تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » اليمن عبر التاريخ الجديد – المعاصر

اليمن عبر التاريخ الجديد – المعاصر 2024.

  • بواسطة
تاريخ اليمن القديم


تدل أقدم المعلومات المعتمدة على قيام حضارة يمنية راقية، يعود تاريخها على الأقل إلى القرن العاشر قبل الميلاد وتقترن هذه المعلومات بذكر سبأ التي ارتبطت بها معظم الرموز التاريخية في اليمن القديم والتي هي بالفعل واسطة العقد في هذا العصر ، ويمثل تاريخ دولة سبأ، وحضارة سبأ فيه عمود التاريخ اليمني، وسبأ عند النسابة هو أبو حمير وكهلان، ومن هذين الأصليين تسلسلت أنساب أهل اليمن جميعا، كما أن هجرة أهل اليمن في الأمصار ارتبطت بسبأ، حتى قيل في الأمثال: تفرقوا ايدي سبأ ،والبلدة الطيبة التي ذكرت في القرآن الكريم هي في الأصل أرض سبأ، كما أن ابرز رموز اليمن التاريخية ، سد مأرب ، قد اقترن ذكره بسبأ، وكان تكريمه بالذكر في القرآن سببا في ذيوع ذكر سبأ وحاضرتها مأرب ودولة سبأ في العصر الأول هي أكبر وأهم تكوين سياسي فيه، وما تلك الدول التي تذكر معها سوى تكوينات سياسية كانت تدور في فلكها، ترتبط بها حينا وتنفصل عنها حينا آخر، مثل دولة معين وقتبان وحضرموت، أو تندمج فيها لتكون دولة واحدة مثل دولة حمير، والتي لقب ملوكها بملوك سبأ وذي ريدان وذو ريدان هم حمير وأرض سبأ في الأصل هي منطقة مأرب ، وتمتد إلى الجوف شمالا، ثم ما حاذاها من المرتفعات والهضاب إلى المشرق، وكانت دولة سبا في فترات امتداد حكمها تضم مناطق أخرى ، بل قد تشمل اليمن كله وكانت مأرب عاصمة سبأ،وتدلل الخرائب والآثار المنتشرة التي تكتنف قرية مأرب الصغيرة اليوم على الضفة اليسرى من وادي أذنه على جلال المدينة القديم وكبرها، ويرجح ان التل الذي تقع عليه قرية مأرب اليوم هو مكان قصر سلحين الذي ذكره العلامة الحسن بن أحمد الهمداني قبل الف عام، والذي ورد ذكره بالاسم نفسه في النقوش اليمنية القديمة وقد تحكم موقع مأرب في وادي سبأ بطريق التجارة الهام المعروف بطريق اللبان، وكان اللبان من أحب أنواع الطيوب وأغلاها في بلدان الشرق القديم، وحوض البحر المتوسط، وقد تميزت اليمن بإنتاجها أجود أنواع اللبان وهو الذي كان ينمو في الجزء الأوسط من ساحله الجنوبي في بلاد المهرة وظفار، وقد أدى ذلك الطلب المتزايد عليه إلى تطوير تجارة واسعة نشطة، تركزت حول هذه السلعة وامتدت إلى سلع أخرى نادرة عبر طريق التجارة المذكورة.
محتويات

1 صنعاء
2 صنعاء مكررة
3 حضرموت
4 شخصيات يمنية

صنعاء

جوهرة المدائن التاريخية، اكتست حلتها البهية عام 2024م كعاصمة للثقافة العربية، هي العاصمة السياسية للجمهورية اليمنية، شمخت بمبانيها الحديثة وامتدت شوارعها الجديدة ومرافق الخدمت فيها حتى بلغت سفوح وقمم المتنزهات المطلة على المدينة التاريخية.
عرفت قديما باسم مدينة سام ومدينة آزال، حلت صنعاء عام 525م عاصمة لليمن محل ظفار عاصمة حمير، ورد أقدم ذكر لها في القرن الأول للميلاد. وظلت عبر العصور مدينة شيقة عابقة متميزة بطابع معماري فريد ليس له نظير، وهي من مدن التراث الثقافي الإنساني المحمي من قبل منظمة اليونسكو.
من شواهد المدينة سورها التاريخي، فترجع الأخبار أن أول من وضع أساسات السور هو الملك شعرم أوتر في القرن الأول للميلاد، واشتهرت صنعاء أكثر بعد تشييد قصر غمدان الذي بناه الملك إل شرح يحصب في القرن الثاني للميلاد. وصنعاء تاريخيا محطة تجارية وسوق من أشهر أسواق العرب ومن أهم معالمها مساجدها التاريخية وأقدمها الجامع الكبير الذي بني في السنة السادسة للهجرة.
مدن تاريخية ومعالم سياحية
غيمان: إحدى المدن التاريخية الواقعة في الجنوب الشرقي من مدينة صنعاء بـ20 كيلومترا، ويختزن حصن غيمان ثروة أثرية باعتباره أحد المراكز الحميرية، ومن هذه الشواهد سد أسعد الكامل بوادي غيمان وسد شاحك ومعالم لقصور وحصون:
حصن ذي مرمر: في شبام الغراس 27 كيلومترا عن مدينة صنعاء فيها مقابر صخرية تعود إلى ما قبل 2000 عام، عثر فيها عام 1983م على ميمياوات في قلب الحصن، وسميت ذي مرمر لأن الموقع مشهور بإنتاج ألواح المرمر.
حاز: (32 كم عن مدينة صنعاء على طريق صنعاء-شبام كوكبان)، ويمكن الوصول إليها عن طريق صنعاء عمران عبر قرية بني ميمون، وهي من القرى التي تجذب السياح، وتعتبر حاز أحد المواقع الأثرية. مدينة مناخة: تقع بين حصنين بيح وشبام حراز، وهي على بعد 115 كم من صنعاء، يصل ارتفاعها إلى 2200 متر عن منسوب البحر، وبعد بضعة كيلومترات غربا تقع قرية الهجرة في منطقة حراز الجبلية كواحدة من أرقى المواقع السياحية التي يرتادها السياح يوميا، وفيها المنازل الشامخة المتميزة بنمط بديع من البنيان ولأنها منطقة سياحية جاذبة فقد أقيمت فيها خدمات سياحية إيوائية فندقية وأسواق سياحية. وفي شرقي حراز توجد القرى الجبلية عن يمين ويسار الطرق المؤدية إلى الحطيب، وهو المكان الذي يوجد فيه ضريح الداعية الاسماعيلي حاتم بن إبراهيم الهمداني وهو مزار هام كسياحة دينية. ومحافظة صنعاء بشكل عام لا تقتصر على هذه المواقع بل تضم مناطق هامة للسياحة مثل مناطق ريمة الغنية بالجبال الخضراء والشلالات الدافئة كأهم مواقع السياحة البيئية والطبيعية.
صنعاء مكررة

غيمان: إحدى المدن التاريخية الواقعة في الجنوب الشرقي من مدينة صنعاء بـ20 كيلومترا، ويختزن حصن غيمان ثروة أثرية باعتباره أحد المراكز الحميرية، ومن هذه الشواهد سد أسعد الكامل بوادي غيمان وسد شاحك ومعالم لقصور وحصون:
حصن ذي مرمر: في شبام الغراس 27 كيلومترا عن مدينة صنعاء فيها مقابر صخرية تعود إلى ما قبل 2000 عام، عثر فيها عام 1983م على ميمياوات في قلب الحصن، وسميت ذي مرمر لأن الموقع مشهور بإنتاج ألواح المرمر.
حاز: (32 كم عن مدينة صنعاء على طريق صنعاء-شبام كوكبان)، ويمكن الوصول إليها عن طريق صنعاء عمران عبر قرية بني ميمون، وهي من القرى التي تجذب السياح، وتعتبر حاز أحد المواقع الأثرية.
مدينة مناخة: تقع بين حصنين بيح وشبام حراز، وهي على بعد 115 كم من صنعاء، يصل ارتفاعها إلى 2200 متر عن منسوب البحر، وبعد بضعة كيلومترات غربا تقع قرية الهجرة في منطقة حراز الجبلية كواحدة من أرقى المواقع السياحية التي يرتادها السياح يوميا، وفيها المنازل الشامخة المتميزة بنمط بديع من البنيان ولأنها منطقة سياحية جاذبة فقد أقيمت فيها خدمات سياحية إيوائية فندقية وأسواق سياحية.
وفي شرقي حراز توجد القرى الجبلية عن يمين ويسار الطرق المؤدية إلى الحطيب، وهو المكان الذي يوجد فيه ضريح الداعية الاسماعيلي حاتم بن إبراهيم الهمداني وهو مزار هام كسياحة دينية. ومحافظة صنعاء بشكل عام لا تقتصر على هذه المواقع بل تضم مناطق هامة للسياحة مثل مناطق ريمة الغنية بالجبال الخضراء والشلالات الدافئة كأهم مواقع السياحة البيئية والطبيعية.
حضرموت

مدائن تاريخية وواد أخضر نضير وبحر لؤلؤي نقي ودروب عابقة بالبخور، ازدهرت أول حضارة فيها في الألف الأول قبل الميلاد، موقعها إلى الشرق من العاصمة صنعاء على امتداد وديان واسعة وبين السلاسل الجبلية وصحراء الربع الخالي، وتعد حضرموت كبرى محافظات الجمهورية اليمنية مساحة. المدن التاريخية السياحية
مدينة تريم: كانت ولا تزال منارا إسلاميا مشعا كإحدى المدن الثقافية يوجد فيها أكبر مكتبة تضم آلاف المخطوطات.
مدينة شبام: تقع في منتصف الوادي، وتبعد عن سيئون 19 كيلومترا، وهي عبارة عن قلعة مهيبة متميزة بعماراتها السامقة وناطحات السحاب، وتعتبر هذه المدينة من مدن التراثي الإنساني العالمي.
أما وادي دوعن المشهور بإنتاج أجود أنواع العسل فتنتشر على ضفتيه قرى سياحية شائقة، وتتميز محافظة حضرموت بأروع أنواع الصناعات والفنون الفلكلورية، وتتوفر فيها المنشآت المختلفة للخدمات السياحية وفقا للمقاييس العالمية.

== شبوة == تقع شبوة إلى الشرق من مدينة صنعاء عاصمة اليمن بمسافه تقدر 320كم. قامت مملكة أوسان (بيحان حالياً) ومملكة قتبان في شبوة.أيضا مدينة شبو القديمة و هي عاصمة دولة حضرموت . وتوجد بها الكثير من الاثار القديمه والكهوف التي كانت مناجم لتعدين البرونز والكبريت والشب والنحاس وتوجد المغارات الطبيعيه مثل مغارة الخسفه في منطقة لماطر ومغارة خدر الشب في الرحبه بمديرية ميفعه ومغارة خرق باحمار في مديرية رضوم هذه المغارات تستحق المغامرات الشبابيه خصوصا انه لم يسبق لاحد فك لغزها لعمقها وكثرة الخرافات عن خطورنها كما توجد الجداول والشلالات مثل شلال لماطر وغيل السعيدي وغيل نعمان وصيق بن حدج وصيق العجر في منطقة سلمون تعتبر شبوة ملاذ امن للسياح لقضاء الاوقات الممتعة على سواحلها الخلابه وجزرها الصغيره كذلك يوجد في شبوة الجبال الشاهقة والغنيه بالاثار القديمه والقبور المعلقة التي يصعد لها السياح الاجانب وتصويرها بالات التصوير وهذه الجبال توجد بها الوعول للاصطياد والغزلان والنمور المتوحشه في جبل كدور بارض حمير وجبل سقاه بارض نعمان.
شخصيات يمنية

البيروني.
الذاري.
عبد العزيز المقالح.

تاريخ اليمن تحت الحكم الساساني

في أواخر العصر الأول، وخاصة في القرنين الثاني والأول قبل الميلاد، أتى على أهل اليمن حين من الدهر قللوا فيه من اهتمامهم بالزراعة، واعتمدوا كثيرا على الرخاء الذي تدره عليهم القوافل التجارية، وغليهم التنافس على المال والجاه ، فأصبح في اليمن خمس دول في آن واحد هي سبأ وقتبان ومعين وحضرموت وحمير ، أصبحت عواصمها باستثناء حمير أشبه ما تكون بدول مدن القوافل التي يخضع ازدهارها وسقوطها للأوضاع التجارية والأطماع السياسية، كما حدث للبتراء ولتدمر والحضر في شمال الجزيرة. وتمكن البطالمة الذين كانوا يحكمون مصر آنذاك من التعرف على أسرار الملاحة في البحر الأحمر ومواقيت حركة الرياح الموسمية في المحيط الهندي، فشرعوا يتجرون بحرا دون وساطة اليمنيين الذين كانوا يسيطرون على طريق اللبان البري وتحول النشاط التجاري بين حوض البحر المتوسط وحوض المحيط الهندي تدريجيا من الطريق البري إلى الطريق البحري، فبدأ يخف عطاء الطريق البري وتأثرت به الدول اليمنية القديمة كثيرا، مما اضعف من قوتها وأنقص هيبتها، فطمع بها الناس دولا وقبائل ، فكانت حملة أليوس جالوس الرومانية التي أخفقت عند أسوار مأرب عام 224 ق.م في محاولة للسيطرة على الطريق البري والاستيلاء على بلاد اللبان.

كما طمعت القبائل البدوية المنتقلة في الصحراء بحواضر الدول اليمنية ومحطاتها التجارية، خاصة بعد أن تضرر أهل البادية أنفسهم من نتيجة نقص مواردهم التي كانوا يجنونها من الطريق كجمالة أو حماة قوافل، فكانوا يهاجمون المحطات والمدن كلما مسهم جوع وآنسوا من تلك المدن ضعفا، وساعدهم على ذلك اتخاذهم الفرس سلاحا فعالا في غزواتهم حيث كانوا ينقضون بسرعة وقوة على ثغور تلك الدول ثم يعودون فارين إلى قلب الصحراء مما اضطر كثيرا من سكان الوديان على أطراف الصحراء إلى هجر ديارهم والاحتماء بالمرتفعات في الداخل.

وقد ساعد هذا الوضع على نمو قوة جديدة هي حمير التي حاولت الاستفادة من انتعاش الملاحة والتجارة على البحر الأحمر ، فأقامت لها موانئ عليه وبنت لها أسطولا ، وكانت حمير آخر دول اليمن القديم ظهورا، ويرجح أن ذلك اقترن ببداية التقويم المعروف بالتقويم الحميري الذي يبدأ حوالي 115 ق.م .

كما أسست عاصمتها ظفار في قلب المرتفعات اليمنية بعيدا عن الصحراء وهجمات البدو، وذلك في قاع الحقل بسند جبل ريدان، كما ازدهرت مدن الهضبة اليمنية في القيعان، بعد أن كانت مدن الوديان الشرقية تحجب عنها المكانة والسمعة، وزادت سلطة الأقيال بعد ان قلت هيبة هؤلاء من منافسة السلطة التقليدية فيها، وإعلان نفسه ملكا على سبأ، ودخلت اليمن في فترة من الصراع على اللقب الملكي في سبأ، وهو صراع وإن أشبه صراع ملوك الطوائف ،إلا أنه كان تعبيرا عن الانتماء المشترك والوحدة عبر حرص الملوك جميعا وخاصة ملك حمير في ظفار،آخر دول اليمن القديم كما أسلفنا، على أن يكون لقبه ملك سبأ وحمير ملك سبأ وذي ريدان ومثله كان بنو همدان في ناعط وبنو بتع في في حاز وبنو مرثد في شبام وذو جرة في نِعض بالإضافة إلى سبأ في مأرب وقتبان في تمنع وحضرموت في شبوة. وكانت دولة معين في هذا العصر قد انتهت وضمت إلى سبا في القرن الأول قبل الميلاد وبدأ الضعف يدب في قتبان خاصة تحت ضربات دولة حضرموت، منذ مطلع القرن الأول الميلادي، ثم ما لبثت أن انتهت في القرن الثاني الميلادي، وضم ما تبقى منها إلى حضرموت، وفي القرن نفسه انتهى حكم الأسرة التقليدية السبئية في مأرب، علما بأن مأرب نفسها لم تفقد أهميتها كعاصمة أو مدينة حينذاك.ومما زاد في الصراع حدة بروز دولة أكسوم في الحبشة وهي الدولة التي قامت نتيجة استيطان يمني دام قرونا هناك، وساعد انتعاش الملاحة في البحر الأحمر على ازدهارها، ودخلت مع حكام اليمن في صراع أو تحالف حسب ما تقتضيه ظروفها، على أن فترة النزاع ما لبثت أن تبلورت في محاولة توحيد السلطة وإقامة دولة مركزية واحدة.

وكان أول من قام بهذه المحاولة الملك شَعِر اوتر بن علهان نهفان الذي حمل لقب ملك سبأ وذي ريدان ، واتخذ من مأرب عاصمة له ومد نفوذه إلى كثير من بقاع اليمن بما فيها حضرموت، وذلك في أواخر القرن الثاني بعد الميلاد، كما حاولت ظفار ومأرب توحيد قواهما ضد الحبشة ، بل وتوحيد السلطة أبان حكم الملك الشهير إل شَرَحْ يحضب الذي شاركه الحكم أخوه يأزل بيِّن وكان ذلك في أواخر النصف الأول من القرن الثالث الميلادي.

وفي الربع الأخير من القرن الثالث انتهت حضرموت كدولة على يد شَمّر يهرعش بن ياسر يهنعم ، وهو الملك الذي تنسب إليه الأخبار كثيرا من البطولات والأمجاد، بل هو من أبرز الشخصيات الملحمية في قصص أهل اليمن، وقد استطاع هذا الملك أن يوحد الكيانين السياسيين الباقيين وهما سبأ وحمير في في كيان واحد، وأقام حكما مركزيا قويا وحمل لقب ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانة وانتهت مأرب كعاصمة وحلت محلها ظفار، وقد عرفت هذه الفترة التي تبدأ بتوحيد المناطق اليمنية في وطن واحد وسلطة مركزية واحدة عاصمتها ظفار بفترة حمير، وهي الفترة التي بقيت ذكراها عالقة في أذهان الناس ، وتناقل الرواة أخبارها قبل الإسلام أكثر من أية فترة سابقة في تاريخ اليمن القديم.

ويذكر نقش يمني أن عامل شَمّر يهرعش في صعدة ريمان ذو حزفر اشترك في عدة حملات وجهها هذا الملك شمالا، ثم استمر غازيا، أو في سرية حتى بلغ أرض تنوخ، وتنوخ هو اتحاد القبائل العربية الذي كان أساس ما عرف بعد ذلك بدولة اللخميين في الحيرة، ويبدو أن امرؤ القيس بن عمرو من مؤسسي تلك الدولة – كان ممن وقف في سبيل تلك الحملة اليمنية، ويذكر نقش النمارة الذي عثر عليه على قبر امرئ القيس أنه قام بحملات عسكرية باتجاه جنوب الجزيرة بلغت نجران مدينة شمر ، ويشهد نقش عامل شمر يهرعش على أن كل شبه الجزيرة العربية كانت امتدادا حيويا للدولة اليمنية حيث لا حدود إلا حدود القوة والتمكن ، ويؤكد ذلك أيضا الحملات العسكرية المظفرة التي شنها خلفاء شمر يهرعش في منتصف القرن الرابع الميلادي في نجد والبحرين على الساحل الغربي للخليج العربي.

وقد كشفت الدولة الساسانية عن أطماعها في جزيرة العرب من خلال غزوات سابور ذي الأكتاف التي فصلها الطبري في تاريخه، ويعتقد أنها حدثت في هذه الفترة نفسها.

وفي نقش يمني آخر عثر عليه في عَبَدان منذ عهد قريب يدون أقيال حمير من الأيزون أخبار حملتهم العسكرية في منتصف القرن الرابع الميلادي وتمثل هذه الحملات اندفاع الحميريين نحو الشمال بعد الأحداث السابقة بزمن يسير، وأهم حملات الحميريين التي يذكرها النقش هي تلك التي بلغت مناطق اليمامة والبحرين شرق الجزيرة وأرض الأزد أزد عمان ومناطق قبائل معد ونزار وغسان .

وفي مطلع القرن الخامس الميلادي تولى الحكم أبي كرب أسعد بن ملكي كرب يهأمن المشهور بأسعد الكامل، ويعكس لقبه سعة نفوذ دولة حمير في عهده داخل شبه الجزيرة العربية ، فهو ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانة وأعرابهم طودا وتهامة ، أما الطود فهو الحجاز كما يذكر ابن المجاور وتهامة هي كل الساحل الشرقي للبحر الأحمر، أي أن جميع الأعراب وهم القبائل البدوية في المشرق والحجاز وتهامة خضعت لحكمه، وكان اتحاد كندة في وسط الجزيرة مملكة تابعة له أيضا، بل هناك من المؤرخين من يرى أن هذا الملك وهو يضيف إلى لقبه أنه ملك الأعراب في الطود والتهائم، إنما أراد ان يقول أنه أصبح ملكا للجزيرة العربية كلها، وفي وادي مأسل االجُمْح بنجد قرب الّدّاودمي، عثر على نقش باسم أبى كرب أسعد، يذكر أنه حل غازيا مع ابنه حسّان يهأمن في أرض معد وذلك يوافق ما ورد في كتب التاريخ والأخبار، كما تروي الأخبار انه مر بيثرب المدينة واعتنق الديانة اليهودية ومر بمكة وكسا الكعبة المشرفة. والمعروف أنه لم يعثر على نقوش وثنية من عهده وعهد من خلفه، وكانت قبل ذلك كثيرة الانتشار ويقال إن الناس في اليمن بدؤوا يهجرون عبادة الأصنام، فمنهم من دخل اليهودية ومنهم من دخل النصرانية، ومنهم من بقي على وثنيته.ويرى أهل العلم أن أسعد الكامل هذا هو المشار إليه بقوله تعالى أهم خير أم قوم تبع وقد ارتبط بذكر أبى كرب أسعد كثير من الأخبار والأقاصيص تشكل في مجملها ملحمة تاريخية تمجد أعماله وفتوحاته داخل اليمن وخارجه، وتنسب إليه عددا من المدن التاريخية اليمنية مثل ظفار وبينون وغيمان وخمر وغيرها، وما زال الناس إلى اليوم ينسبون إليه الكثير من بقايا الآثار القديمة مثل السدود و"الجروف" و" الكرواف" والطرق وغيرها، بل إن كل ما تقادم العهد عليه، فهو عند بعضهم أسعدي، كقولهم عادي أو من صنعة قوم عاد لكل ما هو قديم عامة.

وكان سد مأرب خلال عمره الطويل يتصدع بين الحين والآخر لأسباب عديدة منها : السيول الكبيرة التي تنتج عن أمطار غزيرة وفيضانات، مما يدخل عموما في الكوارث الطبيعية، ومنها الزلازل، ومنها الإهمال، وضعف السلطة المركزية.وقد جرت العادة أن يهب الناس عندما يحدث ذلك إلى مكان السد بغية العمل والتعاون في إصلاح ما تهدم منه ، وتتولى تنسيق عملهم وتمويلهم سلطة مركزية قوية تجمع الإرادة وتحشد الإمكانات اللازمة، كما حدث في عهد شرحبيل يعفر عام 450 م، وفي عهد أبرهة عام 542 م ، والذي تمكن ومن معه من أهل اليمن من إصلاحه، ودون ذلك في نقش كبير فصلت فيه نفقات إصلاحه، والجموع التي شاركت فيه وذكرت فيه أيضا الوفود الأجنبية من فارس والروم والغساسنة والمناذرة التي وصلت للمشاركة في الحفل الذي أقيم بتلك المناسبة، غير أن تفجر السد الأكبر والأخير لم يكن عاديا، بل كان خارقا للعادة، وكارثة كبرى أتت على معظم بنيان السد، وجرفت معظم منشآت الجنتين، فكان أن شل نظام الري بأجمعه، وبدلت صورة الحياة في تلك الأرض تماما، وقد ذكر القرآن الكريم العبرة الإلهية والسبب في ذلك ، قال تعالى: فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل .

إلا أن تفجر السد النهائي يرجح أنه قد وقع في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي ، وبعده يحدث النزوح لأهل اليمنباتجاه الشمال فيؤسسوا لهم هناك مستقرات جديدة كما فعل الأوس والخزرج في يثرب وهم فرع من الأزد، أو كما فعلت فرع آخر من الأزد في جهات حوران من بلاد الشام وأسس دولة الغساسنة كما كان هناك المناذرة باتجاه العراق، وقد لعبت كل تلك المستقرات اليمنية دورا في صياغة الشخصية العربية بعدئذ لكل شبه الجزيرة العربية.

وكان آخر من حكم من ملوك حمير قبل دخول الحبشة إلى اليمن عام 525 للميلاد رجل اسمه أسأر يثأر من العائلة اليزينية، واشتهر بذي نواس، ويقال إنه تسمى يوسف بعد أن اعتنق اليهودية، ربما كرد فعل لتغلغل النفوذ الروماني عبر المسيحية التي كانت نجران قلعة من قلاعها، وكان أهل الحبشة يدينون بالنصرانية، ويشرفون على النشاط المسيحي في اليمن، حيث دان أقوام بالمسيحية منذ أن دخلت إليه في حوالي منتصف القرن الرابع الميلادي، ومن أولئك نصارى نجران.

وكان النفوذ الحبشي قد اشتد في اليمن، فاشتبك ذو نواس معهم في معارك طاحنة، كانت الغلبة فيها أول الأمر لذي نواس، حيث ألحق بهم الهزائم تلو الهزائم ، وانتهت بحرق كنائسهم وتعقبهم في كل مكان، ولم يشأ أهل نجران أن يتركوا دينهم ويعتنقوا بدلا منه دين ملكهم، فما كان من هذا الملك إلا أن دمر كنائسهم وأحرقها وقتل المؤمنين منهم بالنصرانية وألقاهم في الأخدود، ويجد المرء ما يوافق تلك الحادثة في سورة البروج من القرآن الكريم ، وانسحب الأحباش بعد هزائمهم في تلك المعارك ليعودوا من جديد بعد سنوات لغزو اليمن وتمكنوا بمساعدة إمبراطور الروم من إلحاق الهزيمة بذي نواس واحتلال اليمن ، وكان ذلك عام 525 للميلاد.

وولي اليمن نيابة عن نجاشي الحبشة شخص يدعى أبرهة وهو الذي تهدم سد مأرب في زمنه كما أسلفنا وأصلحه، لكن ابرهة استبد بالأمر في اليمن وخلع طاعة النجاشي وسمى نفسه ملكا على اليمن ، وقام بغزوات عديدة لإخضاع القبائل المتمردة عليه في الداخل، وبأخرى للمد نفوذه في الجزيرة، على أن دولته لم تدم طويلا إذ أن الفرس بدؤوا يتحينون الفرصة للسيطرة على اليمن في إطار صراعهم الطويل مع الروم، وتنافس الطرفين على كسب مناطق نفوذ لهما، فكان أن أرسل الملك الساساني عن طريق ملوك الحيرة قوات فارسية إلى اليمن، تمكنت بالتعاون مع قائد يمني من ذي يزن اشتهر باسم سيف من تقويض نفوذ الأحباش في اليمن وطردهم.

على أنه مما بقي عالقا في أذهان أهل اليمن وتواتر أخبارهم قصة حملة أبرهة الفاشلة على مكة، وهي الحملة التي قصد منها هدم الكعبة واتخاذ القليس في صنعاء كعبة يحج إليها الناس بدلا منها، وقد أشار القرآن إلى هذه القصة في سورة الفيل.وفي عام الفيل ولد النبي في مكة وروي أن جده عبد المطلب بن هاشم كان في جملة الوفود التي وصلت إلى صنعاء لتهنئة سيف بن ذي يزن بانتصاره على الحبشة، وتوليه سدة الحكم في اليمن إلا أن ذلك لم يدم طويلا، فقد قرر كسرى الثاني برويز الملك الساساني أن يجعل من اليمن ولاية فارسية، وكان أن تم له ما اراد، وعين عليها واليا فارسيا في اليمن حوال عام 598 ، ، وكانت اليمن بعد تحولها إلى ولاية فارسية لا تزال تشكل مركز الاستقطاب والثقل في الجزيرة العربية ، ويمكن الاستشهاد على ذلك بتصورات الملك الفارسي لدور اليمن في الجزيرة، فقد أرسل كما هو معلوم إلى واليه في اليمن أن يقبض على رسول الإسلام محمد بن عبد الله (ص) في الحجاز وكأنه بهذا الطلب ينظر ببداهة إلى نفوذ اليمن في منطقة شمال الجزيرة العربية.

وقد ضعفت أحوال اليمن الداخلية في عهد الحكم الفارسي وفقدت السلطة المركزية هيبتها في البلاد وهو ما أفسح الطريق لبروز الزعامات القبلية الكثيرة إلى جانب حكم الوالي الفارسي في صنعاء وبعض مناطق أخرى من اليمن ، وهذا هو الوضع السياسي الذي ستشرق شمس الإسلام واليمن عليه وسيتغير بعد ذلك ضمن المتغيرات الكبرى التي أحدثتها دعوة النبي محمد عليه الصلاة والسلام الناس جميعا إلى دين الإسلام.

وقبل الإسلام عبد اليمنيون عدد من الآلهة أهمها الكواكب والأجرام السماوية، كالشمس والقمر والزهرة، أما اليهودية والمسيحية فقد بدأت بالظهور في اليمن ابتداء من القرن الرابع الميلادي فتداخلت مع ديانات محلية ذات طابع توحيدي كعبادة الرحمن، كما شاع بين أهل اليمن القديم السحر والشعوذة.

معنى اليمن

تعدد اسم اليمن في كتب التاريخ فهي عند قدماء الجغرافيين " العربية السعيدة "وفي العهد القديم " التوراة " يذكر اليمن بمعناه الاشتقاقي أي الجنوب وملكة الجنوب (ملكة تيمنا) وقيل سميت اليمن باسم (ايمن بن يعرب بن قحطان). وفي الموروث العربي وعند أهل اليمن أنفسهم أن اليمن اشتق من " اليمن " أي الخير والبركة وتتفق هذه مع التسمية القديمة " العربية السعيدة " .
وقال آخرون سمي اليمن يمنا لأنه على يمين الكعبة والعرب يتيامنون والجهة اليمنى رمز الفأل الحسن ولا يزال بعض أهل اليمن يستعملون لفظة الشام بمعنى الشمال واليمن بمعنى الجنوب و تسمى اليمن اليوم " الجمهورية اليمنية " .

مملكة سبأ

تدل أقدم المعلومات المعتمدة على حضارة يمنية راقية، يعود تاريخها على الأقل إلى القرن العاشر قبل الميلاد وتقترن هذه المعلومات بذكر سبأ التي ارتبطت بها معظم الرموز التاريخية في اليمن القديم والتي هي بالفعل واسطة العقد في هذا العصر، ويمثل تاريخ دولة سبأ، وحضارة سبأ فيه عمود التاريخ اليمني، وسبأ عند النسابة هو أبو حمير وكهلان، ومن هذين الأصليين تسلسلت أنساب أهل اليمن جميعا،كما أن هجرة أهل اليمن في الأمصار ارتبطت بسبأ، حتى قيل في الأمثال: تفرقوا ايدي سبأ، والبلدة الطيبة التي ذكرت في القرآن الكريم هي في الأصل ارض سبأ، كما أن ابرز رموز اليمن التاريخية ، سد مأرب، قد اقترن ذكره بسبأ، وكان تكريمه بالذكر في القرآن سببا في ذيوع ذكر سبأ وحاضرتها مأرب.

ودولة سبأ في العصر الأول هي أكبر وأهم تكوين سياسي فيه، وما تلك الدول التي تذكر معها سوى تكوينات سياسية كانت تدور في فلكها، ترتبط بها حينا وتنفصل عنها حينا آخر، مثل دولة معين وقتبان وحضرموت، أو تندمج فيها لتكون دولة واحدة مثل دولة حمير، والتي لقب ملوكها بملوك سبأ وذي ريدان وذو ريدان هم حمير.

وأرض سبأ في الأصل هي منطقة مأرب، وتمتد إلى الجوف شمالا، ثم ما حاذاها من المرتفعات والهضاب إلى المشرق، وكانت دولة سبا في فترات امتداد حكمها تضم مناطق أخرى، بل قد تشمل اليمن كله.

وكانت مأرب عاصمة سبأ، وتدلل الخرائب والآثار المنتشرة التي تكتنف قرية مأرب الصغيرة اليوم على الضفة اليسرى من وادي أذنه على جلال المدينة القديم وكبرها، ويرجح ان التل الذي تقع عليه قرية مأرب اليوم هو مكان قصر سلحين الذي ذكره العلامة الحسن بن احمد الهمداني قبل الف عام، والذي ورد ذكره بالإسم نفسه في النقوش اليمنية القديمة.

وقد تحكم موقع مأرب في وادي سبأ بطريق التجارة الهام المعروف بطريق اللبان، وكان اللبان من أحب أنواع الطيوب وأغلاها في بلدان الشرق القديم، وحوض البحر المتوسط، وقد تميزت اليمن بانتاجها أجود أنواع اللبان وهو الذي كان ينمو في الجزء الأوسط من ساحله الجنوبي في بلاد المهرة وظفار، وقد أدى ذلك الطلب المتزايد عليه إلى تطوير تجارة واسعة نشطة، تركزت حول هذه السلعة وامتدت إلى سلع أخرى نادرة عبر طريق التجارة المذكور.

وكان يمتد هذا الطريق بصفة رئيسية من ميناء قنا في مصب وادي ميفعة على بحر العرب إلى غزة في فلسطين على البحر المتوسط، مرورا بمدينة شبوة ومأرب، ثم يمر بوادي الجوف، ومنه إلى نجران حيث يتفرع إلى فرعين: طريق يمر عبر قرية الفاو في وادي الدواسر، ومنه إلى هجر في منطقة الخليج، ثم إلى جنوب وادي الرافدين، وطريق رئيس يمتد من نجران نحو الشمال، مارا بيثرب، ثم ددان في شمال الحجاز، ومنه إلى البتراء، ويتجه الطريق الرئيس من البتراء نحو ميناء غزة، بينما يتجه فرع آخر إلى دمشق وإلى مدن الساحل الفينيقي.

ولا شك أن إستئناس الجمل الذي يرجح انه تم في القرون الأخيرة من الألف الثاني قبل الميلاد قد لعب دورا بارزا في إزدهار التجارة بقدرته على حمل الأثقال ولمسافات طويلة، وتتوافق تواريخ استئناس الجمل مع ما ورد في التوراة من إشارات إلى زيارة ملكة سبأ للنبي سليمان عليه السلام في القرن العاشر قبل الميلاد، وهي الزيارة التي تفيد وجود علاقات تجارية بين بلاد الشام وبلاد اليمن، إذ تذكر الأخبار المرتبطة بتلك الزيارة ان ملكة سبأ أحضرت معها كميات كبيرة من الطيوب منها اللبان.

وتعتبر أخبار هذه الزيارة كما وردت في التوراة أقدم الأخبار التي وصلتنا عن سبأ وحضارتها، وقصة هذه الزيارة مشهورة وقد طبقت شهرتها الآفاق وملأت اسماع الدنيا، وشغلت الناس عشرات القرون، ذكرتها الكتب السماوية، وتواتر ذكرها في الأخبار وروايات متعددة، وخاصة موروث أهل اليمن، فملكة سبأ عندهم رمز تاريخي لحضارة يمنية قديمة راقية، وقد كرمت ملكة سبا وقصة زيارتها للنبي سليمان بالذكر في القرآن الكريم، قال تعالى: "وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت إمرأة تملكهم وأوتيت من كل شيئ ولهاعرش عظيم" صدق الله العظيم، وإذا كانت التجارة وموردها المالي الوفير قد أسهمت بقسط عظيم في صياغة الحياة العامة للناس وإزدهارها في مراكز الحضارة اليمنية القديمة ، وخاصة في قلب تلك الحضارة، أرض سبأ وعاصمتها مأرب، فإن سد مأرب هو أهم شاهد على أن اليمن شهدت أيضا حضارة زراعية فائقة، وتشير بعض الدراسات الأثرية الجادة التي أجريت ميدانيا على آثار السد إلى أن أسسه ربما تعود تاريخيا إلى قبل مطلع الألف الأول قبل الميلاد على الأقل، وهو أمر يتوافق أيضا مع ما سلف ذكره من أخبار تتحدث عن حضارة يمنية راقية منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد، وقد ذكرت النقوش ملكة سبأ التي حكمت في القرن العاشر قبل الميلاد وبعدها ذكرت عددا كبيرا من المكربين والملوك الذين تولوا الحكم في دولة سبأ، والفرق بين الملك والمكرب هو أن الملك يحكم شعبا واحدا أو قبيلة واحدة بينما المكرب لقب للمجمِّع والموحِّد لعدة شعوب أي الموحد،ووجود المكربين في تاريخ اليمن القديم يشهد بجدارة على الجهود المبكرة جدا لتوحيد أهل اليمن تحت سلطة سياسية واحدة، وقد حاول أحد العلماء ترتيبهم زمنيا خلال الألف الأول قبل الميلاد، فبلغوا ما يقارب الخمسين، إبتداء من القرن الثامن إلى القرن الأول قبل الميلاد، ومن هؤلاء الحكام يثع أمر بين بن آسْمُهُ عَلَي الذي تذكره الحوليات الآشورية حوالي عام715 ق.م مقترنا بالملك الآشوري سرجون الثاني وهو ما يشهد على قيام علاقات دبلوماسية مع العالم الخارجي، اما النقوش اليمنية فتذكره مقترنا ببعض المنشآت المعمارية ومنها أنه سور مأرب، ومنهم أيضا كَرِبْ إل وتار بن ذمارعلي الذي بعث بهدية إلى الملك الآشوري سنحريب، حسب ما يذكر نقش بناء معبد بيت أكينو في آشور، حوالي 685 ق.م، ويرجح أنه هو نفسه صاحب نقش صرواح الكبير الذي يذكر أن هذا الملك قد قام بعدة حملات عسكرية داخلية خلال فترة حكمه يهدف منها إلى تثبيت السلطة المركزية لدولته وتأديب من خرج عنه، وشملت حملاته مناطق أوسان وغيرها من المناطق الجنوبية حتى باب المندب، كما شملت حملاته أيضا مناطق امتدت ما بين نجران والمعافر بلاد الحجرية، من محافظة تعز وبعض مدن وادي الجوف، مثل نشان ونشق، ويذكر النقش أنه كافأ الجهات التي حافظت على الولاء له مثل حضرموت وقتبان، وأنه قام بإصلاحات واسعة في منطقة مأرب ومنها قصر سلحين وسوَّر عددا من المدن اليمنية، وأصلح عددا من سبل الري والأراضي التابعة لها، ويعد المكرب يَدَعْ إل ذريح بن آسْمُهُ علي أشهر حكام سبا في أمور البناء، فقد عثر على نقوش عديدة من عهده تذكر منشآته المعمارية، وخاصة المعابد، وقد ارتبطت باسمه معابد شهيرة باليمن القديم مثل معبد أوام البيضاوي الكبير محرم بلقيس ومعبد صرواح ، ومعبد في المساجد وغيرها من الأبنية التي تنبئ عن آثارها عن مستوى راق من الإتقان المعماري والإبداع الهندسي، وظلت سبأ وحتى القرن الخامس قبل الميلاد الدولة الكبيرة الأم، حين خرجت عن سيطرتها منا طق عدة واستطاعت أن تكون دولا مستقلة، ودخلت هذه الدول في منافسة مع سبأ، وشاركتها نفوذها السياسي والتجاري، بل إن كل واحدة من تلك الدول لم تكن أقل شأنا من سبأ في أوج إزدهارها وأبرز هذه الدول هي معين وقتبان وحضرموت، أما دولة معين فقد ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد في الجوف، بعد أن تمكنت مناطق الجوف بقيادة مدينة يَثُل = براقش العصمة الدينية من السيطرة على طريق اللبان التجاري بمساندة حضرموت وقتبان، ثم اتجه المعينيون شمالا، وأقاموا المحطات التجارية والمستوطنات المعينية على طرق القوافل التجارية مثل قرْية في وادي الدواسر على الطريق بين نجران والبحرين أي شرق الجزيرة، ومثل ددان في وادي القرى على الطريق بين نجران وغزة، ومن قرنو عاصمة الدولة المعينية انطلق أهل معين يرتادون الأسواق العالمية في فلسطين ومصر واليونان وغيرها، وقد عثر بمصر على قبر تاجر معيني نقش اسمه زيد إلأ بن زيد وكان يتاجر بالمر والقرفة في مصر أيام بطليموس الثاني حوالي 264 ق.م، وكان العالم القديم يعرف المعينيين، وقد ذكرهم مؤلفوا اليونان في كتبهم وسموا اللبان باسمهم، على أن تلك المصادر لا تقصر الذكر على المعينيين، وإنما تذكر معهم أيضا في اليمن: السسبئيين والحضارمة والقتبانيين، وكان أول ذكر لقتبان قد ورد في نقش الملك كرب إل وتار السبئي، وكانت حينها موالية لسبأ التي خلصتها من سيطرة أوسان، على أن قتبان مثل معين استطاعت أن تخرج عن سيطرة سبأ في القرن الخامس قبل الميلاد، وأن تمد نفوذها على حساب سبأ متحالفة مع حضرموت، كانت مدينة تمنع في وادي بيحان عاصمة قتبان وهو مقر قبائلها في الأصل، وفي القرن الثالث والثاني قبل الميلاد بلغت قتبان أوج ازدهارها وشملت رقعتها مناطق أوسان القديمة حتى ساحل بحر العرب، ومدت نفوذها جنوبا لتشمل واحة الجوبة على بعد مسيرة يوم واحد من مأرب العاصمة السبئية، وتميز القتبانيون بنشاط زراعي هائل، فأقاموا مشاريع الري في الوديان، وشقوا القنوات الطويلة وحفروا الآبار وبنوا السدود، وأحسنوا استثمار موقعهم على طريق اللبان التجاري، فجنوا من الزراعة والتجارة الخير الوفير، وكانوا يعنون بسن الشرائع ووضع القوانين التي تنظم أمورهم الاقتصادية، ولا تزال تقوم إلى اليوم وفي محل السوق القديم بهجر كحلان تمنع العاصمة قديما مَسَلَّةٌ نقش على جوانبها تعاليم خاصة بسوق المدينة واسمه سوق شمر ويبين النقش إجمالا الرسوم المفروضة، وفئات التجار وغير ذلك، أما حضرموت في أقدم عهودها فقد كانت تابعة لدولة سبأ الكبيرة ثم موالية لها، وفي القرن الخامس ق.م، إبان ضعف الدولة السبأية خرجت حضرموت عن سبأ كغيرها وكونت دولة مستقلة، وقد نمت قوتها تدريجيا واكتسبت أهمية فائقة، خاصة لكونها تملك أرض اللبان في ظفار وكانت عاصمتها شبوة التي تقع في أقصى غرب وادي حضرموت على أطراف مفازة صيهد، وكانت تشمل في عز ازدهارها ظفارا ارض اللبان والنطاق الجنوبي الممتد حتى ساحل العرب، وتمتد شمالا باتجاه الربع الخالي وما يحاذي العَبْر، بالإضافة إلى موطنها الأصلي وادي حضرموت، وتبرز أهمية هذه الدولة بوضوح من خلال ذكرها وذكر عاصمتها في المصادر الكلاسيكية، إذ تذكر أن شبوة عاصمة حضرموت كانت مركزا هاما لتجارة اللبان.

مملكة حمير

في أواخر العصر الأول، وخاصة في القرنين الثاني والأول قبل الميلاد، أتى على أهل اليمن حين من الدهر قللوا فيه من اهتمامهم بالزراعة، واعتمدوا كثيرا على الرخاء الذي تدره عليهم القوافل التجارية، وغليهم التنافس على المال والجاه، فأصبح في اليمن خمس دول في آن واحد هي سبأ وقتبان ومعين وحضرموت وحمير، أصبحت عواصمها باستثناء حمير أشبه ما تكون بدول مدن القوافل التي يخضع ازدهارها وسقوطها للأوضاع التجارية والأطماع السياسية، كما حدث للبتراء ولتدمر والحضر في شمال الجزيرة، وتمكن البطالمة الذين كانوا يحكمون مصر آنذاك من التعرف على أسرار الملاحة في البحر الأحمر ومواقيت حركة الرياح الموسمية في المحيط الهندي، فشرعوا يتجرون بحرا دون وساطة اليمنيين الذين كانوا يسيطرون على طريق اللبان البري وتحول النشاط التجاري بين حوض البحر المتوسط وحوض المحيط الهندي تدريجيا من الطريق البري إلى الطريق البحري، فبدأ يخف عطاء الطريق البري وتأثرت به الدول اليمنية القديمة كثيرا، مما اضعف من قوتها وأنقص هيبتها، فطمع بها الناس دولا وقبائل، فكانت حملة أليوس جالوس الرومانية التي أخفقت عند أسوار مأرب عام 224 ق.م، في محاولة للسيطرة على الطريق البري والاستيلاء على بلاد اللبان، كما طمعت القبائل البدوية المنتقلة في الصحراء بحواضر الدول اليمنية ومحطاتها التجارية، خاصة بعد أن تضرر أهل البادية أنفسهم من نتيجة نقص مواردهم التي كانوا يجنونها من الطريق كجمالة أو حماة قوافل، فكانوا يهاجمون المحطات والمدن كلما مسهم جوع وآنسوا من تلك المدن ضعفا، وساعدهم على ذلك اتخاذهم الفرس سلاحا فعالا في غزواتهم حيث كانوا ينقضون بسرعة وقوة على ثغور تلك الدول ثم يعودون فارين إلى قلب الصحراء مما اضطر كثيرا من سكان الوديان على أطراف الصحراء إلى هجر ديارهم والاحتماء بالمرتفعات في الداخل، وقد ساعد هذا الوضع على نمو قوة جديدة هي حمير التي حاولت الاستفادة من انتعاش الملاحة والتجارة على البحر الأحمر ، فأقامت لها موانئ عليه وبنت لها أسطولا، وكانت حمير آخر دول اليمن القديم ظهورا، ويرجح أن ذلك اقترن ببداية التقويم المعروف بالتقويم الحميري الذي يبدأ حوالي115ق.م، كما أسست عاصمتها ظفار في قلب المرتفعات اليمنية بعيدا عن الصحراء وهجمات البدو، وذلك في قاع الحقل بسند جبل ريدان، كما ازدهرت مدن الهضبة اليمنية في القيعان، بعد أن كانت مدن الوديان الشرقية تحجب عنها المكانة والسمعة، وزادت سلطة الأقيال بعد ان قلت هيبة هؤلاء من منافسة السلطة التقليدية فيها، وإعلان نفسه ملكا على سبأ، ودخلت اليمن في فترة من الصراع على اللقب الملكي في سبأ، وهو صراع وإن أشبه صراع ملوك الطوائف، إلا أنه كان تعبيرا عن الانتماء المشترك والوحدة عبر حرص الملوك جميعا وخاصة ملك حمير في ظفار، آخر دول اليمن القديم كما أسلفنا، على أن يكون لقبه ملك سبأ وحمير ملك سبأ وذي ريدان ومثله كان بنو همدان في ناعط وبنو بتع في في حاز وبنو مرثد في شبام وذو جرة في نِعض بالإضافة إلى سبأ في مأرب وقتبان في تمنع وحضرموت في شبوة، وكانت دولة معين في هذا العصر قد انتهت وضمت إلى سبا في القرن الأول قبل الميلاد وبدأ الضعف يدب في قتبان خاصة تحت ضربات دولة حضرموت، منذ مطلع القرن الأول الميلادي، ثم ما لبثت أن انتهت في القرن الثاني الميلادي، وضم ما تبقى منها إلى حضرموت، وفي القرن نفسه انتهى حكم الأسرة التقليدية السبئية في مأرب، علما بأن مأرب نفسها لم تفقد أهميتها كعاصمة أو مدينة حينذاك، ومما زاد في الصراع حدة بروز دولة أكسوم في الحبشة وهي الدولة التي قامت نتيجة استيطان يمني دام قرونا هناك، وساعد انتعاش الملاحة في البحر الأحمر على ازدهارها، ودخلت مع حكام اليمن في صراع أو تحالف حسب ما تقتضيه ظروفها، على أن فترة النزاع ما لبثت أن تبلورت في محاولة توحيد السلطة وإقامة دولة مركزية واحدة، وكان أول من قام بهذه المحاولة الملك شَعِر اوتر بن علهان نهفان الذي حمل لقب ملك سبأ وذي ريدان ، واتخذ من مأرب عاصمة له ومد نفوذه إلى كثير من بقاع اليمن بما فيها حضرموت، وذلك في أواخر القرن الثاني بعد الميلاد، كما حاولت ظفار ومأرب توحيد قواهما ضد الحبشة، بل وتوحيد السلطة أبان حكم الملك الشهير إل شَرَحْ يحضب الذي شاركه الحكم أخوه يأزل بيِّن وكان ذلك في أواخر النصف الأول من القرن الثالث الميلادي، وفي الربع الأخير من القرن الثالث انتهت حضرموت كدولة على يد شَمّر يهرعش بن ياسر يهنعم ، وهو الملك الذي تنسب إليه الأخبار كثيرا من البطولات والأمجاد، بل هو من أبرز الشخصيات الملحمية في قصص أهل اليمن، وقد استطاع هذا الملك أن يوحد الكيانين السياسيين الباقيين وهما سبأ وحمير في في كيان واحد، وأقام حكما مركزيا قويا وحمل لقب ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانة وانتهت مأرب كعاصمة وحلت محلها ظفار، وقد عرفت هذه الفترة التي تبدأ بتوحيد المناطق اليمنية في وطن واحد وسلطة مركزية واحدة عاصمتها ظفار بفترة حمير، وهي الفترة التي بقيت ذكراها عالقة في أذهان الناس ، وتناقل الرواة أخبارها قبل الإسلام أكثر من أية فترة سابقة في تاريخ اليمن القديم، ويذكر نقش يمني أن عامل شَمّر يهرعش في صعدة ريمان ذو حزفر اشترك في عدة حملات وجهها هذا الملك شمالا، ثم استمر غازيا، أو في سرية حتى بلغ أرض تنوخ، وتنوخ هو اتحاد القبائل العربية الذي كان أساس ما عرف بعد ذلك بدولة اللخميين في الحيرة، ويبدو أن امرؤ القيس بن عمرو من مؤسسي تلك الدولة – كان ممن وقف في سبيل تلك الحملة اليمنية، ويذكر نقش النمارة الذي عثر عليه على قبر امرئ القيس أنه قام بحملات عسكرية باتجاه جنوب الجزيرة بلغت نجران مدينة شمر، ويشهد نقش عامل شمر يهرعش على أن كل شبه الجزيرة العربية كانت امتدادا حيويا للدولة اليمنية حيث لا حدود إلا حدود القوة والتمكن ، ويؤكد ذلك أيضا الحملات العسكرية المظفرة التي شنها خلفاء شمر يهرعش في منتصف القرن الرابع الميلادي في نجد والبحرين على الساحل الغربي للخليج العربي، وقد كشفت الدولة الساسانية عن أطماعها في جزيرة العرب من خلال غزوات سابور ذي الأكتاف التي فصلها الطبري في تاريخه، ويعتقد أنها حدثت في هذه الفترة نفسها، وفي نقش يمني آخر عثر عليه في عَبَدان منذ عهد قريب يدون أقيال حمير من الأيزون أخبار حملتهم العسكرية في منتصف القرن الرابع الميلادي وتمثل هذه الحملات اندفاع الحميريين نحو الشمال بعد الأحداث السابقة بزمن يسير، وأهم حملات الحميريين التي يذكرها النقش هي تلك التي بلغت مناطق اليمامة والبحرين شرق الجزيرة وأرض الأزد أزد عمان ومناطق قبائل معد ونزار وغسان ، وفي مطلع القرن الخامس الميلادي تولى الحكم أبي كرب أسعد بن ملكي كرب يهأمن المشهور بأسعد الكامل، ويعكس لقبه سعة نفوذ دولة حمير في عهده داخل شبه الجزيرة العربية ، فهو ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانة وأعرابهم طودا وتهامة، أما الطود فهو الحجاز كما يذكر ابن المجاور وتهامة هي كل الساحل الشرقي للبحر الأحمر، أي أن جميع الأعراب وهم القبائل البدوية في المشرق والحجاز وتهامة خضعت لحكمه، وكان اتحاد كندة في وسط الجزيرة مملكة تابعة له أيضا، بل هناك من المؤرخين من يرى أن هذا الملك وهو يضيف إلى لقبه أنه ملك الأعراب في الطود والتهائم، إنما أراد ان يقول أنه أصبح ملكا للجزيرة العربية كلها، وفي وادي مأسل االجُمْح بنجد قرب الّدّاودمي، عثر على نقش باسم أبى كرب أسعد، يذكر أنه حل غازيا مع ابنه حسّان يهأمن في أرض معد وذلك يوافق ما ورد في كتب التاريخ والأخبار، كما تروي الأخبار انه مر بيثرب المدينة واعتنق الديانة اليهودية ومر بمكة وكسا الكعبة المشرفة، والمعروف أنه لم يعثر على نقوش وثنية من عهده وعهد من خلفه، وكانت قبل ذلك كثيرة الانتشار ويقال إن الناس في اليمن بدؤوا يهجرون عبادة الأصنام، فمنهم من دخل اليهودية ومنهم من دخل النصرانية، ومنهم من بقي على وثنيته، ويرى أهل العلم أن أسعد الكامل هذا هو المشار إليه بقوله تعالى: " أهم خير أم قوم تبع" صدق الله العظيم وقد ارتبط بذكر أبى كرب أسعد كثير من الأخبار والأقاصيص تشكل في مجملها ملحمة تاريخية تمجد أعماله وفتوحاته داخل اليمن وخارجه، وتنسب إليه عددا من المدن التاريخية اليمنية مثل ظفار وبينون وغيمان وخمر وغيرها، وما زال الناس إلى اليوم ينسبون إليه الكثير من بقايا الآثار القديمة مثل السدود و"الجروف" و" الكرواف" والطرق وغيرها، بل إن كل ما تقادم العهد عليه، فهو عند بعضهم أسعدي، كقولهم عادي أو من صنعة قوم عاد لكل ما هو قديم عامة، وكان سد مأرب خلال عمره الطويل يتصدع بين الحين والآخر لأسباب عديدة منها: السيول الكبيرة التي تنتج عن أمطار غزيرة وفيضانات، مما يدخل عموما في الكوارث الطبيعية، ومنها الزلازل، ومنها الإهمال، وضعف السلطة المركزية، وقد جرت العادة أن يهب الناس عندما يحدث ذلك إلى مكان السد بغية العمل والتعاون في إصلاح ما تهدم منه، وتتولى تنسيق عملهم وتمويلهم سلطة مركزية قوية تجمع الإرادة وتحشد الإمكانات اللازمة، كما حدث في عهد شرحبيل يعفر عام 450 م، وفي عهد أبرهة عام 542 م، والذي تمكن ومن معه من أهل اليمن من إصلاحه، ودون ذلك في نقش كبير فصلت فيه نفقات إصلاحه، والجموع التي شاركت فيه وذكرت فيه أيضا الوفود الأجنبية من فارس والروم والغساسنة والمناذرة التي وصلت للمشاركة في الحفل الذي أقيم بتلك المناسبة، غير أن تفجر السد الأكبر والأخير لم يكن عاديا، بل كان خارقا للعادة، وكارثة كبرى أتت على معظم بنيان السد، وجرفت معظم منشآت الجنتين، فكان أن شل نظام الري بأجمعه، وبدلت صورة الحياة في تلك الأرض تماما، وقد ذكر القرآن الكريم العبرة الإلهية والسبب في ذلك ، قال تعالى: " فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل " صدق الله العظيم، إلا أن تفجر السد النهائي يرجح أنه قد وقع في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي ، وبعده يحدث النزوح لأهل اليمنباتجاه الشمال فيؤسسوا لهم هناك مستقرات جديدة كما فعل الأوس والخزرج في يثرب وهم فرع من الأزد، أو كما فعلت فرع آخر من الأزد في جهات حوران من بلاد الشام وأسس دولة الغساسنة كما كان هناك المناذرة باتجاه العراق، وقد لعبت كل تلك المستقرات اليمنية دورا في صياغة الشخصية العربية بعدئذ لكل شبه الجزيرة العربية، وكان آخر من حكم من ملوك حمير قبل دخول الحبشة إلى اليمن عام 525 للميلاد رجل اسمه أسأر يثأر من العائلة اليزينية، واشتهر بذي نواس، ويقال إنه تسمى يوسف بعد أن اعتنق اليهودية، ربما كرد فعل لتغلغل النفوذ الروماني عبر المسيحية التي كانت نجران قلعة من قلاعها، وكان أهل الحبشة يدينون بالنصرانية، ويشرفون على النشاط المسيحي في اليمن، حيث دان أقوام بالمسيحية منذ أن دخلت إليه في حوالي منتصف القرن الرابع الميلادي، ومن أولئك نصارى نجران، وكان النفوذ الحبشي قد اشتد في اليمن، فاشتبك ذو نواس معهم في معارك طاحنة، كانت الغلبة فيها أول الأمر لذي نواس، حيث ألحق بهم الهزائم تلو الهزائم ، وانتهت بحرق كنائسهم وتعقبهم في كل مكان، ولم يشأ أهل نجران أن يتركوا دينهم ويعتنقوا بدلا منه دين ملكهم، فما كان من هذا الملك إلا أن دمر كنائسهم وأحرقها وقتل المؤمنين منهم بالنصرانية وألقاهم في الأخدود، ويجد المرء ما يوافق تلك الحادثة في سورة البروج من القرآن الكريم، وانسحب الأحباش بعد هزائمهم في تلك المعارك ليعودوا من جديد بعد سنوات لغزو اليمن وتمكنوا بمساعدة إمبراطور الروم من إلحاق الهزيمة بذي نواس واحتلال اليمن، وكان ذلك عام 525 للميلاد، وولي اليمن نيابة عن نجاشي الحبشة شخص يدعى أبرهة وهو الذي تهدم سد مأرب في زمنه كما أسلفنا وأصلحه، لكن ابرهة استبد بالأمر في اليمن وخلع طاعة النجاشي وسمى نفسه ملكا على اليمن، وقام بغزوات عديدة لإخضاع القبائل المتمردة عليه في الداخل، وبأخرى للمد نفوذه في الجزيرة، على أن دولته لم تدم طويلا إذ أن الفرس بدؤوا يتحينون الفرصة للسيطرة على اليمن في إطار صراعهم الطويل مع الروم، وتنافس الطرفين على كسب مناطق نفوذ لهما، فكان أن أرسل الملك الساساني عن طريق ملوك الحيرة قوات فارسية إلى اليمن، تمكنت بالتعاون مع قائد يمني من ذي يزن اشتهر باسم سيف من تقويض نفوذ الأحباش في اليمن وطردهم، على أنه مما بقي عالقا في أذهان أهل اليمن وتواتر أخبارهم قصة حملة أبرهة الفاشلة على مكة، وهي الحملة التي قصد منها هدم الكعبة واتخاذ القليس في صنعاء كعبة يحج إليها الناس بدلا منها، وقد أشار القرآن إلى هذه القصة في سورة الفيل، وفي عام الفيل ولد النبي في مكة وروي أن جده عبد المطلب بن هاشم كان في جملة الوفود التي وصلت إلى صنعاء لتهنئة سيف بن ذي يزن بانتصاره على الحبشة، وتوليه سدة الحكم في اليمن إلا أن ذلك لم يدم طويلا، فقد قرر كسرى الثاني برويز الملك الساساني أن يجعل من اليمن ولاية فارسية، وكان أن تم له ما اراد، وعين عليها واليا فارسيا في اليمن حوال عام 598، وكانت اليمن بعد تحولها إلى ولاية فارسية لا تزال تشكل مركز الاستقطاب والثقل في الجزيرة العربية ، ويمكن الاستشهاد على ذلك بتصورات الملك الفارسي لدور اليمن في الجزيرة، فقد أرسل كما هو معلوم إلى واليه في اليمن أن يقبض على رسول الإسلام محمد بن عبد الله (ص) في الحجاز وكأنه بهذا الطلب ينظر ببداهة إلى نفوذ اليمن في منطقة شمال الجزيرة العربية، وقد ضعفت أحوال اليمن الداخلية في عهد الحكم الفارسي وفقدت السلطة المركزية هيبتها في البلاد وهو ما أفسح الطريق لبروز الزعامات القبلية الكثيرة إلى جانب حكم الوالي الفارسي في صنعاء وبعض مناطق أخرى من اليمن، وهذا هو الوضع السياسي الذي ستشرق شمس الإسلام واليمن عليه وسيتغير بعد ذلك ضمن المتغيرات الكبرى التي أحدثتها دعوة النبي محمد عليه الصلاة والسلام الناس جميعا إلى دين الإسلام، وقبل الإسلام عبد اليمنيون عدد من الآلهة أهمها الكواكب والأجرام السماوية، كالشمس والقمر والزهرة، أما اليهودية والمسيحية فقد بدأت بالظهور في اليمن ابتداء من القرن الرابع الميلادي فتداخلت مع ديانات محلية ذات طابع توحيدي كعبادة الرحمن، كما شاع بين أهل اليمن القديم السحر والشعوذة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.