تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الحالة الاقتصادية هل تؤثر على مخ الأطفال؟

الحالة الاقتصادية هل تؤثر على مخ الأطفال؟ 2024.

  • بواسطة
الحالة الاقتصادية هل تؤثر على مخ الأطفال؟

الحالة الاقتصادية هل تؤثر على مخ الأطفال؟

من المؤكد أن الحالة الاقتصادية تؤثر على حياه الإنسان في عدة جوانب سواء في المظهر أو السلوك أو مستوى التعليم، وتؤثر بالقطع على الحالة الصحية تبعا لتوفر الرعاية الصحية والتغذية الكافية والصحيحة من عدمها، وكذلك العادات الصحية التي ترتبط ببيئة معينة، وبالضرورة فإن الحالة الاقتصادية تؤثر في الحالة النفسية للإنسان وتكوينه واتزانه الوجداني خاصة في مرحلة الطفولة، ولكن المثير أن تأثير العامل الاقتصادي يمتد ليشمل التأثير على وظائف المخ أيضا، وهو الأمر الذي أشارت إليه دراسة حديثة نشرت في مجلة علم الأعصاب «journal Frontiers in Human Neuroscience».


وكان الباحثون من جامعة كارلتون في العاصمة الكندية أوتاوا قد بدأوا في عام 2024 إجراء الكثير من التجارب لمعرفة كيفية تأثير الفقر على وظائف المخ، وأيضا نموه والمعروف أن المخ يقوم بأداء آلاف من الوظائف يوميا ويستخدم في ذلك ملايين من الخلايا العصبية للقيام بدوره في التحكم في جميع وظائف الجسم الإرادية أو اللاإرادية (مثل التحكم في أجهزة الجسم الداخلية) وأيضا دوره المعرفي cognitive function.

وفي هذه الدراسة تم اختبار تأثير الفقر على الوظيفة المعرفية للمخ.

وفي الدراسة قام الباحثون باستخدام تقنية رسم المخ الكهربائي (EEG) لقياس النشاط العصبي للمخ والتوصيلات الكهربائية بداخله، وتزامن قياس الموجات الكهربائية للمخ مع مهمة سمعية معينة تستوجب الانتباه للأطفال الذين ينتمون للأسر الفقيرة والأطفال الذين ينتمون لأسر موفورة الحال.

وكانت النتيجة وجود اختلاف في رسم المخ والتوصيلات العصبية بين الأطفال مختلفي الحالة الاقتصادية في الفص الأمامي من المخ frontal lobe، والذي يلعب دورا مهما في الانتباه والتركيز وهذا يشير بوضوح أن كل مجموعة من الأطفال الفقراء والأغنياء تستخدم مجموعات عصبية مختلفة، لتنفيذ الاستجابة الصوتية لأمر معين.

وبالنسبة للأطفال الأقل مستوى من الناحية الاقتصادية فإنهم اعتمدوا على مصادر عصبية أخرى لتنفيذ المهمة الموكلة إليهم عن طريق السمع، بمعنى أن الأطفال الأكثر فقرا اضطروا لبذل مجهود إضافي لتنفيذ عمل معين إمعانا في التركيز والانتباه لتعويض الجودة المنخفضة للتعليم الذي يتلقونه سواء في مدارسهم أو بيئتهم الاجتماعية، وأيضا تبعا لنوعية حياتهم البيئية.

وتبين أن الحالة الاجتماعية والاقتصادية تشكل الطريقة التي تعمل بها الموصلات العصبية في المخ خاصة في مرحله التطور الوظيفي والإدراكي في الطفولة والتي تؤثر مستقبلا في طريقة التعليم والتوصل إلى معلومة معينة.

وكانت الدراسة قد أجريت على 28 طفلا تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاما من مدرستين مختلفتين من حيث الطلبة الذين يذهبون إلى كل مدرسة تبعا للدخل الاقتصادي.

وتم إجراء التجربة على الطلاب في أيام الدراسة العادية من خلال سيارة مجهزة بمختبر متحرك، وأجهزة.

وتم تجميع عينات من لعاب الأطفال على مدار اليوم لقياس تغير هرمون الكورتيزول، وهو الهرمون الذي يفرزه الجسم في لحظات التوتر stress hormone، وطلبوا منهم استكمال ثلاثة استبيانات وشرح عواطفهم وانفعالاتهم خلال اليوم، وفي فترة الظهيرة تم قياس التوصيلات العصبية في المخ للمشاركين brain waves، في نفس الوقت الذي قاموا فيه بسماع عدة أصوات تم عزفها في نفس الوقت في كلا الأذنين (بمعنى صوت موسيقى وصوت قطار وصوت بعض الحيوانات وغيرها) وتم طلب تحديد صوت معين من الطلاب بالضغط على زر معين في أسرع وقت ممكن عند سمع الطلب.

قد لاحظ الباحثون أنه لا توجد فروق واضحة بين المجموعتين (الطلاب الأغنياء والفقراء) سواء في دقة تحديد الصوت أو في رد الفعل ولكن مع ذلك لاحظوا تغير رسم المخ وتغير الموجات العصبية في المجموعتين، وكانت المجموعة التي تنتمي لبيئة اقتصادية أعلى، قد أظهرت ارتفاعا في موجات معينة في المخ تسمى theta waves عند سماع الصوت المعين المطلوب بمعنى أنها زادت في حالة سماع صوت القطار مثلا إذا تم تحديد صوت القطار، والغريب أن هذا الوضع انعكس تماما في الأطفال الفقراء بحيث زادت هذه الموجات عند سماع الأصوات الأخرى وليس الصوت المحدد، وهو ما يعني أن الأطفال الأكثر فقرا عليهم عبء أكبر في التركيز على هدف معين بحد ذاته أكثر من غيرهم ويقوم المخ بما يشبه عملية الفلترة والتصفية لبقية المؤثرات الأخرى.

وأرجع الباحثون ذلك إلى مستوى البيئة غير المنظمة التي يحيا فيها هؤلاء الطلاب وكذلك لانخفاض جودة التعليم الذي يتلقونه، ويلاحظ أيضا أن هناك اختلافا بين المجموعتين في الاعتماد على الفص الأيمن والأيسر من المخ left and right hemispheres، وأن الأطفال الذين ينتمون لبيئات فقيرة يعتمدون على الفص الأمامي الأيمن أكثر في الوصول إلى الصوت المعين الذي يطلب منهم تحديده.

وعموما كان مستوى الكوتيزول أعلى في الأطفال الفقراء أكثر من أقرانهم من البيئات الغنية، على مدار اليوم الدراسي ولكن كان الفرق ضئيلا للغاية قبل وبعد الاختبار السمعي، وهو ما يعكس أن رد الفعل واحد تقريبا في مواجهة التوتر والأمور الصعبة stress، وأوضح الاستبيان أن كلتا المجموعتين أظهرت نفس المشاعر من الملل والتحفز والإثارة على مدار اليوم وكذلك شعر الفريقان بشيء من الملل وعدم اللامبالاة قبل أداء الاختبار.

وتشير هذه النتائج التي توصلت لها الدراسة أن الأطفال الذين ينتمون لبيئات فقيرة يكونون مضطرين لبذل المزيد من السيطرة المعرفية على المخ للوصول إلى شيء محدد، وهو الأمر الذي يستلزم بالضرورة مجهودا عقليا أكثر من غيرهم من الأغنياء، وأرجع الباحثون ذلك إلى طبيعة البيئة التي يعيش فيها هؤلاء الأطفال في الأغلب تكون محاطة بالمخاطر على اختلاف نوعيتها (احتمالية التعرض للإيذاء البدني أو التعرض للسرقات أو نوعية المنازل التي يقطنونها) مما يستلزم عليهم الانتباه للكثير من الأشياء والمحفزات البيئية في نفس ذات الوقت حيث يصبح وسيلة حتمية للتعايش.

ويعكف فريق البحث الآن على دراسة الكثير من المحفزات البيئية التي قد تساعد على الانتباه والتركيز وهو ما قد يفيد مستقبلا في اختيار النوعية المناسبة من الشخصيات التي تصنع القرارات تبعا للمستوى المعيشي الذي ينتمون إليه

أسعد الله أوقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.