأ الأجواء ويحدّ من الرؤية، لكنهم تعرّضوا للنيران من موقع مرتفع، وكذلك من الشرطة المتمركزة أمامهم. واعتبارًا من الساعة 1:30 صباحًا، بحسب إبراهيم، ‘حملت خمسة رجال مصابين جميعًا بطلقات فردية في الرأس’.
وحسبما ورد في التقرير، في الساعة 1:45 صباحًا وصلت أول جثة إلى مستشفى رابعة الميداني، وقال أربعة أطباء أجريت معهم مقابلات في المستشفى الميداني إن حالات الوفاة كانت تتوافد بمعدل ثابت بدءًا من الثانية صباحًا، وانتهت بين 7 و8 صباحًا.
قال محمد، وهو طبيب آخر كان يعالج المتظاهرين بالإسعافات الأولية، لهيومن رايتس ووتش إنه بدأ في نحو الساعة 2:45 صباحًا في استقبال متظاهرين مصابين بالرصاص في الرأس والصدر بمعدل ثابت، علاوة على آخرين مصابين بطلقات خرطوش’.
وقالت في التقرير: ‘وصلت هيومن رايتس ووتش إلى مستشفى رابعة الميداني في الرابعة والنصف صباحًا لتجد تيارًا ثابتًا من الجرحى يجري نقلهم إلى داخل المستشفى. وفي خلال 30 دقيقة، دخل المستشفى 8 رجال بجراح ناجمة من طلقات نارية، أصيب خمسة منهم بالرصاص الحي في الرأس أو العنق أو أعلى الصدر.
وخلال الساعتين والنصف التالية شاهد باحثو هيومن رايتس ووتش ما يقرب من ست جثث يجري نقلها من خطوط الاحتجاج الأمامية إلى المستشفى الميداني. قال العاملون في الحقل الطبي لباحثين إن اثنين من الموتى على الأقل، بينهم شاب في الثانية والعشرين وصبي في السابعة عشرة، أصيبا بطلقات نارية فردية في الجبهة’.
نيران مميتة
انتقد نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، طريقة تعامل الحكومة مع معتصمي رابعة العدوية، وقال: ‘إن إطلاق النيران المميتة لساعات متواصلة ليس هو الرد المناسب على مدنيين يقذفون الحجارة وعبوات الغاز المسيل للدموع في الأساس. وإذا كانت هذه فكرة القيادة الجديدة عن الرد القانوني فإنها تلقي بظل شديد القتامة على الأيام المقبلة’.
وأضاف: ‘يوحي استخدام النيران المميتة، على هذا النطاق وبهذه السرعة بعد إعلان الرئيس الموقت عن ضرورة فرض النظام بالقوة، باستعداد الشرطة وبعض الساسة المروع لتصعيد العنف ضد المتظاهرين المؤيدين لمرسي. ومن شبه المستحيل أن نتخيل إمكانية وقوع هذا العدد من الضحايا بدون وجود نية للقتل، أو على الأقل وجود استهتار إجرامي بأرواح الناس’.(ايلاف)
والقناصون هم وسيلة من وسائل تأجيج هذه الثورات حتى لا يُعرف "من يقتل من"
وتستمر المأساة
شكرا على الخبر احمد
واهى فتنة الكل سقط فيها الاخوان وغيرهم
اما عن مسئولية الشرطة فى موضوعك فبالتاكيد انها مسئولة لانها يجب ان تحمى قاتليها فقد سقط ضابطين شيعت جنازة احدهم امس
اما عن المنظمة الامريكية فهى لم تذهب الا الى الطرف التى تريد نصره حتى يستخدمه البيت الاسود فى ضلالاته المعهودة والتى افصح عنها رئيس المخابرات الامريكية وادعى انهم يتعمدون وصول التيارات المتاسلمة الى الحكم ثم يوقعو بينهم وتنهار الدول والجيوش ثم يتدخلو عسكريا ويتم صناعة جيش موالى لهم كالجيش العراقى وننتهى نحن الى الابد
تحياتى اخى الفاضل