أعطني وقتًا وكوبًا من الماء، وأنا أُذيب لكَ حجرًا من الصخر.
بهذا المبدأ يتسلَّحُ من يُحيكون المكائدَ لعقيدة المسلمين لضربها في مقتل، وقد علموا أنَّ أحدًا لن يستطيع أن يُقابِل مُسلمًا ويقول له : تخلَّ عن عقيدتكَ فيتخلى عنها هكذا بكل بساطة…
وقد التقفَ المصريون الظرفاء هذه الحقيقة وصاغوها طرفةً كعادتهم فزعموا أنَّ صاحب العمل – وكان غير مُسلم – قد استأجر لعمله نفرًا من المسلمين، وراحوا يستعينون على مشقَّة العمل بالإنشاد قائلين : (( هيلة هيلة صلي ع النبي)) فاغتاظ صاحب العمل لذلك، فقال لهم زاجرًا: كُفُّوا عن ترديد هذا النشيد!! فما كان من أحدهم إلا أن تناول قطعة طبشورٍ وكتب على الحائط عبارة: (( صلي على النبي)) ثم صاروا بعدُ ينشدون قائلين: ((هيلة هيلة.. بص ع الحيطة)).
ولم فهم المتربصون للإسلام والمسلمين هذه الحقيقة ووعوها جيِّدًا وجدوا أنَّ الأمر يسيرٌ وسهلٌ، ولكنه يحتاج إلى المرونة والتدليس وكثيرًا من الوقت.. ويا حبَّذا إن كانت أبواقهم من المسلمين، فإنَّه أوقع في المفعول وأجدى في التأثير على بني جلدتهم..
وهكذا؛ رأينا من يخرج علينا بأنَّه لا فرق بين مسلم وغيره من أرباب العقائد الأخرى، ووصل الأمر إلى تشبيه أحد الهلكى النصارى المثلِّثين بإمام السنَّة وعَلمِها بأحمد بن حنبل!!
في العام 1976 كتب يوسف إدريس بجريدة الأهرام مقالًا بعنوان (( المسلم ماوتسي تونغ!)) وقد قدَّم فيه الدكتور بمقدِّمات خلص منها بنتيجة واضحة لا ريب فيها وهي أنَّ الزعيم الصيني مصيره الجنة لا يتوقَّف في ذلك ولا يشكُّ!!! بل يبلغ في جرأته وتألِّيه على الله أن يقول مخاطبًا الزعيم الهالك: (( أعدك وبشرف خالقي أن أقول: لقد كنتَ حتى ولو لم تنطق بالشهادة: أنت المسلم))!!! كل ُّ ذلك لأنَّ الزعيم – من وجهة نظر الدكتور – هو مؤسس القانون الصيني العدالة واللاكبت واللاإرهاب.. حتى وإن كان وثنيًّا لا يؤمن بوجود هذا الإله الذي يتألَّى عليه سعادة الدكتور..
وعلى النهج نفسه يسير آخرون حذو النعل بالنعل، فيدخل القائمة كثيرون ممن يصعب حصرهم أمثال: أحمد بهاء الدين وفهمي هويدي ، وليس آخرهم روائي الشذوذ الذي أراد أن يُعيد صياغة كوميدياه الإلهية على أساسٍ من الفكر الشاذِّ الذي اعتدناه منه، فنصَّب حفلة استقبال ملائكية للهالِكِ، وليس آخرهم كذلك (صايع البحر) الذي خرج علينا بمرثية (جوبز)، أدخل من خلالها كلَّ مخالفٍ لعقيدة المسلمين الجنَّةَ الفيحاء مُستدلًّا بقوله تعالى: (( إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من ءامن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)). وغَفل المُدلِّس أو تغافل عن قول الله تعالى بعد الآية المذكورة بآيتين اثنتين فقط: (( لقد كفر الذين قالوا إنَّ الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربَّكم إنَّه من يُشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنَّة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار))، وتغافل كذلك عن عشرات الآيات في القرآن عامة وفي السورة نفسها – سورة المائدة – خاصة؛ التي تدلُّ كلها على كفر اليهود والنصارى وعدم جواز موالاتهم.
والأمر صائرٌ بعدُ إلى هُوَّةٍ سحيقةٍ مخيفةٍ، ويكفيكَ لتتأكد من هذا أن ترى التراشُّق والتناحُر الذي يملأ المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي من شبابٍ مسلمين لا يبخلون بوقاحةٍ في سبِّ زملائهم الذين يقولون لهم: ((من لم يكفِّر غير المسلمين فهو كافر))، وويصمون هؤلاء المسلمين بأقذع الشتائم، ويُلصقون بهم ألفاظ السباب التي ليس أحطَّها (التخلُّف، والتطرُّف ، والرجعية) وباقي الأسطوانة المحفوظة إياها.
صار شباب المسلمين يتعجَّبون ممن يقول لهم: « لا يكملُ إيمانُكَ إلا إذا كفرتَ بكل ما سوى الله، ولا تستقيم عقيدتكَ إلا باعتقاد بطلان ما سواها من العقائد، هذا هو معنى قول الله – عزَّ وجلَّ- [فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها] فلا يتم الإيمان بالله إلا بالكفر بالطاغوت، وهذا أيضًا معنى قولنا ((لا إله إلا الله)) وهي شهادة التوحيد والإفراد التي تتضمن النفي والإثبات، نفيَ الألوهية عن كلِّ ما سوى الله، وإثباتها لله وحده.. وهذا من أبجديات الدين، بل هو أوَّل معلوم من الدين بالضرورة، فكيف يتوقَّف مسلمٌ يعلم دينه في هذا الاصل؟!!! إذًا لابد أن يعتقد المسلم كفر النصارى واليهود وكلِّ مخالف لعقيدة المسلمين كفرًا عامًّا..
أمَّا عن آحاد الناس فلا يُكفَّرون إلا بإقامة الحجة عليهم، وتوافر الشروط وانتفاء الموانع، على تفصيلاتٍ تُعرف من كُتب العقيدة والفقه، فربَّما ساق الله الإيمان والنطق بالشهادتين إلى لسان أحدهم وهو على فراش موته، هل حضره أحدنا فرأى وسمع؟ بالطبع لا.. ولذلك فالأولى أن نُمسك عن الشهادة لأي أحدٍ معيَّن بالجنة أو بالنار، لأنَّ هذا ليس لنا ، والأدلة على ذلك كثيرة جدًّا، ليس هذا محل بسطها..
وعليه، فالمسلم لابد أن يعتقد بطلان كلِّ عقيدة إلا عقيدة أهل السنة والجماعة. وأن يعتقد – على الإجمال – كفر اليهود والنصارى والبوذيين والمجوس والملحدين ونحو ذلك من أرباب الملل التي لها أصل سماوي أو التي لها أصل أرضي وثني.. أما على التفصيل فلا يستطيع أحدٌ أن يُكفِّر أحدًا إلا بإقامة الحجة الواضحة عليه، مع تحقُّق شروط تكفيره، وانتفاء الموانع في حقِّه..
وقد حكى القاضي عياض وشيخ الإسلام وغيرهما من العلماء قديمًا وحديثًا الإجماع على أنَّ من يشكُّ مجرَّد شكٍّ في كفر النصارى واليهود وغيرهم من أرباب الملل الباطلة فهو كافرٌ. وأكثر من ذلك فهو إمَّا أن يكون مكذِّبًا لله أو مدلِّسًا عليه لأن الله حكم بكفرهم في مواطن كثيرةٍ جدًّا من كتابه مثل قوله تعالى: «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم»، وقوله:« لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة» وقوله: «إنَّ الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أؤلئكَ هم شرّث البرية» وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي يعجز عنها الحصر.
فهل هذه هي نهاية الطريق، وخاتمة المسرحية الهزلية؟
بالطبع لا. النهاية هي القضاء على الإسلام نفسه؛ لأنَّ الخطوة التالية المنطقية ستكون هكذا: إن كان لا يوجد فرقٌ بين الإسلام وغيره، فلماذا تَدْعُون إلى الإسلام، دعوا الناس وما هم عليه، ولا تُتعبوا أنفسكم بما لا طائل من ورائه، فالجنة التي تُبشِّرون بها تُنال من غير طريقكم، فاشغلوا أنفسكم بشيءٍ مهِّم!!!
أمَّا الأسباب التي أدَّت بنا إلى ذلك فهي كثيرة، أذكرُ منها:
1- الإعلام الذي يسيطر عليه إما غير المسلمين، وإمَّا الممولون بأموال غير المسلمين من الداخل والخارج. والذي ظهر وكأنَّه سرادقٌ كبير للعزاء واللطم والولولة!!!
2- تهاون كثيرٍ من العلماء في بيان الأحكام الشرعية بحجَّة أنَّ هذا البيان يفرِّق ولا يُجمِّع، وكأنَّ المطلوب عندهم أن يتخلى المسلم عن عقيدته من أجل التجميع!!! وللأسفِ؛ فإنّّ دعاة الفضائيات لم يعودوا يدندنون حول العقيدة والتوحيد كما ألفناهم منذ ظهور تلك القنوات، فهل اكتشفوا فجأةً أنَّ الأمر لم يعد يستحقّ؟ وهل شغلتنا السياسة بمعناها الضيِّق المُحدَثِ عن الدعوة؟ يجبُ ألا يغفل هؤلاء الدعاة أنَّ الأصل هو الدعوة، وما وافق مَنْ وافقَ من العلماء المعتبرين على دخول هذا المعتركِ إلا بحُجَّة حماية الدعوة والتمكين لها. فإذا كان غاية هذه الدعوة هو تعبيد الناس لربِّ الناس الواحد الأحد، فكيف تسوِّل لنا أنفسنا أن نتسامح في هذا بزعمِ التأليف والتقريبِ والتجميع؟ هل رأيتم وضعًا للعربة أمام الحصان أوضح من هذا؟!
3- عدم التفريقِ بين الداعية والمفكِّر والعالم، وهذا برأيي من أكبر الجنايات على الدين باسم الدين، فليس كلُّ داعيةٍ مفوَّهٍ عالمًا.. ومقام الوعظ يختلف تمامًا عن مقام الفتوى.. وقل الأمر نفسه عن المفكِّرين، فليس كلُّ مفكِّرٍ يستطيعُ أن يتعاطى الفتوى. والأولى بهؤلاء الدعاة والمفكِّرين أن يتورَّعوا فلا يُقحموا أنفسهم في الفتوى والقول على الله بغير علمٍ.
4- تهاوُن كثيرٍ من الساسة المنسوبين إلى مشروع الإسلام السياسي في تلك المسائل المرتبطة بعلاقة المسلمين بالآخر، بحجَّةِ أنَّ مقام السياسة يقتضي كثيرًا من المرونة، وكأنَّ أصوات الناخبين أهمّ من عقيدتهم!! وقد جاء هذا التهاون تدريجيًا فرأينا من يتقمَّم النصوص من هنا ومن هناك ليبرِّرَ لنا تهنئته للنصارى بأعيادهم، ثمَّ يُدافع البعض عن موقفه، فيفلتُ لسانه ببعض ما لو اعتقده لصار به كافرًا إذ يقول: لا فرق بيننا وبين النصارى في العقيدة)) ثمَّ يتداركُ عندما استُدرك عليه فيقول: أقصد بسبب العقيدة!!!
5- انصراف كثيرٍ من الشباب إلى الإنترنت واقتصارهم في معلوماتهم على هذا الغثاء المشوَّه من قمامات الأفكار التي تضرُّ ولا تنفع، وصار جلُّ هؤلاء الشباب يقرأ عن الدين، ولا يقرأ فيه، وشتَّان بين الفعلين.
6- تصوير من يُظهرون هذه العقائد الحقَّة على أنَّهم جُفاةٌ غِلاظ القلوب، لا يحملون أدنى قدرٍ من التسامح مع الآخر، وقلوبهم مملوءةٌ حقدًا وغلًّا!!! إلى آخر هذا الهراء. وما درى المساكينُ أنَّ قلوبنا مملوءةٌ شفقةً عليهم ورحمةً بهم، وأنَّنا ندعو لهم بالهداية إلى الحقِّ الذي تقتضيه الفطرة السليمة، وتدلُّ عليه النصوص الصريحة. ولا ينفكُّ العلماءُ الحقيقيون يُظهرون أن لا تَعارُضَ بين تكفير غير المسلمين، ووجوب بِرِّهم والإقساط إليهم وعدم ظلمهم ما داموا يُسالموننا ويُساكنونا ديارَنا وأوطانَنا.
واللهَ أسألُ أن يبصِّرنا بديننا وأن يُمسِّكنا بالحق حتى تلقاه عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
((مما راق لى فنقلته ولا تصدقو كل من هرول الينا يسال عن ديننا دعوه يجيبنا عن دينه وسيعرف الحقيقة ان اراد )))
بركت اخي شريف
شكرا على هذا النقل المميز
جزاك الله خيرا
بإنتظار جديدك
والله لايحرمنى من دجدييدك ومفيدك
تقبل تحياتي
نورت صفحتى ومرحبا بك واتمنى تواجدك الدائم
تحياتى لحضرتك
دمت فى حفظ الرحمن