كي تزيد المخلوقات الحيّة من احتمالات بقائها على قيد الحياة, فانها تكيّف نفسها وتناسبها مع البيئة المحيطة بها ومع الظروف الخاصة في كل مكان وآخر.
يُعتبر التمويه واحدًا من أفضل وسائل البقاء.
فمعظم الكائنات الحيّة تتموه وتتخفى بواسطة التمازج مع البيئة.
لدى معظم الحيوانات الثديية يجري التنكر بواسطة الاستعانة بالفروة التي تشكل الجزء الخارجي من الجسم.
لدى الزواحف , الأسماك والكائنات البر-مائية يتم التنكر بواسطة الاستعانة بالزعانف والحراشف الخارجية.
الطيور تتنكر وتتخفى بواسطة الاستعانة بريشها, ويتم التمويه لدى الحشرات بواسطة هيكلها الخارجي.
يتم التنكر أحيانا بواسطة الألوان والأشكال, يغيّر الكائن الحي مظهره الخارجي كليا كما هو الحال في الحشرات العيدانية.
وهي حشرات تشبه أجسادها فروع الأشجار الرفيعة والعيدان في منطقة الأعشاب والشجيرات التي يعيشون في ربوعها.
تختلف طرق التنكر بين الحيوانات نفسها والنباتات نفسها فيحتاج الكائن الحي الثقيل والبطيء الى تمويه يختلف عن حاجة الحيوان السريع. الحيوانات التي تعيش مع القطيع تموه نفسها بطريقة تختلف عن طريقة الحيوان الذي يعيش منفردًا وحيدًا.ويُطور الحيوان الم**و بالفرو تمويها يختلف عن تمويه الكائنات ذات الزعانف والحراشف كذلك تختلف أساليب وطرق التمويه حسب البيئة التي يعيش فيها الكائن الحي.
فالكائنات التي تعيش في الماء تتموه وتتخفى بشكل يختلف كليا عن تموه الكائنات الحية التي تعيش في البيئة الشجرية.
تغير الشكل بتغير الفصول:
يؤدي تبدل الفصول والمواسم الى تغييرات بارزة في البيئة. فالمنطقة التي كانت في السابق كثيفة بأوراق الشجر والنبات ويسودها اللون الأخضر, قد تتحول الى اللون البني أو الرمادي مع تساقط أوراق الشجر وقد تتحول البيئة الى اللون الأبيض مع تساقط الثلوج لذا
يتكيف الكثير من الحيوانات الثديية والطيور العديدة مع التغييرات التي تطرأ مع تبدلات المواسم بواسطة نوعين من اللباس! ثعلب المنطقة المتجمدة الشمالية يبدو هذا الثعلب في موسم الشتاء مختلفًا تماما عما هو في الصيف تكون فروته بيضاء في الشتاء, كي يموه نفسه مع الثلوج, أما في الصيف فتصبح هذه الفروة داكنة متناسقة مع لون الأرض والشجر التي يختبىء بين جنباتها.
التنكر بتغير اللون:
تمتلك الكثير من الزواحف والكائنات البرمائية والأسماك خلايا تسمى تسمى جبيلة اليخضور -الخلايا الملونة- chromatophore. انها خلايا الألوان المتواجدة داخل خلايا جلد هذه الكائنات الحية. في كل خلية كهذه يعمل جهاز تلوين واحد, ولكن قد يمتلك كل كائن حي عددًا من خلايا التلوين المتعددة الألوان وتحيط خلية الألوان عضلة تستطيع الانقباض والارتخاء.
عندما تنقبض العضلة, تندفع الألوان الى الجزء العلوي من الخلية فيظهر اللون على الجزء الخارجي للكائن الحي. وعندما ترتخي العضلة يعود اللون الى الجزء التحتي لخلية الألوان, ويختفي عن السطح الخارجي للكائن الحي.
وهكذا يستطيع هذا الكائن الحي أن يبدل ويغير لون جسده بالاستعانة بانقباض العضلات التي تفرز الألوان العديدة وعلى هذا النحو تستطيع كائنات حية مثل الحرباء والرخويات أن تغير الألوان والنماذج التي على سطحها الخارجي.
توجد أنواع من الكائنات الحية تغير وتبدل ألوان أجسادها كليا.
هناك أنواع عديدة من الحلزونيات والرخويات مثلا, التي بمقدورها أن تغير ألوانها بواسطة تغيير الغذاء الذي تتناوله. فاذا كانت, على سبيل المثال, تتناول غذاءها من فوق مرجانة بحرية بلون معين, فان لون هذا المرجان يبرز من خلال أجسادها الشفافة. حسنات هذه الظاهرة واضحة للغاية, فهذه الحلزونيات أو القواقع الرخوية تستمتع في هذه الحالة من الغذاء الذي تستخلصه من المرجان وهي متخفية تمامًا, دون أن يحس بها أحد, طوال تواجدها هناك.
تستعين الكثير من الحيوانات بشكلها الخارجي الشبيبه بشكل البيئة المحيطة بها, من أجل التخفي والتمويه.
مثلا:
اللون البني الفاتح الذي تتميز به الزواحف التي تعيش في المناطق الصحراوية.
اللون الأبيض عند الدّب الأبيض الذي يعيش في المناطق الثلجية.
شكل أجساد الحشرات الشبيهة بالعيدان والتي تعيش في بيئة فروع الأشجار التي تشبه العصي والعيدان.
شكل الجسد الشبيه بالحجر بالنسبة لسمكة الفريالة السامةالتي تتنكر على شكل حجر في قاع البحر.
هناك أنواع عديدة من المظاهر التنكرية التي لا تخفي الحيوانات, إلا أنها تؤدي الى الاعتقاد بأنها شيء آخر.
حشرات العيدان, مثلا, لا تتخفى, لكن لا يمكن التفريق بينها وبين العيدان الحقيقية من بعيد, ولذلك يدعها الكائن الحي المفترس وشأنها.
تعتبر تنكرات أخرى عمليا كأنها محاكاة أو تقليد, لشيء مخيف أو خطير.
يتنكر الحنش المرقط على شكل أفعوان سام
وبما أن حيوان الأفعوان سام فحية الجنس المرقط تتنكر على شكل الأفعوان, فهي على عينته وتشبهه في تشكيلة رأسه رغم أنها غير سامة أبدًا. فكرة التمويه هذه تجعل الحيوان الذي يطمع في افتراسه يتوهم بأنه حية خطيرة وقد يردعه هذا التمويه عن الانقضاض عليه.
سمكة الفريالة تتنكر على شكل حجر
هل تعرفون سمكة "الفريالةِ (السينانسية) السمكة السامة التي تشبه الحجر.
تستلقي سمكة الفريالة في قاع البحر, محاطة بصخور ونتوءات بارزة. وليس هناك كلمة تنطبق على وصفها الدقيق غير كلمة الحجر. ماذا تستفيد هذه السمكة من تنكرها على شكل حجر؟ أنها تتمكن من خلال هذه التمويه الخاص من التخفي والتستر في قاع البحر دون أن يراها مفترسوها أو فرائسها, واذا اقتربت منها إحدى فرائسها, فقد تنغرز فيها أشواكها السامة, وتسقط أمامها وجبة عشاء شهية. على فكرة, تعتبر سمكة الفريالة السبب في نصائح انتعال الصنادل عندما نمشي داخل البحر, اذ أن سم الفريالة خطير جدا. فلو دستم على هذه الفريالة, فان الوجع المرافق سيكون أليما للغاية, ناهيك عن تعرض حياتكم للخطر!
الأبوسوم يتنكر بالموت!
حيوان الأبوسوم وهو حيوان من ذوات الجراب (ثنائي الرحم) والابوسوم حيوان مثير للاهتمام, يلجأ الى أسلوب خاص عندما يحدق الخطر. فاذا اقترب منه عدو مفترس يستلقي على الأرض ويتظاهر بالموت. حتى لو "فحص عدوه الأمور" وراح يعضه قليلا ويشمشمه فانه يتقن دوره تماما, ليبدو جثة هامدة.
بالإضافة إلى إمكانية تغيير اللون طبقا للخلفية المحيطة به، فإن الكثير من الحيوانات لديها علامات مميزة على جسدها تساعدها على التخفي مثل البقع والخطوط والنقاط وتجعلها تبدو جزءا من الخلفية التي يعيش فيها، مثل الحيوانات التي تعيش في منطقة أعشاب طويلة يتميز جلدها بخطوط طولية تجعلها تبدو وكأنها جزء من الأعشاب وأيضا تشتت نظر المتابع لها فلا يعرف هل ما رآه عشب أم حيوان.
فهذا التشكيل في اللون فعال جدا في التمويه، فالأسد عندما يرى من بعيد قطيعا من الحمير الوحشية، لا يراها مجموعة من الحيوانات ولكنه يراها كتلة واحدة مخططة، فالخطوط الطولية تبدو متحركة وتجعل تتبعها وصيدها أمرا عسيرا على الأسد، والأمر المساعد على هذا الشعور بالنسبة للأسد هو أن الأسود مصابة طبيعيا بعمى الألوان.
كذلك بعض الأسماك لها خطوط طولية تغطي جسدها، وهذا النوع من التمويه لا يخفي وجود الحيوان ولكنه لا يظهر حقيقته للحيوانات الأخرى.
بعض الحشرات تستخدم تنكرا أكثر صرامة مثل العثة التي ترى على أجنحتها رسم عين لحيوان كبير، وفي كثير من البيئات الحيوانية، الحيوانات السامة تتميز ببريق لامع وجذاب ويعلم جيدا المفترسون أن عليهم الابتعاد عن هذه الألوان التي تحمل في طياتها السموم.
التنكر في عالم النبات:
تُعرف النباتات بالوظيفة الإرشادية لألوانها، وفي الواقع فهي تخدع الحيوانات باستخدام هذه الميزة بإدراك قوي·
زهرة حشرية غريبة جدًا في شكلها. ألوانها بنية وصفراء وتبدو وكأنها ملفعة بالفرو.
ان هذه الزهرة كأمثالها من الفصيلة السحلبية من نوع زهرة الخلية التي "تحاكي" في شكلها إناث النحل.
ينجذب ذكور النحل الى هذه الزهرة, معتقدين أنهم يستطيعون التزاوج معها كنحلة ومن خلال هذا التزاوج.
يلتصق بأجساد النحل غبار لقاح الزهرة.
وعلى هذا النحو تستفيد زهرة النحلية- الأوفريس بنشر غبار لقاحها فتربو وتتكاثر.
أما نبات اللوف فيبث رائحة النفايات (ال**الة).
على هذا النحو يقلد اللوف ويحاكي منطقة المزابل ومجمعات النفايات.
طبعا, ذباب المزابل الذي يهرع الى المزابل على أمل العثور على الغذاء.
يحط الذباب على زهرات اللوف, ويصاب طبعا بخيبة الأمل, لأنه لم يعثر على الطعام الذي يحب, الا أن نبتة اللوف تستفيد من غبار اللقاح. إذ أن غبار اللقاح لدى نبتة اللوف يلتصق بجسد الذباب ويصل الى زهرة لوف أخرى.
أما البوغنوفيلية وهي نبات متسلق شائك يكثر وجوده في الحدائق وفي الجدران النباتية وفي أماكن أخرى.
ألوان أزهار البوغنوفيلية خلال مرحلة الأزهار والتنوير كثيرة ومتعددة وتبرز للعيان عن بعد (ليلكي, زهري, برتقالي أصفر وأبيض).
لو أمعنا النظر في هذه الألوان عن قرب لتبين لنا أن هذه النبتة خادعة ومحتالة.
ان أزهار نبتة البوغنوفيلية في الواقع, صغيرة جدًا ولا تثير الانطباع كليا.
ان وهم الازهار المتعدد الألوان ينجم عن الأوراق الكبيرة والملونة, التي تحيط بالأزهار الصغيرة.
وهي بذلك تعمل الحشرات في الكمين. انها تنقل للنبات غبار اللقاح وتبقى جائعة.
إنّ بعض النباتات تستخدم أساليب من الخداع· وهذه النباتات لا تملك الرحيق الذي يجذب الحشرات· وتتخصب هذه الأنواع من النباتات بالاستفادة من تشابهها بالنسبة إلى الحشرات· وأحد أنواع الأوركيد – الأوركيد المرآة- لديه شكل ولون أنثى النحل كي يجذب النحل، وحتى أن هذا النوع من الأوركيد قادر على طرح مادة كيميائية مناسبة تدعى الفيرومون لجذب ذكور النحل· إن أوركيد نحلة قبرص هو نوع آخر من النباتات التي تقلد الحشرات لتضمن تخصيبها· وعدد أنواع الأوركيد التي تستخدم هذه الطريقة كبير وتختلف الأساليب من نوع إلى آخر؛ بعضها يقلد أنثى النحلة ورأسها للأعلى أما البعض الآخر فيكون رأسها للأسفل·
مثال: يستخدم أوركيد النحلة الصفراء الطريقة الثانية· ولهذا السبب تختلف أشكال تخصيب الأوركيد· يقلد نوع آخر من الأوركيد يدعى أوركيد التنين أنثى الدبور حيث تشبه حافة زهرة أوركيد التنين شكل أنثى الدبور عديمة الأجنحة لدرجة أن ذكر الدبور فقط ينجذب إليها·
وتنجح بعض أنواع فصيلة الأوركيد في جذب الحشرات إليها حتى وإن كانت لا تحوي أي رحيق على الاطلاق، وهي تضمن الهبوط الآمن لذكر الدبور في أخفض منطقة في الزهرة بتقليد شكل أنثى الدبور وطرح عطر جذاب· ويحاول ذكر الدبور الذي يهبط على الزهرة أن يتزاوج، ونتيجة لذلك يلتصق غبار طلع الأوركيد بجسمه، وبفضل هذا الخداع ينتقل غبار الطلع الملتصق بجسمه عندما يهبط إلى زهرة أخرى للهدف نفسه· هناك نبات آخر يقلد شكل أنثى الحيوانات وهو أوركيد هامر·
إن آلية تكاثر هذا النوع من الأوركيد الذي ينمو في الأراضي العشبية الجافة جنوب أستراليا مذهلة حقاً· فلدى أوركيد هامر ورقة واحدة فقط على شكل قلب ويشبه كلياً أنثى الدبور· وبينما تطير ذكور الدبابير لا تملك إناث الدبابير أجنحة وتقضي معظم وقتها في التراب· وعندما يحين وقت التزاوج تخرج الإناث من الأرض وتتسلق إلى أعلى ساق نبات طويل لكي تجدها الذكور· وحالما تصبح في القمة تطرح رائحة خاصة بالتزاوج وتنتظر وصول الذكور·
لذكور الدبابير ميزة خاصة أنها تصل إلى الأوركيد قبل أسبوعين من وصول الإناث، وهذا وضع مشوق لأنه لا توجد أية أنثى دبور في الجوار إنما الأوركيد فقط الذي يبدو وكأنه أنثى الدبور تنتظر التخصيب· وعندما تصل ذكور الدبابير إلى الأوركيد تشم رائحة مشابهة لتلك التي تصدر عن إناث الدبابير وتطرحها نباتات الأوركيد، وتحت تأثير هذه الرائحة يهبط ذكر الدبور على الأوركيد محاولاً التزاوج، وعندما يحاول الهروب من الزهرة يلتصق كيسان محملان بغبار الطلع خلف رأسه أو على ظهره· وبهذه الطريقة عندما يتنقل الدبور إلى زهرة أوركيد ثانية فإن غبار الطلع الملتصق به يقوم بعملية التخصيب· ·
بتصرف
تحياتي للجميع
كل الشكر لك لهذا الموضوع الغني والمفيد
الله يعطيك العافية بجد موضوع كتير حلو ومفيد بما فيه من معلومات كثيرة
أدامك الله
أختك أم أحمد
مرحبا ….
أخي الزعيم
شكراً لك على هذا الموضوع الشيق و المفيد
و في إبداع مستمر
تحياتي
لوسي…