بقلم الكاتب … علي الرشيد
إنهم يتطلعون بأمل كبير وثقة متفائلة إلى المستقبل، وقد باتوا على ثقة بأن ليل هذه الجريمة الإنسانية التي يعاني منها مليون ونصف مليون شخص مدني، إلى زوال، وأن فجر الحق والعدالة قادم لا محالة، فما ضاع حق وراءه مطالب، حتى ولو سعت أعتى قوى الأرض إلى طمسه، والوقوف ضد ظهوره وانتصاره.
نحن أمام تجربة تستحق الوقوف لها احتراماً وتبجيلاً، لأنها صنعت نجاحاً كان وراءه صبر وعزيمة ودأب وعمل بصمت، بعيداً عن الخوف والمعاذير الفارغة واللامبالاة، وهي توشك أن تضع حداً لإجرام منظم ضد كرامة الإنسان وحرياته الأساسية اشترك فيه مجرمو الإدارة الأمريكية من اليمين المحافظ وحكومة الكيان الصهيوني، والرباعية الدولية، إنها تجربة عملية لكسر الحصار بالطرق السلمية تم ترسيخ دعائمها في شهرين ونصف الشهر بعد أن نجحت الحملة الأوروبية لكسر الحصار، وحركة "غزة حرة" واللجنة الشعبية لمواجهة الحصار (داخل غزة) في تسيير ثلاث رحلات أوصلت أربع سفن إلى قطاع غزة على متنها ناشطون في مجال حقوق الإنسان ودعاة سلام وبرلمانيون وأطباء ومثقفون وفنانون وإعلاميون من كل أصقاع الأرض لتثبيت خط مائي مع قطاع غزة (خط لارنكا-غزة) ليكون طريقاً بحرياً بين سكان القطاع والعالم، وتكريس حق الشعب الفلسطيني في استخدام مياهه الإقليمية.
ولعل ما سبق دفع اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار بغزة لتقول بثقة: إن انتفاضة سفن بدأت تلوح في الأفق سيكون نهايتها كسر الحصار على القطاع، مؤكدة بذلك قول الشاعر أبي القاسم الشابيّ:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بـد لليل أن ينجـلي
ولا بـد للقيد أن ينكسر
ومما لا شك فيه فإن تكرار الرحلات البحرية باتجاه غزة وتراكم تحركاتها، يكتسب أهمية لا يستهان بها لأكثر من سبب:
ـ فهي استطاعت كسر الصمت الدولي على جريمة الحصار، وإبقاء هذه القضية حية في وجدان الناس في العالم، فمع كل فعالية لهذه الرحلات، ومع تحرك كل سفينة وقارب، تتوجه الأنظار تلقاء غزة، خصوصاً أن هذه الرحلات بدأت تسرع من وتيرة وصولها، فالرحلة الثالثة (سفينة الكرامة التي رست يوم 8/11) وصلت بعد عشرة أيام من وصول سفينة مشابهة (سفينة الأمل 29/10)، فيما ستتلوها رحلات قريبة أخرى بحسب الجهات المنظمة.
ـ فضح الجرائم الإنسانية التي ارتبطت بالحصار الصهيوني المؤيد أمريكياً وغربياً لاسيما في المجال الصحي ومجال تدمير البنى التحتية وعدم توافر الاحتياجات المعيشية الأساسية للمواطن الفلسطيني، ويتم هذا من خلال الإعلام الغربي المرافق لهذه الرحلات الذي ينقل لمواطنيه وشعوبه بالصوت والصورة الموثقة مشاهد حية عن المأساة الحاصلة، ومن خلال مشاهدات البرلمانيين والناشطين الذين عبروا عن دهشتهم لما رأوه فكما يقال: (فما رأى كمن سمع).
وللتدليل على ذلك نشير إلى شهادة المتضامنة الإيرلندية، والحاصلة على جائزة نوبل للسلام، ميريد ماغواير، التي وصلت إلى غزة عبر سفينة الأمل نهاية الشهر الماضي، فقد دعت العالم إلى الوقوف على حقيقة ما يجري في قطاع غزة، والمجيء إليه ليرى ما يجرى فيه، وطالبت الحكومة الصهيونية بإنهاء الحصار فوراً وفتح المعابر والحدود، وتمكين الشعب الفلسطيني من العيش بأمان وحرية كباقي شعوب العالم، وشددت على أنها صُدمت من المعاناة الهائلة التي يعانيها أهالي قطاع غزة، "التي لا يصدقها العقل"، معتبرة ذلك عقاباً جماعياً تمارسه الحكومة الإسرائيلية بحق شعب أعزل.
كما نشير إلى شهادة طبيبة متضامنة على سفينة الكرامة التي قالت: "أنا هنا لسببين أولاً أنا طبيبة لكي أقوم بعمل تقييم عام، والسبب الثاني لإخبار العالم أن "إسرائيل" تخرق القانون الدولي واتفاقية جنيف بحصارها لغزة".
ـ تشكيل لوبيات ضاغطة على الحكومات الأوروبية من أجل كسر الحصار على غزة، وفي هذا الصدد أشار الدكتور عرفات ماضي رئيس "الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة" إلى أن وصول النواب الأوروبيين لغزة يعد بمثابة "رسالة سياسية مفادها أن هذا الحصار يجب أن ينتهي بكل أشكاله".
ولدى وصول سفينة الكرامة قالت إحدى المتضامنات الأوروبيات لسكان غزة: "أعدكم أن أسعى لجعل قضيتكم مفهومة للجميع، ليس فقط للبرلمانيين الأوروبيين إنما أيضاً لمسؤولين حكوميين".
ـ تعرية مواقف الأنظمة العربية التي تسهم في استمرار الحصار بدلاً من العمل على إنهائه أمام الشعوب العربية والإسلامية، وقد ذكر البرلمانيون الأوروبيون أنهم قاموا بالرحلة البحرية عبر سفينة الكرامة لأن السلطات المصرية رفضت السماح لـ53 برلمانياً دولياً بالدخول إلى غزة عن طريق البر من خلال معبر رفح.
وقد صدرت بيانات عن فصائل وشخصيات فلسطينية تشير إلى انعدام العذر لمصر والدول العربية والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي في عدم كسرها للحصار بعد وصول سفينة الأمل نهاية شهر أكتوبر الماضي، مطالبة بأن تقف أمام مسؤولياتها لفك الحصار عن قطاع غزة وفتح معبر رفح الحدودي.
ـ إحياء الأمل لدى المحاصرين بأن ثمة ضوء نفق في آخر نفق الحصار المظلم، ولعل هذه الرسالة هي التي حرص أكثر من مسؤول وناشط في حملات كسر الحصار على إيصالها لسكان غزة والرأي العام العربي والإسلامي، فقد أعرب الدكتور عرفات ماضي رئيس "الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة" عن أمله أن تكون الأيام القادمة للحصار معدودة، فيما شدد النائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار على أن السفن الثلاث الأولى جاءت لترسيخ مبدأ استخدام الممر المائي وكسر الحصار والتضامن مع غزة، بينما تأتي هذه السفينة (الكرامة) لكسر الحصار وإنهائه.
ـ ويضاف إلى ما سبق أن مثل هذه الرحلات تشجع ناشطين حقوقيين وحزبيين ونقابيين وبرلمانيين ومثقفين جدداً خصوصاً في العالمين العربي والإسلامي لكي يحذوا حذو من سبقوهم عرباً وأجانب، ويكسروا حاجز الخوف والرهبة في مواجهة من يقف عائقاً لكسر هذا الحصار بالطرق السلمية، وقد بدأنا نسمع عن تفكير برلمانيين في الأردن، وناشطين من اليمن في تنظيم رحلات مشابهة إلى القطاع.
ـ ابتكار وسائل وأساليب جديدة من شأنها الإسهام في إنهاء الحصار على جبهات أخرى، وفي هذا الصدد نشير إلى ما ذكره النائب الخضري بعد وصول السفينة الأخيرة إلى غزة من أن هناك نية لتسيير طائرة لكسر الحصار عن القطاع بالتوازي مع الخط البحري الذي تم تفعيله.
وعوداً على بدء، فيمكن القول بثقة: إن أهل غزة الآن لم يعودوا وحدهم، وإن نهاية الحصار بدأت تلوح في الأفق.
أشكر لك مرورك الرائع علي الموضوع
داعيا الله لك بالصحة والعافية والعمر المديد
لك مني كل أحترام وتقدير