من منا لم يقرأ لعبقرية الرواية البوليسية الشهيرة
اجــــــــــــــــــــــــــاثا كريســـــــــــــــــــــــــــــــتي
بالرغم من البعض يعتبر الادب البوليسي نوع من ادب الدرجة الثانية ان صح التعبير إلا ان الرائعة الكاتبة الإنجليزية الشهيرة اجاثا كريستي بجانب مواطنها ارثر كونان دويل – صاحب شخصية شيرلوك هولمز- و الفرنسي المعروف جورج سيمنون رفعوا في رأي المتواضع من قدر الرواية البوليسية. خاصة اجاثا كريستي التي تدهشني ببساطة غوصها في اعماق النفس البشرية المعقدة فتفصح عن مكنون خبايا الحنايا بقلائل الكلمات التي تصيب هدفها ببراعة رماة الحدق.فبالرغم من قراءتي لكبار الكتاب إلا انني لا زالت أقرأ اعمالها الجميلة ببساطتها العميقة . و يكفي ان اعمالها حبّبت إلي قراءة الروايات و القصص و وضعت قدميّ على بوابة عالم مدهش من الأدب الروائي منذ طفولتي . بل انني استفدت و لا زلت من اعمالها لأتعلّم كيف احيك خيوط قصصي . و ربما اكتب يوما" رواية بوليسية بأسلوبي طبعا".
الجدير بالذكر ان اعمال اجاثا كريستي حطمت الرقم القياسي في التوزيع حيث وزعت منها حوالي مليارين من النسخ و ترجمت اعمالها الى اكثر من 36 لغة عالمية. اما مسرحيتها مصيدة الفئران فقد ضربت الرقم القياسي في مدة العرض حيث ظلت تعرض على مسارح لندن لأكثر من خمسين سنة ( تخيّلوا).
معلومة اخرى ربما لا يعرفها الكثيرون فقد كتبت اجاثا كريستي 6 روايات عاطفية طويلة تحت اسم مستعار هو ماري ويستماكوت
نشأتها. تعليمها. زواجها .حياتها الزوجية و بيئة الكتابة.
** نشأتها
ولدت أجاثا كريستي Agatha Christie في (Torquay, Devon) عام 1890 من أب أمريكي وأم انجليزيه ، عاشت في بلدة (ساوباولو) معظم طفولتها، تقول عن نفسها: إنني قضيت طفولة مشردةإلى أقصى درجات السعادة، تكاد تكون خلواً من أعباء الدروس الخصوصية، فانفسح لي الوقت لكي أتجول في حديقة الازهرالواسعة وأسيح مع الاسماك ماشاء لي الهوى.!! وإلى والدتي يرجع الفضل في اتجاهي إلى التأليف ، فقد كانت سيدة ساحرة الشخصية، قوية التأثير ، وكانت تعتقد اعتقاداً راسخاً أن أطفالها قادرين على فعلِ كلِ شيء وذات يوم وقد أصبت ببرد شديد ألزمني الفراش قالت لي: ـ خير لكِ أن تقطعي الوقت بكتابة قصة قصيرة وأنت في فراشك. ـ ولكني لا أعرف. ـ لا تقولي لا أعرف، فإنك (طبعاً) تعرفين، حاولي فقط وسترين. وحاولت ووجدت متعة في المحاولة، فقضيت السنوات القليلة التالية أكتب قصصاً قابضة للصدر.!! يموت معظم أبطالها.!! كما كتبت مقطوعات من الشعر ورواية طويلة احتشد فيها، عدد هائل من الشخصيات بحيث كانوا يختلطون ويختفون لشدة الزحام، ثمَّ خطر لي أن أكتب رواية بوليسية، ففعلت واشتد بي الطرب حينما قبلت الرواية ونشرت، وكنت حين كتبتها متطوعة في مستشفى تابع للصليب الأحمر إبان الحرب العالمية الأولى. .
تلقت أجاثا تعليمها في البيت مثل فتيات كثيرات من العوائل الموسرة وحسب التقليد آنذاك، ثمَّ التحقت بمدرسة في باريس وجمعت بين تعلم الموسيقى والتدريب عليها وبين زيارة المتاحف والمعارض الكثيرة في فرنسا ولم تعجب بأساطين الرسم الزيتي في القرنين السادس عشر والسابع عشر وتلك مسألة تنم عن غرابة وخروج على المألوف في مثل هذه الحالات.!!!. لم تدخل المدرسة قط
عادت إلى إنكلترا وكانت في العشرينات من عمرها… تقدّم لها عدد من الخاطبين الأثرياء والفقراء… رفضتهم جميعاً، حتَّى كان زواجها الأول من العسكري البريطاني (أرتشي كريستي) عام 1914 ومنه أخذت لقبها الذي لازمها طوال حياتها، ولكن زواجها منه فشل بسبب افتقادها (الصحبة المشتركة) أو (الرفقة الزوجية) وتلك قيمة أساسية في حياتها ظلَّت تؤكد عليها حتَّى بعد زواجها الثاني…، إذن كانت (الرفقة) التي تتعطَّش لها ولم يوفرها زوجها الأول فضلاً عن ارتباط (أرتشي كريستي) بعلاقة عاطفية مع امرأة أخرى ثمَّ تصرفه مع (أجاثا) وكأنه ربة بيت ورفيقة فراش.!! كانت تلك أسباب انفصالها عنه بالطلاق بعد أن أنجبت منه ابنتها (روزلند).و في عام 1930 تزوجت أجاثا كريستي من (ماكس مالوان) عالم الآثار المعروف بعد أن التقت به في إحدى سفراتها إلى الشرق ، وكان عمرها يومذاك 39 سنة بينما كان عمره 26 سنة.!!.
وقد أتاح لها زواجها هذا أن تزور معظم بلاد الشرق الأدنى، فتجولت في بلاد الشام العراق ومصر وبلاد فارس…الخ، ووفَّر لها هذا التجوال فرصاً ممتازة لكتابة أجمل رواياتها وقصصها المليئة بالأسرار، المفعمة بالغموض، المعتمدة ليس على مواقع الحدث في بلاد الشرق الساحرة فقط وإنما على خيال الكاتبة الجامح، أيضاً ولغتها المتدفقة السيالة وقدرتها الفريدة على ابتكار الشخصيات الغامضة والمثيرة وتحريكها عبر الرواية باتجاهات مختلفة تُذهل القارئ.!! بل تشدَّه وتدهشه.!! ومثلما ابتكر (السير آرثر كونان دويل) شخصية (شرلوك هولمز) وزميله (الدكتور واتسون) كذلك نحتت أجاثا كريستي شخصيات المفتش (هركول بوارو) والكولونيل (بريس) و(مس جين ماربل .
إذن، هناك العديد العديد من الأعمال التي كان (التاريخ) قاعدتها وأرضيتها، وخيال الكاتبة الجموح بناؤها وعمارتها.!! ولعل من الإنصاف أن نتساءل، كم من الكاتبات أتيح لهنَّ العيش والتجوال في مدن الكلدانيين والآشوريين والحوريين والميتانيين والاراميين واثار وتلال الجزيرة السورية وماري وتدمر بالميرا وبتراء الأنباط ومصر الفراعنة.!!؟؟ قليل قليل بلا شك. …هكذا عاشت كريتسي وهكذا كتبت، حتَّى أنها عند بلوغها سن الخامسة والثمانين كانت قد أنتجت (85) كتاباً بمعدل كتاب لكل سنة.!! وهو رقم خارق يعكس القدرة على الإنتاج والكتابة، يتساءل (مالوان) "كيف نفسر هذه الظاهرة.؟ إنها ناشئة عن حالة دائمة من الخيال الجامح".
اعتبرت هذه الكاتبة مسألة (الرفقة) كما أسلفنا عنصراً جوهرياً في السعادة الزوجية، كما مشاطرة الخبرات والمشاعر والأفكار والتعبير المبهج عنها، ولعل هذه الأمور مجتمعة كانت من أسباب نجاح ديمومة زواجها من (مالوان) فقد استمرت حياتها معه (45) عاماً، أي حتَّى وفاتها عام 1976، ومن طريف ما يروى أنها كلما كانت تسأل عن سر تعلّق (مالوان) بها وحبه لها كلما تقدمت في العمر وهي تكبره أصلاً تجيب: إنه أمر طبيعي، فزوجي عالم آثار يعشق الآثار القديمة.!!.
1- منهج أجاثا كريستي في الكتابة : الخيال الخلاق.