وأخيراً ماذا سيحدث للسماوات والأرض في النهاية؟!.
1-1:إثبات أن الكون يتوسع:–
– كان العالم ينادي بثبات الكون ، وعدم تغيره ، وظل هذا الاعتقاد سائداً حتي بداية القرن العشرين ، حين أثبت عالم الفيزياء الروسي ألكسندر فريدمان وعالم الفلك البلجيكي جورج ليمريت نظرياً أن الكون في حركة دائمة ، وأنه آخذ في التوسع .
– وهذه هي الحقيقة التي ثبتت أيضا من خلال بيانات الرصد في عام 1929م ، وعندما قام عالم الفلك الأميركي إدوين هابل بمراقبة السماء عن طريق التلسكوب ؛ اكتشف أن النجوم والمجرات كانتا تبتعدان باستمرار عنا ، وعن بعضها البعض بمعدلات تقترب من سرعة الضوء -المقدرة بنحو ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية- ، وهذا دليلٌ على حقيقة توسع الكون، وتباعد مجراته ، وقد أيدت كل من: المعادلات الرياضية، وقوانين الفيزياء النظرية استنتاجات الفلكيين في ذلك.
– أثارت هذه النتائج جدلاً طويلاً حتى سلم العلماء بحقيقتها ، وقد سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى تلك الحقيقة قبل ألف وأربعمائة سنة بقول الحق -تبارك وتعالى- :(وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) ( الذاريات:47) ، وكلمة "السماء" كما جاءت في هذه الآية تستخدم في أماكن مختلفة من القرآن الكريم ، وهنا ايضاً بمعنى:الفضاء والكون ، فمن بلاغة الآية أنها نزلت ، وأثبتت أن الكون "يتوسع" في وقت كان فيه علم الفلك لا يزال بدائياً ، والعالم كله ينادي بثبات الكون ، وعدم تغيره ؛ وذلك لأن القرآن الكريم هو كلام الله -الخالق-، وحاكم الكون كله.
منذ لحظة الإنفجار العظيم إتسع الكون بسرعة كبيرة
(ويشبهها العلماء بسطح البالون المنفوخ فالنقاط الموجودة على سطح البالون تبتعد بعضها عن بعض
كلما تمدد البالون وهكذا فالكون كلما اتسع زادت المسافات الموجودة فيه).
2-1:إختيار معدل إتساع الكون:-
– والمعدل المتوسط لعملية اتساع الكون لابد وأنه قد اختير بحكمة بالغة ؛ لأن معدله الحالي لم يتجاوز بعد الحد الحرج الذي يمكن أن يؤدي إلى انهياره وتكدسه علي ذاته ؛ مما يؤكد أنه محكوم بضوابط بالغة الدقة والإحكام ، ولا يزال الكون المُدرَك مستمراً في توسعه منذ نشأته ، وذلك بنفس معدل التوسع الحرج ، ولو تجاوزه بجزء من مئات البلايين من المعدل الحالي للتوسع ؛ لانهار الكون علي الفور ، فسبحان الذي حفظه من الانهيار..!!!
– ولم تتمكن للنظرية النسبية من تفسير ذلك ، ولا يمكن لعاقل تصور مصدراً لخلق هذا الكون بهذا القدر من الإحكام غير كونه أمراً من الخالق - سبحانه وتعالى- الذي قال:
( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون ) ( يس :82 ).
1-2:إستنتاج كيف نشأ الكون من إتساعه:-
– من ثَمَّ نادي كل من علماء الفلك ، والفيزياء -الفلكية والنظرية- :بأننا إذا عدنا بهذا الاتساع الكوني إلى الوراء مع الزمن ؛ فلابد أن تلتقي كل صور المادة و الطاقة الموجودة في الكون -المدرك منها وغير المدرك- ، وتتكدس علي بعضها البعض في جرم ابتدائي واحد يتناهى في الصغر إلى ما يقرب الصفر أو العدم ،
وتنكمش في هذه النقطة أبعاد كل من المكان ، والزمان حتى تتلاشي في ظاهرة يسميها العلماء :
"جوهر مدمج للغاية" ، ويسميها القرآن الكريم باسم : "الرتق".
– وهذا الجرم الابتدائي كان في حالة من الكثافة ، والحرارة تتوقف عندهما كل القوانين الفيزيائية المعروفة ، ولا يكاد العقل البشري أن يتصورهما ، فانفجر هذا الجرم الأولي بأمر الله - تعالى- ؛ ونتج عنه الكون كله منذ خمسة عشر مليار سنة ، في ظاهرة يسميها العلماء عملية: "الانفجار الكوني العظيم" ، ويسميها القرآن الكريم باسم: "الفتق" ، والأوساط العلمية الحديثة متفقة على أن الانفجار الكبير هو الوحيد الذي شرح كيفية نشأة الكون ، وقد سبق هذا الكتاب كل المعارف الإنسانية بالإشارة إلى ذلك الحدث الكوني العظيم من قبل ألف وأربعمائة من السنين بقول الحق -تبارك وتعالى- :
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء:30).
طبقاً لنظرية الإنفجار العظيم: كل شىء بدأ من إنفجار نقطة ذات كثافة لانهائية وحجم يساوى صفر
، وبمرور الوقت إتسعت المسافات بين هذه الأجسام
– في هذه الآية ، نقرأ سؤال موجه إلى المكذبين بخصوص بدء خلق الكون ، والسؤال هو : هل يمكن لهذه البداية بعد أن رأوا و لاحظوا- أن تتم فقط صدفة ؟!
– فحاولوا شرح تفرد الكون من خلال عبارة "جوهر مدمج للغاية"، و"لحظات الانفجار العظيم"،
و"تبريد مفاجئ" ،وهلم جرا، والله لخص كل الكلمات -التى حاول أن يصل إليها المكذبون وعجزوا-
في كلمتين هما:"رتق" و"فتق".
– فوصف القرآن ما توصلوا إليه -وهو أن كل هذا الخلق بدأ من أصل واحد- من خلال الكلمة العربية "رتقا" ، فإن ذلك يعني – باللغة العربية- قطعة متصلة و مضغوطة من الألياف المنسوجة أو القماش.
– ولكن أولئك العلماء الماديين ، قد ضلوا عندما تصورا أن هذه المادة تحولت أو انتشرت إلى مثل هذا النظام الرائع من تلقاء نفسها ، فيجب أن يعترفوا بأن كل هذا قامت به سلطة الخالق، وإرادته ؛
حتى يكونوا علميين أو منطقيين في استنتاجاتهم.
– ويصف الخالق انتشار هذه المادة المضغوطة بكلمة "فتقناهما" ، وهذه الكلمة تعني أن الله فصل هذه المادة (الرتق) بإرادته إلى ألياف متجانسة ، تُشكل الأرض والسماوات.
– ونحن نرى هذا التجانس في الألياف ، أو المكونات التي تملأ هذا الكون المُنظَم : حيث نجد أن مواد الشمس تُشابه المواد الأخرى على الأرض ، وعلي سطح القمر ، وعلى الكواكب الأخرى ، وعلى أي نجمة أخرى ، وجميع هذه المواد شُكلت بواسطة ذرات متشابهة في التركيب.
– وهذا النظام المتجانس بدأ منذ اللحظة الأولى للخلق ؛ لأن مثل هذا الخلق تم بواسطة خالق واحد حقق وحدانيته.
-ومن ثمَّ فالتعبير ب"رتق" بوصفها قطعة قماش مَنسُوج أفضل بكثير من التعبير ب"بدء من مضغوط الجوهر" ، وكلمة "فتقناهما" التي تعني تشكيل السماوات والأرض عن طريق نشر ألياف الرتق بإرادة الله ، أفضل من التعبير ب"الانفجار العظيم" ؛ لذا فإنه على الباحثين ترك الافتراضات الغير منطقية من تفجير الكون لنفسه بطريقة حكيمة ، ويجب أن يعترفوا بصدق كلمات القرآن الكريم ؛ فمثل هذا الاعتراف ، سيقودهم إلى أن يكونوا مؤمنين حقيقيين بهذا الدين الحق الذي جاء لتصحيح جميع المعتقدات الغامضة ، والغير منطقية.
3-2:تكون الدخـان :-
– وتشير دراسات الفيزياء النظرية في أواخر القرن العشرين إلى أن جُرماً بمواصفات الجُرم الابتدائي للكون عندما انفجر؛ تحول إلى كرة من الإشعاع والجسيمات الأولية أخذت في التمدد والتبرد بسرعات فائقة حتى تحولت إلى غلالة من الدخان ، وفي الثامن من نوفمبر سنة 1989م أطلقت وكالة الفضاء ناسا مركبة فضائية باسم "مكتشف الخلفية الإشعاعية للكون" -وذلك في مدار حول الأرض علي ارتفاع ستمائة كيلومتر من مستوي سطح البحر- ؛ لقياس درجة حرارة الخلفية الإشعاعية للكون ، وقياس كلاً من: الكثافة المادية والضوئية ، والموجات الدقيقة في الكون المدرك ، بعيدًا عن تأثير السحب والملوثات في النطق الدنيا من الغلاف الغازي للأرض ، وقام هذا القمر الصناعي المُستكشف بإرسال قدر هائل من المعلومات، وملايين الصور لآثار الدخان الكوني الأول، الذي نتج عن عملية الانفجار العظيم للكون ، وأثبتت تلك الصور أن هذا الدخان في حالة معتمة تمامًا تمثل حالة الإظلام التي سادت الكون في مراحله الأولى قبل خلق الأرض والسماوات ، فسبحان الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة في ثنايا كتابه :
(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ … وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ… ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:
– تحول الكون إلى غلالة من الدخان المكوَّن من الفوتونات والإلكترونات والنيوترينوات وأضداد هذه الجسيمات مع قليل من البروتونات ،والنيوترونات التي يمكن أن توجد في الكون علي هيئة ما يسمي باسم "المادة الداكنة". – ولولا استمرار الكون في التوسع والتبرد بمعدلات منضبطة بدقة فائقة ؛ لأفنت: الجسيمات الأولية للمادة وأضدادها بعضها بعضًا ، وانتهي الكون ، ولكنه حُفِظ بحِفظ الله الذي أتقن كل شيء خلقه ، وينادي الآن جوث بأن التمدد عند بدء الانفجار العظيم كان بمعدلات فائقة التصور أدت إلى زيادة قطر الكون بمعدل : 2910 مرة
في جزء من الثانية ، وتشير حسابات الفيزياء النظرية إلى الاستمرار في انخفاض درجة حرارة الكون إلى بليون(ألف مليون) درجة مطلقة بعد ذلك بقليل ، وعند تلك الدرجة اتحدت البروتونات والنيوترونات لتكوين :
نوي ذرات الإيدروجين الثقيل(الديوتريوم) التي جزء منها تحلل إلى الإيدروجين ، والآخر اتحد مع مزيد من البروتونات والنيوترونات ؛ لتكون نوي ذرات الهيليوم والقليل من نوى ذرات عناصر أعلى مثل :
نوى ذرات الليثيوم ونوى ذرات البريليوم ، ولكن بقيت النسبة الغالبة لنوى ذرات غازي الأيدروجين والهيليوم .
– وتشير الحسابات النظرية إلى أنه بعد ذلك بقليل توقف إنتاج الهيليوم والعناصر التالية له ، واستمر الكون في الاتساع والتبرد لفترة زمنية طويلة ، وانخفضت درجة حرارة الكون إلى آلاف قليلة من الدرجات المطلقة حين بدأت ذرات العناصر بالتجمع ، وبدأ الدخان الكوني في التكدس علي هيئة أعداد من السدم الكونية الهائلة.
– ومع استمرار عملية الاتساع والتبرد في الكون ، بدأت أجزاء من تلك السدم في التكثف علي ذاتها بفعل الجاذبية وبالدوران حول نفسها بسرعات متزايدة بالتدريج ؛ حتي تخلقت بداخلها كتل من الغازات المتكثفة ،
ومع استمرار دوران تلك الكتل الكثيفة في داخل السدم ؛ بدأت كميات من غازي الإيدروجين والهيليوم الموجودة بداخل الكتل الكثيفة في التكدس علي ذاتها بمعدلات أكبر ؛ مما أدي إلى مزيد من الارتفاع في درجات حرارتها حتي وصلت إلى الدرجات اللازمة لبدء عملية الاندماج النووي ؛ فتكونت النجوم المنتجة للضوء والحرارة.
– وفي النجوم الكبيرة الكتلة استمرت عملية الاندماج النووي ؛ لتخليق العناصر الأعلى في وزنها الذري بالتدريج مثل:الكربون والأوكسيجين وما يليهما ؛ حتي يتحول لب النجم بالكامل إلى الحديد ؛ فينفجر هذا النجم المستعر (Nova)علي هيئة: فوق المستعرات، وتتناثر أشلاء فوق المستعرات وما بها من عناصر ثقيلة في داخل المجرة ؛ لتتكون منها الكواكب والكويكبات ، بينما يبقي منها في غازات المجرة ما يمكن أن يدخل في بناء نجم آخر.
– وتحتوي شمسنا علي نحو 2% من كتلتها من العناصر الأثقل في أوزانها الذرية، من غازي: الإيدروجين والهيليوم ، وهما المكونان الأساسيان لها ، وهذه العناصر الثقيلة لم تتكون كلها بالقطع في داخل الشمس ،
بل جاءت إليها من بقايا انفجار بعض من فوق المستعرات.
– ويقرر علماء الفيزياء النظرية والفلكية أن الدخان الكوني ، كان خليطاً من الغازات الحارة المعتمة التي تتخللها بعض الجسيمات الأولية للمادة وأضداد المادة ، لتشهد هذه الصورة من صور الزوجية السائدة في الكون لله وحده بالتفرد بالوحدانية فوق كافة خلقه ، ولا توجد كلمة توفي هذه الحالة حقها مثل كلمة دخان ؛ فسبحان الذي أنزلها في كتابه من قبل ألف وأربعمائة من السنين ، وظل هذا الدخان المعتم سائدا ، ومحتويا علي ذرات العناصرالتي خلق منها بعد ذلك كل من الأرض والسماء.
– ويقدر العلماء كتلة هذا الدخان المعتم بحوالي 90% من كتلة المادة في الكون المنظور، وكتب جورج سموت -أحد المسئولين عن رحلة المستكشف- تقريراً نشرَهُ سنة 1992م بالنتائج المستقاه من عدد هائل من صور كونية ، كان من أهم هذه النتائج : الحالة الدخانية المتجانسة التي سادت الوجود عقب الانفجار الكوني العظيم ،
وكذلك درجة الحرارة المتبقية علي هيئة خلفية اشعاعية أكدت حدوث ذلك الانفجار الكبير .
– وكان في تلك الكشوف أبلغ الرد علي النظريات الخاطئة التي حاولت -من منطلقات الكفر والإلحاد- :
تجاوُز الخلق ، والجحود بالخالق -سبحانه وتعالى- ؛ فنادت كذبا بديمومة الكون بلا بداية ولا نهاية ، من مثل: نظرية الكون المستمر التي سبق أن أعلنها ودافع عنها كل من هيرمان بوندي وفريد هويلفي سنة1949م
، ونظرية الكون المتذبذب التي نادي بها ريتشارد تولمان من قبل.
– فقد كان في إثبات وجود الدخان الكوني والخلفية الإشعاعية للكون بعد إثبات توسع الكون ما يجزم بأن كوننا مخلوق له بداية ، ولابد أن ستكون له في يوم من الأيام نهاية ، وقد أكدت الصور التي بثتها:
مركبة المستكشف للخلفية الإشعاعية والتي نشرت في ابريل سنة1992م كل تلك الحقائق.