صنّفت الأقلية المسلمة في ميانمار على أنها من أكثر الهويات قلقا واضطهادا في العالم. حيث وجد الروهينغا أنفسهم مطاردين ومنبوذين، تحاربهم السلطة الحاكمة وتضيق عليهم الخناق ويبغضهم كهنة المعابد البوذية، فيحرضون أتباعهم ضدهم.وهاجمت مجموعة من البوذيين، مكاتب لمنظمات مساعدات دولية، في مدينة “سيتوي”، عاصمة إقليم أراكان “راخين”، غرب ميانمار.
وقال المتحدث باسم الولاية “وين ماينغ”، إن مجموعة من حوالي 300 من البوذيين، حاصرت ليلة أمس، مقر منظمة Malteser للمساعدات الدولية، في مدينة سيتوي، مما استدعى إطلاق رجال الشرطة النار في الهواء لتفريقهم، واتجه أفراد المجموعة بعد ذلك إلى شارع يقطن فيه العاملون في منظمات المساعدات الدولية، وقاموا بإلقاء الحجارة على مبانيه.
هذا الهجوم، هو مثال بسيط للاضطهاد والعنف الذي يتعرّض له المسلمون في ميانمار (بورما سابقًا)، الذين صنّفتهم منظّمة الأمم المتحدة من أكثر الأقليات الدينية اضطهادا في العالم. وتعترف هذه الأقلية، التي تشهد موجة تهجير وقتل كبيرة من قبل بقية الأطياف الأخرى لمجتمع ميانمار، بـ “الروهينغا”، وتتركّز بالخصوص في إقليم “أرخين” المعروفة أيضا باسم “أراكان”. ويعيش في هذا الإقليم حوالي مليون من هؤلاء المسلمين في مخيمات في ظروف إنسانية سيئة.
وحسب تقارير منظمة العفو الدولية فإن مسلمي الروهينغا لايزالون يعانون من انتهاكات لحقوق الإنسان في ظل المجلس العسكري البورمي منذ سنة 1978.يوصف الشعب الروهينغي بأنه “أكثر الشعوب نبذا” و”أنهم أكثر الأقليات اضطهادا في العالم”. وقد جردوا من مواطنتهم منذ قانون الجنسية لسنة 1982. فلا يسمح لهم بالسفر دون إذن رسمي ومنعوا من امتلاك الأراضي وطلب منهم التوقيع بالالتزام بأن لا يكون لهم أكثر من طفلين.
ومن أمثلة القوانين المجحفة في حق الروهينغا القانون الذي أصدرته حكومة ميانمارعام 1982، وحرمت بموجبه مسلمي البلاد، من حق الحصول على الجنسية باعتبارهم مهاجرين قادمين من الهند. ويعيش مسلمو الروهينغا في ظل هذا الوضع الدموي منذ ما يقارب سبعة عقود.
وقد بلغ هذا العنف أوجه في السنوات القليلة الماضية. حيث بلغ عدد ضحايا المسلمين البرماويين خلال الاشتباكات مع الأغلبية البوذية منتصف 2024 المئات وأجبر نحو 140 ألفا منهم على الفرار إلى مخيمات يصعب العيش فيها.
وخلال العام الماضي، قتل البوذيون حوالي 200 شخص، في “أراكان”، معظمهم من المسلمين، كما تم هدم وإحراق مئات من منازل المسلمين ومحلاتهم، مما أجبر حوالي 250 ألفا منهم على ترك المنطقة. ويهاجر المئات من الروهينغا سنويا “أراكان”، ويحاولون الهرب إلى الدول المجاورة، باستخدام القوارب. وهناك العديد منهم يعيشون لاجئين في مخيمات في بنغلاديش المجاورة وعدة مناطق داخل تايلاند على الحدود مع ميانمار. ويقبع في سجن بوثيداونج، الذي يقع على بعد نحو 300 كيلومتر من “سيتوي” عاصمة ولاية “راخين”، مئات الرجال الروهينغا.
وحسب منظمة “هيومن رايتس″ نحو 1،000 شخص من الروهينغا ما زالوا محتجزين، من أصل 1،158 شخصا منذ اندلاع العنف الطائفي بين البوذيين والمسلمين في شهر يونيو عام 2024.
وكشف تحقيق نشرته وكالة “رويترز″ في شهر ديسمبر الماضي عن أن أكثر من عشرات الآلاف من الروهينغا الفارين من ميانمار بحرا يسقطون في أيدي مهربين في عرض البحر ويحتجزونهم في مخيمات نائية في تايلاند قرب الحدود مع ماليزيا إلى أن يدفع أقاربهم آلاف الدولارات مقابل إطلاق سراحهم.
ويتعرض البعض للضرب والقتل ويحتجز آخرون في أوضاع بائسة يعانون فيها سوء التغذية.وكشف التحقيق أن السلطات التايلاندية تعمل أحيانا مع المهربين سعيا إلى إخراج الروهينغا من البلاد بعد أن تكدست معسكرات احتجاز المهاجرين غير الشرعيين.
وفي يناير الماضي أعلنت الشرطة التايلاندية أنها أنقذت مئات من مسلمي الروهينغا من مخيم ناء في جنوب تايلاند في حملة نفذتها بعد تحقيق “رويترز″، وأنها تتعقب “رؤساء العصابات” الذين يهربون البشر من جنوب تايلاند إلى ماليزيا دون رادع.
بلد الأقليات
تسمى بورما أيضا ميانمار وتقع بجانب الصين والهند فهي إحدى دول شرق آسيا، وتقع على امتداد خليج البنغال وتمتدّ ميانمار، التي تعدّ ثاني أفقر بلد في قارة آسيا، وفقًا لتقديرات البنك الدولي، على مساحة تبلغ حوالي 676،578 كم2.
ويبلغ عدد سكانها حوالي 54،584،650 نسمة، لغتهم الرسمية هي البورمية وعاصمة دولتهم هي رانغون. وكانت ميانمار جزءا من الهند إلى أن قامت بريطانيا بإعلانها مستعمرة بريطانية منفصلة عام 1937 واستقلت عن بريطانيا عام 1948.
تعرف ميانمار، على غرار الهند ودول تلك المنطقة الآسيوية، بتعدّد الأعراق والأطياف الدينية. حيث تضمّ ميانمار وحدها أكثر من 140 عرقية، أهمها البورمان، ويشكّلون حوالي 66 بالمئة، والشان ونسبتهم 9 بالمئة، والكارين 7 بالمئة، أما مسلمو الروهينغا فتتضارب نسبتهم، إذ هناك من يقول إنهم يمثّلون حوالي 4 بالمئة بينما يقول الروهينغا أن نسبتهم تناهز الـ10 بالمئة، والصينيون 3 بالمئة، والهنود 2 بالمئة، والمون 2 بالمئة، بالإضافة إلى أقليات أخرى تشكّل حوالي 5 بالمئة. ووفقا للإحصاءات الرسمية فإن نحو 90 بالمئة من السكان يدينون بالبوذية، تتوزع النسبة الباقية بين المسيحية 6 بالمئة والإسلام 4 بالمئة، في حين يشكك زعماء الروهينغا في هذه الإحصاءات، مشيرين إلى أن نسبة المسلمين في ميانمار لا تقل عن 20 بالمئة.
تقول الكاتبة في تحليلها: “هناك أمة مسلمة اسمها الروهينغا تعيش في “بورما” التي يحكمها العسكر البوذيون، وهذه الطائفة تتعرض للإبادة والتشريد”. وهذه القصة ليست جديدة بل هي تاريخية.
ففي عام 1784م تم احتلال إقليم أراكان من قِبَل الملك البوذي (بوداباي) الذي قام بضم الإقليم إلى ميانمار خوفا من انتشار الإسلام في المنطقة.
وتسمية إقليم (أراكان) تعود إلى الحملات الإسلامية الأولى التي دعت إلى الدين الحنيف وأركانه الخمسة، ثم استولى الجيش على مقاليد الدولة بانقلاب عسكري عام ضد الملك بوداباي عام 1962، فأطاح الجيش بالملكية البوذية وأسس لنظام متشدد في قبضة جنرالات الجيش.
وحرم هؤلاء الشعب الروهينغي من اكتساب الجنسية الوطنية ومن التعليم والتوظيف والسفر. وفرضوا عليهم البطالة والعزلة في الغابات المظلمة الغارقة في التخلف. وتركوهم يمارسون الطرق المعيشية البدائية دون أن يزودوهم بوثائق رسمية تثبت انتماءهم إلى ميانمار. ولم يسمحوا لهم بالمغادرة والرحيل.
وتضيف الباحثة: “استمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين من أصل هندي على ذلك. وفي عام 1824 احتلت بريطانيا ميانمار، وضمّتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية.
وفي عام 1937 جعلت بريطانيا ميانمار مع “أراكان” مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية كباقي مستعمراتها في الإمبراطورية آنذاك، وعُرفت بحكومة ميانمار البريطانية.
وواجه المسلمون الاستعمار الإنكليزي بقوة مما جعل بريطانيا تخشاهم، فبدأت حملتها للتخلّص من نفوذ المسلمين باعتماد سياساتها المعروفة (فرِّق تَسُد) فعَمَدَتْ على تحريض البوذيين ضد المسلمين، وأمدّتهم بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين في مذبحة عام 1942 فتكوا خلالها بحوالي مائة ألف مسلم في أراكان.
وفي عام 1948 منحت بريطانيا الاستقلال لميانمار شريطة أن تمنح لكل العرقيات الاستقلال عنها بعد عشر سنوات إذا رغبت في ذلك، ولكن ما إن حصلت ميانمار على الاستقلال حتى نقضت العهد، واستمرت في احتلال “أراكان” دون رغبة سكانها من المسلمين (الروهينغا) والبوذيين (الماغ) أيضا، وقاموا بأبشع الممارسات ضد المسلمين.
ولم تتغير أحوال المسلمين الروهينغا، بعد الانتخابات التي جرت في نوفمبر 2024، حيث مازال مخطط إخراج المسلمين من “أراكان” موجودا، وقد نجحت هذه الممارسات في تهجير ما بين 3 و4 ملايين مسلم حتى الآن وخلّفت مئات الآلاف من القتلى.
ويعيش هذا الشعب المسلم المضطهد في أحراش الغابات البورمية الممطرة. ويتعرض للتشريد والتعذيب والموت والإبادة…
في الليل وفي الظلام الدامس يعيش المسلمون هناك في قلق وخوف ورهبة من الغارات البورمية المسلحة، التي اعتادت على القيام بمداهمات مفاجئة لاختطاف من تجده في طريقها ليعثروا عليه في اليوم التالي مقتولا رميا بالرصاص خارج حدود المنطقة، وكل جريمتهم أنهم لا يعتنقون الديانة البوذية، ولأنهم قاوموا طغيان الحكم العسكري المستبد، ولأن بشرتهم داكنة تميل إلى السمرة، ولأنهم لا ينتمون إلى الجذور العرقية للقوميات المنغولية والباتانية السائدة، ولأنهم وقفوا في يوم ما ضد التوسع الياباني، ولأنهم يتحدثون باللهجات التشيتاغونية البنغالية المختلطة باللغة العربية.
ويعمل الروهنغيون في صيد الأسماك والرعي والفلاحة والمهن الاجتماعية الرخيصة، أما الوظائف الحكومية فأبوابها موصدة بوجوههم، ولا يحق لهم إطلاق الأسماء الإسلامية على أولادهم وبناتهم، فالأسماء البوذية هي الخيار الأوحد، وهي المسموح بها في التداول، وهم أيضا ممنوعون من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية”.
تاريخ الإسلام في بورما
المسلمون في ميانمار هم أقلية أمام الأغلبية البوذية. ومعظم هؤلاء المسلمون هم من شعب روينجية وذوو أصول منحدرة من مسلمي الهند (بما فيها ما يعرف الآن ببنغلاديش) والصين (أسلاف مسلمي الصين في ميانمار أتوا من مقاطعة يونان)، وكذلك من أصلاب المستوطنين الأوائل من العرب والفرس. وجلب البريطانيون العديد من المسلمين الهنود إلى بورما لمساعدتهم في الأعمال المكتبية والتجارة. وبعد الاستقلال أبقي على الكثير من المسلمين في مواقعهم السابقة وقد حققوا شهرة في التجارة والسياسة.
وصل المسلمون إلى بورما في القرن السابع الميلادي، خلال عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد.
وأسسوا إمارة “أراكان” التي استمر الحكم الإسلامي فيها حوالي ثلاثة قرون، منذ عام 1445 وحتى عام 1784، دخل خلالها الكثير من السكان المحليين في الدين الإسلامي. ثمّ احتل البوذيون “أراكان” عام 1784 وقاموا بضمها إلى بورما، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الصراع بين المسلمين والبوذيين.
يرجع المؤرخون أصل كلمة (روهينغا) إلى”روح النجا”، ويقولون إنها لفظة أطلقها بحارة مسلمون جرفتهم الأمواج إلى هذه الأرض البعيدة، وتكسرت سفينتهم فوق صخور سواحلها، فطلبوا (الرحمة) و(النجاة) من سكان المنطقة. فكانت (الرحمة + والنجاة) هي الأصل في ولادة كلمة جديدة (رهمنغيا) أو (روهنغيا).
ونشرت وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء تقريرا مطوّلا عن مأساة أمة مسلمة اسمها الروهينغا تعيش في زاوية منسية من خليج البنغال، أشارت فيه إلى أن الحكومة البورمية نفذت أولى حملات الإبادة الجماعية عام 1942، راح ضحيتها أكثر من (100000) مسلم ومسلمة، وسعت منذ ذلك الحين إلى تطبيق سياسة (البرمنة) في التعامل الشرس مع القبائل غير المنضوية تحت سلطة المعابد البوذية، وقطعت شوطا كبيرا في هذا الاتجاه، لكنها فشلت فشلا ذريعا مع القبائل المسلمة، فلم يرتد أحد منهم، وتمسكوا بالله الواحد الأحد الفرد الصمد، فكان مصيرهم الموت ذبحا وحرقا في حملات عنصرية استهدفت نهب ثرواتهم، ومسخ هويتهم، وطمس شعائرهم، ونسف تراثهم، وتغيير معالمهم، وتغييب ذكرهم، ومصادرة حقوقهم.أما المؤرخ الروهينغي “محمد بن خليل الرحمن الأركاني”، فيقدّم تفسيرات أخرى أكثر وضوحا، حيث يقول: “إن تسمية إقليم (أراكان) تعود إلى الحملات الإسلامية الأولى بالدعوة إلى الدين الحنيف وأركانه الخمسة، التي بُني عليها الإسلام، فاعتنق الملك (غولتغي) الإسلام على يد الأمير (حمزة)، فسمى عاصمة مملكته “أركان”.
أما آخر حملات الإبادة فكانت في بداية هذا العام، وعلى وجه التحديد في فبراير عندما قامت المليشيات البوذية المسلحة بإحراق وتدمير قرى المسلمين، فقتلت السكان، وطاردت الفارين منهم في الحقول والبساتين، وخلفت وراءها خمسمائة قتيل، وأكثر من ألفي جريح، ثم تكرر الهجوم بعد شهرين، فشنت المليشيات المسلحة بالحقد الطائفي حملة على سكان مدينة (تونغو) بالتعاون والتنسيق مع عناصر التشكيلات العسكرية.
ترى اين هي دولنا وحكوماتنا التي تتسابق في التسلح …؟؟