رسالة إلى محجبه … لكن على الموضه
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
أما بعد؛ فيا أيتها الأخت الطيبة الفاضلة ، فإن من المعلوم أن المرأة بفطرتها وطبيعة خلقتها تحب أن تكون جميلة محبوبة ، وقد أباح الشرع لها أن تتزين بأنواع من الزينة ، وتتجمل في لباسها وهيئتها، وتظهر جمالها ووضاءتها ، لكن إنما يكون هذا لزوجها ومحارمها (كما سيأتي )، ويكون بحدود شرعية دون إسراف أوتجاوز، ودون تغيير لخلقتها،أومخالفة لفطرتها ، أو تناقض مع أنوثتها .
وقد منع الله تعالى المرأة من إظهار زينتها لغير من أباحهم بقوله : ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، وليضربن بخمرهن على جيوبهن ، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن [ إلى قوله تعالى : ] ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ، وتوبوا إلى الله جميعا********ً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون [(النور/ 31 ).
وقال سبحانه ]يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ، وكان الله غفوراً رحيماً[ (الأحزاب /59) .
فتدبري أختاه كلام الله تعالى ، وأطيعي أمره ، وانتظمي في سلك عباده الصالحين ، وإمائه المتقين .
واعلمي أن جلبابك الفضفاض شعار شرفك وحشمتك ، وخمارك الهادئ على رأسك وصدرك تاج وقارك وقلادة رفعتك ، ومِشيتك المتزنة بحذائك المنخفض رمز أدبك ونبلك ، وعلامة عفتك وحيائك ، تدوسين به كل القيم الفاسدة ، والعادات السيئة ، مترفعة عن حطام الدنيا وزخرفها ، متنزهة عن خسيس الأمور وسفسافها ، متطلعة نحو معاليها وأشرافها .
وأنت أيتها الأخت الكريمة إذا سترت وجهك فإنما تسترين قمر دجىً وبدر تمامٍ ، تنزهينه وتشرفينه أن يراه سوى من أباح الله له ذلك .
لا تظني أن لباسك الشرعي يحط من قدرك وشأنك ، ولا تحسبي أنه يقلل من قيمتك وجمالك ، الأمر بعكس ذلك تماماً ، ما أمرك الله تعالى به إلا تشريفاً لمقامك وتكريماً لمنزلتك ، يا مربية الأجيال، يا سيدة الأسرة ،يا لبنة المجتمع، يا فتاة الشرف والعفة ، يا أخت الفضل والأنفة، يا أم الحنان والرقة .
واعلمي أختاه أن الشاب الكريم الشريف ، والرجل العاقل العفيف ،لا يريد منك إلا هذه الأخلاق والشمائل ، ومن رضي الساعة بحالك ،فإنه لن يرضى به إذا أرادك زوجة ، أو أختاً ، أو أماً ؛ لأنه
سيختار الشريفة العفيفة التي تصون نفسها أن يراها أحد ، فضلاً عن أن يجالسها أو أن تمسها يده .
إنه يريدك أختاً جمعت الآداب ، وأماً حازت الفضائل ، يريد نصحك ، ويأنس برأيك ، ويأوي إلى حنانك .
أختاه : أنت الدّرّ المصون ، واللؤلؤ المكنون ، أنت من يحسدنا الغرب على عفته وحيائه ، فلا تشيني وجه حيائك ، ولا تدنسي ثوب عفافك ، أنت رأس مالنا ، وطهارتك شرفنا ، وأدبك عزنا ، وصلاحك نصرنا .
يا مليحة الاسم ، اجمعي إلى جمال اسمك جمال خُلُقك .
يا جميلة الوجه والظاهر،أضيفي إليه جمال القلب والباطن .
أختاه : أكتب إليك هذه السطور وقلبي يعتصر أسى عليك ، ويمتلئ حزناً من أجلك ، أنا الخائف عليك – والله – ، أنا الناصح لك، أنا الذي أريد الخير لك والصون ، أنا الذي أمد لك يد العطف والعون، لا من يظهر لك الرضا بحالك ، والسرور بما أنت عليه ، إنه – والله – غاش لك ، لا يريد صلاحك البتة .
لو فكرت بتجرد وإخلاص ، ونظرت بروية وتدبر ؛ لأيقنت بما ذكرته ، وجزمت بما كتبته ، فاسمعي لي ، واقبلي نصحي ، وتيقظي لما أقوله ، فإني مشفق عليك ، ومتألم لحالك .
وأهم ما يقلقني ، وأشد ما يؤلمني ، هو اعتقادك أن ما أنت عليه هو الحق ، وتزيين الشيطان لك أن ما ترتدينه هو اللباس الشرعي ،وليس هو كذلك ،فاللباس الذي أمر الله به له شروطه ، فعليك بمعرفة ذلك وتعلمه ، وأنت العاقلة الحكيمة ، إن شاء الله .
وأذكر لك بهذه المناسبة قصة فتاة شابة – أعرفها – حالها كحالك ، وهمها كهمك ، عندها من الدنيا من الملابس والحلي والزينة ما لا يوصف جمالاً وكثرة ، تعيش في أحسن حال من الغنى والدّعة والراحة ، لكنها مقصرة في حق الله تعالى ، فاجأها وبدون مقدمات مرض الموت ، فما كانت إلا أيام ، وإذا هي في أصحاب القبور ، فلا سعدت بما جمعت ، ولا نالت ما أملت ، وماتت وهي متحسرة على طاعة ربها عز وجل، تود أنه زِيد في عمرها أيام تدرك فيها ما فاتها من العمل الصالح ،أسأل الله أن يغفر لها ويتجاوز عنها .
وقصة أخرى حقيقية تجري – والله – أحداثها الآن ( وأنا أكتب هذه الكلمات ) ، فتاة جميلة متدينة ، تحافظ على اللباس الشرعي وسائر الطاعات ، فاجأها مرض عضال ، وهي الآن في هذه الساعة على فراش المرض ، إنها مع ما هي فيه من الشدة والألم تشكر الله تعالى أن هداها وألهمها تقواها،وتحمده سبحانه أن جعلها عفيفة مصونة ، تقول بلسانها :أسألك اللهم العافية ، وإن قضيت
سوى ذلك فإنني أحمدك أنك لم تخرجني من الدنيا إلا وأنا على طاعتك ، وعلى ما أمرت به من العفة والستر .
فقارني أختاه بين هاتين الفتاتين ، واختاري لنفسك أيتهما تودين أن تكوني لو فاجأك الموت ، أسأل الله لك دوام الصحة والعافية ، والعمر المديد في طاعته سبحانه وذكره والإقبال عليه، فإنها والله هي الحياة وما سواها فعناء وتعب وشقاء .
وتدبري قول الله تعالى : ] يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون [( الأنفال/24) .
فالمبادرة المبادرة قبل فوات الأوان ، والمسارعة المسارعة قبل ذهاب فرصة الإمكان،قبل أن يحال بينك وبين آمالك وأحلامك .
وقد قال بعض السلف : كم من مستقبلٍ يوماً لا يستكمله ، ومن مؤملٍ غداً لا يدركه؟! إنكم لو رأيتم الأجل ومسيره ؛لأبغضتم الأمل وغروره.
وقيل : لو ظهرت الآجال ؛ لافتضحت الآمال .
وقال الشاعر:
أُؤَمّل أن أُخَلّد والمنايـــا تدور علي من كل النـــواحي
وما أدري وإن أمسيت يوماً لعليَ لا أعيش إلى الصباحِ
هذا، وبالله التوفيق .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد شومان مجدلاوية
الأردن – عمان
اشكرك
جزاك الله خير