من غرفة العمليات..أعصابه مشدودة..بدأت ترتاح عندما رآها بخير..و قدمت الممرضة بالمولود الجديد..نسي نفسه و زوجته والعالم بأسره..
ركض إليها مسرعاً
ماذا رُزقتُ ؟؟ أنثى
!!
تيارات قاسية من الحزن تخرج من جوفه تمر بحلقه و تخترق رأسه ..
– إنها جميلة جداً..و قالت أمها إسمها وجد
-
نظر إليها..شفاه وجد الطرية تتحرك و كأنها تريد أن تبتسم لوالدها..لكن عيونه كانت تتحدث:لماذا أتيتِ؟! لم أريدك أنت! كم انتظرت هذا المولود..
دخل إلى زوجته بعد أن نقلوها إلى غرفتها.. تحدثت إليه:ألم ترها ؟! إنها جميلة جداً..انظر إلى هذه الشعرات الشقراء ما أروعها..
- لم يرد بسوى:حمداً لله ع سلامتك..غصت الأم و اغرورقت عيناها بالدموع..ضمت ابنتها..نظرت إليه وكاد يعميها الحزن الذي يتلبسه
،،
أشاحت وجهها عنه !
مرت الأيام..وجد تكبر و تحلو..و أبوها غير مكترث لها ..غافل عن لحظات السعادة التي تغمر الوالدين عندما يراقبان حركات و سكنات ولدهما..اليوم لثغة.. غداً تحبو..و بعدها تمشي..و هكذا..عيناها الزرقاوان تلمعان و تسحران كل من يراهما بصفائهما و بريقهما..صار عمرها ثلاث سنوات و خصل الشعر الأشقر و صلت إلى كتفها..
ذات يوم كان أبوها يجلس على الأريكة..فأمسكت الكرة و رمتها إليه..ارتطمت الكرة برجله و لم ينتبه! ركضت نحو الكرة و رمتها إليه مرة أخرى..أيضاً لم ينتبه..
صعدت على الأريكة..قبلت يده و وضعتها على وجهها..لكنه لم يتحرك..نظرت إليه فإذا هو نائم.وضعت رأسها على حضنه..وهي تمرر يدها على يده و كأنه طفلها و هي تنومه..و هكذا حتى نامت هي الأخرى..دخلت الأم فوجدت الاثنين نائمين معاً..تفاجأت!و امتلأت عيناها بالدموع فرحاً..عندما استيقظ الأب قبّل وجد على رأسها قبلةً سريعة و مضى إلى عمله..و لأول مرة منذ أن ولدت أخذ يفكر ماذا سيجلب لها و هو عائد إلى المنزل..
لقد تخيل أنه يعطيها السكاكر و أنها فرحة..امتلأ قلبه بالنشوة عندما تحركت في مخيلته هذه الصورة.. أوقف سيارته..و جلب لها كيساً مليئاً بالسكاكر..عاد إلى البيت..فتحت زوجته الباب و هي في ثياب الخروج!
ماذا دهاك؟! لماذا أنت خارجة في مثل هذا الوقت؟!
أبي مريض،نقلوه إلى المستشفى،،وأريد ان اراه..
إذاً أوصلك
لا،ابق أنت عند وجد و سيأتي أخي ليأخذني الآن
حسناً
ذهبت أم وجد و بقي هو مع وجد وحدهما في المنزل..بدّل ملابسه و دخل إلى غرفة الجلوس.. كانت وجد تجلس على الأرض و تداعب دميتها.. وعلى ثغرها ابتسامة مميزة كأنها تستدر عطفه..
- أتعرفين ماذا جلبت لك يا وجد؟!
- ردت بابتسامة..
- خذي هذه السكاكر..احتضنتها وكأنها أمسكت كنزاً ثميناً كادت تطير بما تحمل في يديها..أشارت إليه أن يفتح لها واحدة..ففعل و ألقمها إياها بيده..مصت إصبعه و هو يضعها في فيها..لأول مرة يضع لها شيئاً في فمها !!ما هذا الشعور الرائع الذي حرم منه نفسه كل هذه الأيام..جزء5
جلس إلى أريكته يشاهد التلفاز..و وجْد تلعب مع دميتها..بدأ يحس بالتعب..مد رجليه على الأريكة و حدث نفسه:اليوم كان شاقاً جداً..أشاح بنظره عن التلفاز و أخذ ينظر إلى وجد و كأنه يراها لأول مرة.. التعب يزداد..صورة وجد تهتز في عينيه من شدة التعب..اصفرَّ وجهه! إنه يشعر بالاختناق..حاول فتح النافذة إلا أن حركته كانت مشلولة..فك زر القميص الذي بالقرب من رقبته..وجهه بدا شاحباً جداً..العرق البارد يتصبب بغزارة..قلبه ينبض بسرعة..أطرافه باردة.حاول الوقوف يريد طلب المساعدة
لم يعد يرى شيئاً..حتى قدرته على الكلام أصبحت مشلولة..الظلام يملأ رأسه! عرف أنه الموت..صار يحاول أن يذكر الله بلسانه لكن لسانه لم يستجيب..إنه يشعر بقرب أجله..زحفت وجد نحوه..
كانت يداها ترتجفان وعيناها تبكيان.. المسكينة الصغيرة لم تعرف ماذا ستفعل؟!أخرجت السكرة من فيها فهي لا تملك غيرها!! وضعتها في فم أبيها ضمت رأسه بكلتا يديها و هي تبكي..بدأت علامات الارتياح تظهر ع وجهه..عادت زوجته بعد زمن قليل و أحضرت الطبيب من فورها..وأجرى له الفحوصات و قال: لقد أصبتَ بانخفاض حاد في السكر و كدت تفقد حياتك و لكن هذه السّكرة هي من أنقذك!!
أخذ يبكي كولد صغير..استغرب الطبيب لا يدري لم كل هذا البكاء!!حملت الأم صغيرتها و مشت باتجاه غرفة نومها..فناداها:أم وجد! لأول مرة يناديها أم وجد!! استدارت نحوه مستفهمة ماذا يريد منها..أريد وجد..إنها نائمة..أريد أن أقبلها..بكت أم وجد..ضمها زوجها وهي حاملة بنتها وقال:سامحيني أرجوك حمداً لك ربي..ارجوك سامحني واغفرلي,,,,
منقول