تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » تواضع عمر بن الخطاب وإصغاؤه للحق

تواضع عمر بن الخطاب وإصغاؤه للحق 2024.

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .سات حدت احبتي عن امير المؤمنين ع مر بن الخطاب وكيف كان يصغي للحق بشطحات ارجو منكم قراءتها بتمعن وهدوء لتكشفوا شخصية اسلاميه رائعه:
تواضع الخليفة الراشد لسماع الحق من أدنى شخص في المجتمع آنذاك :
أيها الأخوة الكرام, مع الدرس الخامس من دروس سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الفصل اليوم حول نمط من سلوك هذا الخليفة العظيم، هذا النمط يتوضَّح بأنه كان رضي الله عنه يقبل كلمة الحق, ولو كانت من أقل الناس عنده، فله مقال مشهور: " كلمة الحق، لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها ", هذا الخليفة الراشد يرى أن الحق فوق الجميع .
لو أن كل إنسان يشرف على مجموعة من الناس إذا انطلق من هذا المبدأ مبدأ سماع الحق, ولو كان ممن هو دونه، والانصياع له ولو كان في هذا مرارة، كنا بحال غير هذا الحال .
فسيدنا عمر رضي الله عنه, يقول: " لا تقولوا الرأي الذي تظنونه يوافق هواي، قولوا الرأي الذي تحسبونه يوافق الحق "، لأنّ الإنسان أحياناً يستقصي, ما الذي يرضي فلانًا؟ وما الذي يريحه؟ وما الذي يعجبه؟ وما الذي يوافق عليه؟ .
مرةً كان مع أصحابه فأراد أحدهم أن يقول قولاً يوافق هوى سيدنا عمر، قال له: والله يا أمير المؤمنين, ما رأينا أفضل منك بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فانتفض هذا الصحابي الجليل، وكأنَّه وجهت إليه تهمة، ونظر في أصحابه واحداً واحداً، وأحدَّ فيهم النظر، إلى أن قال أحدهم مستدركاً: لا والله لقد رأينا من هو خيرٌ منك, قال: ومن هو؟, فقال: أبو بكر الصديق رضي الله عنه, فقال هذا الصحابي الجليل: كذبتم جميعاً حينما سكتم، وصدق هذا .

</b></i>

اجتهاد أمير المؤمنين في مسألة الأراضي الزراعية التي تأتي بعد الفتح :
ليس مِن إنسان فيما أعلم, أشد ورعاً وطاعةً وانصياعاً لأمر لله عزَّ وجل من سيدنا عمر، ومع ذلك ما عطَّل عقله ولا مرة، فالمعروف أن الجيش إذا فتح بلدة فهذه البلدة تُعدُّ من الغنائم، فلو أن أفراد الجيش توزعوا هذه الأرض، وهم مشغولون بالفتوح عن زراعتها، وإذا أرادوا أن يزرعوها ليسوا خبراء فيها، فسيدنا عمر كان يرى أن الجيش الإسلامي إذا فتح بلدةً ينبغي أن يُبقِي الأرض بأيدي أصحابها، وأن يأخذ منهم خراجاً، وقد عارض الصحابة الكرام هذا الرأي، لكنه أصرَّ على رأيه، منطلقاً مِن أن المصلحة والعقل يقتضيان أن تبقى هذه الأرض بأيدي أصحابها، وأن نأخذ منهم خراجاً، لأنهم أقدر على زراعتها، وأقدر على استغلالها، ونحن لسنا متفرغين لهذا العمل، فكان اجتهاده في هذا الموضوع سنةً سرت من بعده إلى يومنا هذا .
وكان أصحاب النبي عليهم رضوان الله حينما يعترضون عليه في هذا الاجتهاد الذي لم يسبق إليه، كان يقول: " إنما أقول رأيي الذي رأيته"، أي أن الطاعة التامة تعبِّر عن إيمان المرء، لكن النصيحة الخالصة تعبِّر عن أمانته وغيرته .

موقف الشورى الذي اعتمده عمر بين أصحابه اقتداء بالقرآن :
مرةً خشي هذا الخليفة العظيم أن يجامله الناس على حساب دينهم, وهو يخاف على نفسه أن يصدِّقهم، لذلك جمع علية القوم ونخبة أصحابه, وقال لهم: إني دعوتكم لتشاركوني أمانة ما حملت من أموركم، فإني واحدٌ كأحدكم، وأنتم اليوم تقرُّون بالحق، خالفني من خالفني، ووافقني من وافقني، ولست أريد أن تتبعوا هواي، فمعكم من الله كتابٌ ينطق بالحق، فوالله لئن كنت نطقت بأمرٍ أريده فما أريد به إلا الحق، أي أنكم معكم مقياس، وهو كتاب الله، وسنة نبيّكم، وإياكم أن تنطقوا بكلامٍ وفق هواي، تحرّوا الحق ولا تأخذكم في الله لومة لائم، هذا موقف آخر .
محور هذا الفصل هذا الموقف المتشدد من أصحابه، حيث إنهم لو تكلَّموا كلاماً لإرضائه بعيداً عن الحق لكان هذا سبباً لغضبه أشد الغضب .
ولا تنسوا أيها الأخوة, أن الله سبحانه وتعالى أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يستشير أصحابه, قال:
﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
( سورة آل عمران الآية : 159)
كما أن الله سبحانه وتعالى وصف المؤمنين, فقال:
﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾
( سورة الشورى الآية: 38)

نحن كمسلمين يجب علينا أن نستشير في كل أمر، لأنه من استشار الرجال استعار عقولهم، كما قال عليه الصلاة السلام: " تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا ضال " .
( ورد في الأثر)
ما دام المؤمن على الحق، وليس له مصالح تتناقض مع الحق, فلا بأس عليه أن يسأل، ولا حرج عليه أن يستشير، وما المانع أن يأخذ برأي زيدٍ وعُبيد لئلا يقع في انحرافٍ أو في خطورة؟ .
وقد مرَّ بكم أن سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه, اختار من بين أرقى العلماء وأشدِّهم ورعاً, رجلاً عالماً جليلاً فاضلاً، قال: "اجلس إلى جانبي، فإن رأيتني ضللت فخذني من تلابيبي، وهُزَّني هزاً شديداً، وقل لي: اتق الله يا عمر، فإنَّك ستموت " .

خشية عمر أن لا ينصحوه الناس خوفاً من قوته :
فسيدنا عمر حينما تسلَّم الأمر خاف الناس شدَّته وبأسه، سيدنا عمر كان شديداً، شديداً في أمر الله عزَّ وجل، فحينما تهامس الناس خائفين وجلين من تولّي هذا الخليفة الشديد الأمر, دخل عليه حُذيْفة فوجده مهموم النفس، باكي العين، فقال له: ما الذي يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال عمر رضي الله عنه: إني أخاف أن أُخطئ فلا يردني أحدٌ منكم تعظيماً لي، فقال حذيفة: والله لو رأيناك خرجت عن الحق لرددناك إليه، عندئذٍ فرح عمر وتألَّق وجهه, وقال: الحمد لله الذي جعل لي أصحاباً يقوّمونني إذا اعوججت .
مرةً صعد المنبر رضي الله عنه, وقال للناس جميعاً: " يا معشر المسلمين, ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا هكذا؟ فيشق الصفوف رجل ويقول وهو يلوِّح بذراعه وكأنَّه حُسام ممشوق: إذاً نقول بالسيف هكذا, فيسأله عمر: إياي تعني بقولك, قال: نعم إيّاك أعني بقولي, فما الذي حدث؟ يتألَّق وجهه ويضيء ويبتسم, ويقول: " رحمك الله، الحمد لله الذي جعل فيكم من يقوِّم اعوجاجي ", ألم أقل لكم في درس سابق: نحن أمام أخبارٍ واقعيةٍ كأنها أساطير .
يا أخواننا الكرام, إذا كنتَ معلِّم صف، أو مديرَ مستشفى، أو صاحب شركة، أو مهما كان عملك متواضعًا، حينما تلغي الاعتراض على تصرُّفاتك، حينما تُلغي النقد البنَّاء، حينما تستبدّ برأيك ينتهي سلطانك، وتسير نحو الهاوية، أما إذا استشرت وسألت, وأصغيت واستنصحت، وجعلت حولك أناساً صادقين مخلصين لا يجاملون ولا ينافقون ولا يكذبون, فأنت بهذا تتألَّق وترقى ويزداد عملك رسوخاً .
مؤلِّف الكتاب الذي نقلت منه هذا الخبر علَّق تعليقاً رائعاً, قال: " لا يمكن أن يكون موقف هذا الخليفة العظيم موقفاً استعراضياً، هدفه الكسب الرخيص، ولكنه كان موقفاً صادقاً حقيقياً، أملاه عليه إيمانه وإخلاصه " .

نزاهة عمر :
مرةً صعد المنبر ليحدِّث المسلمين في أمرٍ جليل، فقد حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وقال: أيها المسلمون اسمعوا يرحمكم الله، ولكن أحد المسلمين نهض, وقال: واللهِ لا نسمع، واللهِ لا نسمع ، فسأله عمر في لهفة: ولمَ يا سلمان؟, فيجيب سلمان: ميَّزت نفسك علينا في الدنيا، أعطيت كلاً منا بردةً واحدة، وأخذت أنت بردتين، سيدنا عمر ينظر في المصلِّين، ويجيل الطرف فيهم إلى أن يرى ابنه عبد الله، ويقول: أين عبد الله بن عمر؟, فنهض عبد الله، وقال له: ها أنا ذا يا أمير المؤمنين، فسأله عمر على الملأ: من صاحب البردة الثانية؟, فيجيب عبد الله: أنا يا أمير المؤمنين، ويخاطب عمر سلمان والناس معه: إنني كما تعلمون رجل طويل، ولقد جاءت بردتي قصيرة، فأعطاني عبد الله بردته، فأطلت بها بردتي، فيقول سلمان الذي اعترض, وفي عينيه دموع الغبطة والثقة: الحمد لله، والآن نسمع، ونطيع يا أمير المؤمنين، هل من نزاهةٍ بعد هذه النزاهة ؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.