وفي ذاكرة كل إنسان يوجد حيز يحتفظ فيه بعدد من الروائح والمذاقات التي تحسسها في حياته، وربما كانت إحداها كافية لكي تشعره بالنشوة. وهذه الروائح والمذاقات التي عددنا جزءا منها كأمثلة تعتبر قطرة من بحر النعم الذي نسبح فيه، وكل واحدة من هذه الروائح والمذاقات تثير فينا أسئلة وتساؤلات عميقة ومثيرة، ويلفت القرآن الكريم نظر الإنسان إلى أهمية التفكر في هذه النعم الإلهية:
وافرض عزيزي القارئ أنك لا تملك حاستي الذوق والشم، ففي هذه الحالة سوف تصبح الروائح والمذاقات لا معنى لها عندك، وافرض أنك لا تستطيع الإحساس برائحة ما تأكله ولا تشعر كذلك برائحة ما تشربه فعندئذ فقط سوف تدرك أهمية حاستي الشم والذوق، فالذي يكسب الفراولة خاصيتها المميزة هو رائحتها ومذاقها المميز، وإذا لم تكن قادرا على شم رائحتها وتذوق طعم الفروالة، فهذا يعني أنّه ليس بمقدورك أن تستوعب معنى كلمة الفراولة.
ولقد منح الإنسان هاتين الميزتين إلى جانب مميزات أخرى منذ خلق على وجه هذه البسيطة، وهو يستخدمهما في تمييز الروائح والمذاقات المختلفة التي تعد بعشرات الآلاف دون صعوبة أو مشقة. وهذه الحواس تعمل ضمن أجهزة خارقة موجودة في جسمه، وتعمل هذه الأجهزة طيلة حياة الإنسان دون توقف أو كلل كي تجعله قادرا على شم الكثير من الروائح وتذوق االكثير من المذاقات المختلفة والتمييز بينها، وفوق هذا فإن الأجهزة مكتسبة طبيعيا، ولم يتدرب الإنسان على كيفية الشم والتذوق، وإنما اكتسب هذه الفعاليات ومارسها طبيعيا وتلقائيا دون أي جهد .
وهذا الذي ذكرناه يجعل الإنسان يتوقف للتمعّن والتفكير بعمق أمام هذه الحقائق، وكل إنسان عاقل نبيه قد يسأل نفسه السؤال الآتي: كيف وجدت الأجهزة الجسمية التي تمكنني من الشم والتذوق؟
تشير الكتب العلمية وخصوصا الطبية وكتب علم الأحياء إلى أن الفضل يعود دائما في ذلك إلى الأنف والمخ، و هذا الأمر في جزء منه صحيح، فنحن فعلا لا نستطيع التذوق والشم إلا بوجود الأنف واللسان والمخ وأداء هذه الأعضاء لفعالياتها بصورة كاملة، إلا أن هناك الجزء الأهم من الجواب يتم إهماله بقصد أو بغير قصد، ويمكن أن يكون على شكل التساؤل الآتي:
لمن ندين في هذه النعمة العظيمة؟ من الذي أوجد الأنف واللسان والمخ في أجسامنا؟
أغلبنا يكتفي بمعرفته كون التذوق يتم بواسطة اللسان والشم يتم بواسطة الأنف، ولكن هذا خطأ كبير، فالتذوق والشم جزء لايتجزأ من حياة الإنسان ولا يمكن الاستغناء عنه أبدا، لذلك فغض النظر عن البحث عن جواب لهذا السؤال هو الغفلة عينها.
فنحن بلا شك مدينون في وجود هذه النعم لله سبحانه وتعالى الذي خلقها وسخرها لنا، ومن هذه النعم ما هو موجود في أجسامنا مثل الشم والذوق ومنها ما هو موجود حولنا. ولو تمعن الواحد منا في كيفية أداء أجهزة الشم والذوق لوظائفها لوجد أجهزة مليئة بالأدلة القاطعة على حدوث عملية الخلق، وهي الأدلة التي تعكس لنا القدرة اللامتناهية لله تعالى في خلق الأشياء وتصويرها وإبداعها، وهذا التمعن والتأمل في خلق الله يساعد الإنسان على استيعاب جزء ولو صغير من بحر لطائفه وفضله ونعمه جل جلاله نحو الإنسان. وعلى مدى صفحات الكتاب سوف يجد القارئ أمامه جملة من نعم الله وفضائله ذكرت في صفحات الكتاب كي تكون تذكرة له من السّهو وصحوة له من الغفلة، وهذه النعم الإلهية هي وسيلة للرد المقنع على أفكار أولئك الداروينيين الذين يُرجعون وجود جميع الأشياء إلى المصادفة المحض، وهذه الأفكار لا شك تدل على بساطة تفكير أصحابها وسذاجته، ويصوّر لنا القرآن الكريم عملية الخلق أبرع تصوير فيقول تعالى:
لألله الأ الله وحده قادر على كل شىء
سبحان الله العظيم
ربنا يجزيك كل خير اخى على الشرح المطول
جزاك الله خير
نحمد الله عز وجل على كل شيء دون استثناء
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
وشكرا لك أخي