الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن من أعظم نعم الله عز وجل أن فتح باب التوبة، وجعله فجرا تبدأ معه رحلة العودة بقلوب منكسرة، ودموع منسكبة، وجباه خاضعة.
يقول الله جل وعلا ( نبئ عبادي انِّي أَنَا الغفورر الرحيم)
ويقول الله عز وجل: (( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)
ويقول تعالى حاثا على التوبة والرجوع والأوبة: ((وتُوبوا إلَى الله جميعاايها المؤمنون لعلكم تفلحون )) وصح عنه صلى الله عليه وسلم كما روى ذلك الإمام مسلم أنه قال: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها".
وهذا نبي الرحمة وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول: "يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة" .
وانظر وتأمل أخي المسلم في فضل الله عز وجل على التائب العائد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "التائب من الذنب كمن لا ذنب له "
أخي المسلم:
جد في التوبة وسارع إليها فليس للعبد مستراح إلا تحت شجرة طوبى
ولا للمحب قرار إلا يوم المزيد
فسارع إلى التوبة، وهب من الغفلة، وأعلم أن خير أيامك يوم العودة إلى الله عز وجل فاصدق في ذلك السير وليهنك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامهـا ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح "
قال يحى بن معاذ رضي الله عنه: من أعظم الاغترار عندي
التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة وتوقع القرب من الله تعالى بغير طاعة وانتظار زرع الجنة ببذر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصي، وانتظار الجزاء بغير عمل، والتمني على الله عز وجل مع الإفراط. ومن أحب الجنة اقطع عن الشهوات، ومن خاف النار انصرف عن السيئات.
وقال الحسن البصري: إن قومة ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي، وكذب، لو أحسن الظن لأحسن العمل.
وقال رحمه الله: إن المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز وجل
وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة، إن المؤمن يفجؤه الشيء يعجبه فيقول: والله إني لأشتهيك، وإنك لمن حاجتي ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات، هيهات، حيل بيني وبينك، ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول: ما أردت إلى هذا، ما لي ولهذا والله لا أعود لهذا أبدا إن شاء الله
إن المؤمنين قوم أوثقهم القرآن، وحال بينهم وبين هلكتهم، إن المؤمن أسير في الدنيا، يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله عز وجل، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وبصره ولسانه وجوارحه.
صدق من قال:
ذنوبي إن فكَّرت فيـها كثيرةٌ…***…. ورحمة ربِّي من ذنوبي أوسعُ
هو الله مولاي الذي هو خالقي…***…. وإنَّنـي له عبدٌ أذلُّ وأخضعُ
وما طمعي في صالحٍ قد عملته…***…. ولكنَّني في رحمة الله أطمعُ
وحقٌّ ما قاله غيره:
عندي يقينٌ أنَّ رحمة خالقي….***… ستكون أكبر من ذنوب حياتي
– نحن نتعامل مع الله سبحانه وتعالى الذي هو أرحم بنا من أهلنا ومن أنفسنا
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قدم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأةٌ من السبي قد تحلب ثديها تسقي إذ وجدت صبيًّا في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أترون هذه طارحةً ولدها في النار؟"
قلنا: لا
وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها"متَّفقٌ عليه
بل قد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنَّا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أو نقول: إنَّه ليس شيءٌ من حسناتنا إلا وهي مقبولة، حتى نزلت هذه الآية "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم"، فلمَّا نزلت هذه الآية قلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر والفواحش، قال: فكنَّا إذا رأينا من أصاب شيئاً منها قلنا: قد هلك، حتى نزلت هذه الآية "إنَّ الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، فلمَّا نزلت هذه الآية كففنا عن القول في ذلك، فكنا إذا رأينا أحداً أصاب منها شيئاً خفنا عليه، إن لم يصب منها شيئاً رجونا له
واعلم أن المؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبتها تندفع بعشرة أسباب:
الأول: أن يتوب توبة نصوحا ليتوب الله عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
الثاني: أن يستغفر الله، فيغفر الله تعالى له.
الثالث: أن يعمل حسنات تمحوها لقوله تعالى: (( إن الحسنات يذهبن السيئات ))
الرابع: أن يدعو له إخوانه المؤمنون، ويشفعون له حيا وميتا.
الخامس: أن يهدي له إخوانه المؤمنون من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به،
السادس: أن يشفع فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
السابع: أن يبتليه الله في الدنيا بمصائب، في نفسه وماله وأولاده وأقاربه ومن يحب ونحو ذلك.
الثامن: أن يبتليه في البرزخ بالفتنة والضغطة، وهي عصرة القبر ، فيكفر بها عنه.
التاسع: أن يبتليه الله في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه.
العاشر: أن يرحمه أرحم الراحمين.
فمن أخطأته هذه العشرة، فلا يلومن إلا نفسه، كما قال تعالى في الحديث القدسي: "إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" .
وشروط التوبة أربعة:
1- الإقلاع عن الذنب.
2- الندم على ما فات.
3- العزم على أن لا يعود.
4- إرجاع الحقوق إلى أهلها من مال أو غيره.
وحالنا في هذه الدنيا بين مسرف ومفرط، حتى يفجأنا الموت على حين غفلة، وتأمل في حال البعض ممن يؤثر الظل على الشمس، ثم لا يؤثر الجنة على النار.
جعلني الله وإياكم ممن إذا زل ثاب وتاب، ورزقنا توبة نصوحا قبل الموت، وتقبل منا اعمالنا كبيرها وصغيرها
وتجاوز عن تقصيرنا وآثامنا، وغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
م/ن
بــآرك آللـه فيـك يـآصآحبـة آلتمـيز ..
دآئمـآ مـوآضيعـك في آعـلى درجـآت آلروعـه
آكـرّر شكـري لـك عـلى مـآ تقـدميـن مـن جهـود
تحيـــآتي وآحتـرآمي لك ..
تخياتي لك
بنت برقا