تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الزهر اليانع في بستان حقيقة التوحيد الماتع

الزهر اليانع في بستان حقيقة التوحيد الماتع 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

(الزهر اليانع في بستان حقيقة التوحيد الماتع)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء: 1]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب: 70-71]

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فإن هذا الموضوع سيكون عبارة عن باقة مشكلة من أزهار قطفتها من محاضرات سلسلة شرح كتاب حقيقة التوحيد لفضيلة الشيخ محمد حسان، و ما ارتأيت كتابتها و نقلها إلا لأن ذلك يثبت المعلومة و يظل مرجعا نفيسا، فإن وقع التدوين على القلب و الذاكرة كمثل من يروي زهرة، ما دمت ترويها و تتعهدها ستظل يانعة يفوح عطرها بين أقرانها، كذلك تدوين العلم فإنه يثبت المعلومة في العقل و القلب حتى تنبت و تزهر و تعطي ثمارها بإذن الله.
و ما إن تتعود على إمساك قلم وورقة حتى يصير ذلك جزءا لا يتجزأ منك، تخشى أن تطير عن مسامعك كلمة رقراقة قد تحتاج إلى قراءتها و استنشاقها في يوم من الأيام، بعد أن تكون قد أبحرت بعيدا.
و إن كان التدوين عادة العلماء فكيف يكون حال العامة؟
نعم،إن العلم لا يقيد إلا بالكتابة
كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه
و كان الإمام أحمد بن حنبل يقول: مع المحبرة إلى المقبرة

و بعد هذا المقدمة هيا بنا لكي نستنشق هاته الأزهار الجميلة و نستمتع بأريجها العطر.
يتبع إن شاء الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا التوحيد؟

حسنا، كما قلت لننطلق لقطف أجمل الأزهار من هذا البستان، و لنتمتع بأريجها العطر.
و لكن قبل ذلك، قد يسأل سائل : ما أهمية الوقوف في بستان التوحيد؟ يجب علينا أن نقف في بساتين أخرى كبستان الجهاد أو بستان العمل أو بستان العبادات…
لماذا التوحيد؟ كل المسلمين يوحدون الله عز و جل، و ما داموا قد نطقوا الشهادتين فهم موحدون فلم نقف هنا، يجب أن نهتم بأمور أخرى…

و لعلك أيها السائل لا تختلف معي في أن الأمة أصبحت اليوم وراء الركب ببعيد بعد أن كانت الدليل الحاذق الأرب في الصحراء المهلكة والدروب المتشابكة، و أصبحت الأمة الآن تتسول على موائد الفكر والعلم و تتأرجح في سيرها.

تتعدد الأسئلة و الجواب واحد:لقد انهزمت الأمة لأنها ابتعدت كثيرا عن التوحيد بشموله و كماله، بصفائه ونقائه، على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، و حاشا أن يكون هذا اتهاما لأمتنا بالشرك، كلا كلا، و لكن ما أحوجنا إلى التوحيد كاملا شاملا.
نعم، إن الخطوة العملية الأولى على طريق النصر والسعادة والتمكين في الدنيا والآخرة هي تحقيق التوحيد.

إن التوحيد كل وهو منهج حياة، كل هذا من التوحيد، فالإسلام كله عقيدة:
1-لماذا هزمت الأمة؟ و لماذا ذلت الأمة؟ و لماذا و لماذا و لماذا؟

2-كما أنه لا ينبغي أن تختزل قضية التوحيد في شرك القبور أو في الحاكمية أو في جانب التعليم أو الإعلام أو التربية… بل التوحيد أولا والتوحيد آخرا،
يجب أن يكون التوحيد في كل مرحلة من مراحل البناء،
فالتوحيد لا ينتقل منه إلى غيره بل ينتقل معه إلى غيره.
التوحيد ابتداء والتوحيد انتهاء
التوحيد بشموله وكماله
التوحيد على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

3-لماذا التوحيد؟ إن أول ما دعا إليه الأنبياء والرسل جميعا هو التوحيد، لقد دعوا إلى إفراد الله تعالى بالعبودية، و أول ما حذروا منه هو الشرك بالله تعالى.

قال تعالى:
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(النحل:36)

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ [الأعراف:65]

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:73]

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85].

هل تعلم أن
4-

لماذا التوحيد؟ التوحيد هو قضية القرآن الأولى وقضية الأمة الأولى؟
نعم، إن أعظم كتاب للتوحيد هو القرآن الكريم و هو أول كتاب يجب أن نتعلم منه التوحيد، بل إن القرآن من أوله إلى آخره في قضية التوحيد، حتى الشرائع فإنها تدخل في التوحيد.

قال تعالى:
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]

فالقرآن الكريم:
+إما حديث مباشر عن الله جل وعلا، عن أسمائه الحسنى وصفاته العلا وهاته هي الغاية وهي أن يتعرف الخلق على الله لكي يعبدوه ويوحدوه ويفردوه بذلك.
و الجنة والنار و الأنبياء والرسل والكتب السماوية هي كلها من أجل هاته الغاية.
+و إما حديث عن التوحيد و من وحد الله تعالى وعن جزائه في الدنيا والآخرة.
+و إما حديث عمن أعرض عن التوحيد وأشرك بالله تعالى وعن جزائه في الدنيا والآخرة.
+و إما حديث عن مكملات الإيمان، فالأعمال (صلاة، صيام،…) من الإيمان، و لا يجوز أن نخرج الأعمال من حقيقة الإيمان، وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله بابا سماه الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فالإيمان يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية، و الإيمان قول وعمل، قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان*1

قال الإمام الحسن البصري رضي الله عنه : ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال .2*
قال الإمام ابن القيم: الإيمان أصل له شعب متعددة، وكل شعبة تسمى إيماناً، فالصلاة من الإيمان، وكذلك الزكاة، والحج، والصوم، والأعمال الباطنة كالحياء والتوكل…إلخ. كتاب الصلاة لابن القيم ص 53. *3

هل تعلم ما حق الله عليك؟
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: ( يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ ) ، فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ) ، فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: ( لا تبشرهم فيتكلوا ) . رواه البخاري ومسلم.

*****************************
إضافات لم ترد في المحاضرة:

و المرجئة أربعة أقسام:
– مرجئة الجهمية أو المرجئة المحضة: يعتقدون أن إيمان معرفة الرب بالقلب، والكفر جهل الرب بالقلب.
-الكرامية: الذين يقولون الإيمان هو النطق باللسان، فمن نطق بلسانه وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهو مؤمن عندهم، ولو كان مكذبا بقلبه
-والطائفة الثانية الماتريدية والأشعرية يقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب
-مرجئة الفقهاء وهم من أهل السنة ويوافقون أهل السنة في المعنى دون اللفظ، وإن كان له آثار تترتب عليه.-مقتطف من شرح كتاب

أصول السنة للشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي-

1-هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة على خلاف المرجئة الذين أخرجوا الأعمال فلم يدخلوها في مسمى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة (تتمة)

بعد أن ذكرنا أهمية دراسة التوحيد يجدر التنبيه أن الغاية ليست دراسة التوحيد ولكن تطبيقه في قلوبنا وألسنتنا وجوارحنا وأعمالنا

ما معنى التوحيد؟
التوحيد لغة إفراد الشيء عن غيره و هو مصدر وَحَّد توحيدا، أي جعل الشيء واحدا
وشرعا واصطلاحا هو إفراد الله جل وعلا وحده بالعبادة بدون منازع أو شريك
قال تعالى:

(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(الزمر:65)

لقد أمر الله تعالى أنبياءه ورسله بالتوحيد ونهاهم عن الشرك
انظر إلى إبراهيم الخليل عليه السلام يخشى على نفسه الشرك
وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم:35]

وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً [الحج:26]

وانظر إلى يعقوب عليه السلام وهو على فراش الموت يسأل أبناءه ويوصيهم بالتوحيد
قال تعالى:

(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(البقرة:133)

وانظر إلى يوسف عليه السلام ، لم ينسه السجن أن يدعو إلى التوحيد
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف:39]

ما هي أقسام التوحيد؟
التوحيد ثلاثة أقسام*، وقد أخذت بالاستقراء من الكتاب والسنة
توحيد ربوبية: هو إفراد الله بأفعاله من خَلْق وإحياء وإماتة وغيرها ، ويدخل فيه الإيمان بوجود الله .
توحيد ألوهية: هو إفراد الله بأفعال العباد من قول أو فعل ظاهر أو باطن . فلا يُعبد إلا الله سبحانه وتعالى .
توحيد أسماء وصفات: هو إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات ، ونفي ما نفاه الله عن نفسه من غير تعطيل أو تمثيل .

ما هي كلمة التوحيد؟
كلمة التوحيد هي لا إله إلا الله محمد رسول الله، هي كلمة الشهادة المنجية، مفتاح دار السعادة، هي أصل الدين وأساسه، لأجلها بعث الأنبياء والرسل، وبها انقسم الناس إلى شقي وسعيد، وبقية أركان الدين وفرائضه متفرعة عنها.
ومحال أن يكون هذا كله من أجل كلمة يرددها اللسان فقط، بل هي كلمة باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح لتحويل جميع مقتضياتها إلى منهج حياة وواقع متحرك.

ما هي مقتضياتها؟
-البراءة من كل معبود إلا الله
قال تعالى:

(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

-الإقرار لله جل وعلا بتوحيد الربوبية
قال تعالى: ((أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ )) [الأعراف:54]

-إفراد الله تعالى وحده بالألوهية والعبادة
قال تعالى:
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]

-الإيمان بتوحيد الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل
قال تعالى:
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)(الشورى:11)

-أن يكون المنهج والحكم لله تعالى
قال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام: من الآية57].
( وأن احكم بينهم بما أنزل الله )
{ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }

-البراءة التامة من الشرك والمشركين
-الولاء التام لله ولرسوله والمؤمنين
-أن تصاغ كل أنظمة حياة المسلمين وفق مقتضيات وشروط ولوازم كلمة التوحيد

*******************************
إضافة لم ترد في المحاضرة:

*فقد ذكر بعض العلماء أن التوحيد ينقسم إلى قسمين:توحيد المعرفة والاثبات،توحيد القصد والطلب
وأما من قسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام فقد فصَّل التقسيم السابق زيادة في تسهيل الفهم والمعرفة
ثم جاء بعض العلماء فزادوا في التقسيم فقالوا : التوحيد ينقسم إلى أربعة أقسام
قال ابن القيم -رحمه الله- :
والاصطلاحات لامشاحة فيها إذا لم تتضمن مفسدة . " مدارج السالكين " ( 3 / 306 )

لا إشكال في هذا التقسيم ما دام أنه لا يدل على شيء باطل ، ولا مشاحة في الاصطلاح
من قسم التوحيد إلى قسمين قد جمع في هذين القسمين ما فضّله الآخرون ، ومن قسمه إلى ثلاثة أقسام أو أربعة فصّل فيما أجمله الآخرون . والجميع متفقون على أن التوحيد يشمل كل ما ذكروه .
وهذه التقسيمات اصطلاحية لا مانع منها بشرط أن لا يحصل من ذلك مفسدة ، كما لو أخرج من معاني التوحيد بعض ما يدخل فيه ، أو يُدخل فيها ما ليس منه .(منقول بتصرف من موقع الإسلام سؤال وجواب)يتبع إن شاء الله تعالى..

بسم الله الرحمن الرحيم

أسباب ترسيخ التوحيد في القلب

التوحيد شجرة تنمو في قلب العبد المؤمن الموحد لله جل وعلا، فروعها وأزهارها في السماء تزداد نضرة ونموا ورسوخا ويشتد عودها إذا سقيت بهذه الأسباب.

من هذه الأسباب:
1-معرفة الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ومعرفة مقتضيات هاته الأسماء والصفات وكيفية التعبد لله تعالى بهاته الأسماء والصفات.
من المؤسف ألا يعرف الإنسان ربه ولا يعرف أسماءه وصفاته جل جلاله فأي علم هذا الذي حصله الإنسان.

قال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف / 179 )

مشكلتنا أننا نجهل قدر ربنا ولم تمتلئ قلوبنا بعظمته وقوته جل وعلا.
الأمة حباها الله بكل شيء، ولكنها تحتاج فقط إلى معرفة الله عز وجل والوقوف على جلاله وعظمته تبارك وتعالى معرفة تليق بجلاله وقدره تعالى.
وفى حديث مسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن حبراً من أحبار اليهود جاء يوماً إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إننا نجد عندنا فى التوراة الله تعالى يجعل السماوات على إصبع ويجعل الأرضين على إصبع، ويجعل الماء والثرى على إصبع ، ويجعل الشجر على إصبع ويجعل سائر الخلائق على إصبع ثم يهزهن ويقول: أنا الملك، فضحك
النبى صلى الله عليه وسلم من كلام الحبر حتى بدت نواجذه ثم قرأ النبى قول الله جل وعلا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (67) سورة الزمر

قال تعالى: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)(نوح:13)

مالكم لا توحدون الله حق توحيده وتعبدونه حق عبادته ولا تعرفونه حق معرفته؟
إن معرفة الله عز وجل هي الخطوة الأولى للنصر والتمكين في الدنيا والآخرة، هاته الأمور ليست للتنظير ولكن للتطبيق وتحويل هاته الأمور في حياتنا فالتوحيد منهج حياة.

مثال: اسم الله الرزاق
هل من قتل من قتل وسرق من سرق وارتشى من ارتشى إلا من غاب عليه اسم الله الرزاق؟
قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]
هل يرزق ربنا الكفار وينسى جل جلاله أن يرزق من وحدوا العزيز الغفار؟ لا…
في الحلية لأبى نعيم : أن إبراهيم بن أدهم جلس يوما يأكل بعض قطع اللحم المشوى فجاءت قطة فأخذت قطعة لحم وانصرفت، فجرى وراءها إبراهيم بن أدهم ليراقب الموقف وإذ به يرى القطة تضع قطعة اللحم أمام جُحر مهجور فراقب الموقف بشدة وانتباه فينظر إبراهيم فيرى ثعباناً أعمى يخرج من جحره ليأخذ قطعة اللحم ويرجع مرة أخرى، فبكى إبراهيم بن أدهم ورفع رأسه إلى الرزاق ذى القوة المتين وقال: سبحانك يا من سخرت الأعداء يرزق بعضهم بعضاً.

قال تعالى ىوَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)(الذاريات/22)

إن ما في الأرض هو من الأسباب ولكن الرزق في السماء.
المؤمن يأخذ بالأسباب ولكن قلبه يبقى معلقا بمسبب الأسباب.
قال سهل بن عبد الله الدستري رحمه الله: من طعن في الأسباب طعن في السنة، ومن طعن في التوكل طعن في الإيمان، فالأخذ بالأسباب سنة النبي والتوكل على الله حال النبي فمن كان على حال النبي فلا يتركن سنة النبي

إن لله جل وعلا أسبابا وسننا ثابتة في الكون لا تتبدل ولا تتغير ولا تجامل أحدا من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة.
المؤمن يأخذ بالأسباب لكن قلبه معلق بمسبب الأسباب جل وعلا، هذا هو صدق التوكل على الله.

كيف نحب الله ونحن لا نعرفه؟ كيف يمتلئ قلبك بعظمة الله تعالى وأنت لا تعرفه؟ كيف تثق في أن الرزق بيد الله عزوجل و أنت لا تعرف الرزاق؟ هل تعرف الأسماء والصفات؟ وهل تعرف مقتضيات هاته الأسماء والصفات؟

قال عليه الصلاة والسلام: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته.
رواه الإمام أبو نعيم في الحلية بسند صحيح من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.
قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:2-3

من المستحيلات أن تعبد الله عز وجل عبادة ترضيه وأنت لا تعرفه. من عرف الله أحبه و من عرف الله
أطاعه ومن عرف الله أقبل عليه وتبرأ من طوله وقوته وأقبل على الله تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.