حينما أصاب الجنون أردوغان ورفاقه من المنتمين فكرا وتنظيما لجماعة الإخوان بعد الإطاحة بربيبه محمد مرسى، كانت قبرص تعلن على لسان وزير خارجيتها يانيس كاسوليدس – الذى يزور القاهرة حاليا – أنها تساند الشعب المصرى الودود، وإنها تدين حرق وتخريب الكنائس والمساجد والاعتداء المتعمد على المنشآت الحكومية من جانب أنصار الإخوان، وفى اليونان كان نائب رئيس وزراء ووزير خارجية اليونان ايفانجيلوس فينيزيلوس، يقول أن بلاده تريد مساعدة الحكومة الانتقالية فى مصر لضمان تنفيذ خارطة الطريق، كى تعيش مصر فى سلام، كما تريد أن تعود المؤسسات الديمقراطية فى مصر للعمل بشكل كامل، مؤكدا على أن استقرار مصر قضية عالمية.
هذا هو الفارق بين دولة لا تريد سوى نفسها، ودول أخرى ترغب فى استقرار إقليمى يشملها ويشمل الجميع، وربما ليس غريبا على أحد أن التباين بين مواقف تركيا من جهة، واليونان وقبرص من جهة أخرى ليس وليد الأحداث المصرية، فأنقرة دائما ما تثير الأزمات مع جيرانها لأن حلم عودة الخلافة العثمانية لايزال يراود حكامها المتأسلمين، لذلك وقفت مصر أمام كل المخططات التركية للتقسيم، فهى رفضت الاعتراف بقبرص التركية التى أرادت من خلالها أنقرة تقسيم قبرص لتحقيق أغراضها، واذكر أنه خلال اجتماعات القمة الإسلامية التى عقدت العام الماضى بالقاهرة فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى، حضر رئيس ما يسمى بقبرص التركية واتخذ من مقر سفارة تركيا بالقاهرة مقرا لأنشطته خلال زيارته للقاهرة، ورفضت الدبلوماسية التعامل معه باعتباره رئيس دولة رغم الضغوط التى مارستها تركيا عبر حلفائها بالقاهرة من الإخوان لترتيب لقاءات رسمية لهذا الشخص.
ولا يخفى على أحد أيضا أن مصر رفضت الانصياع وراء الأطماع التركية، وأيدت القاهرة اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين قبرص وتركيا ولبنان.
من هذا المنطلق الذى يستند على الرغبة فى تحقيق الاستقرار فى منطقة البحر المتوسط جاءت زيارة وزيرى خارجية قبرص واليونان لمصر فى أسبوع واحد، فما إن ينهى وزير خارجية قبرص زيارته للقاهرة مساء أمس يصل غدا وزير خارجية اليونان، للتأكيد على أن هذا الإقليم يضم دولا تدعم وتؤكد الاستقرار فى مواجهة من ينشدون الفوضى، وربما تجدر الإشارة هنا إلى أن مواقف نيقوسيا وأثينا من الثورة المصرية لم يقتصر على التصريحات، فالعاصمتان وقفتا بجانب مصر فى اجتماعات الاتحاد الأوروبى، فقبرص كما يقول مسؤولوها باعتبارها أقرب دولة عضو بالاتحاد الأوروبى لمصر والشرق الأوسط أعلنت صراحة تفهمها لقلق شعب مصر وتطلعاته ورغباته، فى إعادة تاريخية لموقف الأسقف القبرصى ماكاريوس خلال العدوان الثلاثى على مصر عام 56 عندما كانت قبرص المحتلة من انجلترا تقوم بتزويد المصريين بمعلومات عن تحركات الطائرات البريطانية وقيامها بعمليات تخريب ضد هذه القواعد.
زيارة وزيرى خارجية قبرص واليونان لمصر فى هذا التوقيت، تبعث برسالة إلى تركيا بأن عليها تغيير موقفها وطريقة تعاملها مع جيرانها، وأن تتخلى عن نزعتها السلطوية والتآمرية ضد جيرانها فى محيط البحر المتوسط، لأنه بمرور الوقت ستتحول تركيا تحت قيادة أردوغان ورفاقه إلى دولة منعزلة عن إقليمها، ولن يبقى لها صديق.
شكرا على الخبر
دمت بكل خير