تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » التحولات أوفيد

التحولات أوفيد 2024.

——————————————————————————–

التحولات
أوفيد

الكتاب الأول

بدايات العالم
انفصال العناصر
خلق الإنسان
العصـور الأربعة
العمالقة
ليكاون
الطوفان
ديكاليون وبيـرا
بيتون
دافني
إيو
آرغوس
سيرنكْس
فاييتون

رسمتُ لنفسي أن أتحدّثَ عن تحوّلاتِ الأجسام في أشكالٍ جديدة،
فيا أيّتها الآلهة، أعينيني في هذه المحاولة،
(ذلك أن هذه التحوّلات هي، كذلك، صنيعكِ)· 1 (1)
أعينيني بإلهامك وقودي مسيرة هذه القصيدة
من بدايات العالم حتّى هذا الزمن الذي هو زمني·

بدايات العالم
قبل البحر والأرض، قبل السّماء التي تغطّي كلّ شيء،كان للطبيعة، في الكونِ كلّه، مظهرٌ وحيدٌ وواحدٌ،سمّوه السّديم: 2
جرماً مشوّشاً، لا شكلَ له، 3
كتلةً غُفلاً، وركاماً من العناصر المتنافرة·
لم يكن بعد قد وجد تيتان، 4 لكي يضيءَ العالم بنوره،
ولم يكن فيبي (Phebé ) 5 قد أخذ قرني هلاله الجديدين·
لم تكن الأرض معلقةً في الهواء المحيط، متوازنةً بثقلها الخاصّ،
ولم تكن أمفيتريت (Amphitrite) 6 قد بسطت ذراعيها على مدى الشّواطئ·
أينما وُجدت أرضٌ، كان هناك بحرٌ وهواءٌ كذلك،
هكذا لم تكن الأرض مستقرّة، ولم يكن البحر صالحاً للملاحة، ولا نور في الهواء·
لم يكن لأيّ من العناصر شكله الخاصّ،كلٌّ منها عائقٌ في وجهِ الآخر،
إذِ البرودةُ في الجسم نفسه تحارب الحرارة،
والرّطبُ يحاربُ الجافَّ، واللّينُ القاسي، والثقيلُ الخفيفَ·

انفصال العناصر

هذه الحربُ أنهتها الطبيعة الخيّرة، 7 أو أنهاها إلهٌ،
فصل الأرضَ عن السّماء، والمياه عن الأرض،
وعيّنَ مجالاً للسماء الشّفافة، وآخر للجوّ الكثيف· 8
بعد أن فصل ما بين هذه العناصر، وخلصها من الكتلة المعتمة،
مانحاً لكلٍّ منها مكانه الخاص، وحّد فيما بينها بروابط الوئام والسّلام·
واندفع الجوهرُ الناريّ الذي لا ثِقلَ له، في القبّةِ السّماويّة،
متّخذاً مكاناً له في المناطق العليا·
الهواءُ هو الأقربُ إليها لخفّته ولموقعهِ،
والأرضُ الأكثرُ كثافةً، جرّت معها العناصرَ الثقيلة،
وتكتّلت تحت ثقلها الخاص·
أما الماء الذي انتشر حولها فقد شغل المكان الأخير وطوّق أجزاءها الجامدة·
عندما قسّم الإله، أيا كان، كتلة المادّة، ووزعها
عندما لاءم بين أجزائها المختلفة،
بدأ يكتل الأرض، لكي يسوّي سطحها من جميع الجهات،
في شكل كرةٍ ضخمة·
ثمّ أمر البحار أن تندفق، وأن تثورَ بهبوب الرّياح السّريعة
وتُزّنِّرَ الأرضَ بالشّواطئ·
وأضاف الينابيع والمستنقعات الكبيرة والبحيرات
ساجناً بين ضفافٍ مائلةٍ منحدراتِ الأنهار التي تتشرّبها الأرض ذاتها،
وفقاً للأقاليم،أو تبلغُ البحر،(3)
وإذ يستقبلها في سهل مياهه الأكثر انعتاقاً،
تجوبُ الشواطئ بدلاً من الضّفاف·
وأمر السّهولَ أن تمتدّ، والأودية أن تنخفض، والغابات أن تتغطّى،
والجبال الصّخرية أن تنهض·
واقتسم السّماءَ إقليمان في الجنوب، وإقليمان في الشمال،
إضافة إلى إقليم خامس بينهما، أكثر حرارة،
وكانت الكتلة التي تغلّفها هذه السماء خاضعة للقسمة ذاتها بفضل الإله،
فهناك على الأرض أقاليم بعدد الأقاليم السّماوية·
إنّ أوار الشمس يجعل الإقليم الأوسط غير قابل للسّكن؛
وهناك آخران يغطيهما الثلج الكثيف،
وبينهما اثنان حظيا بمناخ معتدل، تتمازج فيه البرودة والحرارة·
في الأعلى يترامى الهواء،
أكثر خفة من التراب والماء، وأكثر ثقلاً من النار·
إنّه الموطن الذي خصّصه الإله للضباب والغيوم التي تبعث القلق في أرواح البشر،
والرياح التي تولّد البروقَ والصّاعقة،
غير أنّ مهندسَ الكونِ لم يُسلم لأهواء هذه الرّياح مملكة الجوّ،
فحتى اليوم، يصعب، عندما يوجّه كلّ منها هبوبه في اتجاه مختلف،
منعُها من أن تمزّقَ الكونَ إرباً، وذلك لشدّة الاختلاف فيما بينها·
انسحبَ إيروس (Eurus) نحو أورور (Aurore) ، وفوق مملكة الأنباط،
ونحو فارس والذروات التي تُضيئُها أشعّةُ الصّباح·
نجمةُ السّماء، فيسبر (Vesper) ، والشواطئ التي تُدفّئها الشمس الغاربة،
مُجاورةٌ زفير (Zéphyr).
وبوري (Borèe) القارسة
تحتلّ سيثيا (Seythie) والشمال؛
أما الأقاليم المقابلة في الأرض فمنقوعةٌ دائماً بالغيوم وبأمطار أوستر (Auster) ) (9)
فوق الرياح، وضع الإله الأثير السّائل الذي لا وزن له،
والمجرّد من شوائب الدنيا·
عندما فصلَ هذه العناصرَ، واضعاً إيّاها داخل حدود ثابتة،
بدأت تتلألأ في أرجاء السّماوات النّجوم التي كانت تختبئ تحت كتلة تسحقها·
ولكي لا تحرم أيّة منطقة من نصيبها من الكائنات الحيّة،
فإنّ الكواكب والآلهة بمختلف أشكالها شغلت ساحة السّماء·
وهيأت المياه مكاناً في مملكتها للأسماك البرّاقة،
واستقبلت الأرض الحيوانات المتوحشة،
والهواء المتحرّك استقبلّ الطّيور·

خلق الإنسان

كان الوجود لا يزال ينقصه كائنٌ أكثر اندِماغاً بالخاتم الإلهيّ،
رفيع الذكاء، وجديرٌ بأن يقود الكائنات كلّها·
هكذا ولد الإنسان، سواءٌ صاغه خالق الأشياء كلّها،
منشئ الكون الأفضل، من البذرة الإلهيّة،
أو أن التراب الفتيّ الذي انفصل عن مناطق الأثير العالية،
كان لا يزال يحتفظ بأصولٍ من أخته السّماء،
فمزج ابن جابيت (Japet) 10 هذا التراب بمياه المطر،
وصاغه على صورة الآلهة، سادة الكون؛
وفي حين تظلّ الحيوانات الأخرى كلّها منخفضة الرؤوس،
وعيونها مشدودة إلى الأرض،
أعطى للإنسان وجهاً يتطلّع إلى العلاء،
داعياً إياه أن يرفع أنظاره إلى الكواكب· 11 (11)
هكذا، بفضل هذا التحول،
عرفت الأرض، بكتلتها الفظّة المبهمة،
أشكالاً بشريّة كانت من قبل مجهولة·

(1)1 بعض التحوّلات شاءتها الآلهة، وبعضها نتيجة لتحوّل طبيعي·
2 هذه النظرةُ للسّديم متطابقةٌ مع نظرة الفيلسوف الرّواقيّ بوزيدونيوس (Posidonius). وكان الشاعر هزيود (Hésiode) يتصوّر السّديم كمثل هاويةٍ (abime) · (راجع الآلهة الوثنيّة ـHéogonie ، 611)·
3 الاختلاط البدئي لجميع الأشياء عند آناكزاغوريس (Anaxagore), تبناه بعده الفلاسفة الرّواقيّون· (راجع الفلاسفة قبل سقراط، سلسلة لابلياد، ص 176ـ 276)·
4 تيتان(Titan) : اسم يشير إلى كوكب الشمس، ابن تيتان هيبريون (Hypérion). والآلهة التيتانيون ينتمون إلى جيل الآلهة الأول·
5 فيبي (Phébé) :هو القمر، أخو الشمس (القمر بلغة أوفيد مؤنث، ولذلك يجب أن يقال أخت الشمس ـ المذكرة، بلغته)·
6 آمفيتريت (Amphitrite) بنت نيريوس (Nérée) كان قد خطفها نبتون (Neptune) وتزوجها· واسمه هنا يشير إلى البحر، كنايةً·

(3) 7 دافع أفلاطون عن خيريّة الخالق ضدّ أمباذقليس (Empédocle) الذي كان يرى أن البغض هو الذي يفصل بين العناصر، والحبّ (Eros) هو الذي يوحّد بينها·
8 التمييز بين الأثير (ether) والجوّ الكثيف، (تمييزٌ أصوليّ ) (Cononique). راجع:شيشرون، طبيعة الآلهة II, VI ـ 17)·

(9) الرّياح: زفير (الريح الغربيّة)، بوريه (الريح الشمالية)، أوروس (الريح الشرقية)، نوتوس أو أوستر (الريح الجنوبية)، كانت، كما يقول هزيود، بنات التيتان آسترايوس (Astraios) وإيوس (Eos) (الفجر)· ولعلّ أوفيد لم يفكّر إلاّ بـ "إيول" (Eole) ، والد الأبناء الستة، التي تمثل الرياح، وهي مألوفة عند الشعراء، بدءاً من هوميروس·

(11) 10 جابيت: من التيتان، أبو بروميثيوس (Prométhée) الذي يقال إنه كوّنَ بشراً من الطين·
11 فكرةٌ آتيةٌ من أفلاطون· …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.