أحيانا نجد بعض الأحداث التي تخص الإسلام وأهله والتي تفوح بفوائد كثيرة . أحيانا تلك الأحداث العظيمة لا تروق للنفوس المريضة اللئيمة فينسجون بكفرهم الضحل شبهات حول الإسلام قمة في التفاهة والسزاجة وقد ظنوا بهذا أنهم حازوا السلاح الذي سيهدم الإسلام .
ولكن هيهات هيهات .
وكان من ذلك ما يلي :
شبهة حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش بعد طلاقها من زيد بن حارثة :::
فقد كان التبني منتشرا في المجتمعات العربية قبل الإسلام وتغلغل في نفوس الناس واستمر كذلك في صدر الإسلام ولم يكن التبني قد حرم .
وقد تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه حتى صار الناس ينادونه بزيد بن محمد ( صلى الله عليه وسلم )
فلما جاء التشريع بتحريم التبني صاحب هذا تمهيدا حكيما لتتقبل النفوس الأمر حيث دعا ربنا المؤمنين إلى نسبة من تبنوهم لآبائهم الحقيقيين فإن لم يعرفوا آباءهم فهم إخوانهم في الدين ومواليهم
فقال تعالى : ( ادْعُوهُمْ لآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد ( أنت أخونا ومولانا )
فيمكن أن أقول لمن كنت تبنيته أنه مولى لي ,
ومن ناحية أخرى حرم رسول الله على الشخص أن ينتسب لغير أبيه الحقيقي وهو يعلم ذلك
فعن أبي ذر، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من ادعى لغير أبيه وهو يعلم فقد كفر، ومن ادعى قوماً ليس هو منهم فليتبوأ مقعده من النار، ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلا حارت عليه".
صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد .
قال النووي: " فيه تأويلان : أحدهما أنّه في حقّ المستحلّ. والثّاني : أنّه كفر النّعمة والإحسان وحقّ اللّه تعالى , وحقّ أبيه , وليس المراد الكفر الّذي يخرجه من ملّة الإسلام. وهذا كما قال e ((يكفرن)) 102, ثمّ فسّره e بكفرانهنّ الإحسان وكفران العشير".
وَمَعْنَى ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ أَيِ انْتَسَبَ إِلَيْهِ وَاتَّخَذَهُ أَبًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يعلم تقييد لابد مِنْهُ فَإِنَّ الْإِثْمَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْعَالِمِ بِالشَّيْءِ
قال الحافظ ابن حجر: "وقد ورد الكفر في الشرع بمعنى جحد النعم، وترك شكر المنعم، والقيام بحقه". 104
إذاً الجهل بدلالة لفظ الكفر في الشرع أوقع الغلاة في تكفير المسلمين لإتيانهم بعض المعاصي التي وسم الله فاعلها بالكفر، أي الكفر الأصغر ، وجمع النصوص إلى بعضها كفيل برفع شبهة المكفِّرين لكل من أطلق عليه الشرع كلمة الكفر ، إذ المفهوم الخاطئ لهذا الإطلاق يجعل نصوص الشرع متعارضة متناقضة، والحق أن النصوص الشرعية يصدق بعضها بعضاً ، والواجب جمع النصوص بعضها إلى بعض، وإعمالها جميعاً بمزيد من التبصر في دلالات ألفاظها ومآلات عباراتها.
وقال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم ::
(وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً)
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين
(فإن الإنسان يجب عليه أن ينتسب إلى أهله أبيه جده جد أبيه..
وما أشبه ذلك ولا يحل له أن ينتسب إلى غير أبيه وهو يعلم أنه ليس بأبيه فمثلا إذا كان أبوه من القبيلة الفلانية ورأى أن هذه القبيلة فيها نقص عن القبيلة الأخرى فانتمى إلى قبيلة ثانية أعلى حسبا لأجل أن يزيل عن نفسه عيب قبيلته فإن هذا والعياذ بالله ملعون عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا وأما إذا انتمى الإنسان إلى جده وأبي جده وهو مشهور ومعروف دون أن ينتفي من أبيه فلا بأس بهذا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب مع أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فعبد المطلب جده ولكنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك في غزوة حنين لأن عبد المطلب أشهر من أبيه عبد الله وهو عند قريش في المكانة العليا فلهذا قال أنا ابن عبد المطلب لكنه من المعلوم أنه محمد بن عبد الله ولم ينتف من أبيه وكذلك أيضا الناس ينتسبون إلى اسم القبيلة فيقول مثلا أحمد بن تيمية وما أشبه ذلك مما ينتسب إلى القبيلة لكن المهم الذي عليه الوعيد هو الذي ينتمي إلى غير أبيه لأنه غير راض بحسبه ونسبه فيريد أن يرفع نفسه ويدفع خسيسته بالانتماء إلى غير أبيه فهذا هو الذي عليه اللعنة والعياذ بالله يوجد والعياذ بالله من يفعل ذلك للدنيا ينتسبون إلى أعمامهم دون آبائهم للدنيا مثل ما يوجد الآن أناس لديهم جنسيتان ينتسب إلى عمه أو إلى خاله أو ما أشبه ذلك لينال بذلك شيئا من الدنيا هذا أيضا حرام عليه ولا يحل عليه ذلك والواجب على من كان كذلك أن يعدل تبعيته وجنسيته وكذلك بطاقته ولا يبقيها على ما هي عليه ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرا ورزقه من حيث لا يحتسب والله الموفق )
واسمع هذا الجزء من الآية :
(فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِمًا)
فقد نفى الله سبحانه وتعالى الجناح (الإثم) عمن أخطأ في نسبة الابن إلى غير أبيه في الحقيقة، وذلك بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع أو نسي فنسب الابن إلى غير أبيه بجريان لسانه بذلك، وأثبت الحرج والإثم لمن تعمد الباطل وهو دعوة الرجل لغير أبيه بعد علمه بتحريم ذلك .
ومن تلك القاعدة الكبيرة ننطلق على بركة الله وبإذنه
1 زيد يعتبر إذن من الموالي وهم عبيد تم عتقهم
2 طبقة الموالي كانت في مرتبة دون مرتبة السادة الأحرار الذين لم يكونوا عبيدا من قبل
3 قام النبي صلى الله عليه وسلم بتزويج زيد من السيدة زينب وهي بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم ولعل بذلك يذوب هذا الفارق ما بين الطبقات عمليا ,
4 ظلت زينب رضي الله عنها مع زيد قرابة السنة أو يزيد قليلا
5 لم يكن هناك وفاق بينهما وقد شكى زيد ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ينصحه بعدم طلاقها وأن يتق الله .
فقد جاء في الحديث الذي صححه الألباني عند الترمذي عن أنس قال : نزلت هذه الآية { وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس } في شأن زينب بنت جحش جاء زيد يشكو فهم بطلاقها فاستأمر النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم { أمسك عليك زوجك واتق الله } .
6 لما طلق زيد السيدة زينب رضي الله عنهما وانقضت عدتها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هنا لعبت العقول الخبيثة والقلوب المريضة بنفوس أصحابها وقالوا قولة خبيثة مثلهم
قالوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهوى زينب فلما طلقها زيد تزوجها .
وحاشى لرسول الله أن يكون كذلك .
لكن كيف نرد تلك الكذبة ؟
أولا من وينب ؟
هي بنت عمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ,
إذن كان يعرفها قبل زواجها من زيد صح ؟
طيب لو كان كما يقولون لماذا لم يتزوجها قبل زيد ؟
الإجابة في السؤال التالي :
من زوج زينب لزيد ؟
المفاجأة هي :
زوجها له المصطفى صلى الله عليه وسلم .
إذن فالعقل والقلب السليمان يقولان أنه من المستحيل أن يرغب في زواجها بعدما صار لها زوج هو من زوجها له .
فيخرج علينا صاحب العقل المريض فيقول :
طيب لماذا قال له ربنا : (وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) ؟
أقول له :
لعل الله أخبر نبيه إثناء بقاء زينب مع زيد أنه مطلقها وأن النبي سيتزوجها .
معنى كلامك أن الله أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالزواج من زينب ؟
الجواب نعم .
ما الدليل ؟
الدليل هو قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا )
إذن فمن الذي زوجها له ؟
إنه الله .
لذلك كانت زينب نفسها تتفاخر بهذا على نساء النبي صلى الله عليه وسلم بقولها كما في صحيح البخاري
(زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَات.)
طيب ما الحكمة من زواجه صلى الله عليه وسلم منها ؟
يبينها ربنا في قوله : (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا)
ولعل ما نقله ابن كثير في تفسيره في بيان ما كان يخفيه النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه ما يعضد ما سبق وبيناه في هذا الشأن حيث نقل ابن كثير ما يلي :
عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعان قَالَ: سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مَا يَقُولُ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ] } (5) ؟ فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: لَا وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعْلَمَ نَبِيَّهُ أَنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَلَمَّا أَتَاهُ زَيْدٌ لِيَشْكُوَهَا إِلَيْهِ قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ. فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنِّي مُزَوّجكها، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ.
وَهَكَذَا رُوي عَنِ السُّدِّي أَنَّهُ قَالَ نَحْوَ ذَلِكَ.
والله أعلم بصحة تلك الرواية لكن حتى ولو لم تصح ففي ما قلبها الكفاية بإذن الله
إذن فكان زواجه عليه الصلاة والسلام من زينب ليكون إنهاءا عمليا للتبني وما ترتب عليه من آثار
ولأن التبني كان متجذرا في النفوس جاء إبطاله عمليا من القدوة صلى الله عليه وسلم
(والله أعلم )
وأختم بمفاجأة كبرى
تدرون من الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليخبر زينب بأن النبي صلى الله عليه وسلم يريد زواجها ؟
إنه زيد بن حارثة بنفسه
ففي الحديث الذي صححه الألباني عن أنس قال : (لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لزيد اذكرها علي قال زيد فانطلقت فقلت يا زينب أبشري أرسلني إليك رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكرك )
ولعل اختيار زيد مقصود لذاته ليقطع بذلك ألسنة المتقولين وما قد يزعمونه من أن طلاقها وقع بغير اختيار منه، وأنه قد بقي في نفسه من الرغبة فيها شيء، وفي هذا يقول ابن حجر: (هذا من أبلغ ما وقع في ذلك، وهو أن يكون الذي كان زوَّجها هو الخاطب، لئلا يظن أحد أن ذلك وقع قهرًا بغير رضاه، وفيه أيضا اختبار ما كان عنده منها هل بقي منه شيء أم لا؟)
فلنفخر بإسلامنا ولنتعلم كي نحصن أنفسنا ونذود عن ديننا بإذن الله
انشر في الخير
جزاك الله خيرا
ونفع بك
شكرا أخي ابن بطوطة
كيف حضرتك أخي
لي طلب لو تكرمت
لقد طلبته سابقا لكن ربما لم يتسن تحقيقه
هناك لفتة طيبة ذكرها مؤلف الكتاب الذي نقلت عنه وهي أن زيد ربما لما حزن لفوات شرف انتسابه للنبي صلى الله عليه وسلم بعد تحريم التبني فلعل الله عوضه فجعل اسمه قرآنا يتلى
ليتك تضيف تلك اللفتة لو استصوبتها
ولك حرية اختيار الموضع الذي تضيفها فيه من الموضوع
وشكرا لك مقدما