السلام عليكم ورحمة الله
محبة الله والخوف من غضبه قبل الرغبة بالجنة والفرار من النار
الرغب والرهب هو الدرجة الثانية في العلاقة مع الله وليست الدرجة الأولى ، لهذا قال تعالى للعرب : ( هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم ) ، فهو يخاطبهم بعقلية المصلحة التي يعرفونها كتجار، لكن العلاقة إذا اكتملت ونضجت تصبح المصلحة و دفع المضرة شيئاً ثانوياً بعد المحبة والخوف من عدم الرضا ؛ لأنه لا يوجد شيء أكبر من الله ولا أهم من الله ، لأن الله يقول : ( ورضوان من الله أكبر ) ، أي أكبر من الجنة ، ويقول عن المؤمنين : ( إنما نطعمكم لوجه الله ) ولم يقولوا: لأجل الجنة التي عند الله.
وإذا كان الهدف هو دخول الجنة والبعد عن النار فقط، إذن ماذا يبقى لله بعد دخول المؤمنين الجنة؟ هل سينشغلون في الجنة ويتركون شكر الله وذكره لأنهم وصلوا إلى غايتهم؟!
الإنسان لا يحب أن يحب ابناؤه جائزته وعطاءه أكثر منه ، فكيف نرضى لله ما لا نرضاه لأنفسنا ؟ نعم ندعوه رغباً ورهبا، وندعوه لوجهه أيضاً ، والله أكبر من رغبنا و رهبنا، والله قال عن عباده : (يحبهم ويحبونه) ، ولم يذكر الجنة، ولم يقل : يحبون جنتي . وإذا كانت غاية العبادة هي البعد عن الأضرار وطلب المصالح ، و النار شيء مادي والجنة كذلك ، فهذا يثير سؤال : هل هذا قريب من الوثنية أم لا ؟ وهل يمكن أن نسميه عبادة الجنة ذات النعيم المادي ؟ وإذا كانت هذه هي علاقتنا بالله : أليست هذه علاقة مصلحية ؟ فالمصلحة مرتبطة بالمادة ! وهل يليق أن تكون علاقتنا بالله مصلحية فقط ؟ وإذا كان العلماني يعبد ملذات الدنيا، فسيقول عن المؤمن أنه يعبد ملذات الآخرة ! ويكون الفرق بينهما زمنيا فقط ! لكن سورة الإخلاص تـُفهمنا أن عبادة الله لا تنحرف إلى ما عنده، بل إليه وحده : ( الله الصمد ) .
و كل شيء لله أصلاً، فالمطلوب هو عبادة الله وليس عبادة مخلوقاته، فالجنة والنار من مخلوقاته، مثلما الأوثان من مخلوقاته، وهذا داخل في التوحيد أن لا نعبد غير الله مما يُدَّعى أنهم آلهة، وكذلك لا نعبد مخلوقات الله كالجنة والنار أو الدنيا بحيث أن تكون هي مقصودنا الأول، لأن الله يجب أن يكون هو المقصود الأول والآخر، كما سمى نفسه : الأول والآخر، سبحانه، لأن معنى "الصمد" أي المقصود، والله هو الصمد، وليست الرغبة أو الرهبة ، ولا الجنة ، بل الله أكبر حتى من الجنة و رغبتنا فيها. والله يقول : (اعبدوا الله) و كونك تعبد الله لماذا؟ لله، لأنه الله، وليس أعبده فقط لأن عنده جنة ونار ! هذه نظرة مادية لا تليق بحق الله.
أفرض أنه سبحانه لم يعد بجنة ولا بنار ، فهل لا نشكره و لا نعبده؟؟ تعظيم الله لا يكون كتعظيم حاكم دنيوي عنده قصر وعنده سجن..
لكننا محتاجون فعلاً للنجاة من جهنم ودخول الجنة، لأننا بشر ولا نستغني أبداً عن عطاء الله لا في الدنيا ولا في الآخرة، لكن الجنة ليست هي صَمَدًنا، فصَمَدُنا هو الله، وحبنا هو الله. لو سألك أحد: هل البساتين الجميلة والأنهار والنعيم أفضل عندك من الله؟؟ لقلت: لا، إذن علينا أن نحقق هذا، نعم نحن نحبها لكنها ليست أحبّ عندنا من الله ، ونخاف النار ولكن ليس كخوفنا من مقت الله، هذا ما يجب أن يكون و نعتقده.
والترغيب والترهيب في الدرجة الثانية من أهداف العبادة ، لأنه لو أنكر شخص وأدعى أنه لا يهتم لا بالرهبة ولا بالرغبة لكنه يحب الله ومشغول بذلك ، سيكون هذا سوء أدب مع الله وعدم اهتمام بما عنده أيضاً وكأنه مستغني عنه، فلا بد من التوازن ، نحن نريد ما عند الله، لكننا نحب الله أكثر من الحور العين والبساتين وأكثر من أنهار العسل واللبن ، أم أننا نحبها أكثر من الله ؟ هل يليق في التعامل مع الله أن نفضل عليه الزرابي المبثوثة والأكواب والأباريق والثياب التي من استبرق؟ وتكون أهم من الله ؟ هذا لا يليق ! فالمسافر الجائع يفرح إذا نزل بكريمٍ قدّم له الطعام والشراب، لكنه هل سيمدح الطعام والشراب أم سيمدح الكريم ويحبه ؟ على هذا إذن فكيف نحب طعام الله وشرابه وجنته أكثر منه؟ وكيف نخاف من ناره لأنها تحرق جلودنا أكثر من خوفنا من بغضه لنا؟
نحن أرواح و مادة، والأرواح مُقدَّمة على المادة، لهذا فحب الله في الدرجة الأولى لأنه من الروح ، والرغبة بالجنة والخوف من النار درجة ثانية لأنه تابع للجسد ، و كل إنسان روحُه أهمّ من جسده، ولهذا قال تعالى: ( ورضوان من الله أكبر ) أي أكبر من دخولهم الجنة، والقرآن ذكر الأمرين : محبة الله ، والتحفيز بذكر الجنة والتخويف من النار لكي يكون الجانبين المادي والمعنوي يحفز بعضه بعضا، وهذا من رحمة الله وتوسيعه عليهم ، لأن هناك أناس ماديون لا يفهمون إلا بحِسبة المصالح والضرر فقط، فحتى هؤلاء لم يحرمهم الله من الدخول في دينه على رجاء أن يدركوا بعدَ أن يعتنقوا الإسلام معنى أن الله أكبر، أي أكبر من الجنة والنار والمصالح الدنيوية والأخروية وهو الأول والآخر.
أصل اختيار الدين قائمٌ على المحبة والإعجاب قبل النظر في المصالح ، وأي شخص جديد في الدخول في الإسلام لن يقول أنه دخل الدين لأنه خائف من النار أو راغب في المصلحة ، فالتصديق لم يأت بدافع مصلحي، فالتصديق أخلاق، والمصلحة مرتبطة بالجسم، سيقول لك : لقد أعجبني هذا الدين وأحسست بصدقه وتلقائيته، وأن العلاقة فيه مباشرة مع الله وغير ذلك من الصفات الحسنة، ثم بعد أن يتعلم على الإسلام أكثر ويعرف المحرمات يبدأ بالخوف كلما فعل معصية ويطمع بالثواب كلما عمل حسنة .
منقول للافادة
مشكور ما ننحرم من ابداعك
انرتِ الموضوع