يعيش المسلمون هذه الأيّام الزّاخرة بالخير والبركة وبالعمل الصالح، حيث أقسم الله بها في كتابه الكريم فقال سبحانه: ”والفجر وليال عشر”. سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أيُّهما أفضل: عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟ فقال: ”أمّا ليال العشر الأخيرة خير من الأولى، وأمّا الأيّام فذو الحجّة أفضل لما فيها من خير وبركة”.
يضاف إلى ما ذُكِر أنّ هذه الأيّام تحمل معها مناسبتين عظيمتين جليلتين، الأولى خاصة بالحجّاج حيث تؤدَّى مناسك الحجّ، والثانية لغير الحجاج وهذا من رحمة الله وفضله على أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فصيام يوم عرفة يُكفِّر سنتين ماضية ولاحقة، ونحر الأضاحي قُرْبَى إلى الله وإحياء لشعيرة من شعائر الإسلام. وعن الأضحية فضلها وأحكامها، فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى: ”فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر”، كما ذكرت في عموم أعمال الخير والبرّ، قال تعالى: ”ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّم شعائِرَ اللهِ فإنَّها مِن تَقْوَى القُلوب”. وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم حين سُئل: أيّ الحجّ أفضل؟ فقال: ”العج والثجُّ”، أي إهراق الدم. ومن معاني الأضحية أنّها سمّيَت كذلك كونها تؤدَّى ضُحًى بعد طلوع الشّمس، ذكر ذلك الإمام النووي، وقيل مشتقة من التّضحية اقتداء بتضحية الخليل إبراهيم عليه السّلام بولده إسماعيل كما وردت في سورة الصّافات: ”فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ..”. كما أنّ من معانيها الجليلة التشبُّه بأفعال الحجّاج يوم العيد، وقد رموا جمرة العقبة الكبرى ثمّ حلّقوا ونحروا والتشبُّه بالكرام فلاح، ومِن حِكَم مشروعيتها أنّها قُرْبَى لله، وفيها توسعة على الأهل والعيال والتصدُّق والإحسان على الفقراء والمساكين بل حتّى على الأغنياء والميسورين كهدايا ممّا يزيد الألفة بين أفراد الأمّة. أمّا حكمها، فقد اختلف العلماء على أقوال، والرّاجح من أقوالهم أنّها سُنّة مؤكّدة يُثاب فاعلها، وعند بعضهم واجبة على القادر، ويشترط فيها أن تكون من الأنعام (الضأن، الإبل، البقر)، وأفضلها ما كان من الضأن، والكبش أفضل من النّعجة، روى مسلم عن أنس قال: ”ضحّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده”.
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
كما يُشتَرط أن تكون سالمة من العيوب الأربع المذكورة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال عليه الصّلاة والسّلام: ”أربعة لا تجوز في الأضاحي: المريضة البيّن مرضها، والعوراء البيّن عورها والعرجاء البيّن ضلعها، والكبيرة أو الهزيلة أو العجفاء الّتي لا مخ فيها”،
أربعٌ لا تُجزئُ في الأضاحيِّ: العَوراءُ البيِّنُ عوَرُها، والمريضةُ البيِّنُ مرضُها، والعَرجاءُ البيِّنُ ظَلعُها، والكسيرةُ الَّتي لا تُنقي قالَ: فإنِّي أَكْرَهُ أن يَكونَ نقصٌ في الأذنِ، قالَ: فما كرِهْتَ منهُ، فدعهُ، ولا تحرِّمهُ على أحدٍ الراوي: البراء بن عازب المحدث: الألباني – المصدر: صحيح ابن ماجه – الصفحة أو الرقم: 2562
خلاصة حكم المحدث: صحيح
ولا تجوز الشراكة في الضأن بخلاف الإبل والبقر. وأفتى العلماء بجواز الاستدانة لأجل شراء الأضحية، كما ذكر ابن حبيب من المالكية. وللذبح آداب لخّصها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كلمة الإحسان فقال: ”إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته”.
إنَّ اللَّهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ فإذا قتلتُم فأحسِنوا القِتلةَ وإذا ذبحتُم فأحسِنوا الذِّبحةَ وليُحدَّ أحدُكم شفرتَهُ وليُرِح ذبيحتَه الراوي: شداد بن أوس المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترمذي – الصفحة أو الرقم: 1409
خلاصة حكم المحدث: صحيح
ويستحب أن يُضحّي صاحب الأضحية بأضحيته مستقبلاً القبلة قائلاً: ”بسم الله، الله أكبر، اللّهمّ هذا منك ولك، اللّهمّ تقبَّل منّي”. ولمَن لَم يُضحِّ من المسلمين بُشْرَاه، فإنّ حبيبه صلّى الله عليه وسلّم قد ضحَّى عنه حين ذبح فقال: ”اللّهمّ هذا عنّي وعن من لم يُضَحِّ من فقراء المسلمين”.
صلَّيتُ مع رسولِ اللهِ عيدَ الأضحَى، فلمَّا انصرف أتى بكبشٍ فذبَحهُ، فقال: بسمِ اللهِ واللهُ أكبرُ، اللَّهمَّ هذا عنِّي وعمَّن لم يُضحِّ مِن أُمَّتي الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: الألباني – المصدر: شرح الطحاوية – الصفحة أو الرقم: 456
خلاصة حكم المحدث: صحيح بشواهده
بارك الله فيك
جعله الله في ميزان حسناتك
بوركت
رجاء وضع أسانيد الأحاديث