انا الله تعالى خلق خلقه ونظَّم لهم حياتهم بما يحفظ لكل ذي حق حقه ، وسمَّى نفسه العدل، وجعل العدل هو ميزان الدنيا والآخرة، فلا جور ولا حَيْف، قال تعالى :{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) } [ سورة الزلزلة : 7- 8 ].
وقال الإمام الغزالي رحمه الله في المقصد الأسنى : العدل، معناه العادل وهو الذي يصدر منه فعل العدل المضاد للجور والظلم، ولن يعرف العادل من لم يعرف عدله، ولا يعرف عدله من لم يعرف فعله فمن أراد أن يفهم هذا الوصف فينبغي أن يحيط علماً بأفعال الله تعالى من ملكوت السموات إلى منتهى الثرى حتى إذا لم ير في خلق الرحمن من تفاوت ثم رجع البصر فما رأى من فطور ثم رجع مرة أخرى فانقلب إليه البصر خاسئاً وهو حسير وقد بهره جمال الحضرة الربوبية وحيره اعتدالها وانتظامها فعند ذلك يعبق بفهمه شيء من معاني عدله تعالى وتقدس .اهـ
ومظاهر عدل الله تعالى بين خلقه كثيرة، فمنها : أنه تعالى أمر عباده بالعدل فيما بينهم من أحكام وأقضية، قال تعالى: { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي …الآية } [ النحل : 90 ]
وقال تعالى :{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ …الآية } [ النساء : 58 ]
وأمر بالعدل عند الإصلاح بين المتخاصمين كما قال تعالى في معرض الحديث عن ذلك :{ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [ الحجرات : 9 ]، وأمر به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال :{ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [ المائدة : 42 ]
كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالعدل بين الأولاد، فقد روى البخاري عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ).
ومن مظاهر عدل الله بين خلقه أنه أمر الرجال بالعدل بين الزوجات وبذل المعروف وحسن المعاشرة.
ومن مظاهر عدل الله: أن الله تعالى رغب في العدل ودعا إليه وحثَّ عليه، وأثنى على المقسطين ومدحهم، وأعلى كرامتهم، وعظَّم فضلهم، ووعدهم بالثواب الجزيل والأجر العظيم على العدل، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم من أهل المباهاة يوم القيامة، وأنهم على منابر من نور عن يمين العرش، كما روى مسلم عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ).
بل جعل إكرام المقسط من تعظيم الله وتبجيله، كما روى أبو داود عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ … إِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ ) أَيْ الْعَادِل.
ومن مظاهر عدل الله بين الخلق أنه قسم الأرزاق بينهم حسب حكمته تعالى ووفق ما يصلحهم كما يعلمه منهم، وأنه ما نفس تموت إلا قد وُفِّيَتْ أجلها ورزقها، قال تعالى: { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [ الشورى : 27 ]
ومن مظاهر عدل الله بين خلقه أنه حرَّم الظلم على نفسه، وعلى خلقه، وجعل عاقبة الظلم وخيمة، فقد روى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ).
قال الإمام النووي كما في شرحه على صحيح مسلم : قَــوْله تَعَالَى: ( إِنِّـــي حَــرَّمْت الظُّلْم عَلَى نَفْسِي ) قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ تَقَدَّسْت عَنْهُ وَتَعَالَيْت، وَالظُّلْم مُسْتَحِيل فِي حَقِّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى .
كَيْف يُجَاوِز سُبْحَانه حَدًّا وَلَيْسَ فَوْقه مَنْ يُطِيعهُ ؟ وَكَيْف يَتَصَرَّف فِي غَيْر مُلْك، وَالْعَالَم كُلّه فِي مُلْكه وَسُلْطَانه؟ .. قَوْله تَعَالَى : ( وَجَعَلْته بَيْنكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا )هُوَ بِفَتْحِ التَّاء أَيْ لَا تَتَظَالَمُوا، وَالْمُرَاد لَا يَظْلِم بَعْضكُمْ بَعْضًا . اهـ
ومن مظاهر عدل الله أنه يملي للظالم ولا يهمله، حتى إذا أخذه لم يفلته، روى البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ:{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ].
ومن مظاهر عدل الله أنه مع المظلوم، ينصره ويدافع عنه، بل جعل دعوته مستجابة، فقد روى البخاري ومسلم عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : (… وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ).
ومن مظاهر عدل الله أنه يأخذ الحقوق لأصحابها يوم القيامة، فالحقوق إن ضاع بعضها بين العباد فإنها لا تضيع عند الله، قال تعالى :{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ].
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: ( لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ) . والجلحاء بالمد: هي الجماء التي لا قرن لها.
ومظاهر عدل الله كثيرة، وهي أعظم من أن يحويها بحث أو كتاب، وما ذكرنا غيض من فيض عدل الله تعالى، ولولا خوف الطول لزدنا، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، والله الموفق
*** جزاك الله خيرا اختاه في ميزان حسناتك مع حبي وتقديري ***
الله اكبر الله اكبر الله اكبر
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
استغفر الله استغفر الله استغفر الله
اللهم صلي على سيدنا و حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
جزاك الله خير اختي الغاليه
واشكرك عزيزتي رحيق على الاضافه ويارب تكون في ميزان حسناتك