تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » رجل نبيل

رجل نبيل 2024.

تلك كانت شخصية جيليات .
كانت النساء "يعتبرنه"دميماً ولكنه لم يكن. بل بما كان أنيقاً.
كانت في ملامحه بعض البربرة القديمة، التي تقربه من قدامى اليونانيين فأذناه كانتا صغيرتين رقيقتين بدون "حلمات" وكان يمتد بين عينيه شريط كثيف من الشعر يوحي بشجاعة صاحبه على حين كانت جوانب مطبقة كئيبة تحمل إحساس المرارة، وكانت جبهته عريضة هادئة.
وكانت نظراته طويلة ثاقبة وضحكته مرحة وأسنانه بيضاء كقطع من العاج، وأكسبه المحيط وعواصفه خبرة ومناعة، فبدا وهو ابن الثلاثين كرجل في الخامسة والأربعين، وكان ذا قوة بدنية شديدة يستطيع أن يحمل حمولة مارد أو يسير كأحد أبطال الرياضة.
لم يحمل في يده بندقية قط بل كان دائما يسير وفي يده شبكة صيد ــ وبرغم أنه كان يطلق سراح الطيور فقد كان يهوى صيد السمك.
وكان على قدر كبير من المهارة في السباحة.
وبرغم كل هذا فقد كان جيليات مجرد رجل بسيط فقير لا يستطيع أن يقرأ أو يكتب كثيراً، وهو بجولاته المستمرة بين الصخور وركوبه كل أنواع القوارب متنقلاً بين جزيرة وأخرى من الجزر الكثيرة المنتشرة من القنال الإنجليزي تحت كل الظروف الجوية المختلفة مرتاداً معظم الممرات المائية بالليل والنهار ــ بذلك صار بحاراً ماهراً غير "عادي" ولقد كان يبدو عليه أنه يستطيع أن يسوس أعماق البحر لا سطحه فقط. وأنت لو رأيت جيليات يتنقل بقاربه بكل سهولة ويسير فوق سطح الماء لظننت أن في رأسه "خريطة" بأعماق البحر وأسراره.
ولقد ظهرت مهارته النادرة كبحار حاذق بطريقة بارزة ذات يوم في جيورنسي في إحدى المسابقات التي تقام هناك لاختبار حنكة البحارة ومهارتهم وكان المطلوب أن يبحر الشخص بزورق مسافة فرسخ واحد من سانت سامبسون إلى جزيرة "الهرم" دون أدنى مساعدة ثم يعود .
وكان قطع مثل تلك المسافة بزورق به أربعة أشرعة فقط يعد بين الصيادين عملاً سهلاً ولكن كان هناك شرط يعقد العملية كثيراً.
فقد كان الزورق من النوع الثقيل الوزن الذي يجعل الإبحار به صعباُ كما أن المتسابق يجب أن يحمل الزورق بالحجارة في رحلة العودة وكانت الجائزة هي الحصول على الزورق نفسه.
وقد كان ذلك الزورق ملكاً لأحد البحارة الأشداء الذي قضى ما يقرب من عشرين عاماً في رحلات مستمرة على الزورق نفسه من القنال الإنجليزي وعندما مات لم يتمكن أحد من قيادة الزورق ولهذا نظم هذا السباق ووهب الزورق ليكون من جائزته.
وقد كانت جائزة مغرية حقاً، تسابق الكثير في سبيل الحصول عليها.. فقد تقدم سبعة أو ثمانية من أمهر الصيادين ليخوضوا التجربة، وحاول الواحد تلو الآخر ولكن أحداً لم يستطيع الوصول إلى جزيرة الهرم وكان لآخر من جرب حظه شهرة أنه عبر القنال الصاخب من سارك حتى برك هو في قارب ذي مجذافين، غير أنه في هذا السباق عاد دون أن يكمله قائلاً: إن هذا لمن المستحيل.
عندئذ تقدم جيليات وقاد الزورق خارج الميناء بكل سهولة ولم تكد تمضي ثلاث أرباع ساعة حتى كان قد وصل إلى جزيرة "هرم" وبعد ثلاث ساعات أخرى وبرغم هبوب نسمة رح أهاجت أمواج البحر فإن جيليات وصل بزورقه إلى سانت سامبسون بحمولته من الحجارة بل إنه جلب معه أيضاً مدفعاً قديماً مصنوعاً من البرونز جرى الناس هناك على عادة إطلاقه كل سنة يوم الخامس من نوفمبر في ذكرى وفاة جاي فوكس .
وهكذا استطاع جيليات ــ برغم الحمولة الثقيلة والمدفع الذي أحضره تطوعاً، والمسير بعكس التيارــ أن يقود الزورق في رحلة الذهاب والعودة.
وتقدم منه ليذري صائحاً:
أنت بحار مدهش.
ثم مد يده مصافحاً مهنئاً وسنتحدث عن ليذري بعد قليل.
وانتقلت ملكية الزورق إلى جيليات، ومنذ ذلك اليوم لم يستعمل جيليات أي زورق خلاف ذلك الزورق القديم، فقد كان يخرج به في رحلات صيده وحين يعود يربطه في المرسى الخاص به والذي أقامه خلف حائط منزله المطل تقريباً على الشاطئ. فإذا ما جن المساء حمل شبكة ثم اخترق حديقته وتسلق الجدار الحجري الذي يفصل المنزل عن الشاطئ حتى إذا وصل إلى الزورق ركبه وانطلق الى جوف البحر. وكان يصطاد كميات كبيرة من السمك، وعندما كان يفيض ما يصطاده عن حاجته، لم يكن يبيعه بل كان يهديه للفقراء أو الذين كانوا يتقبلون هداياه ولكن دون أن يشكروه.
كان جيليات صائداً ماهراً، ولكنه بالغريزة أو للمتعة مارس أربع حرف أخرى.
فقد كان نجاراً وحداداً وصانع عجلات ومهندساً ولم يكن في جيورنسي من يستطيع إصلاح العجلات مثله وصنع لنفسه كل الأدوات التي يستعملها في الصيد.. أو ما يحتاج إليه من آلات زراعة أو شيء آخر.
شكرا لك على طرح الفصل الرابع

لا إله إلا الله محمد رسول الله

يعطيك الف عافيه ع الطرح الجميل

ودي لك

يسلموا اخي
على الطرح
والموضوع الجميل
ولك التحيه
الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.