وكل ما يهمنا الآن هو المحافظة على بناتنا من هذا السيل الجارف من التمرد والجنون!! فكان هذا الموضوع..ـ هى طالبة فى الدراسات العليا بكلية الآداب، من اسرة طيبة مستواها الاجتماعى مقبول ولا تعانى من اى تفكك اجتماعى وهى اكبراخوتها.. كان يعرض عليها خطاب كثيرون ولم يحدث اى قبول او ميل مما سبب للاسرة نوعاً من الحزن وتصادف ان ارادت الام طلاء المنزل فاتفقت مع نقاش حاصل على دبلوم صنايع وعمره 27 سنة ويكبر الفتاة بثلاث سنوات.. وكانت المفاجأة او الصدمة الكبرى ان الفتاة اعجبت بالنقاش الشاب وعلى حد قولها شعرت معه بالأمان وبالحماية التى لم تشعر بها من قبل مع احد.. وهكذا اتفق الاثنان وصارحت والديها بأنها تشعر بميل شديد نحوه، وانها تعلقت لدرجة الجنون وكأن وسواساً سيطر عليها كل كيانها النفسي، وكان على الأهل السيطرة على انفعالاتهم وذهولهم من موقف الابنة الشابة التى حلموا لها بمستقبل مشرق من زواج متكافئ، ومن اجل الضغط على اسرتها للموافقة على زواجها من النقاش اضطرت الفتاة الى السكون التام والعزلة والانطواء ولجأت الى الاضراب عن الطعام مما اثر على صحتها وحيويتها ونشاطها.. ولم تجد الاسرة سوى اللجوء الى الطبيب النفسى ليقنع الفتاة المثقفة بالعدول عن رأيها ولكنه للاسف لم يفلح فى ذلك.
وعموما، ليست هذه هى الحالة الوحيدة بل هناك الكثير من الوقائع المشابهة التى تتمرد فيها البنت على اسرتها وتحاول سلوك مسلك غير طبيعى او منطقى وتلجأ الى تصرفات خاطئة تفرضها التقاليد ويرفضها العرف، لمجرد ان تنتقم من والديها او تعبر عن مراهقتها وهى فى سبيل ذلك يمكن ان تنتقم حتى من نفسها لايذاء الاسرة وتشويه سمعتها!!
البنت المتمردة
ويقول د. عادل صادق استاذ الطب النفسي: الفتاة التى تتمرد على اسرتها بسفور وتسلك مسلكاً جريئا فى تصرفاتها وتكذب على اهلها وتتستر على اعمال هى تعلم جيداً انها ضد رغبة الاهل بل ضد كرامة الاسرة وشرفها.. هى فتاة سيكوباتية بمعنى انها شخصية ضد اجتماعية لديها ميول انحرافية تبحث عن اللذة الفورية ولاتتعلم من اخطائها وتخرق القوانين وتتحدى القيم الدينية والاجتماعية والاسرية.
وهذا يدفعنا الى السؤال: هل تميل الشخصية السيكوباتية الى هذا المسلك لمجرد ان الاسرة اشعرتها بالحرمان العاطفى ولم تروها نفسياً خلال فترة الطفولة؟
والاجابة انه من المؤكد ان هذه الشخصية هى شخصية انحرافية من الأصل وتصرفاتها ليست لها علاقة بمشاكل اجتماعية داخل الاسرة او بأسلوب تربوى معين، فالشخصية السوية، مهما تعرضت لأى ضغوط من الاسرة او حرمان او تجاهل او اهمال، فهى لن تحاول التصرف بهذه الجرأة والانتقام من نفسها او من اسرتها، ولن تتأتى لها الشجاعة ابداً على عصيان والديها اوالكذب عليهما او وضعهما فى وضع يسئ الى سمعتهما وكرامتهما!!
فتمرد الفتاة يعود اولاً الى استعدادها النفسي، وهذا الاستعداد ينمو فى مناخ عائلى غير سوى مثل الاهمال فى التربية والمتابعة والرقابة وجو ينعدم فيه الحوار والتواصل العائلى او قسوة شديدة من الوالدين..
كل هذه الاوجه من القصور فى السلوك التربوى السليم تولد داخل الفتاة روح العدوان والشر والانتقام، وهذه القسوة او هذا الاهمال والتجاهل يجعلها تبرراى تصرف خاطئ لنفسها وهى اكثر ما تفتقد الصداقة والاحساس بالامان فى حضن الام، او هى ايضا تعانى من عدم التجانس والانسجام والتوافق بين الوالدين.
مما يؤثر عليها بالسلب دائما.. والفتاة عندما تتمرد على القيم المألوفة تنظر الى اى رجل كنوع من المكابرة والعند والانتقام من الاسرة فى صورة الخروج عن المألوف حتى اذا اقرت داخلها بخطئها فهى تدمر نفسها والاسرة فى صورة التمرد لدرجة ايذاء نفسها واسرتها معاً.. وهى ترغب دائما فى لفت النظر حتى لو تصرفت تصرفات شاذة وغريبة.
مؤشرات التمرد والجنوح
وينصح استاذ الطب النفسى الاسرة بأنه اذا ظهرت هذه الاعراض على سلوك الفتاة من طفولتها فيجب ان تبدأ الاسرة فى الشعور بالخوف والحيطة وتبدأ فوراً فى تصحيح الوضع التربوى لهذه الفتاة.
كذلك يجب ان يحرص الوالدان على اقامة علاقة متوازنة مع الابناء اساسها التفاهم والحب وضرورة وجود كلمة سواء بينهما بأن يتبعا سياسة موحدة تجاه الابناء فلا يوافق احد الوالدين على موقف او سلوك لطفلة ويعترضه الطرف الآخر ويعارضه فهذا يخلق الازدواجية فى فكر الطفل الصغير.ويجب ايضا على الوالدين توفير جو التفاهم بينهما والتقارب ليشب الابناء فى مناخ صحى يساعد على تنمية شخصية اولادهم تنمية سليمة وصحيحة.
وللإعلام دور
وتؤكد د. عزة كريم ان معظم مايحيط بالبنت فى المجتمع يدفعها للتمرد ففى دراما التليفزيون تظهر الموضوعات التى تساهم فى تغذية سلوك التمرد لدى البنت، كذلك المدرسة ايضا من خلال المدرسين فالبعض منهم يفتقر الى الاسلوب التربوى السليم اثناء تعليم الشباب فهم يضغطون على الطلبة بالمشاكل والمناهج المكثفة ومطالبتهم بواجبات اكثر من استعدادهم النفسى للتحمل فيزيدون بلا وعى منهم مشاكل الشباب والضغوط النفسية عليهم خاصة فى سن المراهقة وهى الشريحة التى يتزايد فيها هروب البنت والزواج العرفى والخروج على المألوف.
ويجب على كل اسرة كما تقول د. عزة كريم ان تعلم ان طبيعة فترة المراهقة هى التمرد وهنا اما ان يحد المجتمع والتربية من هذا التمرد، او يمثلا مناخاً جيداً لظهور التمرد.. فالاباء عندهم امية واضحة فى تربية اولادهم فهو اميون تربويا.. على الرغم من تميزهم فى مجالهم العلمى فالمجتمعات الخارجية والتى نختلط بها سواء بالسفر او التليفزيون ادخلت علينا اتجاهات جديدة اثرت علينا، فنحن نربى اولادنا بعقدة الخواجة التى مازالت تتحكم فى اسلوب تربيتنا لاولادنا!! ليست طريقة تربيتنا كشرقيين ولكنها مستوردة من الخارج لان بعض الاسر تعتبر ذلك نوعاً من الحضارة ـ حتى ان موعد دخول البنت للبيت من الخارج اصبح متأخراً ـ وايضا طريقة ارتدائها لملابسها تغيرت هى الاخرى فتعودت البنت على الجرأة فالبنت طالما تعودت ان تكون جريئة خارج الاسرة فلابد ان تكون جريئة داخل الاسرة لأن سلوك الانسان واحد.
بوركت الانامل
موضوع جميل
ننتظر جديدك المميز دائما