اعتدت منذ فترة من الزمن أن أخرج صباحا لأمارس رياضة المشي،ومع بدء افتتاح المدارس،بدأت المناظر المؤذية تطالعني كل يوم بجديد، فهنا زاوية تجمّع فيها عدد من لابسي البذلات المدرسية،صفّوا كتبهم فوق الجدار،وأتلعوا رقابهم ذات اليمين وذات الشمال،وهم يشعلون سجائر بطول بعضهم، يتباهون بنفث دخانها في الوجوه بتحدٍّ وصلف.كل هذا والساعة تجد نحو الثامنة،حتى إذا ما اقترب الوقت،أطفؤوا ما بأيديهم،ورموا في مغارة حلوقهم حبة (علكة) لتضييع الأثر،وانطلقوا مؤدّبين محترمين،ليس عليهم في طلب العلم لومة لائم.
هذا إيهاب طالب في الصف العاشر عندما سألته من أين تحصل على السيجارة أجاب قائلا:"أشتريها من صاحب الكشك،أهمس له بضع كلمات،وأنقده عشر ليرات،فتمتدّ يده في الخفاء،بـ ثلاث سيجارات" يأخذ الطالب السجائر،ويخفيها بخفة سنجاب،ثمّ يلوبُ قليلاً ليستقر خلف البوفيه أو في دورة المياه،يشعلُ إحداها،ويأخذ بمجّ دخانها،وإذا ما أراد الهروب من المدرسة،ما عليه إلاّ أن يضحّي بسيجارة ثانية للبوّاب،فينفتح الباب أمامه.أمّا وليد فيقول:"لو كان الدخان مضرّا لما كان أبي يدخن،لهذا أسطو أحيانا على علبته وأسلّ منها ما يكفيني بحيث لا يكتشف أمري".
بعد انتهاء الدوام الرسمي،يسارع المدخّنون من تلامذة وطلبة،لأخذ أماكنهم أمام مدارس البنات،وعلى طرق عودتهم لبيوتهم،لتبدأ مسرحيّة نفث الدخان والتعليق الجارح،ذلك التعليق الذي لا تفلت منه صبية صغيرة كانت أم كبيرة إلا من تسنّى لها من يرافقها للبيت من أهلها،أو من سارعت بالسير تجنبا لهذه الاحتفالية اليومية،والتي كثيرا ما تترافق مع فرسان الدرّاجات النارية،الذين لا يألون جهدا بإبراز مهاراتهم،مقابل أن يظفروا بابتسامة من هذه أو رفع حاجب من تلك.
فما تلك الظاهرة أو الظواهر؟وما أسبابها؟وكيف نعالجها؟ومن المسؤول عن تفشّيها؟
لاشكّ بأنّ ظاهرة التدخين بين الشباب ظاهرة قديمة متجدّدة،وتطفو جليّة على السطح إذا ما تضخّمت،وزادت عن الحد،فعندما ترى طفلا في السادس الابتدائي يحمل سيجارة،لا يسعك إلاّ أن تندفع إليه ناصحا،ولكنك ستصمت مخذولا حينما يردّ عليك بكل صفاقة:
= شو دخلك أنت؟ إمي وبيي عارفين؟
فالأسباب التي تدفع الولد للتدخين كثيرة،منها رفاق السوء من الشباب،أو تقليد الكبار من والد أو أخ أو معلّم ممن يدخنون أمامه،أو محاولة من المراهق ليثبت لغيره أنّه صار كبيرا،ولعل أهمّها تدخين الأهل أبا كان أم أمّا أمامه،فينفثون دخان سجائرهم في وجهه،مبدين المتعة مما لا متعة فيه.إضافة لما يراه على شاشات التلفاز من مسلسلات يكثر المدخنون فيها.
تفشّي هذه الظاهرة إنّما يدل على غياب المسؤولية المدنيّة من الأهل والمدرسة والمجتمع عندما يتركون صغارهم يعتادون تلك العادات البشعة دون أن يحرّكوا ساكنا لاستئصالها.
فعلى الأهل أن يقوموا بدورهم في مراقبة أولادهم،وتوجيههم بالطرق التربوية بعيدا عن الضغط والترهيب،وإعطائهم الأمثلة عن مضار التدخين على صحتهم،وإذا كان أحد الوالدين يدخّن فيفضَّلُ ألاّ يقوم بذلك أمام أولاده،ولا يترك لهم فرصة التجريب،ولعل التوقف عنه أسلم طريقة لردع أولاده عن اعتياده،وتشجيعهم على شغل فراغهم بالعادات المفيدة كالقراءة والرياضة والحوارات والمحاضرات الشيّقة والممتعة.
أمّا المدرسة فعليها يقع العبء الأكبر من خلال التوجيه المستمر،والمراقبة الشديدة،فلا يسمح للطالب بأن ينفرد وحيدا في زوايا المدرسة دون مراقبة، والتركيز على المحاضرات التوجيهية التربوية التي تبيّن للطالب مضار التدخين،وما يمكن أن يبستجرّه على الصحة من أمراض أهمّها سرطان الرئة، والحنجرة،والفم،والمري،والمرارة الخ..بخاصة إذا ما بكّر الإنسان بالتدخين،ومن هنا لا بدّ للمدرسة من ملاحقة بائعي السجائر للطلاب داخل المدرسة وخارجها،وملء أوقات فراغ الطلاب بما يفيدهم بتشجيعهم على المطالعة والقراءة في ساعات الفراغ،إضافة لما يمكن أن يقدّمه المعلمون والمدرسون من نصح وتوجيه،من خلال المحاضرات التوجيهية،التي تبيّن مضار التدخين ومشاكله الصحية.مع الأخذ بالاعتبار عدم التدخين أمام التلاميذ الذين يعتبرونهم قدوة لهم.
كما أن المجتمع هو الرقيب الأكبر على أبنائه،فلا يدير واحدنا الظهر لما يراه في الطريق من عادات سيئة تبدو من هذا الطالب أو ذاك،فعليه أن يوجه لهم النصح عرفهم أم لم يعرفهم،مؤكّدا لكل مدخّن من صغار طلابنا أنّه يحفر قبره بسيجارته.ناصحا إياهم بترك هذا السم القاتل.ولا شك أن أجهزة الإعلام دورها في التصدي لهذه الظاهرة،وللجمعيات التي تعتني بشؤون الصحة ونظافة البيئة والسلامة العامة دورها هي الأخرى.لاستئصال شأفة التدخين ومضاره.
انا صراااااحه شفت مثل وصفك تمااااما…
الله يصلحهم…
والثير في حياتنا فعلا ضاهرة انتشرت كثيرا بين طلاب المدارس والمصيبة انتشرت بين طالبات المدارس
ولكن المدرسه هي المسؤله على اتاحت فرصه لهذة الضاهرة
تقبلي تحياتي وخالص شكري
لا مكان لا وطن
تحياتى وإعتزازى ….