فوائد المصائـــــــب
الدكتور …. نبيل سفيان
أستاذ علم النفس الأرشادي/ جامعة تعز – اليمن
الدكتور …. نبيل سفيان
أستاذ علم النفس الأرشادي/ جامعة تعز – اليمن
هناك أكثر من أسلوب واحد أو فكرة واحدة يمكنها أن تقلب حالة مشاعرنا من الكآبة إلى السعادة وإن لم تكن كذلك فهي تخفف من الحزن الذي يعترينا، وهذا الأسلوب لا يكلفنا مالاً أو جهداً ولكن نحتاج بعد استيعابه إلى تطبيقه وممارسته .. فقد يعرف الناس أشياء كثيرة في صالحهم إلا أن المشكلة التي لا يستشعرون أهميتها هي عدم ممارستهم لهذا الأسلوب الذي قد يبدو غير هام، مع أن تأثيره كبير ولكن أغلب الناس لا يعلمون ..
غالباً ما يشعر الناس بضيق وتوتر وحزن عندما يخسرون شيئاً ما أو يتوقعون خسارته، وتعتمد درجة الضيق على نوع الشيء الذي خسرناه أو نتوقع خسارته فقد يكون هاماً جداَ بالنسبة لنا وقد يكون أقل أهمية، فالأفراد يختلفون في درجة تقبلهم للخسارة وطريقة تفكيرهم وطريقة تعاملهم معها.
وقد يكون هذا الشيء – الذي نخاف خسارته – منصباَ معيناَ أو إنساناَ عزيزاَ أو وظيفة أو نجاحاَ دراسياً …الخ. وبعض الناس يبالغ في خوفه وقلقه إلى درجة اعتقاده أنه بخسارته هذه سيخسر كل شيء وأنه في كارثة ليس لها مثيل، وغالباً ما نكون أثناء هذه الحالة مركزين ذهنياً على مساوئ الخسارة ولا يتبادر إلى ذهننا أن في هذه الخسارة مكاسباً بل قد تكون المكاسب أكبر وأكثر من الخسارة، فالمثل العربي "رب ضارة نافعة " لم يأت من فراغ.
عزيزي القارئ: قبل أن نهديك فكرة هذا الموضوع البسيطة والمؤثرة، والتي تعرفها ولكن تنساها ولا تتأمل فيها غالباً، اسمح لي أن أعرض عليك هذا الموقف الواقعي الذي قرأته: في أحد المطارات نام أحد المسافرين في إحدى الرحلات الجوية في قاعة الانتظار وهو ينتظر موعد الإقلاع وصحا فجأة من نومه والطيارة تقلع فجن جنونه وشعر بكآبة شديدة لم يشعر بمثلها من قبل، فإذا سألته عن أهمية الرحلة التي خسرها سيحكي لك خسارات فادحة، وما هي إلا دقائق وإذا بالطائرة تنفجر أثناء الإقلاع، ورغم أن الحادث كان مريعاً إلى أنه شعر أنه ولد من جديد وقال رب ضارة نافعة.
قد يقول البعض إن هذا من باب الصدفة .. وهنا سأنطلق من جانب فلسفي وهو أن لكل شيء في الحياة فائدة ولكننا غالباً لا نرى فوائد كثير من الأشياء، فالنار المحرقة هي نفسها التي تسلق لنا البيض اللذيذ، ومن التاريخ عبرة فكثير من الناس وجدوا أنفسهم في ظروف مؤلمة تجلب الحزن والاكتئاب، وكانت هذه الظروف تحمل الفائدة والسعادة اللاحقة لأصحابها ومن هذه الظروف سجن ابن تيمية ساعده على إنتاج جل فتاواه، وحبس السرخسي في الجب ساعده على تأليف كتابه المشهور (المبسوط)، وسفر ابن القيم وبعده عن أهله ساعده على تأليف كتابه (زاد المعاد)، ومرض ابن الأثير الذي أقعده ساعده على تأليف كتبه الرائعة (جامع الأصول) و (النهاية)، وفقر وتغرب المحدثين جمع لنا آلاف الأحاديث، وفقدان بصر أبي العلاء المعري والبردوني وغيرهم أنتج لنا شعراَ مميزاً، وكتابة طه حسين لمذكراته بعد عماه، وظروف دستويفسكي وتولستوي والسياب وغيرهم من يتم وفقر وغربة ساعدهم على إنتاج أدب قوي مؤثر، وكم من أناس بعد عزلهم من مناصبهم قدموا للأمة أضعاف ما قدموه وهم في مناصبهم ؟
وهكذا نجد أن ما نعتقده ضاراً قد يكون غير ضار بل قد يكون نافعاَ .. ففي سورة النساء يقول تعالى: (عسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراَ كثيراً) (النساء – آية 19) وجاء في تفسير الجلالين وابن كثير أنه إذا كرهتم النساء فعسى بصبركم عليهن يعوضكم الله خيراً كولد صالح. وكان موسى عليه السلام يعتقد أن فعل الخضر ضار، فقد رأى الخضر يقتل طفلاً ويهدم جداراً ويخرم سفينة، فاستنكر فعل الخضر وكان رد الخضر عليه كما في قوله تعالى (ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبرا)، ثم قام الخضر بإيضاح ما لم يفهمه موسى عليه السلام كما جاء في قوله تعالى (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناَ وكفرا * فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراَ منه زكاة وأقرب رحما) (الكهف – آية 80، 81).
وقد يشعر البعض أن هناك خططاً ودسائس ومكراً تدبر لهم وقد تنفذ بعضها مما يجعلهم يكتئبون ويضيقون وإذا بالسحر ينقلب على الساحر وتتحول نتائج الضرر إلى فوائد كقوله تعالى (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (الأنفال – آية 30).
وقد يضطر الإنسان للكذب دفاعاَ عن نفسه معتقداً أن الكذب قد ينقذه وهو مخطئ في اعتقاده كما جاء في الحديث الشريف (تحروا الصدق فإن رأيتم فيه الهلكة فإن فيه النجاة … إلى آخر الحديث).
وهكذا بإمكاننا أن ننظر لما نعتقده ضاراً إما بالنظر إلى فوائده، أو نقوم بتعديله لنجعله في صالحنا، فالليمون الحامض بإمكاننا أن نعدل فيه بتقطيعه وخلطه مع قليل من الماء والسكر فيتحول إلى عصير حلو، وإذا لم نستطع التصرف أو التفكير في الفوائد فعلينا بالصبر فإن ما نعتقده ضاراً قد كتبه الله لنا، وقد يكون فيه النفع الغائب عن أعيننا وأذهاننا قال تعالى ((عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)) (البقرة – آية 216).
ومما سبق رأينا كيف أن القرآن الكريم والحديث الشريف وقصص كثيرة عبر التاريخ وتأملات فلسفية في كنه الأشياء وأفعال تعايشها يومياً كل ذلك يؤكد أن ما نعتقده ضاراً قد يكون نافعاً، وعلينا أن نثق بذلك ونبحث عن مكمن الفائدة، أو كيف نعدل في الظرف بما فيه الصالح، وإن لم نستطع شيئاً من تفكير أو تعديل فعلينا بالأيمان بما هو مكتوب والصبر وبهذا نكون قد كسبنا كل شيء كما جاء في الحديث الشريف (عجباً للمؤمن لا يقضي الله تعالى له قضاء إلا كان خير له، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلاّ للمؤمن).
فهل عزيزي القارئ تستطيع بعد كل هذا أن تتأمل في فوائد المصائب وتستفيد منها؟ وأقلها أنها تدربك على مواجهة الصعاب مستقبلا فالسوط الذي لا يكسر ظهرك يقويه.
السلام عليكم
أخي دودي موضوع رائع، واختيار جد موفق فلك جزيل الشكر،
تعقيبا على الموضوع..
إن هذه الدنيا خلقها الله تعالى أصلا دار اختبار وابتلاء، وعلى المرء أن يعرف كيفية التعامل مع الأزمات والنوائب التي يلقاها في هذه الدار، وفي ديننا الإسلامي الحنيف يجد الإنسان من الأساليب التكيفية والتوافقية ما يكفيه لمواجه مختلف المواقف الحياتية من حزن وفرح وشدة وفرج وحتى الظروف العادية. فلك اللهم الحمد على هذا الدين العظيم.
أرجو أن تتقبل مروري أخي دودي ، وعفوا على الإطالة .
أخي دودي موضوع رائع، واختيار جد موفق فلك جزيل الشكر،
تعقيبا على الموضوع..
إن هذه الدنيا خلقها الله تعالى أصلا دار اختبار وابتلاء، وعلى المرء أن يعرف كيفية التعامل مع الأزمات والنوائب التي يلقاها في هذه الدار، وفي ديننا الإسلامي الحنيف يجد الإنسان من الأساليب التكيفية والتوافقية ما يكفيه لمواجه مختلف المواقف الحياتية من حزن وفرح وشدة وفرج وحتى الظروف العادية. فلك اللهم الحمد على هذا الدين العظيم.
أرجو أن تتقبل مروري أخي دودي ، وعفوا على الإطالة .
السلام عليكم
نسيت أن أقول في ردي على موضوع الأخ دودي تجربتي مع المصائب وفوائدها، كنت في حداثة سني كثير التذمر من المصائب، وحدث مرة أن فسدت علاقتي مع شخص كان عزيز علي جدا، وكنت كلما سعيت لتحسين العلاقة معه تسوء الأمور أكثر حتى فقدت الأمل في إرجاع ما كان بيننا..فافترقنا وذهب كل إلى سبيله وتأزمت حالتي النفسية جدا وكنت رغم قربي من الله تعالى إلا أنني ساخط بعض الشيء على الذي حصل لي ..وتأتي الصدف لتجمعنا ثانية ، ولأكتشف مدى سوء أخلاق ذلك الشخص وأنه شخص أناني وفوق ذلك انتهازي وغير ذلك من الصفات السيئة فعلمت حينها أن الله تعالى كان يبعدنا عنه لحكمة منه. وأنا أحمد الله اليوم لأننه نجاني منه ومن شره.وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم..
نسيت أن أقول في ردي على موضوع الأخ دودي تجربتي مع المصائب وفوائدها، كنت في حداثة سني كثير التذمر من المصائب، وحدث مرة أن فسدت علاقتي مع شخص كان عزيز علي جدا، وكنت كلما سعيت لتحسين العلاقة معه تسوء الأمور أكثر حتى فقدت الأمل في إرجاع ما كان بيننا..فافترقنا وذهب كل إلى سبيله وتأزمت حالتي النفسية جدا وكنت رغم قربي من الله تعالى إلا أنني ساخط بعض الشيء على الذي حصل لي ..وتأتي الصدف لتجمعنا ثانية ، ولأكتشف مدى سوء أخلاق ذلك الشخص وأنه شخص أناني وفوق ذلك انتهازي وغير ذلك من الصفات السيئة فعلمت حينها أن الله تعالى كان يبعدنا عنه لحكمة منه. وأنا أحمد الله اليوم لأننه نجاني منه ومن شره.وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم..
أستاذنا الكريم عميد المنتدي
موضوع قمة في الروعة والجمال
فأكثر ما يؤرقنا في هذه الأيام ويقض مضاجعنا هو قلة الايمان بالله وبقضاءه وقدره
جميعنا دون استثناء وأنا واحدة منهم .. فنسارع مع أول مصيبة أو أول حدث لا يعجبنا
في حياتنا أن تنطلق ألستنا بقول لماذا فعلت بنا ذلك يا الله .. وقليلا منا ويكاد يكون نادرا من
يقول الحمد لله والخيرة فيما اختاره الله …. فهو الأعلم والأقدر علي معرفة ما سيحدث في المستقبل
ولديه وحده التفسير لكل الأمور التي تواجهنا وخير دليل علي ذلك قصة الخضر التي أوردتها في
موضوعك فالأمور التي فعلها وقد الهمه الله بفعلها لا يتقبلها عقل ولا منطق
قتل الطفل الصغير الذي لا حول له ولا قوة
خرق سفينة ليغرق أهلها .. بني حائط أصحابها أبو أن يطعموه أو يكرموه .؟؟؟؟؟؟؟ ومليون تساؤل واستغراب من
مصطحبه لماذا ولماذا ؟؟؟ ولكن في النهاية نري أن لله حكمة في الأمر
وكذلك في أمور حياتنا علينا ألا نحزن فالله الأمر من قبل ومن بعد مرده يجب أن يكون فهو الأدري والأعلم
تقبل مروري وشكري لك
ولك كل التحية والتقدير
رفيقة فكرك
ألحان العودة
موضوع قمة في الروعة والجمال
فأكثر ما يؤرقنا في هذه الأيام ويقض مضاجعنا هو قلة الايمان بالله وبقضاءه وقدره
جميعنا دون استثناء وأنا واحدة منهم .. فنسارع مع أول مصيبة أو أول حدث لا يعجبنا
في حياتنا أن تنطلق ألستنا بقول لماذا فعلت بنا ذلك يا الله .. وقليلا منا ويكاد يكون نادرا من
يقول الحمد لله والخيرة فيما اختاره الله …. فهو الأعلم والأقدر علي معرفة ما سيحدث في المستقبل
ولديه وحده التفسير لكل الأمور التي تواجهنا وخير دليل علي ذلك قصة الخضر التي أوردتها في
موضوعك فالأمور التي فعلها وقد الهمه الله بفعلها لا يتقبلها عقل ولا منطق
قتل الطفل الصغير الذي لا حول له ولا قوة
خرق سفينة ليغرق أهلها .. بني حائط أصحابها أبو أن يطعموه أو يكرموه .؟؟؟؟؟؟؟ ومليون تساؤل واستغراب من
مصطحبه لماذا ولماذا ؟؟؟ ولكن في النهاية نري أن لله حكمة في الأمر
وكذلك في أمور حياتنا علينا ألا نحزن فالله الأمر من قبل ومن بعد مرده يجب أن يكون فهو الأدري والأعلم
تقبل مروري وشكري لك
ولك كل التحية والتقدير
رفيقة فكرك
ألحان العودة
اقتباسالمشاركة الأصلية كتبت بواسطة مع الحقالسلام عليكم
نسيت أن أقول في ردي على موضوع الأخ دودي تجربتي مع المصائب وفوائدها، كنت في حداثة سني كثير التذمر من المصائب، وحدث مرة أن فسدت علاقتي مع شخص كان عزيز علي جدا، وكنت كلما سعيت لتحسين العلاقة معه تسوء الأمور أكثر حتى فقدت الأمل في إرجاع ما كان بيننا..فافترقنا وذهب كل إلى سبيله وتأزمت حالتي النفسية جدا وكنت رغم قربي من الله تعالى إلا أنني ساخط بعض الشيء على الذي حصل لي ..وتأتي الصدف لتجمعنا ثانية ، ولأكتشف مدى سوء أخلاق ذلك الشخص وأنه شخص أناني وفوق ذلك انتهازي وغير ذلك من الصفات السيئة فعلمت حينها أن الله تعالى كان يبعدنا عنه لحكمة منه. وأنا أحمد الله اليوم لأننه نجاني منه ومن شره.وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم..
نسيت أن أقول في ردي على موضوع الأخ دودي تجربتي مع المصائب وفوائدها، كنت في حداثة سني كثير التذمر من المصائب، وحدث مرة أن فسدت علاقتي مع شخص كان عزيز علي جدا، وكنت كلما سعيت لتحسين العلاقة معه تسوء الأمور أكثر حتى فقدت الأمل في إرجاع ما كان بيننا..فافترقنا وذهب كل إلى سبيله وتأزمت حالتي النفسية جدا وكنت رغم قربي من الله تعالى إلا أنني ساخط بعض الشيء على الذي حصل لي ..وتأتي الصدف لتجمعنا ثانية ، ولأكتشف مدى سوء أخلاق ذلك الشخص وأنه شخص أناني وفوق ذلك انتهازي وغير ذلك من الصفات السيئة فعلمت حينها أن الله تعالى كان يبعدنا عنه لحكمة منه. وأنا أحمد الله اليوم لأننه نجاني منه ومن شره.وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم..
أخي الكريم مع الحق
بداية أشكر لك الأضافة الرائعة التي نقشتها بالموضوع
وثانيا أخي كل منا له قصة من الواقع أن لم تكن قصص
تضيف للموضوع الكثير من العبر … فالحياة مدرسة
صقلت منا الكثير وغاب عن دروسها كثر من البشر
والحمد لله الذي عافانا وأنقذنا من مصائبها ومفاتنها
لك أخي مني كل أحترام وتقدير