أما الذي أذهل جالوب نفسه فهو ما لاحظه من أن الشمبانزي الذي يكتشف صورته في المرآة لا يلبث أن يتجاوز ذهوله ويتعلم بسرعة كيف يستفيد من المرآة في تمشيط شعره وتهذيب هيئته وتفحص أسنانه, وما إلى ذلك!
عندما أعلن جالوب عن اكتشافه قامت الدنيا ولم تقعد في الأوساط العلمية, واتهم الرجل بأنه مبالغ في تفسيراته على نحو لا يليق بالعلماء. غير أن الأبحاث اللاحقة في أنحاء شتى من العالم أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الشمبانزي يملك بالفعل القدرة على تبين الذات self – recognition
خلص العلماء إلى أن الشمبانزي والأورانجوتان فقط – من بين كل الحيوانات التي تمت دراستها – هما النوعان الوحيدان القادران على تمييز صورتيهما في المرآة.
أن الطفل الصغير يتصرف عادة إزاء صورته في المرآة وكأنه يشاهد طفلاً آخر, ولا يبدأ في تبين صورته في المرآة قبل بلوغه سنتين من العمر أو سنة ونصف السنة على أقل تقدير. ومن الثابت أن الطفل قبل هذه السن لا يشعر بنفسه ولا يحتفظ بذاكرة لما يدور حوله, أي أن بداية تعرف الطفل على صورته في المرآة تتزامن مع بدء إدراكه لوجوده وتشكيله ذاكرة للأحداث التي تمر به.
في الحيوانات التي تعرف ذواتها تكون القشرة قبل الجبهية prefrontal cortex في النصف الكروي الأيمن من المخ أكثر تطوراً وتميزاً من نظيرتها في الحيوانات التي لا تتبين ذواتها. وفي الإنسان أيضاً يتعاظم نضج هذه المنطقة اعتبارا من عمر سنتين, وهو العمر الذي يبدأ فيه الطفل في التعرف على صورته في المرآة
أجرى العالم الأمريكي جوليان كينان J. Keenan وزملاؤه بجامعة هارفارد تجربة فريدة استفادوا فيها من اختبار يجري عادة قبل جراحات الصرع, ويعرف باسم اختبار وادا Wada test نسبة إلى عالم الأعصاب الذي ابتكره (جون وادا), وفيه يتم تخدير أحد جانبي المخمع الإبقاء على الجانب الآخر متنبها, ثم يطلب من المريض القيام بأفعال معينة أوالإجابة عن أسئلة معينة بهدف تقييم أداء – أو معرفة وظائف – كل جانب من جانبي المخعلى حدة. وقبل التجربة قام العلماء بالحصول على صور فوتوغرافية لعدد من المرضى الذين كانوا سيخضعون للاختبار, ثم طعموا هذه الصور بملامح بعض المشاهير باستخدام الكمبيوتر, بحيث أنتجوا صوراً هي خليط من صورة المريض وصورة أحد الشخصيات المعروفة, فجعلوا صور المرضى الرجال تحمل بعض ملامح المريض مختلطة ببعض ملامح بل كلينتون مثلا أو ألبرت أينشتين, أما صور النساء فأعدوها بحيث تحمل ملامح المريضة مختلطة بملامح مارلين مونرو أو الأميرة ديانا. وفي أثناء اختبار وادا, وبينما كان القسم الأيمن من المخ مخدراً والقسم الأيسر نشطاً, عرضت على مجموعة من المرضى صورهم المهجنة بملامح الآخرين هذه, وطلب منهم التعرف على صاحب الصورة, فأجاب الرجال بأن هذه الصور هي صور كلينتون أو أينشتين وأجابت النساء بأن الصور هي لمارلين مونرو أو ديانا, أي أن الرجل كان يرى في الصورة كلينتون أو أينشتين ولا يرى نفسه, وكذلك المرأة ترى في الصورة ديانا أو مارلين مونرو وتعجز عن رؤية نفسها, الأمر الذي يدل على أن الإنسان في حالة تخدير القسم الأيمن من المخ يعجزعن تمييز ملامحه, ولكنه يظل قادرا على تمييز ملامح الآخرين. أما حينما عرضت الصور على مجموعة أخرى من المرضى بعد تخديرالنصف الأيسر من المخ والإبقاء على النصف الأيمن يقظا, فقد حدث العكس, إذ أجاب المرضى على الفور بأن هذه الصور هي لهم, أي أنهم تجاهلوا ملامح الآخرين وتبينوا ملامحهم في تلك الصور المشوشة!
الاستنتاجات: إن عملية التعرف على الذات تختلف بالفعل عن التعرف على الغير, وأن الدور الرئيسي في معرفة الذات تقوم به القشرة قبل الجبهية في الجانب الأيمن من المخ, أما معرفة الغير فيبدو أنها مهمة جزء آخر من الدماغ.
أن الحيوان بتعرفه على صورته في المرآة يكون قد أنجز المهمة الأصعب, وهو بالتالي يستطيع تأدية المهمة الأسهل, ونعني بها التعرف على الآخرين
ما الذي يميز الحيوان الذي يعرف ذاته عن ذلك الذي يعرف الآخرين فقط؟
فالحيوانات المدركة لذواتها لا تكون فقط قادرة على تمييز الآخرين بل قادرة أيضا على استنتاج ما يدور في أذهان الغير ومعاملتهم بناء على ما يعرفونه أو ما يفكرون فيه. فمن الثابت أنك إذا وقفت أمام الشمبانزي وجها لوجه ونظرت إلى عينيه برهة ثم حولت بصرك فجأة إلى كتفه مثلا – وحتى من دون أن تحرك رأسك – فإن الشمبانزي يلتفت على الفور إلى كتفه وكأنه قرأ أفكارك وأراد أن يعرف ما الذي لفت نظرك هناك
إن الحيوانات المدركة لذواتها تملك أيضاً القدرة على التقمص العاطفي empathy, أي أنها تحس بمشاعر الآخرين وتقيس هذه المشاعر اعتماداً على خبرتها الذاتية, فتشعر بألم أقرانها مثلاً لأنها قد خبرت الألم من قبل, تماماً مثلما نتفهم نحن شعور إنسان جائع لأننا أنفسنا قد خبرنا الجوع من قبل.
يسجل العلماء عن إحدى إناث الشمبانزي أنها أعطيت مرآة بعد عام من الحياة بغير مرآة, وما أن نظرت في المرآة وفتحت فمها حتى بدت عليها علامات الحزن والكرب الشديدين, وذلك لأنها اكتشفت فقدان عدد من أسنانها, وهو أيضاً مثال لا دخل فيه لحركة جسم الحيوان, وإنما هو أشبه بأن تنظر في المرآة ذات صباح فتفاجأ بأن بعضا من شعرك قد سقط أو وخطه الشيب.
عندما يتخاصم اثنان من الشمبانزي, فإن أياً منهما لا يثق بإيماءات المسالمة التي قد يبديها خصمه قبل أن يتبادل الخصمان التحديق كل في عيني الآخر لبرهة من الوقت, وكأن الحيوان لا يطمئن إلى صدق خصمه في المصالحة ما لم يقرأ ذلك (شخصياً) في عينيه!
وقد أطلق على هذا العلم المستحدث (سيكولوجية الحيوان / عقل الحيوان)… انتهى
انا اعتقد انو تكوين الشمبانزي ككل كتكوين الانسان
لذلك تصرفاتهما تتفق والشمبانزي يتصرف
كالانسان في الاخير كلاهما مخلوقات الله
موضوع رائع جدآ خيو
وكمان منور القسم
دمووع السحاب
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه